الهجوم على مطار بن غوريون... الأبعاد وردود الفعل المحتملة

المتضرر الوحيد هم المدنيون اليمنيون

أ.ب
أ.ب
سقوط صاروخ أطلق من اليمن في محيط مطار بن غوريون الدولي قرب تل أبيب، إسرائيل، في 4 مايو2025

الهجوم على مطار بن غوريون... الأبعاد وردود الفعل المحتملة

أثار الهجوم الصاروخي الذي شنته جماعة الحوثيين في اليمن على محيط مطار بن غوريون البالغ الأهمية في إسرائيل، فزعا واضحا لدى السلطات، والسكان هناك، وفي العالم أيضا، نجمت عنه حالة من الارتباك والفوضى، وإجراء تعديلات على جداول حركة وصول، ومغادرة الطائرات من هذا المرفأ الجوي، الأكثر حيوية وحساسية في إسرائيل والشرق الأوسط.

وفق تقارير أولية، لم يُسفر الهجوم عن ضرر كبير يذكر، إذ أحدث فقط حفرة كبيرة نسبيا دون خسائر مادية أو بشرية، لكن الإعلام الإسرائيلي تحدث لاحقا عن إصابة ثلاثة أشخاص، إثر سقوط الصاروخ الحوثي في منطقة المطار، وتم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.

لكن الهجوم أطلق جملة من التساؤلات، أولها بشأن كيفية عدم القدرة على اعتراضه قبل دخوله الأجواء الإسرائيلية. والثانية، حول ما إذا كان "الصاروخ الحوثي" أظهر تطورا جديدا يمكِّنه من مراوغة وتضليل أكثر أنظمة الدفاع الإسرائيلية تقدما، كالقبة الحديدية، وغيرها من الرادارات المتطورة، سيما في حالة حرب مفتوحة مع أكثر من جهة، كما تعتبر إسرائيل نفسها.

أكثر من ذلك، استدعى الهجوم ردود فعل غلبت عليها لغة التهديد والوعيد من قبل إسرائيل، برد عنيف قد لا يتأخر كثيرا، وبالإعلان لأول مرة عن خطط جاهزة للتعامل مع الحوثيين، تحتاج إلى مصادقة (عليها) من قبل الكنيست قبل البدء في تنفيذها، وذلك مما قد يوحي بضخامة حجمها، وكلفتها والآثار المترتبة عليها. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تعهد عقب الهجوم، بتوجيه "ضربات" جديدة للحوثيين، وباستهداف إيران.

كان نتنياهو قال في وقت سابق إن الولايات المتحدة الأميركية "تقوم بعمل جيد في اليمن حاليا" في إشارة إلى انشغاله بتوسيع حربه في قطاع غزة، لكن تصريحاته الأخيرة، توحي بأن الحرب في غزة ربما تضطره إلى استئناف هجماته "العنيفة" ضد الحوثيين، بل وإلى الدفع بتنفيذ خططه الواسعة المؤجلة ضدهم.

يوفر هجوم الحوثيين على ما يبدو مادة خصبة للمحللين والخبراء الإسرائيليين تؤمن لنتنياهو الدعم الكامل لما يقول إنها حرب "مقدسة" تخوضها إسرائيل على سبع جبهات تهدد وجودها وأمنها القومي

يوفر هجوم الحوثيين على ما يبدو، مادة خصبة للمحللين والخبراء الإسرائيليين تؤمن لنتنياهو الدعم الكامل لما يقول إنها حرب "مقدسة" تخوضها إسرائيل على سبع جبهات، تهدد وجودها وأمنها القومي، ولعل ذلك آخر ما كان يتمناه، ووفره له الهجوم الحوثي الأخير، ولا بد أن نتنياهو نفسه سوف يسعى إلى تضخيم الهجوم لتبرير توسيع الحرب، ليس في غزة وحدها، بل ربما في كامل المنطقة أيضا.

كان سلاح الجو الإسرائيلي هاجم في الـ20 من يوليو/تموز من العام الماضي ميناء الحديدة، بعد تبني الحوثيين المسؤولية عن هجوم بمسيّرة مفخّخة أسفر عن مقتل فلسطيني، كما تردد، في تل أبيب، وتلك كانت المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل مسؤوليتها عن هجوم تشنه في اليمن.

جرى تقدير حجم الأضرار المادية للضربة الإسرائيلية  على ميناء الحديدة بنحو 20 مليون دولار عدا عن معرفة مقدار الخسائر النفطية، في مستودعات الميناء.

رد الفعل الإيراني

بدا لافتا عقب تهديدات نتنياهو لإيران بعد الهجوم الحوثي، أن تسارع طهران إلى نفي علاقتها بما جرى، وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان الاثنين، إنّ ما وصفته بـ"تحرك اليمنيين لدعم الشعب الفلسطيني كان قرارا مستقلا ونابعا من شعورهم بالتضامن" مع الفلسطينيين في غزة على حد قوله.

لكن الكل يعلم أنه لا يمكن لجماعة مذهبية مسلحة كالحوثيين، أن تمتلك قدرة على استهداف أحد حتى داخل اليمن، ناهيك عن خارجه دون الدعم والخبرة الإيرانية المقدمة للحوثيين منذ عقود من قبل إيران و"حزب الله" اللبناني، وأن إمكانات الحوثيين الذاتية المتواضعة، لا تسمح لهم بالحصول على إحداثيات دقيقة، كما يدعون، سواء في البحار المحيطة باليمن أو بالأماكن الحساسة داخل إسرائيل.

أ.ف.ب
يمنيون يرفعون مجسم لطائرات مسيرة وبنادق تقليدية خلال مسيرة تضامنية مع الفلسطينيين وقطاع غزة، اليمن في 2 مايو

لا يمكن، في هذه الحالة، فهم نأي إيران بنفسها عن هجوم الحوثيين يوم الأحد الماضي على مطار بن غوريون، إلا من خلال سياقين اثنين، كلاهما وارد وغير مستبعد:

الأول: أن تكون إيران بعد استخدامها الحوثيين لعقود كأدوات أو فزاعات لخصومها العرب والغربيين، قررت التخلي عن جماعة الحوثيين لقاء "صفقة" تلوح لها في الأفق مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حول برنامجها النووي، وبقية الملفات الخلافية معه بشأن دورها الإقليمي وغيره.

الثاني: أن إيران، بعد أن أعدت عدة الحوثيين من الصواريخ والطائرات المسيَّرة والذخائر ووسائل الاتصال والخبرات العسكرية والأمنية وسواها من التجهيزات، اتفقت معها على أن "تعمل على نحو مستقل عنها" في الظاهر، لكن الأجندة واضحة وواحدة، ولا علاقة لها، كما يقول كثيرون، لا بنصرة غزة، ولا بالتضامن مع الفلسطينيين.

ماذا عن الحوثيين؟

قالت الجماعة على لسان المتحدث العسكري باسمها، يحيى سريع، إن الهجوم على مطار بن غوريون جاء "ردا على التصعيد الإسرائيلي بقرار توسيع العمليات العدوانية على غزة" وأكثر من ذلك أعلن نيابة عن الجماعة بأنها سوف تفرض "حصارا جويا شاملا على العدو الإسرائيلي من خلال تكرار استهداف المطارات، وعلى رأسها مطار بن غوريون"، داعيا "شركات الطيران العالمية إلى إلغاء كافة رحلاتها إلى مطارات العدو".

وأظهر الحوثيون احتفاء لافتا بوصول صاروخهم "النادر" إلى منطقة مطار بن غوريون، وذلك دون تحسب على ما يبدو لرد الفعل إزاء هجوم على ما يعتبره الإسرائيليون اعتداء على "غرة تاج" بلادهم.

وهنا يبدو الأمر بالنسبة لنتنياهو سببا كافيا للرد وتوجيه ضربات جوية فتاكة، لا يمكن أن تقتصر على الحوثيين وحدهم، دون إلحاق الضرر بعامة المدنيين، الذين يُتهم الحوثيون بالتواري بينهم واستخدامهم كدروع بشرية.

أظهر الحوثيون احتفاء لافتا بوصول صاروخهم "النادر" إلى منطقة مطار بن غوريون، وذلك دون تحسب على ما يبدو لرد الفعل إزاء هجوم على ما يعتبره الإسرائيليون اعتداء على "غرة تاج" بلادهم

المؤكد في نظر كثيرين أن هذا لن يكون مهماً لنتنياهو، لكن هذا سوف يكون مفيدا للحوثيين الذين لا يتحدثون عن خسائرهم العسكرية، من القدرات أو المقاتلين، ويهتمون فقط بالحديث عن "جرائم العدوان" من خلال نشر وتوزيع المزيد من الصور، ومقاطع الفيديو، التي تظهر مقدار الضرر الذي يلحق بالأعيان المدنية، التي يستهدفها الأميركيون كالموانئ ومستودعات الوقود ومحطات الكهرباء وغيرها.

قبل شهور قصف الإسرائيليون بعنف كلا من ميناء الحديدة، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية في منطقتي "ذهبان" شمالي صنعاء و"حِزْيَز" بقصد إيلام الحوثيين، وإثارة النقمة الشعبية عليهم.

أ.ب
جندي يمني يتفقد الأضرار التي أفيد عن تضررها جراء الغارات الجوية الأميركية في صنعاء، اليمن، في 27 أبريل

وبعد الإسرائيليين جاء الجيش الأميركي واستهدف بغارات ماحقة موانئ محافظة الحديدة ومستودعات النفط فيها، بحجة "حرمان الحوثيين من مصادر الدعم الذي توفره لمجهودهم الحربي".

ولكن في النهاية، كان المتضرر الوحيد والخاسر من ذلك، المدنيون اليمنيون العاديون، أما الحوثيون فلديهم كما يقول كثيرون، مخازنهم الاحتياطية من النفط والغاز، والغذاء والدواء التي استعدوا بها لهذه المواجهة، منذ أمد غير قصير.

font change