الجمهوريات العربية.. المواطنة والاستبداد

الجمهوريات العربية.. المواطنة والاستبداد

[caption id="attachment_55228313" align="aligncenter" width="620" caption="مبارك.. القذافي.. صالح وبن علي.. نهاية عصر جمهوريات الاستبداد"]مبارك.. القذافي.. صالح وبن علي.. نهاية عصر جمهوريات الاستبداد[/caption]

أعزى الباحثون اسباب الاستبداد السياسي في العالم العربي الى اسباب منها ما هو تاريخي، وآخر ديني، بعضها الاخر استعماري، ومثله ثقافي.

في القرن الماضي، توقع البعض ان ينتهي الاستبداد السياسي بعد موجة ثورات 1952، ولكن الاستبداد لم يفارق الشعوب. والمخيف اليوم، ان يستمر الاستبداد في دول الربيع العربي، وتعلن مع ذلك الشعوب العربية خضوعها لهذه اللعنة المستمرة، وينتصر المستبدّون.

الحقيقة المُرّة، ان جلّ الجمهوريات العربية تفتقر الى هوية وطنية واضحة وشاملة. فمع تعدد المسبّبات، يمثل غياب الهوية الوطنية والعمق الثقافي "الوطني" دافعا مهما في تزايد الاستبداد السياسي في العالم العربي.

تاريخيا، كانت الهوية في المنطقة غير مُحددة جغرافيا. بمعنى، انه لم يكن هناك يوما اي نوع من انواع الهوية الوطنية المميزة في حدود اي دولة عربية حديثة. الهوية تاريخيا منطلقها إسلامي، لسانها عربي في غالب الاحيان، كتاباتها، ثقافتها، عاداتها، ومعتقداتها كانت شاملة للمنطقة.

مع سقوط الدول الاستعمارية، بدأت تتشكل الدول العربية بناءا على النظام الدولي للدول المعتمد في اتفاقية ويستفاليا في عام 1648، والمرتكز على مبدأ nation-states بمعنى ان الهوية أو الوطن هما الركيزة الاساسية للدولة.

أسّست جلّ الدول في المنطقة العربية من دون وجود اي هويات وطنية يمكن البناء عليها. وبذلك، أصبحت الدول الحديثة بحدودها الجغرافية المرسومة تحدّد ماهية الوطنية.

بشكل مبسّط، الدولة شكّلت الوطن، فأصبحت الدولة لا ترتكز على الوطن، بل اصبح الوطن، بشكله الجديد، يرتكز على الدولة، ليصبح العامل الذي يميّز هذه الجمهوريات عن بعضها هو رأس الدولة.

بمعنى، ان العربي في اي دولة يتشارك مع نظيره من اي دولة اخرى في غالب المعرفات الوطنية، باستثناء رأس الدولة. عند أخذ ذلك بالاعتبار، فإن رأس الدولة يستمد شرعية وسلطة غير عادية كونه نقطة ارتكاز الهوية الوطنية.

وبذلك، أصبحت الوطنية تقاس بالولاء الى الرئيس من عدمه، وأصبحت معارضة الحزب الحاكم في أي دولة عربية خروجا على الوطن.

استمرار تهميش بناء الثقافة والهوية الوطنية بشكل اكثر استقلالا من الثقافة السائدة والمشتركة بين الدول، سيؤدي بطبيعة الحال الى إعطاء الرئيس سلطة فوق العادة، كثيرا ما تُستغل في الاستبداد السياسي.

بناء الهوية سيبعد المواطنين عن الانصياع التام لرغبات المستبدين السياسيين، بحيث لا تكون معارضتهم للحزب الحاكم خروجا على الدولة وخيانة للوطن.

[caption id="attachment_55228317" align="alignleft" width="434" caption="الشعب يريد اسقاط النظام"]الشعب يريد اسقاط النظام[/caption]

كما انها بالتأكيد الوسيلة المثلى لاستمرار وجود الجمهوريات العربية بحدودها الحالية واستمرار الوطن في حال عدم وجود رأس الدولة. غياب الهوية الوطنية العراقية، على سبيل المثال، ظهرت آثاره السلبية من تشتّت وانقسام بعد سقوط نظام صدام حسين.

في 2009 دعا العقيد الليبي معمر القذافي، الذي كان يتولى في حينها رئاسة الاتحاد الأفريقي، الشعوب الأفريقية إلى تعديل الدساتير الأفريقية لكي تتيح للرؤساء الأعضاء في الاتحاد الأفريقي البقاء في السلطة من دون التقيد بفترات رئاسية محددة، إيمانا منه بأن رأس الدولة هو المكون الأساسي للهوية الوطنية.

قال القذافي: "انه حتى في الدول الغربية التي صدّرت لنا الحزبية والتعددية والانتخابات والنيابة، هي نفسها لم تحدّد ولاية.. الذي يحكم في بريطانيا مثلا هو رئيس الوزراء، ليس هناك حد لولايته، ممكن يرشح نفسه باستمرار، وإذا يريده الشعب يستمر، رئيس وزراء إيطاليا نفس الشيء عنده السلطة يستطيع أن يحكم ورؤساء وزراء الدول الغربية كلهم بهذا الشكل، فمنصب الرئيس الأميركي أو من يشبهه، مجرد مناصب فخرية، لأن هناك مؤسسات رأسمالية هي التي تُسيّر المجتمع، لكن بالنسبة لنا نحن العمل مربوط بالرئيس الذي عنده السلطة التنفيذية، نحن أقرب للقطاع العام لأن ليس عندنا قطاع خاص يذكر". وبعد ذلك اختزل فلسفته في الوطنية ودور رأس الدولة بقوله لمواطنيه: "من انتم؟" مؤكدا انه هو الوطن والدولة.

اختزال الوطن في شخص واحد، بعيدا عن ثقافة وهوية متكاملة، هو احد أهم أسباب الاستبداد السياسي، بالاضافة الى التخبّط الاجتماعي في حال وقوع "الرّمز الوطني".
font change