لطالما هيمنت قيم المثالية والتضحية والعطاء غير المحدود، على صورة الأمومة، فيصعب الاقتراب من تلك الصورة أو المساس بها أو تحديها، إلا أن تناول الأدب لهذه الفكرة لم يعد بالقدر ذاته من الثبات والرسوخ، بل على العكس من ذلك تبدو الكاتبات بشكل خاص على قدر كبير من الوعي برفض تلك الفكرة وهالة التقديس المحيطة بها، ليس انطلاقا من الرغبة في تغيير النمط أو تجاوزه، وإنما هي رؤيتهن الواقعية لما يمتلئ به المجتمع من صور ونماذج مختلفة ومتباينة عن الأمومة.
انطلاقا من ذلك، نسعى هنا إلى تأمل وقراءة عدد من الروايات العربية الصادرة حديثا لكاتبات عربيات من أجيال وبيئات مختلفة، لنرى كيف تجلت صورة الأم وفكرة الأمومة عند كل واحدة منهن، وهل عبر عنها وفقا للتصورات المثالية الشائعة، أم تجاوزت تلك الأفكار لتعبر عن مشاهدات ووقائع مغايرة.
"فوق رأسي سحابة"... الأمومة القاهرة
في رواية المصرية دعاء إبراهيم الأولى "فوق رأسي سحابة" (دار "العين"، مصر) لاتبدو الأم ملاك رحمة، رغم أن بطلتها تحاول أن تكون كذلك، لكن الأم على العكس تماما بدت أنانية منشغلة بنفسها وبحياتها ولا تولي ابنتها الاهتمام المطلوب، بل إن كل ما يهمها هو أن تعيش وتتزوج من يناسبها، حتى لو أدى ذلك إلى قهر ابنتها وحرمانها من أبسط حقوقها في أن تعيش معها، ولا تكتفي بذلك ولكنها "تبخ سمومها في ابنتها" على حد تعبيرها، تشكو لها الأب الغائب طوال الوقت، بل وتواصل شكواها من كل أزواجها الذين تجرب معهم حيوات مختلفة، حتى يلتقطها الخال /المجرم الذي لا يتورع عن التحرش بها بل واغتصابها فيما بعد، مما يحول الفتاة الضحية إلى امرأة تعمل في التمريض وتسعى لقتل كل من تتحكم في أمره.