دور الجيش في الثورتين التونسية والمصرية

دور الجيش في الثورتين التونسية والمصرية

[caption id="attachment_858" align="aligncenter" width="620" caption="كما كان في تونس.. انتصر الجيش المصري للشعب وساند الانتفاضة "]كما كان في تونس.. انتصر الجيش المصري للشعب وساند الانتفاضة  [/caption]





منذ سقوط زين العابدين بن علي في تونس وتنحي محمد حسني مبارك أخيرا عن حكم مصر، برز دور الجيش في إنهاء حكم الفرد طويل المدى. ففي كلتا الحالتين، كانت اللحظة التي اختار فيها الجيش الانحياز إلى الشعب هي الحاسمة في سقوط هؤلاء الطغاة. وفي ظل استمرار انتشار عدوى الربيع العربي في الشرق الأوسط - في ظل الاحتجاجات من ليبيا إلى اليمن - يعد تأمل جيوش تلك البلدان واحدا من أهم المؤشرات للتنبؤ بمستقبل تلك الحكومات.

وبالقطع لا تستطيع قيادات الجيش تحمل الوقوف موقف المتفرج في الوقت الذي تحدث فيه تطورات بمثل ذلك الحجم. بل ويجب أن لا يكون مفاجئا أن يدرس الذراع العسكري للجيش خلال ذلك المناخ السياسي المتغير كيف يمكنه الإفادة من مساندة التغيير.

ويوضح ديفيد سانغر في مقال حديث له في «نيويورك تايمز»: «لقد توصلت قيادة الجيش في مصر لنفس الاستنتاج الذي توصل إليه جيش كوريا الجنوبية في الثمانينيات وأندونيسيا في التسعينيات: لقد تحول فجأة القائد الأعلى للبلاد من إضافة إلى عبء».

وعلى الرغم من أن جيشي مصر وتونس قد ساهما في وضع الأساس للتغير الديمقراطي، فإن التحدي القادم هو إذا ما كانوا سوف يستمرون في الإخلاص للتغير الذي تنشده الجماهير.

بالنسبة لتونس، فإن الجنرال رشيد عمار - الذي أصبح بطلا وطنيا وصار يعرف باسم «الرجل الذي قال لا» - حدد الدور الذي على الجيش أن يلعبه في مستقبل تونس. فقد أوضح الجنرال عمار في البداية أن الجيش سوف «يظل مخلصا للدستور وأن ممارساته سوف تظل في ذلك الإطار»، مضيفا أن الجيش «ينظر إلى نفسه باعتباره حامي الثورة وسوف يستمر في ذلك حتى النهاية». كما أرسل الجنرال عمار أيضا رسالة مفادها أن الجيش «لن يقف أمام المظاهرات السلمية، ولكنه سوف يقمع الذين يحاولون خلق فراغ سياسي لأن الفراغ سوف يؤدي بلا شك إلى دكتاتورية جديدة». وفي النهاية، حث التونسيين «على السماح للحكومة الانتقالية بأداء عملها».

وعلى الرغم من الثناء الذي حصل عليه نظرا للتأييد الذي منحه للمتظاهرين خلال الثورة من خلال رفضه إطلاق النيران عليهم وبالتالي زاد من سوء وضع بن علي، فإن وصفه لدور الجيش في مستقبل تونس يعد إشكاليا على نحو ما. وعلى الرغم من أن تأكيده على التزامه بالدستور، نفى المخاوف التي تدور في الأذهان حول الطموحات السياسية المحتملة لقادته فإن آخر عبارتين أظهرتا استعداده لأن يعلب دورا في المستقبل السياسي للبلاد إذا ما اتخذت الثورة مسارا غير مقبول.

وربما من الأفضل أن يكون لدينا «حارس للثورة». ففي النهاية حاولت عناصر الحرس القديم أن تعرقل إمكانية تحقيق مستقبل ديمقراطي في تونس. والأهم من ذلك، إذا ما كان الجنرال رشيد عمار يرغب في الاستيلاء على السلطة، كان يستطيع عمل ذلك ببساطة بعد رحيل بن علي. وعلى الرغم من أنه اختار أن لا يفرق بين الآلة العسكرية والحكومة المدنية فإن فهم الجنرال عمار للدور العسكري ليس بعيدا عن السياسة كما أنه يمثل في ذاته خطرا على المستقبل الديمقراطي للبلاد.

وكانت هناك مخاوف أكثر وضوحا في ما يتعلق بالجيش المصري. فكما أوضح توني كارون في مجلة «التايم»: «فإن الجيش المصري، مثل غيره، ليس ديمقراطيا كما أن قادته معتادون على إصدار الأوامر أكثر من اعتيادهم على التفاوض بشأن حركتهم المقبلة مع من هم تحت إمرتهم». ففي أعقاب رحيل مبارك، أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه ملتزم بعملية التحول «ليس فقط عبر خطة، إنما (الخطة) وفقا لكارون أن تظل الخطوات العسكرية السريعة لتحقيق انتقال مفترض للسلطة صعبة ولا ترضي الجميع».

فعلى سبيل المثال، تشعر شخصيات معارضة مثل محمد البرادعي بالقلق بشأن أنهم ليسوا منظمين بما يكفي للحصول على فرصة في الانتخابات إذا ما تم إجراؤها قبل عام وأن مثل تلك العملية سوف تمنح الجماعات المنظمة مثل حزب حسني مبارك (الوطني الديمقراطي) والإخوان المسلمين ميزة واضحة. وكما يقول كوران فإن «غياب دور محدد في خطط الانتقال التي يطرحها الجيش للحركة السياسية المدنية» قد خلق توترا هائلا.

ومما لا شك فيه، سوف يستمر الجيش في لعب دور مهم في مستقبل مصر وتونس ويجب أن يحرص الجميع على وجود عين منتبهة على مقاربة الجيشين لعملية التحول. ومع ذلك وكما أوضح نائب مدير «هيومان رايتس ووتش» للشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإن هناك الكثير لإنهاء الدولة البوليسية وتأكيد التحول الديمقراطي في تونس ومصر أكثر من الحد من دور الجيش.

ففي مقاله المعنون تفكيك آلة القمع بـ«وول ستريت جورنال» يقول إريك غولدستاين إن الدول البوليسية أصبحت مثل برنامج للتوظيف. أو بمعنى آخر فإن الآلة الأمنية كانت متوغلة ومراوغة لحد أن مئات الآلاف من الناس يعملون بها وهو ما سوف يكون له أثر مستمر على مستقبل الديمقراطية في تلك البلدان. فيقول غولدستاين إن تونس لديها ما يزيد عن 200 ألف رجل شرطة لتغطية بلد يبلغ عدد سكانه 11 مليون نسمة. وفي الغالب فإن وظائفهم ليس لها علاقة بتعزيز السلامة المدنية ولكنها تعزز سلطة الفرد في المقام الأول. «فعلى الرغم من أن كثيرا من ضباط الشرطة التونسيين والأعضاء في الحزب الحاكم سابقا كانوا يؤدون عملا طيبا، فإن آخرين كانوا يعملون على مطاردة المعارضين، وتعذيب الإسلاميين وابتزاز منافسيهم. (وهم لم يغادروا) مع بن علي أو مبارك كما أنهم لن يختفوا إذا ما تم تفكيكهم على غرار تفكيك حزب البعث في العراق»، وفقا لغولدستاين.

لقد كانت قدرات الآلة العسكرية لبن علي على زعزعة الاستقرار جلية في أعقاب رحيله عندما ظهر ما يمكن وصفه بفرق الموت وعملت على فرض حظر تجول وإرهاب المدنيين لكي يتمنوا عودة بن علي. ولحسن الحظ، فإن مزيجا من اللجان الأهلية وعدم الثقة العامة في بن علي منعا تلك الأعمال التخريبية من أن يكون لها تأثير مدمر.

والمقارنة بين رحيل بن علي ومبارك مذهلة. ففي مصر، بدلا من الاحتفالات الشعبية، كان البلد بأسره يشعر بالرعب من انتقام تلك العناصر.

وعلى الرغم من أن تلك العناصر كانت أقل توغلا في مصر، فإن محاولاتهم لزعزعة الاستقرار لم يتم القضاء عليها تماما. وكما يقول غولدستاين، فهؤلاء حرضوا على الاعتصامات وأشعلوا المواجهات بين المتظاهرين والحكومة الانتقالية وفي أحد المواقع أسفر ذلك عن مقتل اثنين رميا بالرصاص وإشعال قسم بوليس في إحدى المحافظات.

من الواضح أن الجيش سوف يستمر في لعب دور مهم في مستقبل تلك الدول البوليسية. وعندما يتم تقييم آفاق الاستقرار الديمقراطي في مصر وتونس وما بعدهما، يجب أن لا نتجاهل أن أسس الدولة البوليسية لا تنتهي بالجيش ولكن بالشرطة وأنه يجب مراقبة دورهم بعناية بالغة.

بولا ميجيا
font change