شركات الأمن الخاصة.. لا رقيب أو حسيب

شركات الأمن الخاصة.. لا رقيب أو حسيب

[caption id="attachment_55226405" align="aligncenter" width="620" caption="سوق حرة للقتل.. مرتزقة من كل الجنسيات بلا أسماء ولا ملامح "]سوق حرة للقتل.. مرتزقة من كل الجنسيات بلا أسماء ولا ملامح [/caption]

في سبتمبر (أيلول) عام 2007، قتل 17 عراقيا في ساحة النسور في بغداد على يد قوات من شركة بلاك ووتر، وعلى الرغم من أن موظفي شركة الأمن الخاص ادعوا أنهم فتحوا النار ردا على كمين، فإن التحقيقات التي تلت الحادث كشفت أن العراقيين القتلى كانوا جميعا من المدنيين وليسوا مسلحين، وأن فرقة بلاك ووتر أطلقت النار من دون أن تتعرض لأي عمل استفزازي ساعة وقوع المجزرة.

[caption id="attachment_55226408" align="alignleft" width="180" caption="بلاك ووتر.. سجل أسود"]بلاك ووتر.. سجل أسود[/caption]

وقد صدر مرسوم عام 2004 عن سلطة التحالف الأميركية المؤقتة، يمنع مقاضاة شركات الأمن الأجنبية في المحاكم العراقية، وبذلك عرضت القضية ضد موظفي بلاك ووتر حاملي الجنسية الأميركية على محكمة فيدرالية أميركية، وفي فبراير (شباط)، بعد أن رفض قاض أميركي جميع الاتهامات الجنائية الموجهة إلى موظفي الشركة المتهمين بارتكاب المجزرة، أمر العراق بطرد جميع الموظفين المتعاقدين مع بلاك ووتر العالمية (التي كانت قد غيرت اسمها بالفعل إلى إكس سيرفيسز).

ولم تنته المعركة القضائية ضد موظفي بلاك ووتر الأميركيين المتورطين في حادثة ساحة النسور عام 2007. فقد أعيد فتح القضية في أبريل (نيسان) في العام الحالي في محكمة استئناف أميركية في واشنطن العاصمة، وهو القرار الذي بررته المحكمة بالكشف عن أخطاء "نظامية" في الحكم الصادر في ديسمبر (كانون الأول) عام 2009 بنفي الاتهامات.

[caption id="attachment_55226423" align="alignleft" width="181" caption="أقنعة للتخفي والهروب من المحاسبة"]أقنعة للتخفي والهروب من المحاسبة[/caption]

مرتزقة للايجار


ربما تكون مأساة ساحة النسور أكثر الفصول قتامة - أو على الأقل القصة التي لاقت أكبر قدر من التغطية الإعلامية في الأعوام الأخيرة - في تورط شركات أمنية وعسكرية خاصة فيما يتعلق بالصراعات الدائرة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ومع طبيعة المخاطرة لعمل هذه الشركات، لا سيما في ظل الأعداد الكبيرة من العاملين الذين يتم نشرهم حاليا في العراق وأفغانستان والصومال، الدول الثلاث الأكثر بروزا في هذا المجال، تفيد تقارير بوقوع حوادث مشابهة تتورط فيها شركات أمنية وعسكرية، فمن بين الروايات المزعجة الأخرى أن مسلحي شركة "أغيس" لخدمات الدفاع البريطانية قتلوا مدنيين في العراق عمدا بغرض الترفيه، كما وقعت مجرزة لمشردين على يد مجموعات مرتزقة من ليبيريا موالية لرئيس ساحل العاج السابق لوران غباغبو.

ويتفق حجم زيادة نشاط الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة مع غياب جهاز فعال للقانون الدولي، للتعامل مع قضايا من هذا النوع، ففي عام 2007 نبّه تقرير صادر عن الأمم المتحدة حول نشاط المرتزقة، جمعته مجموعة من خبراء حقوق الإنسان المستقلين، إلى حقيقة أن معظم الأفراد المتعاقدين المنتشرين في مناطق الصراعات المسلحة لا يمكن مساءلتهم إلا أمام الشركات التي تتعاقد معهم، وكشف التقرير عن أن الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد واستخدام وتمويل وتدريب المرتزقة المطبقة منذ عام 2001، لم توقع عليها سوى 32 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

في حين لا تميز المادة 47 من البروتوكول الإضافي في اتفاقية جنيف بين الأعمال الدفاعية والهجومية في تعريف "المرتزقة"، ويتكرر الادعاء بأن هذه الشركات تتدخل فقط في الأعمال الدفاعية لتبرير الاستعانة بها، وقد أسهمت الصعوبات المتمثلة في سيناريوهات الصراع شديدة التعقيد وغير المتوقعة في جعل الخط الفاصل بين توفير الحماية والتورط في أعمال هجومية يختفي بسهولة. تقدم الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة مجموعة من الخدمات، منها حماية الدبلوماسيين والمباني وتدريب قوات الشرطة والقوات السرية، إلى مجموعة متنوعة أيضا من العملاء من بينهم سفارات وشركات (منها الإعلامية) ومنظمات غير حكومية.
وعلى الرغم من أن مصطلحي الشركات الأمنية والشركات العسكرية يشير إلى اختلاف نظري بين تركيز الأولى على الحماية والأمن، والثانية على الجوانب العسكرية، فإنه يبدو أن هناك تداخلا متزايدا بين الخدمات التي يؤديها كلا النوعين من الشركات.

عقود بالمليارات


كانت الشركة التي عرفت باسم "بلاك ووتر" في السابق، وتقدر أرباحها بحوالي مليار دولار من الحكومة الأميركية في العقد الماضي، واحدة من بين ما يزيد عن 40 شركة أمنية وعسكرية ما زالت تعمل في العراق. وفي العام الماضي، وفقا للبيانات المتاحة، توجد 52 شركة أمنية وعسكرية خاصة في أفغانستان و30 ألف متعاقد أمني خاص، من بينهم نحو 19 ألفا يعملون لصالح وزارة الدفاع الأميركية. على سبيل المثال، حصلت شركة "دين كروب"، إحدى الشركات الكبرى في هذا المجال، على عقد لمدة ثلاث سنوات بقيمة مليار دولار لمساعدة الناتو على تدريب قوات الشرطة الأفغانية.
كما توجد أيضا شركات أمنية وعسكرية خاصة في الصومال حيث تدرب الأجهزة الأمنية في الصومال وتحمي السفن التجارية من القراصنة. ولكن ترددت شائعات بأن "شارسين إنترناشيونال "(التي يدعمها إيريك برنس، مؤسس "بلاك ووتر") متورطة في أعمال قتالية ضد مسلحي حركة الشباب، بالإضافة إلى إعدادها لشن عمليات مستقبلية على قواعد القراصنة على الأرض.

[caption id="attachment_55226414" align="alignright" width="336" caption="امكانات جيوش نظامية"]امكانات جيوش نظامية[/caption]

ونجد في بعض الأحيان أن الحماية التي توفرها الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة لأفراد السلك الدبلوماسي والعسكري وفرق إعادة الإعمار تذكر كميزة لصالح الصناعة الأمنية التي يقدمها القطاع الخاص، لكن تقريرا صدر عن مركز التعاون الدولي في جامعة نيويورك - تحت عنوان الثمن العام للأمن الخاص في أفغانستان ـ يشير إلى أن تلك المكاسب قصيرة المدى تأتي على حساب أهداف أخرى طويلة المدى تماثلها في الأهمية على الأقل، ويشير التقرير إلى أن تمويل الشركات الأمنية الخاصة وهياكل السلطة البديلة يشتت الأموال التي يجب أن تستثمر في تقوية الشرطة الوطنية الأفغانية التي ستسهم في غرس "ثقة الشعب في الأمن العام" وهو الأمر المطلوب بشدة.

بعيدا عن فكرة المحاسبة القانونية والقضايا الأخلاقية التي تثيرها الأرباح الطائلة التي تجنيها الصناعة ككل والتي تتغذى على انعدام الأمن، هناك احتمالات أخرى تتطلب فرض رقابة على عمل تلك الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة. إن التعاقد على خدمات شركات الأمن الخاصة يشجع العملاء الجدد الذين يريدون حماية مصالحهم - أيا كانت - في مناطق الصراع، فعلى سبيل المثال في حالة حكومة تواجه قرارا تقليديا معقدا فيما إذا كانت سترسل قوات جيشها النظامي إلى أي صراع يسمح باستبدال المرتزقة بالقوات النظامية، حيث يمكن أن تتجنب الحكومة هجوم الشعب عليها في الداخل إذا قتل جنودها، كما حدث على سبيل المثال مع إدارة كلينتون بعد مقتل 19 أميركيا في معركة مقديشو.

كما أن قوات المرتزقة على الأقل تشكل وجودا أجنبيا أكثر تخفيا من فرق القوات النظامية التي تحمل أعلام بلادها على أكتافها، وهي فعليا يمكنها القيام بالمهمات ذاتها تقريبا. بعيدا عن هذه الجوانب السياسية والاستراتيجية، هناك تساؤل حول ما إذا كانت تلك الشركات تساهم في نشر الصراع المسلح وخصخصته. أي أن يدفع أحد الأطراف بينما يقوم الآخر بالمهمة دون مساءلة، ولا توجد محاسبة في حالة وقوع أخطاء، ويبدو أن أيام "الحرب" بصفتها "استمرارا للسياسة في صور أخرى"، كما وصفها كارل فون كلاوزفيتز المؤرخ العسكري البروسي، قد انتهت منذ زمن بعيد، وبفضل الطلب المتزايد على خدمات الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة على مدار العقدين الماضيين، يتزايد التعامل مع الصراعات المعقدة على أنها عمل تجاري غير خاضع للتنظيم.

مانويل ألميدا
font change