عبد الله بن بجاد العتيبي: حركات الإسلام السياسي تسعى للحكم؟! والديمقراطية عندهم مجرد «مطيةٍ»

عبد الله بن بجاد العتيبي: حركات الإسلام السياسي تسعى للحكم؟! والديمقراطية عندهم مجرد «مطيةٍ»

[escenic_image id="55169854"]

منذ ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن، وتحديدا عام 1928، كان مدرس اللغة العربية والخط، المصري حسن البنا، يعلن في إحدى مدن القناة (الإسماعيلية) عن تأسيس جماعة دينية «لا تعمل بالسياسة»، سماها وقتها الإخوان المسلمين. بعدها بفترة ليست طويلة بدأ حسن البنا يخرج من هذه المدينة الصغيرة إلى أطراف مصر بقراها ونجوعها ومدنها، ومن ثم بدأ يفكر – بعد أن ضمن استقرار أفكاره – في الخروج بها للمنطقة العربية والإسلامية.. فكّر الرجل أولا في السعودية، لكنه – بعد رحلة حج – قرر أن السعودية لا تصلح «في الوقت الراهن»، ومن ثم وقع اختياره على اليمن.

كان حسن البنا على علم قطعا بمدى الأثر الذي ستتركه مثل هذه التحركات على الواقع السياسي والطائفي في منطقة كانت وقتها – وما زالت في أجزاء كبيرة منها حتى الآن – تموج بالتحركات ولا تستقر على حال. ما لم يكن يعلمه البنا تفصيلا أن مجموعة من الباحثين سيتعاملون مع موضوعه كما يتعامل علماء الجيولوجيا مع طبقات الأرض البعيدة، وهو ما حاوله مركز «المسبار» بباحثيه الذين حاولوا كشف النقاب عن شبكة العلاقات الجدلية بين حركة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية الأخرى في المنطقة العربية ومنطقة الخليج خاصة.

في حواره مع «المجلة»، يقدم عبد الله بن بجاد العتيبي، مدير عام مركز «المسبار» خلاصة ما توصل إليه مع زملائه من الباحثين.

 

«المجلة»: الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج.. ما الذي دفع مركز «المسبار» لاختيار هذا الموضوع.. وهل للتوقيت الحالي دلالة خاصة؟

- أبدا، لا علاقة لهذا العنوان بالتوقيت الحالي، فهذان الكتابان تمّ رسمهما والاهتمام بهما منذ ما يقارب السنة ونصف السنة قبل صدورهما، وقد كانا عددا واحدا، كما اتفقت مع الزميل فهد الشقيران عند  التخطيط لهذا العدد، الذي تولّى الأخ فهد بناءه وتنسيقه، والتواصل مع الباحثين فيه، ومن ثمّ جاء الزميل منصور النقيدان الذي تولّى رئاسة تحرير «المسبار» ليطوّر العدد إلى عددين ويبذل جهداً مشكوراً في تحويل الكتاب من عددٍ واحد إلى عددين مميّزين.

 

«المجلة»: ما الأسس التي تم على أساسها تحديد محاور الدراسات واختيار الباحثين الذين قاموا بها؟

- مركز «المسبار» منذ تأسيسه وهو يضع أسساً يسعى لأن تكون مميّزةً  لأعداده الشهرية التي يصدرها للمشتركين، فهو مركزٌ متخصصٌ في الحركات الإسلامية وكل ما يتعلق بها، وفي كل كتابٍ - كهذين الكتابين -  يتمّ تحديد العناوين والمحاور بناء على عدة عوامل، من أهمها أن يكون الموضوع جديداً لم يطرق من قبل، أو مطروقاً ولكن ليس بنفس الطريقة التي يغطي بها المركز مواضيعه، وفي هذا العدد الذي تطوّر لعددين، أردنا تغطية منطقةٍ غير مغطّاةٍ بالكامل من قبل الباحثين عربا وأجانب - فيما يتعلق بالحركات الإسلامية - مع استحضار أنها منطقة حيويّة وشديدة التأثير في العالم.

هذان العددان – كغيرهما - يتمّ تحديد كل عنوان والباحثين فيه من خلال جهد مشترك تقوم به هيئة التحرير في اجتماعها السنوي، حيث يتمّ تحديد عناوين الأعداد لسنة أو سنتين مقبلتين، ومن ثم يتمّ السعي لتحديد عناوين البحوث التي تغطّي موضوع كل عدد على حدة، ومن ثمّ انتقاء الباحثين الأفضل لكل بحثٍ، وما تبقّى يقوم به منسّق العدد الذي يختاره المركز، وذلك بالتواصل مع المركز في كافة التفاصيل.

 

«المجلة»: كيف تعاملتم مع الصعوبات التي واجهتكم في الدراسات حول «الإخوان» في الخليج، لا سيما مع ندرة المصادر والسرية التي يتسم بها تنظيم الإخوان المسلمين؟

- إسلاميو الخليج موضوع لم يطرح بهذا التوسع من قبل، نعم ثمة دراساتٌ في بعض دوله منشورةٌ ومعروفة، كالكويت والبحرين، ولكننا في هذا العدد تطرقنا للمسكوت عنه، وحاولنا ملامسة موضوعٍ غائم، تكتنفه كثير من التساؤلات،  ويسيطر عليه الغموض، فخضنا غماره، وحاولنا الانتهاء لقراره، فتناولنا السعودية والإمارات وقطر وعمان، بشكل نحسب أننا لم نسبق إليه، وندرة المصادر لا تمنع الباحثين الجادين، الذين اعتمدناهم واخترناهم، من تقصّيها. أما سرية تنظيم الإخوان المسلمين فهذا موضوع آخر.

 

«المجلة»: هل هناك إحصائية تحدد عدد الإخوان في الخليج أو نسبتهم بين الإسلاميين؟

- للأسف الإجابة بالنفي، فليس لدينا في المنطقة عموماً من التطوّر ما يمنحنا إحصائياتٍ دقيقةٍ عن الظواهر التي نعيش فيها، وموضوع الإحصاء وأهميته جدير بالتطوير والعناية، ولكنّه غير متوّفرٍ الآن، خاصة في موضوعٍ حساسٍ كهذا، يكتنفه الغموض من قبل الجماعة والسلطات على حدٍ سواء. غير أنّ هذا لا يمنع الباحث الجادّ من تكوين إحصائيته بنفسه حسبما توصّل إليه من خلال البحث، سواءً من خلال المصادر أو من خلال اللقاءات والحوارات التي يجريها لبحثه.

 

«المجلة»: تاريخ «الإخوان» في مصر مليء بالتناقضات والتقلبات.. فهل حملوا معهم ذلك إلى الخليج؟

- نعم، فعلوا، ونقلوا هذه المهارة للتنقل بين المتناقضات لـ«إخوان» الخليج، ويتضح هذا من خلال متابعة كثير من رموز الإخوان في الخليج وكتاباتهم وتصريحاتهم، وكتبهم ومواقعهم على الإنترنت.

 

«المجلة»: هدف «الإخوان» في مصر هو الوصول إلى الحكم، هل كان ذلك  الهدف في وجدان «الإخوان» في الخليج؟

- فقط أخبريني: من من حركات الإسلام السياسي لا تسعى للوصول إلى الحكم؟! غالبيتهم تجار شنطةٍ، يبيعون الدين ليشتروا السياسة.

 

«المجلة»: ما موقف إسلاميي الخليج من الديمقراطية؟ وكيف تعاملوا مع التعددية المذهبية في الخليج؟

- لا يزال موقف إسلاميي الخليج كغيرهم من الإسلاميين – وإن كنت لا أحبذ هذا التعبير- منقسمٌ لأكثر من توجّه، هناك المؤيد وهناك المعارض وهناك ما بين ذلك، فالبعض يرى الديمقراطية مجرد «مطيةٍ» للوصول إلى الحكم ولهذا فهو يخوضها، والبعض يرى فيها «كفراً» و«خروجاً من الملّة»، وقد اتخذوا بين هذين الحدّين طرائق قدداً.

أحسب أن المقصود بالسؤال هو التعددية الطائفية (سنة وشيعة)، وليس المذاهب الفقهية، ومن هنا فإن إسلاميي الخليج منقسمون بين من يغلّب الآيديولوجيا فيقف موقفاً عدائياً من الآخر الطائفي وهم السلفيون، ومن يغلّب السياسة فيتخذ مواقف أقلّ عدائيةً وربما متحالفةٌ ومتضامنةٌ مع الآخر الطائفي وهم الإخوان المسلمون ومن شابههم، ولاءً لهذه الدولة أو تلك أو اتباعاً لسياسة هذه الجماعة الإسلامية أو تلك.

 

«المجلة»: هل عالج  الإخوان المسلمون في الخليج التضارب بين «الوطنية» و«الولاء للمرشد» عند الجماعة؟

- ثمة خلافٌ قديمٌ بين «إخوان» الخليج حول البيعة للمرشد العام في مصر، حدث هذا في السعودية كما أوضح النفيسي، وحدث في الكويت كذلك. وكما أشار النفيسي وغيره من الباحثين، فقد ثار جدلٌ حول هذه البيعة بين «إخوان» الكويت إبان الغزو العراقي للكويت. وهو موضوعٌ لم يحسمه منظرو الجماعة في الخليج، خاصةً مرشدهم الأكبر محمد أحمد الراشد الذي تطرّق لهذا الموضوع في أكثر من كتابٍ من كتبه المعروفة.

 

«المجلة»: اتجهت الحركات الإسلامية في الخليج إلى صياغة خطابها اعتمادا على ما صاغه سيد قطب وغيره.. ما مساحة الاجتهاد الفكري عند «إخوان» الخليج؟

- هذه شائعةٌ غير علميةٍ، فلم يعتمد إسلاميو الخليج على سيد قطب وحده مع الاعتراف ببالغ تأثيره، غير أنّ لديهم مصادر أخرى أبلغ أثراً وأشد تأثيراً، وذلك ما يتمثل بالمصادر السلفية الحديثة نسبياً، تلك التي تعتمد كثيرا من المفاهيم والرؤى والأراء التي  تحمل التطرف داخلها، وبالتالي تؤثر في رؤية كثير منّا، ومن ثمّ تتحكم بخيارات الأجيال، فتدفعها إما للتطرف اتساقاً معها وإما للإذعان للواقع المعيش، وهذان خياران خاطئان، وفي المفاهيم مخرجٌ، وفي التأويل ملاذٌ.

 

«المجلة»: الكتابان رصدا اختلاف تجارب التيارات الإسلامية في الخليج وتعددها.. ما هي ملامح ذلك الاختلاف وما نقاط التشابه؟

- الاختلاف كثيرٌ والتشابه مثله، أمّا التشابه فهو محاولة الاستحواذ على المجتمع بشتى السبل، وأمّا الاختلاف ففي التفاصيل؛ حيث الوسائل والآليات.

 

«المجلة»: أين كانت التجربة الأصعب لـ«الإخوان» في الخليج؟

- أحسب أنّها في سلطنة عمان، ولكنّ عمان ستبقى صندوقاً أسود حتى حين.

 

«المجلة»: هجرة الإخوان المسلمين إلي السعودية.. هل هي هروب من ظلم أم إعادة لبناء تنظيمهم الأم أم تعزيز نفوذهم العالمي؟

- لقد كانت هجرة الإخوان المسلمين لكلّ هذه الأسباب معا، فقد هربوا من ظلمٍ وتعذيبٍ وتنكيلٍ حاق بهم في مصر إلى السعودية وغيرها، ومارسوا في أغلب الدول التي انتقلوا إليها إعادة بناء تنظيمهم الأم، وبناء تنظيماتٍ محليةٍ جديدةٍ، وتعزيز نفوذهم العالمي، ولكل واحدٍ من هذه الثلاثة شواهد كثيرة.

 

«المجلة»: الهجرة إلى بلد اسلامي يكون أقرب للإسلام من مصر سيطرت على تفكير حسن البنا مؤسس الجماعة.. لماذا فضل السعودية على اليمن؟

- نعم، لقد سيطرت فكرة نقل الجماعة إلى بلدٍ آخر على البنّا، ولكن حسن البنّا تراجع عنها بعد زيارته للسعودية، وتبنّى بقاءها في مصر، مع إصراره على نقل مكاتب لجماعته في كل بلدٍ يستطيع فعل ذلك فيه، وأوضحُ تلك التجارب تجربة نقل الجماعة لليمن، حيث شارك في هذا الفضيل الورتلاني الجزائري الأصل، والكبير الأثر في جماعة الإخوان، خاصةً في اليمن مع مساندةٍ لعبد الحكيم عابدين.

 

«المجلة»: من جانبها، لماذا استقطبت السعودية «الإخوان» وإلي أي مدى احتضنتهم؟

- لقد احتضنت السعودية الإخوان المسلمين لعدة أسبابٍ أوضحتها الدراسة، منها جمود الخطاب المحلي عن مواكبة حاجات الحكومة العصرية، ومنها اضطهاد عبد الناصر لـ«الإخوان»، ومنها حشد السعودية لموقفٍ يواجه عبد الناصر إسلامياً بعدما طغى قومياً وعربياً، وغيرها من الأسباب الموضحة في الدراسة.

 

«المجلة»: واجه «الإخوان» معارضة عندما جاءوا إلى السعودية بخطاب مختلف عن الفكر السلفي السائد، فكيف حلوا المشكلة؟

- في البداية فشل «الإخوان» في هذه المهمة، وقام بحملها غيرهم، وكان الأكبر تأثيراً في هذا السياق هو محمد سرور زين العابدين وغيره ممن أدركوا اللحظة التاريخية كعبد الرحمن عبد الخالق في الكويت ومحمد قطب المتنفع والمؤثر باسم أخيه، وأخيراً وليس آخراً محمد الراشد، منظّر «إخوان» الخليج دون منازع.

 

«المجلة»: طرحت في دراستك تساؤلا عما إذا كان الإخوان يدركون أنهم استخدموا كمضادات سياسية للحركات القومية واليسارية ، فهل توصلت لإجابة؟

- لم أتوصل بعد للإجابة المرضية لي كباحثٍ، ولكنني – بحسب قراءتي لهم - أتوقع أنهم كانوا يدركون هذا ويستغلونه لمصلحتهم.

 

«المجلة»: فاجأ «الإخوان» الأنظمة السنية التي عاشوا في ظلها بتأييدهم للثورة الإيرانية عام 1979 واليوم نرى نفس التقارب التاريخي بين حركة حماس الفلسطينية مع إيران؟

- علاقة «إخوان» الخليج بالثورة الإيرانية معروفةٌ ومنشورةٌ، وعلاقة جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر بالثورة الإيرانية أشهر من أن تذكر، قديماً وحديثاً، وليست علاقة حماس بإيران إلا فصلاً في هذا الكتاب المستمرّ والمتواصل.

 

«المجلة»: هل يمكنك توصيف المرحلة الحالية واستشراف مستقبل الجماعة؟

- نعم إلى حدٍ ما، فالمرحلة الحالية تشهد شدّاً وجذباً علنياً بين الجماعة ودول الخليج والعالم أجمع، فالجماعة تقدّم خطاباً ينتمي لمفاهيم العصر وأدواته، وذلك لتحصيل مكاسب لا تستطيع تحصيلها من دون ذلك، أما مستقبل الجماعة فهو بين خيارين، إما أن تنتمي للمستقبل وإما أن تنحاز للماضي، بمعنى إما أن تتنازل عن خياراتها الآيديولوجية التي تملي عليها التحالف مع إيران، وإما أن تنحاز للخيارات السياسية التي تملي عليها أن تنتمي لدولها وشعوبها التي تنطلق منها، وفي الأخير على الإخوان أن يختاروا إما الولاء لبلادهم ومنطقتهم وإما الرهان على حصان إيران الأسود.

 

«المجلة»: في مصر يعتبرون أن سبب الحركة الإسلامية الحالية هو عودة المصريين العاملين في الخليج أواخر القرن الماضي متأثرين بالفكر السلفي.. وفي المملكة يتحدثون عن تأثير الإخوان المسلمين.. اتهامات متبادلة فأين الحقيقة؟

- الأمران معاً، لقد أثّر «الإخوان» في السعودية، وأثر الخطاب السلفي فيهم، ولكن ليس صحيحاً أن التطرف في مصر هو بسبب الخطاب السلفي الآتي من السعودية، وليس صحيحاً أن التطرف في السعودية آتٍ من الإخوان المسلمين فحسب.

 

«المجلة»: لماذا احتل الشيعة مكانة متواضعة في الكتابين؟

- لأن لدينا لكل كتابٍ مجاله وتخصصه، وقد تناولنا الطائفية في كتابٍ سابقٍ، كما تناولنا شيعة العراق في كتاب آخر، وعرضنا لحزب الله في كتابٍ مستقلٍ، وتناولنا سنة إيران في عددٍ حاليٍ، وسنتناول شيعة إيران في عددٍ لاحقٍ، ولكننا لا نريد الخلط حتى لا يتشتّت القارئ.

 

* عبير سعدي - كاتبة وصحفية مصرية.

font change