كيف هزم التنين الأزمة العالمية ؟

كيف هزم التنين الأزمة العالمية ؟

[escenic_image id="5510083"]

هل لجأت الصين إلى الإنقاذ المالي للخروج من الأزمة الاقتصادية؟ يرى الكثيرون أن الصين كانت من أوائل الدول التي خرجت من الركود الاقتصادي بنجاح، وذلك بفضل تعافيها المدعوم بالاستثمار القوي. وبالرغم من أنه من السابق لأوانه تسليط الضوء على الأسباب الرئيسية وراء تعافي الصين بسرعة، في ظل اقتصاد تستحوذ الدولة على المؤسسات الكبرى في القطاعات الحساسة منه، فإن اتفاقية التحفيز الاقتصادي الضخمة التي تقدر بـ 4 تريليونات يوان صيني (586 مليار دولار أمريكي) والتي أطلقتها الصين في نوفمبر تشرين الثاني 2008 لعبت دوراً رئيسياً في إعادة القوة إلى الاقتصاد الآسيوي.

ويعتمد الاقتصاد الصيني بصفة أساسية على الاستثمار الأجنبي المباشر والتصدير (أسهمت الصادرات بما يزيد على 30% من نمو إجمالي الناتج القومي الصيني في عام 2007). ومع ذلك، في أعقاب أزمة الائتمان، بينما خفضت الدول المتقدمة من إنفاقها بشكل مفاجئ. كان المصدرون والمصنعون الصينيون من أوائل من عانوا هذه التأثيرات. وحتى أكثر الصفعات إيلاماً التي تلقتها الصين بسبب أزمة الائتمان جاءت في صورة تأثير مباشر على الاقتصاد الحقيقي.

وعندما واجهت البلاد هبوطاً مفاجئاً في حجم التجارة الأجنبية ومخاطر هبوط نمو إجمالي الناتج القومي إلى ما دون "عتبة الاستقرار الاجتماعي" والتي تقدر بـ 8%، اتخذت الحكومة موقفاً إستراتيجياً مهماً تمثل في تعزيز الاستهلاك المحلي كحل طويل الأمد لمشكلة الاعتماد على التصدير. وتمكنت من تحقيق هذا الهدف باستخدام وسائل مالية مثل الإنفاق الحكومي والإعفاءات الضريبية والاستثمار إضافة إلى خفض أسعار الفائدة. وفي الأوقات التي تعرضت فيها الحكومة لنقد من قبل من شككوا في جدوى تركيزها المنصب على تطوير البنية الأساسية، كان هدف اتفاقية التحفيز التي أطلقتها الحكومة تعزيز الطلب المحلي وخلق فرص عمل جديدة من خلال الاستثمار في مشروعات هندسية ضخمة. والمبدأ الذي اعتمدت عليه الصين يتلخص في أن الإنفاق على البنية الأساسية سوف يزيد معدل الطلب على صناعات ترتبط بها (مثل الحديد والصلب والأسمنت والبناء)، ومن ثم يتم خلق فرص عمل جديدة على الفور. والهدف النهائي من هذا الاتجاه هو تحفيز المستهلكين على الإنفاق من مدخراتهم الكبيرة.

ومع ذلك، يتشبث هؤلاء النقاد بأن نسبة الـ 1% الضئيلة، المخصصة لبرامج الرعاية الاجتماعية ليست كافية لمواجهة مشكلة البطالة الشديدة التي تعوق بشكل كبير الاستهلاك في الصين. ومع ذلك، تشير الأرقام إلى احتمالات جيدة. فمبيعات التجزئة والسيارات تشير إلى نمو قوي في عام 2009، وحتى أسعار العقارات استعادت قوتها. وخلال الربع الثاني من عام 2009، حدث نمو في إجمالي الناتج القومي في الصين بنسبة 7.9%. واستطاع الاقتصاد الصيني الخروج من الأزمة الاقتصادية قبل تعافي قطاع التصدير بالبلاد، ويعتقد أن ذلك حدث نتيجة للتحرك الفعال من جانب الحكومة.

لكن ينبغي علينا أن نتساءل عن تكلفة تدخل الحكومة. فمشروعات اتفاقية التحفيز يتم تمويلها تمويلاً جزئياً فقط من قبل الحكومات المركزية والإقليمية، مع اقتراض جزء كبير من البنوك. وإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي مخاطر الفقاعات المحتملة التي ترتبط بالنمو الاقتصادي القوي في عام 2009، إلى دق ناقوس خطر القروض البنكية المتعثرة ناهيك عن الوقت الذي تستغرقه الحكومة في اعتماد مساعدات تحفيز الاقتصاد حيث يتم ذلك في مراحل. ونتيجة لتلهف الحكومة في أن تكون في طليعة النمو، ربما لا تقوم الأقاليم الصينية بتقييم جدوى مشروعاتها بطريقة ملائمة. ونتيجة لذلك، ربما تواجه الصين مجموعة خطيرة من القروض ومشروعات البنية الأساسية غير الفعالة. ومما زاد الأمور سوءاً أن معظم التمويل الخاص بهذه الاتفاقية يُعتقد أنه يتم توجيهه إلى مؤسسات مملوكة للدولة. ومن ثم فإن اتفاقية التحفيز الصينية لا تتعامل مع تطوير المؤسسات الأهلية في الصين. ونتيجة لذلك، لا تستفيد الشركات الصغيرة من التسهيلات الائتمانية التي يتم منحها للمؤسسات المملوكة للدولة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن هذه الشركات يتم إغفالها من مشروعات البنية الأساسية الكبرى. ومن ثم فإنها تناضل من أجل تحقيق النمو من خلال زيادة ثقة المستهلكين التي يتم تعزيزها بمشروعات البنية الأساسية الضخمة.  

ويُعتقد أن مطالبة الحكومة الصينية بدعم القطاع الأهلي في مقابل المؤسسات المملوكة للدولة، يعتبر أمراً صعب التنفيذ في هذه المرحلة. فبالرغم من أن تحرير القطاع الأهلي يمكن أن يسهم في التلاشي التدريجي لعدم الكفاءة والمحسوبية اللذين يرتبطان بالقطاع الحكومي، ليس هناك استعداد لدى النظام الصيني للتخلي عن سيطرته على الاقتصاد. في الواقع، تمثل الروح العملية لدى أبناء الطبقة الوسطى ريحاً ليبرالية قوية للغاية في دولة لا تزال استبدادية. فالاستقرار السياسي في نهاية الأمر يأتي في المرتبة الأولى لدى الصين، وربما يكون هذا بمثابة توجه وإن لم يعلن عنه في عقول الزعماء الصينيين عندما وضعوا خطتهم لتحفيز الاقتصاد.

وربما يكون هذا الدرس قد تعلمته الصين من أزمة العملات الآسيوية في عام 1997، خصوصاً في إندونيسيا. فقد أفقد الاضطراب الاجتماعي الهائل الذي أعقب التحرك الحكومي غير الشعبي الرئيس سوهارتو منصبه بعد بقائه في السلطة عشرين عاماً. وبالتأكيد فإن الظروف تغيرت حينئذٍ، حيث كانت أزمة 1997 إقليمية في نطاقها ولم تضرب الصين بقوة إذا ما قورنت بغيرها من الدول الآسيوية. إلا أنه منذ ذلك الحين، كانت الصين قادرة على الصعود كقوة اقتصادية رئيسية في المنطقة وقوة سياسية هامة في العالم. وبأي حال من الأحوال، بعد ما حدث في عام 1997، وضعت الصين في الحسبان التأثير الاجتماعي لاتفاقيتها الخاصة بالتحفيز عندما قامت بوضع إستراتيجيات لمواجهة الأزمة الحالية.

وعلاوة على ذلك، ربما يذكرنا اتجاه الصين الحالي الذي يقوم على أساس الاعتماد على الذات في كل شيء بالاستياء الآسيوي الذي أعقب تدخل صندوق النقد الدولي عقب أزمة 1997. وقد تركت هذه التدخلات آثاراً على آسيا وأحدثت حراكاً لدى الكثير من الدول الآسيوية نحو تحقيق استقلالية اقتصادية عن القوى الغربية الكبرى. وزاد هذا من وعي الحكومة الصينية بمدى ضرورة النظام المالي السليم للنمو كي يظل قوياً. وربما كان أهم درس استفادته الدول من أزمة عام 1997، أن تنفتح بسرعة البرق على رأس المال الأجنبي، على أن يكون ذلك مسبوقاً دون شك بوضع المعايير التنظيمية المناسبة.

الآن وقد انقضت عشر سنوات منذ الأزمة الآسيوية، تقوم الصين بتطبيق العديد من الاستجابات كما فعلت حينذاك. وهذه الاستجابات تشمل الإنفاق الحكومي والإعفاءات الضريبية والسيطرة على العملة. وإذا كنا نبحث عن تشابه واضح بين أزمة 2008/2009 وأزمة 1997/1998، فإن هذا التشابه يتمثل في أن الصين خرجت أقل تضرراً مقارنة بالدول الأخرى، في أعقاب الاضطراب. فقد خرجت الصين من هذه الأزمة كاقتصاد سريع الحركة لديه القدرة على التعامل مع مشكلاته ربما بصورة أسرع من أي دولة أخرى. ولكن ثمة سؤالاً يبقى عالقاً في الأذهان: هل خطة التحفيز الصينية المدعومة بالاستثمار يمكن أن تتجاوز العقبات الأخرى المحتملة التي يمكن أن يفرزها هيكل الاقتصاد في المستقبل؟

font change