الأزمة الاقتصادية العالمية تأخذ عمالقة آسيا في مسارها

الأزمة الاقتصادية العالمية تأخذ عمالقة آسيا في مسارها

[escenic_image id="555600"]

مع اتضاح الحجم الحقيقي للأزمة المالية في الولايات المتحدة والعالم الغربي، أصبح من الأمور العادية الآن الجدل بأن المرء ينبغي أن يتطلع إلى آسيا بوصفها مصدراً جديداً للقوة العالمية. وبالفعل، يطلق الكثيرون على هذا القرن لقب القرن الآسيوي. وحجتهم في ذلك أن أخطر أزمة مالية واقتصادية وسياسية وأيديولوجية في الغرب منذ فترة الكساد العظيم تعد بمثابة البداية لحقبة عالمية جديدة، كما تعد تحولاً عن الغرب، وبالتحديد عن هيمنة الولايات المتحدة على الدول الناشئة كالصين والهند.

وهذه الافتراضات قائمة على الإحصاءات الاقتصادية ومعدلات النمو التي تقدم بالكاد صورة كاملة عن الواقع الموجود في الصين والهند، و تخلو بشكل خاص من أي إشارة إلى المتطلبات التي يجب أن تتوفر في الأمة التي تقود العالم. والأكثر من ذلك، هو أن الآثار المترتبة على الأزمة المالية في الصين والهند ما تزال غير واضحة، و أنه من الطبيعي أن تظهر أثار الأزمة أولاً وبشكل حاد في المكان الذي نشئت منه، ألا وهو الغرب.

فالحكومة الصينية تبذل كل ما في وسعها لإخفاء الحجم الحقيقي للأزمة المالية. وتشير الأرقام الرسمية أن ما لا يقل عن 20 مليون صيني قد فقدوا وظائفهم بالفعل، وقد خفض البنك الدولي توقعات النمو الصينية إلى 6.5 ٪، والتي ما زالت تعد رغم ذلك، نسبة مرتفعة بالمقارنة مع النسبة الموضوعة لأي دولة غربية.

ولكن، وكما تجادل صحيفة الايكونومست، فإن هذه الأرقام و النسب تعد بمثابة نوع من الركود الاقتصادي بالنسبة لإقتصاد معتاد على معدلات نمو مرتفعة. وقد ساعدت هذه المعدلات الضخمة للنمو على تحويل الإنتباه عن المشاكل الإجتماعية الهائلة المتعلقة بالفقر والتي تواجهها الصين كدولة ناشئة ونامية. و قد بذل الحزب الشيوعي الصيني جهوداً هائلة لإخفاء هذه المشاكل عن العالم خلال دورة الألعاب الاولمبية التي عقدت في بكين. ويعد تزايد الإحتجاجات في قطاعات واسعة ومتعددة في جميع أنحاء الصين علامة على تزايد القلق بشأن الوضع الحالي.

وتشير جميع المؤشرات الاقتصادية في الهند تقريباً إلى أن البلاد تعانى وستظل تعانى مع استمرار الأزمة. فإنخفاض قيمة الروبية والتراجع الضخم للإستثمار الأجنبي والظروف الصعبة التي تمر بها صناعة السيارات الهندية ليست سوى أمثلة قليلة على هذه المعاناة. وكما هو الحال في الصين، فإن معدلات النمو الهائلة قد حولت الإنتباه عن المشاكل الإجتماعية العميقة المرتبطة بالفقر والتي لم تتمكن الهند من التصدي لها. فأولاً وقبل كل شيء هناك مشكلة الإنفجار السكاني، والتي ربما فاقت فيها الصين بالفعل، وهي أبعد عن أن تكون عاملاً مساعداً في بلد من المتوقع قريباً أن يصبح نحو ثلث سكانه من الذين يعيشون تحت خط الفقر. وهناك عقبات كبرى أخرى أمام تحول الهند إلى دولة رائدة، مثل مشاكلها البيئية الخطيرة، التي ستصبح أكثر حدة مع اشتداد ظاهرة الإحتباس الحراري العالمي، والنقص الشديد في الطاقة، وخطر الإرهاب - المتعدد الأنواع - الذي تواجهه.

كما لا تستطيع أي أمة أن تصبح قائدة للعالم بناء على العوامل المادية فقط. ولعل أهم جانب من جوانب التفوق الأمريكي لا يكمن في القوة الإقتصادية أو الموقع الجغرافي المتميز أو التفوق العسكري وإنما في القدرة على إقناع الدول الأخرى بأن الأمور ستسير على ما يرام ما دامت أميركا هي التي بيدها زمام الأمور.

وقد تعرضت قوة جاذبية الولايات المتحدة، والتي عادة ما يطلق عليها اسم "القوة الناعمة"، للخطر على يد جورج دبليو بوش، و إن كان لم يتمكن من تقويضها بشكل دائم. إن التركيز على الدبلوماسية وما يمكنها تحقيقه لوضع أميركا في المكانة التي يعتقد الأمريكيون أنها جديرة بها لم يحظ بالتقدير الكافي من جانب أولئك الذين يزعمون أن سياسة أوباما الخارجية لن تختلف كثيراً عن سياسة بوش. فالكلمات مهمة في السياسية، فالسياسة في حقيقة الأمر تدور حول الكلمات، و يكشف أوباما ووزيرته هيلاري كلينتون كل يوم عن أنهما أساتذة في هذا المجال.

والآن، وبعد أن انتهى عهد بوش، و بعد أن أصبح الهدف الرئيسي للإدارة الجديدة هو استعادة صورة الولايات المتحدة باعتبارها أمة رائده، ينبغي أن نطرح السؤال التالي: ما هي الدولة التي تعتبرها الدول الأخرى أكثر جاذبية من غيرها لقيادة العالم؟ هل هي الولايات المتحدة، التي سبق لها أن احتلت هذا المنصب بالفعل وحققت فيه نجاحاً كبيراً، أم الصين، الدولة ذات النظام القمعي، والتي بالرغم من بعض التحسينات التي طرأت عليها بوصفها عضواً مسئولاً في المجتمع الدولي، ما يزال لديها سجل سيء في مجال حقوق الإنسان في التبت وما زال سلوكها ملتوياً في مجلس الأمن الدولي، خاصة في تعاملها مع قضايا الإبادة الجماعية في دارفور بالسودان وبرنامج إيران لتخصيب اليورانيوم.

إن العالم الذي نعيش فيه اليوم يتمركز حول أمريكا خاصة في مجال الأفكار، فالسوق الرأسمالية والنظام المالي العالمي ومؤسساته وحتى نمط الحياة الذي يتطلع الكثيرون في العالم إلى أن يحظوا به يوماً ما، كل هذه أفكار وسمات أمريكية خالصة، كما أن الليبرالية الاقتصادية هي أبعد ما تكون عن الموت، وكل ما تحتاج إليه هو بعض التعديلات فقط. وعلاوة على ذلك، فإن ما يدفع أي أمة للتقدم نحو الأمام هو الإبتكار والأفكار الخلاقة، والتي تعد الجامعات من أهم مصادرها الرئيسية، وفي الوقت الحاضر فإن أكبر الجامعات المعروفة في العالم ما تزال موجودة في الولايات المتحدة ولا يقع منها سوى أثنين أو ثلاثة في آسيا.

وتقول الحكمة التقليدية إننا ينبغي أن نتطلع الآن إلى الشرق حيث مصدر القوة العالمية الجديدة، و يشير هذا المقال إلى أن التطلع نحو هذا الاتجاه هو على الأقل تطلع سابق لأوانه للغاية، فليس السبب الوحيد وراء تسليط الضوء على الولايات المتحدة هو كونها منشأ الأزمة المالية العالمية، وهو ما يكشف أيضاً عن مدى النفوذ الذي تتمتع الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم بل إن السبب الذي انتظرت من أجلة بقلق قمة العشرين، التي عقدت في لندن، وصول أوباما، هو أن الشيء الطبيعي المنتظر من الإدارة الأمريكية الجديدة هو أن تجد حلاً للأزمة المالية الحالية على الصعيدين المحلى والدولي.

مانويل الميدا - محرر المجلة للشؤون الدولية.

font change