الرئيس دونالد ترمب ليس محللا سياسا ولا خبيرا استراتيجيا، فهو يتخذ قراراته بسرعة، وقد يعدلها أحيانا بالسرعة نفسها، ونادرا ما يسير على نهج مستقيم. ومع ذلك، فقد أتاح خطابه في الرابع عشر من مايو/أيار في الرياض لمحة عميقة عن رؤيته للشرق الأوسط، وما يحبّذ من تكتيكات وما يرفض منها. وقد استند في خطابه هذا في مايو 2025 إلى أفكار كان قد طرحها قبل ثمانية أعوام في الرياض، وتحديدا في مايو 2017، حين دعا إلى سياسة أميركية في المنطقة تقوم على "الواقعية المبدئية".
سعى كل من الرؤساء باراك أوباما، وجو بايدن، ودونالد ترمب، إلى تقليص التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، في استجابة لموجة الاستياء الشعبي الواسعة التي عمّت أميركا من حروب إسقاط الأنظمة التي قادها جورج دبليو بوش في العراق وأفغانستان. ولئن تحدث أوباما وبايدن عن أهمية تعزيز حقوق الإنسان، فإن أوباما في ولايته الثانية، ثم بايدن لاحقا، لم يواصلا الضغط من أجل الإصلاح الديمقراطي في المنطقة.
أما ترمب فقد صرّح علنا في خطابيه عامي 2017 و2025 بما لم يصرّح به أوباما وبايدن، مشددا على تجاوزه للأيديولوجيا الليبرالية، وهو ما يتجلّى بوضوح في تعامله مع سوريا وإيران اليوم.
واقعية بلا مبادئ ليبرالية
عام 2017، قال ترمب في خطابه في الرياض إن استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تقوم على تحقيق الأمن من خلال تعزيز الاستقرار. ووعد بأن تتجنب واشنطن "التدخلات المفاجئة" التي تُحدث "اضطرابات جذرية" في إشارة واضحة إلى حروب تغيير الأنظمة، التي كان حزبه الجمهوري قد دعمها بقوة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول. وفي كلمته الشهر الماضي في الرياض، انتقد ترمب الرؤساء الأميركيين الذين أرادوا للسياسة والجيش الأميركيين أن يعملا على "تحقيق العدالة لمعاقبة القادة الأجانب على خطاياهم".
وتجاوز ترمب ذلك في تصريحاته عام 2025، داعيا ليس فقط إلى ضبط النفس عسكريا، بل أيضا إلى تجنّب التدخل السياسي. لقد سبق أن قال باراك أوباما في خطابه عام 2009 في جامعة القاهرة، إن الولايات المتحدة لا يمكنها ولا ينبغي لها أن تفرض نظام حكم على أمة أخرى، ولا يحق لها أن تعتقد بأنها تعرف ما هو الأصلح لشعوب العالم. ولكنه، في أقل من عامين، طالب ثلاثة رؤساء بالتنحي: أولا حسني مبارك، ثم معمر القذافي، وبشار الأسد. وأيضا في 2009، أكّد أوباما أن واشنطن لا يجب أن تفرض نتائج الانتخابات في المنطقة، لكن نائبه جو بايدن تدخل في العراق في 2010 لدعم نوري المالكي، لولاية ثانية كرئيس للوزراء في العراق خلال مفاوضات صعبة بين الكتل المتنافسة بعد انتخابات متقاربة.
وانتقد الرئيس في الرياض الشهر الماضي "الخبراء ودعاة التدخل" الأميركيين الذين سعوا إلى بناء دول ديمقراطية دون أن يفهموا مجتمعات المنطقة، أو كيفية بناء أنظمة سياسية واقتصادية فعالة. وكان قد أكد في 2017 أن إدارته ستتجنب الأيديولوجيات الليبرالية الجامدة، وستسعى لتحقيق نتائج عملية مستندة إلى الخبرة، وليس إلى التفكير العقائدي. وفي 2025، ألغى ترمب ووزير خارجيته ماركو روبيو الكثير من البيروقراطيات الضخمة داخل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية، إضافة إلى شركات الاستشارات العاملة في مجال بناء المؤسسات والديمقراطية، ما تسبب في فقدان آلاف الموظفين وظائفهم.