الاستقطاب التركي الإيراني.. تركيا تتقدم

الاستقطاب التركي الإيراني.. تركيا تتقدم

[caption id="attachment_55228054" align="aligncenter" width="600" caption="أردوغان ونجاد.. صراع نفوذ"]أردوغان ونجاد.. صراع نفوذ[/caption]

في سباق "النفوذ في الشرق الأوسط"، لم تكتف إيران بإرسالها للرسائل الصامتة وغير المباشرة إلى تركيا، وقررت هذه المرة أن تقدّم رسالتها بصورة واضحة، فصعّدت حملتها على تركيا وسياساتها ومشروعها في الشرق الأوسط، ظهر ذلك بتصريح أحد المقرّبين للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، عيّن فيه على تركيا إعادة النظر جذرياً في ما تفعله في الشرق الأوسط، ودعاها للكف عن محاولاتها لترويج النموذج الإسلامي العلماني في العالم العربي.

و ضَمّن في خطابه قضايا أخرى تتعلق بموقف تركيا من سوريا، وموافقة تركيا على الدرع الصاروخي، الذي رأى أنه يخدم المصالح الإسرائيلية، واعتبره الرئيس نجاد "خطأ فادحا".

لا تزال إيران تحاول استعادة زمام المبادرة، وكبح جماح الأتراك، وتسجيل نقاطٍ لصالحها، سياسية أو اقتصادية، ولكنها إلى الآن لم تُقدّم مشروعات بديلة للمشروع التركي، ولا تبذل استثمارات مناسبة، ولا تفتأ تقع في الفخ الطائفي، وتُجافي المنطق الحقوقي الرائج في المنطقة العربية، إلا أنها لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي، وهي ترى ثغرات واضحة في المشروع التركي، فالدرع الصاروخي الذي وافقت عليه تركيا، شمّاعة مناسبة تستطيع حمل الاتهام بالعمل لخدمة المصالح الأميركية، وتقوية الحلف الأطلسي الذي تختصر إيران مهامه وأهدافه في كونه حماية إسرائيل من هجوم إيراني.

منذ أن وصف المرشد الأعلى علي خامنئي الانتفاضات العربية بأنها صحوة إسلامية، ولاقى هذا الوصف هوى الجماعات الإسلامية، وإيران تُصر على أن الربح لا يأتي إلا من هذا الوصف والمنطلق، الذي أكسبها الكثير من النفوذ –حينها-، إلاّ أنها خسرت يوم أن تخندقت في خندق طائفي، فمالت الكفة لصالح تركيا، ولكن صمت إيران لا يطول فقد انتظرت إلى أن جاء الوقت الذي أيّد فيه أردوغان الديمقراطية المسلمة العلمانية، وانتهزت هذا الموقف، فرصة للدخول مرة أخرى للتأكيد على أن الأتراك يسيرون في طريق خاطئ، ويلمحون إلى أن هذا هو الطريق الذي رسمه لهم الأميركيون.

بطبيعة الحال فإن الرسائل لا تأتي بلهجة واحدة، و يقترن فيها الترهيب بالترغيب، لذلك لم تنس إيران أن تضع الجزرة وتلمّح إلى أن حجم التعاقدات مع تركيا الذي يصل إلى 20 مليار دولار يستوجب أن يصاحبه توافق ولو مؤقت. في الوقت نفسه فهي تعيّر تركيا بأنها لم تحسم وضعها مع شعبها وأمتها، في إشارة للقضية الكردية.

من الطبيعي أن ترد تركيا، بالصمت وتنشغل بحصاد جولاتها الأخيرة، ومواقفها التي تفوقت فيها على إيران، وهي تدرك أن إيران تعاني من مشاكلها الداخلية، وصراعات المرشد والرئيس، والتيار الإصلاحي والمحافظ، والحركة الخضراء ورياح الثورة، والأقليات وسوء إدارتها، ولا يعدو التنابز بالقمع بينهما أن يكون بيعًا للكلام.

يتكسّب الإيرانيون والأتراك على حد سواء، بالعداء مع إسرائيل، ومع الغرب، بينما ما يزال الصوت العربي، ضعيفًا، ولا تزال الصورة لدى قارئه مشوشة، وبالقدر الذي يحافظ فيه الأتراك بذكاء على أن لا يطرحوا أنفسهم بوصفهم القوة السنّية الأولى، حتى لا يصطدموا بالدور العربي، فإنّ إيران تناطح بوصفها نصير المستضعفين أجمعهم. وعليه فلا زال الأتراك يسجلون المزيد من النقاط، في انتظار أن يبدأ العرب في استثمار تحوّلهم وتأمينه.
font change