العلاقات الباكستانية – الأميركية.. من أجل حفظ ماء الوجه

العلاقات الباكستانية – الأميركية.. من أجل حفظ ماء الوجه







[caption id="attachment_790" align="aligncenter" width="620" caption="السيناتور جون كيرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي ووزير الداخلية الباكستاني رحمان ملك"]السيناتور جون كيرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي ووزير الداخلية الباكستاني رحمان ملك[/caption]ساءت العلاقات الدبلوماسية المتوترة بين الولايات المتحدة وباكستان أخيرا عندما اشتبكت قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" وقوات باكستانية شبه عسكرية في تبادل إطلاق نار، قبل يوم من زيارة السيناتور الأميركي جون كيري إلى إسلام آباد في محاولة لإصلاح العلاقات بين البلدين.

بعد التعرض لانتقادات حادة في الداخل بسبب عدم إيقاف العملية الأميركية في أبوت آباد وانتقادات أخرى دولية بسبب الفشل في تحديد موقع اختباء زعيم القاعدة أسامة بن لادن، يبدو أن الحادث الذي وقع في شمال وزيرستان هو وسيلة لحفظ ماء وجه باكستان في ما يتعلق بالغارات التي تتم على أراضيها.

في الواقع، لا يعد شمال وزيرستان غريبا على الصراع بين المصالح الأميركية والباكستانية. كان الإقليم الذي يعتبر جزءا من الحزام القبلي في باكستان قاعدة لعدد من المنظمات المسلحة في المنطقة. ولكن يظل مدى الدعم الذي تحصل عليه هذه المجموعات المسلحة من الجيش الباكستاني محل تكهنات منذ فترة كبيرة. ولكن جاء الخلاف في أشد صوره بعد قتل الولايات المتحدة لأسامة بن لادن في بداية شهر مايو (أيار) الماضي. ترك موقع اختباء بن لادن، الواقع إلى جوار الأكاديمية العسكرية في البلاد، هؤلاء الذين ارتابوا في السابق في صلات باكستان مع منظمات إرهابية على ثقة بضرورة إعادة تقييم السياسة الخارجية الأميركية تجاه باكستان، لا سيما مع التركيز على تأثير المساعدات العسكرية.

من المؤكد أن المساعدات الأميركية لباكستان، وتحديدا المساعدات العسكرية، تشهد فترات صعود وهبوط منذ توقيع البلدين على اتفاقية دفاع مشترك في عام 1954.

تتبع لورنس رايت من «نيويوركر» ببراعة كيفية انعكاس الدعم الاقتصادي لباكستان على المصالح الأميركية الجيوسياسية في المنطقة، في مقاله «اللعبة المزدوجة». ولكن لا تعد الولايات المتحدة وحدها الطرف المذنب في سعيها لأن تكون الأولى. أساءت باكستان استغلال المساعدات الأميركية - فوجهت في بعض الأحيان الموارد لدعم منظمات إرهابية أو لتسليح الدولة ضد عدوها اللدود، الهند - حتى أصبحت ذات نتيجة عكسية، ليس فقط على المصالح الأميركية في المنطقة بل وأيضا على الاستقرار السياسي في باكستان.

في حقيقة الأمر أحبطت علاقات باكستان الوثيقة مع الجماعات الإسلامية مثل الجماعة الإسلامية وطالبان وشبكة حقاني وعسكر طيبة، وغيرها، محاولات باكستان من أجل فرض سيطرتها في أفغانستان، أو الحد من قوة الهند في شبه القارة، وهما أبرز سببين وراء إقامة تلك الصلات.

على سبيل المثال، بدأت حركة طالبان، وهي المنظمة التي نشأت ماليا على يد الاستخبارات الباكستانية، في التسبب في مشكلات خطيرة لباكستان في عام 2009. كما يوضح رايت، على الرغم من أن باكستان حليف مهم رسميا للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب في المنطقة، «في جنوب وزيرستان، أسفرت الجهود الفاترة للجيش (الباكستاني) ضد رعاياه من المتطرفين.. عن انتكاسة شرسة، حيث هاجمت طالبان مكاتب الاستخبارات وبدأت في السيطرة على مناطق من الأراضي الباكستانية، منها وادي سوات الذي يبعد عن إسلام آباد بمسافة 200 ميل (321 كيلومترا)». وسواء أدركت باكستان أم لم تدرك خطورة هذا التهديد، تعرف البلاد جيدا التكاليف الاقتصادية والبشرية التي تتكبدها بسبب وجود المنظمات الإرهابية على أراضيها.

وأضاف رايت: «في عام 2006، وقعت ست عمليات انتحارية في البلاد، وفي العام التالي وقع 65 حادثا وقتل 640 شخصا. وفي العام الماضي، قتل 1200 شخص جراء تفجيرات انتحارية. كما قتل ما يزيد على 3000 جندي باكستاني» في أحداث انتحارية نظمتها المنظمات ذاتها التي دعمها الجيش الباكستاني.

من الواضح أمام هذه الأوضاع البشعة أنه من مصلحة باكستان إعادة تقييم كيفية تعاملها مع المنظمات الإرهابية التي تعمل على أراضيها. ولكنها تشير أيضا إلى أهمية إعادة تقييم من يحصلون على الدعم الاقتصادي الأميركي. منذ عام 1954، تقدم الولايات المتحدة للجيش الباكستاني مليارات الدولارات في صورة مساعدات عسكرية. ووفقا لوثيقة نشرها موقع «ويكيليكس»، لم تكن الاستخبارات الأميركية غافلة عن العلاقات بين الجيش الباكستاني وأعداء الولايات المتحدة؟ ولم تجهل أيضا أن المساعدات العسكرية المقدمة إلى باكستان تخدم بصورة مباشرة هؤلاء الأعداء. إذن ما الذي تأمل الولايات المتحدة في الحصول عليه من السماح باستمرار ديناميكيات علاقتها مع باكستان.

يقال إن تعريف الجنون هو أن الشخص يفعل الشيء ذاته مرارا وتكرارا، ولكنه يتوقع الحصول على نتيجة مختلفة. من المؤكد أن الولايات المتحدة يساورها شكوك بشأن ولاء باكستان منذ عام 1954، وفي أكثر من مناسبة خفضت المساعدات الاقتصادية والعسكرية المقدمة للبلاد. ولكن في النهاية، عاد الأميركيون لتقديم مزيد من المساعدات متوقعين نتائج مختلفة. والآن بعد أن أظهر مقتل بن لادن أن الجيش الباكستاني على أسوأ تقدير كان يعرف أنه يختبئ في البلاد، وعلى أفضل تقدير يجهل الجيش تماما ما يحدث على أراضيه، جاء وقت انتهاج الولايات المتحدة أسلوبا جديدا في علاقتها مع باكستان.

لا يشير ذلك إلى وجوب تخلي باكستان والولايات المتحدة عن أي محاولات لإقامة علاقات مثمرة. تشترك الدولتان في المصالح، حتى وإن كان أقل قاسم مشترك هو المبدأ العام في الحفاظ على استقرار منطقة أفغانستان وباكستان. ولكن بعيدا عن الشكوك في سيطرة الحكومة الباكستانية على جيشها هناك عدد من المعوقات الأخرى التي تقف أمام إقامة علاقات مثمرة.

بصراحة، باكستان أحد أكثر الدول عداء للولايات المتحدة في العالم. ومن الصعب على السياسيين الأميركيين تبرير استمرار الدعم لدولة يشعرون أنها لا تساعدهم ولا تحبهم.

وفقا لبريان كلوغلي، الكاتب في «المجلة» والخبير في شؤون باكستان، الشعور بمعاداة الولايات المتحدة في باكستان «شديد بصورة مذهلة، حيث أظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو في العام الماضي أن 17 في المائة فقط من الباكستانيين يحبون الولايات المتحدة، على الرغم من أن 60 في المائة أرادوا إقامة علاقات جيدة معها. الشعور العام هو أن الولايات المتحدة متكبرة». ولماذا لا يشعرون بذلك إذا كانت الولايات المتحدة تتحدى بانتظام سيادة دولتهم على أراضيها بغارات من أجل قتل زعيم «القاعدة».

ومن جانبهم، يبادلهم الأميركيون هذا الارتياب، حيث طرح استطلاع رأي آخر أجراه مركز بيو بعد مقتل أسامة بن لادن على الأميركيين سؤالا عن رأيهم في الدور الذي لعبته باكستان في العثور على بن لادن. قال أكثر من 40 في المائة إن تدخل باكستان على الغالب أضر بتلك العمليات في الماضي. وأكد السيناتور جيمس ريش (الجمهوري من ولاية إيداهو) هذا الشعور بانعدام الثقة في جلسة استماع لمجلس الشيوخ تتعلق ببرامج المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تصل إلى مليارات الدولارات المخصصة لباكستان، حيث قال: «بصراحة لقد سئمت من هذا، وأعتقد أن الأميركيين سئموا منه أيضا حيث نقدم الأموال لأشخاص لا يحبوننا إطلاقا».

أمام هذا الشعور الكبير بانعدام الثقة بين الدولتين، والذي وصل إلى أعلى درجاته الآن، ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لإنقاذ ما تبقى من علاقاتهما؟ أولا يجب على الولايات المتحدة في المستقبل أن تكون أكثر دبلوماسية في أسلوب تعاملها مع باكستان. بمعنى أنه إذا التزمت الولايات المتحدة بشن هجمات بطائرات من دون طيار، وانتهاك سيادة باكستان على أراضيها لتحقيق أهداف تتعلق بالأمن القومي، فأقل ما يمكن أن تفعله أميركا هو السماح لباكستان بحفظ ماء الوجه.

كان حفظ ماء الوجه، الذي يبدو مُتجاهَلا، مهما من أجل تقوية العلاقات بين الدولتين في الماضي. على سبيل المثال في فبراير (شباط)، استطاع السيناتور جون كيري أن يفرج عن راي دافيس مقاول «السي آي إيه» الذي اعتقل في باكستان لإطلاقه النار على رجلين حاولا سرقته مما أسفر عن مصرعهما. كان رد فعل الإدارة هو طلب الحصانة الدبلوماسية. ولكن، كما صرح مسؤول باكستاني لـ«نيوزويك»: «إنهم لا يريدون أن يعترفوا بأن أحد رجالهم أخطأ. ويحاولون لي ذراعنا».

اجتمع السيناتور كيري وقتها مع السفير الباكستاني حسين حقاني، الذي أشار إلى أن الموقف «يتطلب تعبير الولايات المتحدة عن الندم وأن يصل ذلك إلى لاهور» حيث وقعت الحادثة. وقد خفف ظهور كيري في التلفزيون الباكستاني معتذرا عن وقوع الحادث من الأمر «مما سمح للدولتين بحفظ ماء الوجه».

بالطبع تزداد الدبلوماسية تعقيدا في حادث مقتل بن لادن. لم يثق البيت الأبيض في باكستان ليطلعها على معلومات تتعلق بخططه. ولكن بمجرد أن تمت العملية، يثار تساؤل حول ما إذا كان من الضروري أن تؤكد الولايات المتحدة على أن العملية تمت من دون معرفة باكستان. كما أوضح كلوغلي لـ«المجلة»: «تعتبر باكستان أنها تعرضت للإهانة والتحقير بسبب عملية قتل بن لادن، وهو ما أثير من دون شك وعلى وجه التحديد بسبب عدم محاولة الولايات المتحدة حتى إخفاء عدم علم باكستان بما يحدث».

ولعل الأكثر أهمية هو أن البيت الأبيض استخدم الإهانة كوسيلة لمعاقبة باكستان على تعاملاتها المزدوجة. وفي إجابة على مسألة ما إذا كان على باكستان أن تدفع ثمن صلاتها ببن لادن، صرح وزير الدفاع روبرت غيتس قائلا: «إذا كنت مكان الباكستانيين، كنت سأقول إننا دفعنا الثمن بالفعل. لقد تعرضت لإهانة. وظهرت وكأن الأميركيين في إمكانهم القدوم إلى هنا والقيام بالعملية مع الإفلات من العقاب. أعتقد أن علينا أن ندرك أنهم يرون التكلفة والثمن الذي دفعوه».

يقول بعض المحللين إن العثور على بن لادن مع الإقصاء الواضح لمعرفة باكستان منح الولايات المتحدة تفوقا مهما في التعامل مع الحكومة الباكستانية، في مواجهة علاقاتها الممكنة بأعداء الولايات المتحدة. ولكن جاء هذا النفوذ بتكلفة باهظة، حيث تشعر باكستان بالإهانة، فما فائدة النفوذ حسن النية إذا قررت الحكومة أن العلاقات المثمرة مع الولايات المتحدة لا تستحق السعي وراءها.

في الحقيقة، لا يضمن تكتيك السماح لباكستان بحفظ ماء الوجه أي نوع من الولاء من جانب العناصر الشريرة في الجيش الباكستاني، وهو الأمر المهم من أجل تطوير علاقات مثمرة بين باكستان والولايات المتحدة. ولكن أشار سفير باكستان لدى الولايات المتحدة إلى بديل مهم للوضع الراهن.

أوضح السفير أنه بدلا من المساعدة، يتسبب الدعم الأميركي للجيش في إضعاف مؤسسات المجتمع المدني في باكستان بالمقارنة «إذا لم يقتنع الجيش الباكستاني القوي بتسليم السلطة تدريجيا لمدنيين علمانيين ويسمح للسياسة العلمانية ذات المصالح الإقليمية والاقتصادية أن تتغلب على المشاعر الدينية، لن يتوقف ضعف البلاد أمام السياسة الإسلامية المتطرفة. بمساندة الحكومة الأميركية، قد يستطيع الجيش الباكستاني أن يحافظ على واجهة الاستقرار لسنوات عدة مقبلة، ولكنه سيرغب في ظل الدعم الأميركي في الحفاظ على مكانته، وعلى الأرجح أنه سيقدم تنازلات للإسلاميين من أجل إضفاء شرعية على سيطرته على حكم البلاد».

بطريقة أخرى، من خلال تقديم الدعم المالي للجيش، تشجع الولايات المتحدة عن غير قصد طموحاته السياسية. وبدلا من ذلك، ستساهم زيادة الدعم للحكم الجيد والتنمية الاقتصادية والشفافية في تشجيع إقامة جهاز عسكري يمكن أن تتعامل الولايات المتحدة معه في هذه المنطقة المعقدة التي مزقتها الحروب.

بولا ميجيا
font change