رجب طيب أردوغان.. رئيس وزراء من الزمن الجميل

رجب طيب أردوغان.. رئيس وزراء من الزمن الجميل

[caption id="attachment_471" align="aligncenter" width="620" caption="رجب طيب أردوغان "]رجب طيب أردوغان  [/caption]




كان على امرأة ذكية ومتعلمة أن تختار بين رجلين: أحدهما رجل من اسطنبول موسر ويضاهيها في المستوى الاجتماعي، والثاني قروي فقير ولكنه يمتلك رغبة ملحة في تحقيق ما هو في صالح بلاده.

إنه ثالوث الحب الذي يستطيع إدراكه أي قارئ للمؤلف التركي في منتصف القرن العشرين بيامي سافا. فبين يدي ذلك الكاتب القومي المولع بما يراه باعتباره إذعان الثقافة التركية إلى الغرب، يصبح ذلك الثالوث نوعا من الملاحم القومية. حيث تستهين في البداية المرأة المنجذبة لبريق ونجاح الحضارة الغربية بالعريس المحلي. ولكنه يتمكن عبر إخلاصه من الفوز بقلبها وإنقاذ الشرف الذكوري للشرق.

ولكن رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، ليس النظير الطبيعي لبطل سافا المثالي. فهو معروف بتفضيله للشعر على النثر، كما أنه أقر ذات مرة بأنه لم يمر أبدا بتجربة حب.

ولكن فيما تتهاوي علاقته الوطيدة بالنخبة الليبرالية التركية ونظيرتها في الغرب، وسط الاتهامات بأنه أهمل أجندته الإصلاحية لصالح الأصولية، فإن رواية سافا حول الرجال الذين يفتقرون للشجاعة والذين يعيدون اكتشاف قوتهم تحتوي على ما هو أكثر من مجرد علاقة عابرة.

وعلى الرغم من أن أعدادهم قليلة خارج المدينتين المجاورتين لأسطنبول، لعب الليبراليون بتركيا دورا مهما في منح أردوغان وحزب العدالة والتنمية ذي الأصول الإسلامية المصداقية الدولية. فهم من صنعوا الإطار المفاهيمي الذي حكم التقارير الغربية حول تركيا خلال العقد الماضي: صورة دولة، كانت تتعرض للاضطهاد لسنوات طويلة من قبل النخبة العلمانية السلطوية، وهي تصوت للديمقراطية حتى وإن كانت ذات صبغة إسلامية.

وقد لاقت تلك الرؤية رواجا لدى الزعماء الغربيين الباحثين عن «الإسلام المعتدل» في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وفي السنوات الأولى لحكم حزب العدالة والتنمية بدا الأمر مقنعا.

فقد دفع أردوغان بالقوانين الإصلاحية وعمل على إنهاء انقسام قبرص بعد سنوات من المراوغة، ودفع بجيش شديد التسييس إلى ثكناته، كما أنه بدأ مساعي الالتحاق بالاتحاد الأوروبي المتردد.

وبعد خمس سنوات، بدت الصورة مختلفة تماما. فقد أظهر التحقيق غير المسبوق في مزاعم وجود مؤامرة للقيام بانقلاب، دلالات على وجود تحول إلى القمع التمييزي ضد خصوم حزب العدالة والتنمية. وتتزايد سلطوية أردوغان، حفيد آل عثمان الذي دائما يفتخر بأنه أحد أبناء الدولة العثمانية، حيث طلب إزالة التمثال الذي يرمز إلى السلام بين تركيا وأرمينيا، ووبخ علانية رئيس أكبر ناد لكرة القدم في تركيا لأن الجماهير صفرت استنكارا له. كما حذر الاتحاد الأوروبي والهيئات الدولية من تراجع حرية الصحافة.

ومن جهة أخرى، ما زال الليبراليون داخل تركيا وخارجها يرددون نفس الخطاب: «تركيا ليست بحاجة إلى شخص مثل أردوغان»، ذلك ما قاله أحمد ألتان محرر الصحيفة الليبرالية اليومية التي تؤيد بلا كلل جهود حزب العدالة والتنمية في كبح جماح الجيش، في يناير (كانون الثاني) بعدما قاضاه رئيس الوزراء لنشره مقالا نقديا: «كان الشعب يؤيدك لأن حزب العدالة والتنمية سوف يجعل تركيا أكثر حرية وأكثر تطورا».

وفي 11 مارس (آذار)، أضافت «نيويورك تايمز» إلى ذلك عندما قالت: «إن حكومة تركيا تخون قيمها ومواطنيها» وكان ذلك وسط الاضطرابات التي صاحبت إلقاء القبض على اثنين من صحافيي التحقيقات المرموقين.

هل ذلك صحيح؟ ذلك ما قالته كاتبة العمود التي تحمل نفس خلفية أردوغان الدينية، نيهال بنغيسو، والتي تعتقد أن مثل تلك الأحكام تعتمد على سوء فهم لسيكولوجيا القاعدة الشعبية المحافظة لحزب العدالة والتنمية.

«إن الرغبة في التغيير ليست العامل الوحيد الذي يميز الجماهير المؤيدة لحزب العدالة والتنمية». والأهم من ذلك «الخرافية التي تمتاز بها شخصية أردوغان» فهو يقدم نفسه كرجل متواضع غير خجل من دينه أو من طبقته الاجتماعية المتواضعة أصبح العالم تحت قدميه.

كما تقول إن الانتقادات الليبرالية بأن أردوغان قد توقف عن كونه رجل الشعب وأنه أصبح مدافعا عن الوضع الراهن، تخالف الحقيقة.

وحتى بعد ثماني سنوات من حكومة حزب العدالة والتنمية، ما زال الناس العاديون يرون أن «أردوغان ليس حاكما للدولة ولكنه بطل الشعب الذي وقف ليحارب».

ومرة أخرى، فإن المؤسسة التركية التي تفتقر إلى البراعة قد ساعدته على الحفاظ على صورته كمظلوم. فقد جاء إلى السلطة عام 2002 على أثر الحكم بالحبس لمدة عام واحد نظير قراءة قصيدة. وعندما قررت كبرى المحاكم التركية إغلاق حزب العدالة والتنمية في 2007 في قضية سياسية، حقق حزب العدالة والتنمية أكثر النتائج إجماعا في تاريخ تركيا.

ومنذ ذلك - نفوذه المحلي لا شك فيه - كان دور أردوغان كبطل قومي يتصاعد وصولا للساحة الدولية. فقد جعل انتقاده العلني للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس في يناير (كانون الثاني) 2009 منه بطلا قوميا ليس عند الأتراك فحسب بل حتى عند العرب والمسلمين. وعندما عاد إلى اسطنبول، رحبت به الجماهير، في حنين واضح للزمن الجميل، وكأنه محمد الثاني، السلطان الذي فتح اسطنبول في 1453.

وقد عقد الناقد الثقافي المرموق، أورهان تكليغلو مقارنة بين مسار أردوغان ومسلسل «وادي الذئاب»، المسلسل التلفزيوني الناجح الذي كان يذاع منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة.

وقد بدأ بطل «وادي الذئاب» حامل السلاح بولات ألمدار تاريخه المهني بتصفية أعداء الدولة التركية بالداخل. وفي كلا الفيلمين اللذين صدرا في 2007 وجه سلاحه إلى الأميركيين في العراق وإلى الدولة الإسرائيلية.

«ألمدار هو شخصية قيادية تقليدية»، ذلك ما قاله تكليغلو مستخدما الكلمة التركية لوصف شاب ذي كاريزما عالية. «فهو يفرض النظام، ويصوب المخطئ، وبالتالي فهو يلبي نداء أكثر المناحي في السيكولوجيا التركية: التعطش للعدالة».

ويقول إسماعيل كارا الحجة في الفكر الإسلامي التركي إن الأتراك المحافظين يعتقدون أن الدولة دولتهم ولكنها «في أيدي المغتصبين». وهو يصف ذلك بالرؤية الجامدة، فالوزراء فقط هم السيئون وليس الدولة. ويقول إن ذلك قد مزج بين الأتراك المحافظين والثغرات الموجودة في نموذج الدولة التركية السلطوية.

وتجد نيهال بينغيسو دليلا على تأثير ذلك في التأييد الجماهيري الواسع لدفاع أردوغان الواضح حول «التقدم نحو الديمقراطية» المبني على فكرة الاقتصاد القوي والحزب القوي والحكومة القوية وليس الأفكار الليبرالية.

وتقول إنه في الماضي، كانت النخبة العلمانية السابقة تذكر كلاشيهات حول «الحاجة للوحدة والتماسك في الأوقات الصعبة» لتبرير الحد من الديمقراطية.

«وقد كره الناس ذلك. واليوم، يبرر حزب العدالة والتنمية التنازلات بالرجوع إلى تركيا الأكثر مجدا ونفوذا. ولدي إحساس بأن الناس يرون ذلك مقبولا تماما».

وعلى غرار أبطال روايات بيامي سافا، فإن أردوغان هو فتى قروي استطاع النجاح. ولكن ربما لا يكون هناك نهاية سعيدة جاهزة لسيدة إسطنبول الأنيقة: وقد وجد حزب العدالة والتنمية في شخص أردوغان، وسيلة أكثر فعالية لتعزيز توقير قاعدة تأييده.

نيكولاس بيرش
font change