بعد الهجوم الإسرائيلي الكاسح على إيران، ورد الأخيرة عليه، توجهت الأنظار إلى اليمن لمعاينة رد فعل الحوثيين الموالين لطهران وما إذا كانوا سيعلنون استعدادهم للمشاركة في الردود العسكرية الإيرانية. لكن باستثناء عبارات التضامن المستكين، مع إيران وحقها في الرد، نأت الميليشيات الحوثية بنفسها عن المشاركة في أي رد من هذا النوع.
وكانت ردود أطراف يمنية قد اتسمت بمعظمها، إما بالصمت أو الشماتة والتشفي، بسبب ما يعتبره البعض "جرائم حرب" ارتكبتها إيران خلال تدخلاتها "السافرة" في شؤون اليمن، وعدد من البلدان العربية، منذ ما يزيد على ثلاثة عقودٍ من الزمن. واعتبر البعض أن ما جرى "أكبر من هزيمة وأبشع من إهانة"، وتساءل عن الكيفية التي يمكن لإيران أن ترد بها على قتل قادتها، وعلمائها وتدمير بنيتها، وتوقع أن تكون "هذه الهزيمة هي نهايتها كنظام وكدولة، ولو بعد حين على يد الشعب الإيراني".
أبعد من ذلك هو أن البعض رأى أن "أسوأ ما فعلته إيران هو أنها جعلت المسلمين والعرب على الحياد في هذه المواجهة، لأنهم لم يشعروا يوما أن إيران قوة مضافة للإسلام، بل صاروا على يقين بأن لا فرق بين التدمير الذي تفعله إسرائيل بالعرب، وبين ما تفعله إيران". ولذلك أسباب قد يحمل بعضها الكثير من الوجاهة لدى اليمنيين خصوصا، أولها، أن تبني ودعم إيران لجماعة الحوثيين، مكَّن هذه الجماعة من الانقلاب على الدولة اليمنية بقوة السلاح، وساعدها على استخدام سلاح الدولة وسيلة للتسلط والاستبداد وقهر إرادة شعب بأكمله لصالح فئةٍ طائفية مذهبية صغيرة. وثانيها، أن هذه الجماعة تحولت بدعم إيران، إلى عامل مزعزع لاستقرار المنطقة بأسرها، بعد أن استهدفت بعض دول الجوار، واضطرت السعودية إلى تشكيل وقيادة تحالف عسكري لدعم استعادة الدولة الشرعية في اليمن. وثالث تلك الأسباب، أن جماعة الحوثيين، ومن ورائها طهران، استدعت حروبا أوسع نطاقا بعد أنشطتها الهجومية، على خطوط الملاحة البحرية في البحار المحيطة باليمن، واستهدافها بعد ذلك مدنا ومناطق حيوية داخل إسرائيل، وكل ذلك بزعم نصرة الفلسطينيين في غزة، إلا أن كل ذلك لم يُحدث فارقا، ولم يُصِب إسرائيليا واحدا بأذى، قدر ما تسبب في ردود فعل أميركية وإسرائيلية وبريطانية، كلفت اليمن، وليس الحوثيين وحدهم، خسارة الكثير من مكاسب البلاد وبناهها التحتية، وإعادتها عقودا من الزمن إلى الوراء.
الملاحظ بجلاء، حتى عند من كانوا متفائلين ومستبشرين في اليمن بـ "الثورة" الإيرانية، من غير الحوثيين، أنها خيَّبت الكثير من آمالهم، وتحتاج إلى إعادة مراجعة، تعتمد ليس على المقدمات العاطفية، بل إلى النتائج العملية التي وصلت إليها التجربة الإيرانية بعد نحو خمسين عاما من الثورة.
نظرة تاريخية
لم تكن علاقة إيران مع اليمن طبيعية في أي مرحلة من التاريخ، قديمه ووسيطه وحديثه، منذ ما قبل اعتناق "فارس" للإسلام، ومرورا معه عبر العصور إلى حين مجيء "المرشد" علي الخميني ومن بعده "المرشد" خامنئي. هذا ما يمكن إدراكه بلا عناء ولا شديد ذكاء، ولكن من خلال البحث والدراسة والتأمل بتبصر وعقلانية وأناة وحياد، وهو أن ثمة فوارق نظرية وتطبيقية متباينة، بين فهم إيران للإسلام وفهم اليمنيين ومعهم كثير من العرب له، حيث إن لإيران فلسفتها الخاصة، استنادا إلى تاريخها قبل الإسلام، تختلف فيه كثيرا عن فلسفة كل محيطها العربي والإسلامي، خصوصا من حيث طريقة التفكير وأسلوب العمل.