العلاقات العسكرية الصينية الأميركية.. تبادل للزيارات والتهديدات

العلاقات العسكرية الصينية الأميركية.. تبادل للزيارات والتهديدات

[caption id="attachment_922" align="aligncenter" width="620" caption="وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس يستعرض حرس الشرف خلال زيارته إلى الصين "]وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس يستعرض حرس الشرف خلال زيارته إلى الصين  [/caption]

لم يكن العام 2010 جيداً للعلاقات الصينية الأمريكية. لقد واجهت الدولتان تراجعات ملحوظة بعد أن سمحت الولايات المتحدة ببيع اسلحة لتايوان، وردت عليها الصين بقطع العلاقات العسكرية - العسكرية. كما أن لقاء الرئيس أوباما بالدالاي لاما لم يخفف من الاستياء الصيني تجاه السياسة الأميركية.

إلا أن الصين لم تكن دائماً في وضع المشتكي. لقد هددت علاقات الصين بدول المحيط الهادئ المجاورة مصالح أمريكا بشكل ملحوظ، وبالذات من خلال امتناعها عن شجب إغراق كوريا الشمالية لطرّاد كوري جنوبي و قصفها إحدى الجزرالجنوبية.

بعد عامٍ من تدهور العلاقات، زيارتا دولة رسمتا بداية العام 2011. الأولى كانت زيارة وزير الدفاع روبرت غيتس إلى الصين، ولاحقاً زار هو جينتو الولايات المتحدة. وكما توقع المحللون، لم تُتخذ أي خطوات دبلوماسية واسعة خلال الزيارتين، ولكنهما كانتا على الأقل فرصة لانطلاق العام 2011 في الاتجاه الصحيح نحو التعاون بين الدولتين المتنافستين.

على رغم أن زيارة هو جينتو مرت بمرونة نسبية، لم يتحقق الكثيرة بخصوص السؤال الجدلي حول ما العمل مع كوريا الشمالية. إلا أن الظروف التي أحاطت زيارة روبرت غيتس في مطلع الشهر كانت أكثر مثاراً للجدل، خصوصاً الإيضاحات التي تم تناولها بخصوص التعاون العسكري و احتمال نشوء سباق تسلح بين الصين و الولايات المتحدة.

كان غيتس يأمل في التوصل الى إيجاد اتصالات منتظمة بين الولايات المتحدة و ممثلي الجيش الصيني "سيزيد الشفاقية، ويقلل الشكوك، و يساهم في تخفيف الضغط الذي قد يُحدثه خلاف ذلك من دفع نحو استعدادات عسكرية أضخم من الجانبين"، بحسب ما أوردته مجلة فورين بوليسي. وبينما كانت زيارة غيتس الصين محاولة من أجل ترسيخ علاقات عسكرية ثنائية، فإن قرار اختبار طائرة شبح نفاثة قبيل وصول المسؤول الأميركي قد يشير إلى أن الصين، على عكس المتوقع، اعتبرت الاختبار فرصة لاستعراض عضلاتها و قدراتها العسكرية.

بالقطع، ليست مقاتلة الشبح هي السبيل الوحيد في مساعي الصين تحقيق توازن ما، اذا ما عرفنا حجم الحضور العسكري الأمريكي في المحيط الهادئ. بالإضافة إلى طائرة جي-20 الشبح، تجهز الصين حاملة طائرات اوكرانية، و التي بحسب الأسوشيتيد بريس تعد أول حاملة بقوة نيران ضخمة من نوعها بهذا الحجم لذلك البلد. كذلك، في تقرير للعام 2009، زعم البنتاغون أن الصين يمكن أن تُطلق العديد من الحاملات بحلول العام 2010، و الذي تؤكده التقارير أن بناء تلك الحاملات قد بدأ بالفعل.

بالإضافة إلى الحاملات، أعادت الصين بالفعل نشر دفاعات نووية في 2008 على محطات إطلاق متحركة وغواصات، كما أن أسطولا من 60 سفينة و غواصة تم تسليحه "بمراكب كاتمة الصوت ونووية شديدة القوة، بالإضافة إلى جيل ثان من الغواصات المجهزة بصواريخ بالستية"، بحسب تغطية الأسوشيتيد بريس لرحلة غيتس إلى الصين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصواريخ المضادة للسفن، أو ما يُسمى قاتل الحاملات، القادرة على ضرب الحاملات الأميركية المتمركزة في المنطقة، قاربت على الانتشار.

لم يمر التخزين العسكري الصيني من دون ملاحظة الولايات المتحدة، ولكن في المقابل، قوبل الأمر بخليط من القلق و الامتعاض. من جانب، كان الموظفون العسكريون الأميركيون يشيرون إلى العقود الزمنية التي تفصل بين التقنية العسكرية الأميركية و نظيرتها الصينية، ناهيك عن التمييز بين تطوير التقنية العسكرية والقدرات التي تم اختبارها على أرض المعركة لاستخدام تلك التقنية بشكل أمثل. على الجانب الآخر، نفس أولئك الموظفين ما عادوا يظنون أن الصين تريد أن تكون متراجعة عسكرياً في نطاق تأثيرها، بل أنهم يتوقعون أن تسعى الصين إلى امتلاك القدرة على مواجهة الحضور الأميريكي في المنطقة.

باتت الولايات المتحدة معتادة على فكرة أن القوى المنافسة الأخرى ستسعى إلى حماية مصالحها من خلال التطوير العسكري. إلا أن معضلة تراكم التسليح المعروفة آخذة في التريث، وباتت الأسئلة الخاصة بنيات الصين لاستخدام تلك الموارد تحت السطح. إن تايوان، بلا شك، دافع رئيس خلف نيات الصين لتطوير أسلحة هجومية. إلا أن الالتزام الأميريكي حيال حماية تايوان، واحتواء كوريا الشمالية، استلزم رداً من الصين في تطوير بنائها العسكري.

أوضح وزير الدفاع روبرت غيتس أن البنتاغون يزيد من الاستثمار في نطاق بعض الأسلحة، المقاتلات الجوية و التكنولوجيا كرد على التشييد العسكري الصيني في المحيط الهادئ، على الرغم من مليارات الدولارات المخفضة في ميزانية البنتاغون والتي أعلن غيتس نفسه عنها أخيرا. أفردت النيويورك تايمز تقريراً قالت فيه إن تلك الاستثمارات شملت "طائرات قذف نووي مدى بعيد جديدة، أوقف البنتاغون عملية التطوير في 2009، بالإضافة إلى الجيل الجديد من المشوشات الإلكترونية التي تتبع سلاح البحرية و المصممة خصيصاً لإعاقة الصاروخ من أن يجد هدفه و يضربه"، بالإضافة إلى الاستثمارات المستمرة في برنامج الجوينت سترايك فايتر"، أحدث مقاتلة لا يرصدها رادار".

سباق تسلح

على الرغم من كل تلك الملابسات العسكرية، فإن رحلة غيتس إلى الصين لم تنهِ اجندة الاستعداء الكاملة. كانت نيته هي الاستمرار في بناء تعاون عسكري، ولو بشكل جزئي لتجنب ظهور سباق تسلح، الأمر الذي أدى إلى وعود بمزيد من المحادثات بين ممثلي الدفاع في البلدين.

إلا أن تراجعاً آخر في العلاقات قد ظهر من خلال اختبار طائرة الشبح، الأمر الذي خلق شكوكاً حيال قدرة تأثير الحكومة الصينية في الجيش. في الواقع، إن سلطة الرئيس الصيني في قضايا مختلفة كانت محل تساؤل في الماضي، بما في ذلك تأثيره على سياسة معدلات التداول، القيود التجارية و تأثير الصين على كوريا الشمالية، كما شرح روبت هاديك في مجلة فورين بوليسي. الأمر الأكثر اثارة لقلق الولايات المتحدة هو الدليل على أن هو جينتو -الذي يرأس اللجنة العسكرية المركزية و أحد اثنين من المدنيين في مؤسسة الصين العسكرية- لا يتم استشارته في الأنشطة اليومية لجيش التحرير الشعبي.

في الواقع، استشهدت النيويورك تايمز بأقوال موظفين كبار رأوا أن اختبار مقاتلة الشبح قد يؤخذ على أنه "عملية تحدٍّ للسيد هو، الذي أمر الجيش الصيني أن يقدم نوعاً من المرونة بعد أعوام من العلاقات المضطربة مع البنتاغون". هذه لم تكن الدعوات الأولى للقادة العسكريين الصينيين أن يتخذوا مواقف دبلوماسية مغايرة مع الولايات المتحدة. في 1995 و 2005، قاموا بتهديدات نووية ضد الولايات المتحدة، و في 2001 حينما قامت طائرة دورية أميركية بهبوط اضطراري بعد تصادمها مع مقاتلة صينية، لم يتعاون الجيش مع السلطة المدنية. و إن كان ذلك يشير إلى استقلالية هيكل المؤسسة العسكرية الصينية، فإنه أيضا قد يؤدي إلى نشوء إشكاليات هامة حول كيفية التعاطي مع الصين، و خصوصاً إن كانت الحكومة تنوي التعاون دبلوماسياً بينما يرفض الجيش قبول تحقيق وعودها.

بقدر كون هذه الإحتمالية مثرة للقلق بالنسبة للولايات المتحدة، فإن اللعب بورقة الجيش في المعادلة قد يكون في صالح الصين طالما أن النتائج التي يتطلع لها الجيش تلتقي مع تلك التي للقيادة المدنية، أو تتقارب معها كما يرى الباحث في الشؤون الصينية أندرو سكوبل. "قيادات الصين قد تتمنى أن يكون ذلك الغموض المحسوب عاملاً لإعاقة أي رد أميركي أثناء الأزمات. و لكن إن فشلت هذه المناورة، قد ينتهى الأمر إلى حالة فوضى أكثر مما يجب أن تكون عليه"، يضيف هاديك في الفورين بوليسي.

إن حساباتٍ كهذه، للأحسن أو الأسوأ، من شأنها أن تقود القرارات العسكرية. القادة الأميركيون، مع ذلك، أرسلوا رسالة واضحة إلى الصين التي يعتقدون أنها تخطئ بتبني فرضيات غير واقعية تبشر بانهيار اميريكي.

بالنسبة لهم، فإن وزير الدفاع غيتس كان بليغاً في تلخيص ما يؤمن به في تلخيص الحسابات الخاطئة: " لقد شاهدتُ ذلك النوع من الرؤية الدورية للإنهيار الأميركي يأتي مرتين او ثلاث، ربما كانت أكثرها دراماتيكية في النصف الأخير من السبعينات... و رؤيتي العامة لأولئك الذين هنا أو حول العالم ممن يظنون أن الولايات المتحدة في انهيار هو أن قمامة التاريخ تعج بتلك الدول التي قللت من قدرة الولايات المتحدة".

بولا ميجيا
font change