تبدو منطقة الشرق الأوسط وكأنها دائمة الحروب والترقب، تكتم أنفاسها منذ يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025. إنها مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران هذه المرة. أولا، ضربات جوية إسرائيلية استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية، في عملية أطلقت عليها الدولة العبرية اسم "الأسد الصاعد". ثم جاء الرد من طهران بصواريخ باليستية أُطلِقت مباشرة نحو إسرائيل، في عملية أسمتها إيران "الوعد الصادق 3". أيّا كان الاسمان، لم تكن هذه مواجهة بالوكالة كالعادة، بل كانت صداما مباشرا، وجها لوجه، هز الأسواق المالية العالمية على الفور، ولا سيما أسعار النفط التي ارتفعت في شكل حاد.
ما يحدث منذ الجمعة المنصرم، وانعكاساته الاقتصادية، هو تذكير صارخ بمدى هشاشة سلاسل الإمداد العالمية، ومقدار اعتماد الاقتصاد العالمي على هذه المنطقة الحيوية والمتقلبة، التي بدأت أخطارها تؤثر في كل شيء من أسعار النفط والذهب إلى أسهم الشركات الخليجية خصوصا، وردهات التداول في لندن ونيويورك.
النفط والأسهم يتلقيان الضربة
لم تكن التداعيات مفاجئة. ظهرت أولى علاماتها يوم الجمعة في أسواق النفط. ارتفع سعر خام برنت، المعياري العالمي، بنسبة تفوق سبعة في المئة بعد الظهر، ليصل إلى نحو 74.23 دولارا للبرميل، وهو مستوى لم نشهده منذ يناير/كانون الثاني. وارتفع خام غرب تكساس الوسيط، المعياري الأميركي، بنسبة مماثلة بلغت 7.3 في المئة إلى 72.98 دولارا للبرميل، بعدما سجل الليلة نفسها قفزة كبيرة وصلت إلى 77.60 دولارا – وهي أكبر قفزة يومية له منذ سنوات. كان هذا الارتفاع المفاجئ مدفوعا بالخوف – الخوف من تعطل الإمدادات، خصوصا عبر مضيق هرمز، الذي يُعد بمثابة الشريان الرئيس، والطريق السريع للنفط العالمي، إذ يمر عبره يوميا ما بين 20 في المئة إلى 30 في المئة من النفط والغاز المنقول بحرا حول العالم.
وحذر محللو مصرف "آي. إن جي." الهولندي بسرعة من أن "خسارة هذه الكميات المصدَّرة قد تلغي فائض الإمدادات المتوقع في الفصل الرابع من السنة"، مما يعني سوقا عالمية أكثر ضيقا. وعلى الرغم من إعلان المسؤولين الإيرانيين بسرعة أن منشآتهم النفطية لم تتضرر، أبقى القلق من تصعيد أوسع الأسعار مرتفعة بعناد. ونتذكر جميعا عندما تجاوزت أسعار النفط حاجز 100 دولار بعد غزو أوكرانيا. كان محللو مصرف "جي. بي. مورغان" الأميركي قد حذروا من أن أي نزاع شامل في الشرق الأوسط قد يعيدنا إلى تلك المستويات. وبالفعل يتوقع المحللون مجددا ارتفاع أسعار النفط الى ما بين 120 و150 دولارا للبرميل في حال اقفال مضيق هرمز، حيث تشخص أنظار الخبراء حاليا.