عملية "الأسد الصاعد"... أكثر من مجرد إجراء إسرائيلي تكتيكي

ضربة استباقية ذات كلفة استراتيجية عالية

سارة جيروني كانفالي/المجلة
سارة جيروني كانفالي/المجلة

عملية "الأسد الصاعد"... أكثر من مجرد إجراء إسرائيلي تكتيكي

شنت إسرائيل ضربات جوية مكثفة على المنشآت النووية الإيرانية وبطاريات الصواريخ الباليستية والقيادات العسكرية البارزة، مما يمثل تصعيدا كبيرا يتجاوز المواجهات العسكرية المباشرة التي شهدتها الدولتان العام الماضي.

وفي حين أن هجمات العام الماضي المتبادلة شكلت تحولا ملحوظا من الضربات عبر وكلاء أو من خلال عمليات استخباراتية نوعية إلى الضربات المباشرة، وحرص الطرفان سابقا على إبقاء المواجهة محدودة النطاق، فإن الموجة الجديدة من الهجمات الإسرائيلية واسعة النطاق لها بعد استراتيجي كبير، وتعكس تصعيدا إسرائيليا متعمدا وتصميما على توجيه ضربة قاصمة للمنظومة العسكرية الإيرانية.

هذه الضربات الإسرائيلية، التي قد تستمر لعدة أيام وفقًا للإسرائيليين، ليست مجرد عمليات تكتيكية أو انتقامية، بل تعتبر بمثابة ضربة استباقية تهدف إلى تكبيد إيران كلفة استراتيجية عالية، ووضع قدرتها العسكرية على المحك.

وشملت الأهداف الإيرانية في ما أطلق عليه الإسرائيليون عملية "الأسد الصاعد" قيادات في الجيش الإيراني و"الحرس الثوري"، بالإضافة إلى قائد قوات "فيلق القدس"، وفقًا لتقارير الصحافة الإسرائيلية.

وقد نقلت وسائل الإعلام الإيرانية بالفعل خبر مقتل حسين سلامي، قائد "الحرس الثوري الإيراني"، الذي يعد أحد أبرز المسؤولين العسكريين الإيرانيين، في واحدة من الموجات الجوية العسكرية الإسرائيلية الست.

وتحدثت تقارير صحافية إسرائيلية-إيرانية متطابقة بأن الهجمات استهدفت أيضا مسؤولين يديرون البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى علي شمخاني، مستشار الأمن القومي للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

وفي حين أن هجمات العام الماضي المتبادلة شكلت تحولا ملحوظا من الضربات عبر وكلاء أو من خلال عمليات استخباراتية نوعية إلى الضربات المباشرة، وحرص الطرفان سابقا على إبقاء المواجهة محدودة النطاق، فإن الموجة الجديدة من الهجمات الإسرائيلية واسعة النطاق لها بعد استراتيجي كبير

كما يُعد استهداف قائد قوات القدس اللواء إسماعيل قاني على وجه التحديد، وفقا لتقارير إسرائيلية، خطوة تهدف إلى تقويض هذه الوحدة العسكرية الإيرانية التي تلعب دورا رئيسيا في تعزيز النفوذ الإيراني الخارجي وفي المنطقة، وإدارة شبكة وكلائها، والتي تلقت ضربات عسكرية أمريكية-إسرائيلية موجعة منذ هجمات "حماس" في أكتوبر 2023.

وتعكس هذه العملية العسكرية الأخيرة توجه إسرائيل إلى إضعاف الفعالية العملياتية لإيران والحد من قدرتها على تنفيذ ردود عسكرية منسقة.

ومن الواضح الآن أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية، بقيادة بنيامين نتنياهو، قررت اتخاذ هذا الإجراء على الرغم من المحادثات غير المباشرة بين إدارة ترامب وإيران بشأن صفقة محتملة حول البرنامج النووي الإيراني، ورغم التقارير الواردة في الصحافة الأمريكية، بما في ذلك صحيفة "وول ستريت جورنال"، والتي أفادت بأن الرئيس دونالد ترامب اتصل شخصيا بنتنياهو قبل أيام من العملية الإسرائيلية وطلب منه عدم مهاجمة إيران.

وبالاستهداف المباشر لقيادات البرنامج النووي الإيراني وشن تلك العملية الأخيرة، يبدو أن إسرائيل تسعى إلى رفع مستوى مهمتها العسكرية الاستراتيجية في المنطقة بعد هجمات "حماس"، إلى مستوى جديد وأعلى من مجرد حرب تقليدية تمكنت من خلالها إضعاف أكبر وكيل عسكري لإيران، حزب الله في لبنان، بشكل كبير.

فإسرائيل هذه المرة يبدو أنها مصممة على إرباك القيادات العسكرية الإيرانية وتعطيل الأنشطة النووية في مركز صنع القرار بطهران، لمنع تسريع عملية تخصيب اليورانيوم، الذي تجاوز الاحتياجات المدنية، وسط تصاعد المخاوف في إسرائيل والغرب من إمكانية اتجاهه نحو اتخاذ أبعاد عسكرية، ذلك رغم الفتوى الدينية الإيرانية التي تحظر استخدام الأسلحة النووية والتأكيدات المتكررة بأن برنامجها النووي يقتصر على الأغراض المدنية فقط.

اليوم، ومع تراجع قوة شبكة إيران من الوكلاء المتحالفين معها في المنطقة، من المرجح أن يبقى الصراع الأساسي مركزًا بين إسرائيل وإيران بشكل مباشر، مما يغير الديناميكيات التقليدية للحروب عبر الوكلاء ويقلل، لكنه لا يلغي تماما، خطر التصعيد الإقليمي الأوسع.

هذه مرحلة حرجة للغاية في المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية، حيث تنطوي تصرفات كل طرف على مخاطر سوء التقدير وخطأ الحسابات الاستراتيجية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصعيد النزاع إلى ما يتجاوز الحدود المعلنة.

الأكيد هو أن المواجهة اليوم تجاوزت بالفعل مرحلة الحرب الإعلامية والتكتيكات الدعائية المتبادلة خلال الأشهر الماضية من خلال تداول الروايات البطولية، من هنا وهناك، إذ بدا الطرفان وكأنهما يريدان تجنب الكلفة العالية للحرب الشاملة.

لكن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ضد سيادة دولة كإيران تمثل بدون شك تصعيدا خطيرا يتجاوز مجرد الخطاب السياسي والإعلامي، في حين أن الهجوم الانتقامي المتوقع من إيران قد يؤدي إلى عواقب إقليمية خطيرة.

font change