تحالف يائس مع التصوف لمواجهة الإسلام السياسي

تحالف يائس مع التصوف لمواجهة الإسلام السياسي

[caption id="attachment_55226542" align="aligncenter" width="620" caption="أي الفريقين ينتصر.. الليبراليون أم الاسلاميون.. أم تنتصر مصر؟"]أي الفريقين ينتصر.. الليبراليون أم الاسلاميون.. أم تنتصر مصر؟[/caption]

الارتباك سيد الموقف حيث قرر الليبراليون المصريون بتنويعاتهم المدنية المختلفة ترك معركة (المعنى) وهو التفكير في البرامج السياسية المقترحة ومحاولة إيجاد صيغة قابلة للاستقطاب الشعبي بحكم أنهم أقلية نخبوية وذهبوا ليتصارعوا مع خصومهم حول (المبنى) بدخولهم بوابة التحالف مع التصوف في محاولة يائسة للرد على مليونيات الإسلام السياسي وحلفائه من السلفيين القادمين الجدد إلى معلب السياسة معتمداً على جمهوره العريض الذي كان إلى عهد قريب محل ذم الإخوان بحكم أنه مدجن من قبل النظام السابق لضربه، بينما هو الآن العصى التي يلوح بها أمام المجلس العسكري (ولي الأمر المؤقت) الذي لا يلتفت إليه السلفيون الذين بدوا في مطالبتهم بدولة الحزب الواحد ماركسيين مؤدلجين بألوية خضر رامين بنظريات "ولي الأمر" عرض الحائط في إشارة إلى أن لعبة السياسة لعبة تبادلية لا بد أن يقتسم طرفاها المصالح والمكتسبات، فمن يمنح الشرعية يحتاج أن يوهب في مقابلها سلطة فوقية ولو في ميدانه الخاص!

في مقابل هذا التحالف بين الإخوان وبقية الجماعات الإسلامية غير المسيسة والمتنافرة في زمن ما قبل الثورة، نجد في الضفة الأخرى تحالف نخب الليبراليين وشباب الثورة مع الطرق الصوفية التي انتقلت من زواياها وأروقتها ورمزيتها الروحية التي لم تكن لتشكل تجمعاً خارج ميدان التدين الشعبي لتجد نفسها ليبرالية بين ليلة وضحاها تتحدث عن الدولة المدنية ومبادئ حاكمة للدستور ورفضها لدولة دينية بالمعنى الإخواني.

شباب الثورة بدوا في تحالفهم هذا كالغرقى الذين تلاطمت من حولهم أمواج التيارات السياسية المتكلسة والتي اختطفت ثورتهم يملؤهم الشعور بالوحدة والصدمة من أقليتهم التي أفرزها الواقع ولم يشفع لمفارقة لعبة الأرقام على الأرض حجمهم الافتراضي على شبكات الإنترنت ومنتديات التواصل الرقمية!
براغماتية الإخوان يمكن فهمها كنوع من الفرار أو التأجيل من استحقاقات البرنامج السياسي وأسئلة الدولة المدنية وأي مصر يريدونها كشركاء في السلطة وليس كمعارضة تقدم شعارات ديمقراطية وسلمية لاستقطاب المعارضة ومواجهة الحزب الواحد في المرحلة السابقة، حيث يبدو أن ثمة انقسامات كبيرة داخل الجماعة يتبدى في شكل التناقضات بين الرموز النخبويين من الجيل الجديد وبين صقور الإخوان، المحفوفين بالكوادر ذات الأعداد الغفيرة والتي طرأت عليها تحولات كبيرة، جعلتهم أقرب إلى السلفيين منهم إلى الإخوان المستنيرين الذين يوزعون ابتسامات الطمأنة في شاشات التلفزة وفي الحوارات المباشرة مع الغربيين دون أن يكونوا واثقين تماماً من أنهم يمثلون التكتلات العريضة من شباب الإخوان وهو الأمر الذي يتطلب مراجعة طويلة من قبل الجماعة وتقييما لأوضاعهم فالاتفاق النظري على شعارات عامة يمكن أن يصنع معارضة متحدة لكن شيطان التفاصيل سرعان ما يستيقظ عند طرق باب السلطة.

من جهة ثانية يمكن فهم موقف الطرق الصوفية وإلى حد كبير الأقباط، الذين رأوا في ما يقال عن ميل المجلس العسكري والغرب إلى الإخوان بحكم أنهم شريك سياسي محدد الملامح ويمكن مفاوضته، تجاهلاً لهم بل وتمكينا لخصمهم في المعركة الاجتماعية التي كان يديرها النظام السابق بثقل سلطة الأزهر المعنوية، وخطابه المعتدل، التي كانت تفلح كثيراً في تهذيب أظافر الجماعات المشاكسة من جميع الأطراف.
[caption id="attachment_55226535" align="alignleft" width="200" caption="الثورة.. نعمة على الديمقراطية أم نقمة!"]الثورة.. نعمة على الديمقراطية أم نقمة![/caption]
غياب الأزهر بسبب صدمة الثورة وما شكلته من تحد كبير لاستقلاليته وهيبته تحتاج إلى وقت لاسترجاعها.
ولا بد على المجلس العسكري أن يستثمر دور الأزهر كضابط إيقاع للمسألة الدينية وتماسه مع الشأن السياسي فيقوم بدعمه ويمنحه الاستقلالية ليعود لدوره الطبيعي فمن دون حسم جدل الخطابات الدينية من الصعب جداً الوصول إلى صيغة توافقية سياسية، فالثورة المصرية كما باقي الثورات التي حدثت في الدول العربية لا يمكن أن تحدث تغييراً حاسماً إذا ما لم تحسم ملفات تتصل بـ "الهوية الدينية" وعلاقتها بالسياسة والمجتمع والموقف من الأقليات.

ربما كان الموقف غير القابل للهضم هو استمالة التيارات الليبرالية التي كان ينظر إليها على أنها الأنضج عربياً من حيث التجربة والإرث التاريخي للطرق الصوفية بدافع اللعب على ورقة "الكم" الخاسرة، فبالأساس الحرص على تجميع مليونية مضادة ضمن شعار "حب مصر" لا يمت لليبرالية في أكثر نسخها تعريباً وتجاوزاً بصلة وهو الأمر الذي يقودنا إلى طرح سؤال الليبرالية من ذاته الذي لا يعني في كثير من تمثلاته في العالم العربي أكثر من التمايز عن جماعات الإسلام السياسي بخطاب يقدم تصوراً أكثر تسامحاً للإسلام وعلاقته بالدولة المدنية.
فالجميع يعلم أن أساس الليبرالية ونسغها ومادتها الخام قائم على الفردانية وإعادة الاعتبار للفرد وهو أمر يختلف مع كل أشكال الشمولية وتجميع الكوادر على شعارات عامة مما يعرف بـ"تكثير السواد " بالمفهوم الحركي.

من جهة ثانية، تاريخياً، لم تكن الليبرالية عبر حضورها النخبوي في التجربة العربية سوى تيار في ظل السلطة القائمة أي أنه لم يكن في خانة المعارضة بل أقرب للمحافظة السياسية التي تتعالى على الدخول في صراعات ذات طابع ديني أو طائفي وهو الأمر الذي جعل الليبرالية في مأزق في مرحلة النظام المصري السابق وفي مأزق أكثر حدة في ما بعد الثورة بحكم اصطدامها المبكر وبشكل افتقد النضج والعقلانية مع المجلس العسكري والجيش على طريقة المفاصلة مع الماضي بشكل مثالي أقرب إلى طريقة التفكير الشمولي الذي يتمتع به أنصار الحزب الواحد من الشيوعيين وجماعات الإسلام السياسي الذي تتشابه في مسألة "المفاصلة " أو "القطيعة " كل بحسب تعبيره .

الليبرالية لم تكتف بغربتها بل قامت بممارسة دور تكفيري مدني إذا صحت التسمية كالذي مارسه غلاة الجماعة المتشددة وكأن التيارات السلفية هي نابتة ولا تمثل المجتمع المصري في حين أن السلفية كما قلت في مقال سابق ظاهرة دينية معولمة عابرة للقارات تتشابه في الخطوط العريضة لكن ثمة سلفيات متنوعة بحسب البلد الذي نشأت فيه وهي ضاربة الجذور في الحالة المصرية فلا يصح أن يتم وصفها بالطارئة وإخراج أتباعها من "ملة المواطنة" كما يفعل بعض الليبراليين في ردة فعل قوبلت بنفس الأداة حيث كتب أحد دعاة السلفيين بأن الليبرالية هي الطارئة على مصر حيث محمد علي ليس مصرياً وجمال الدين الأفغاني ورفاعة متفرنس.
وبغض النظر عن الرد الذي إذا تجاوزنا طرافته وسطحيته إلا أنه يعبر عن حالة التجاذب والجذب الحادة التي تعيشها الحالة المصرية والتي لا تشبه جذب المتصوف العارف الذي يغيب عن حضور السوى وحظوظ النفس والأنا، كما يقول المتصوفة الحقيقيون لا المتدروشون !
font change