ليبيا من الفوضى المقيّدة إلى الفوضى العارمة

ليبيا من الفوضى المقيّدة إلى الفوضى العارمة

[caption id="attachment_55230286" align="aligncenter" width="628" caption="ليبيا ما بعد القذافي.. شعار الشعب المسلح أصبح واقعا مخيفا يهدد استقرار وأمن البلاد"]ليبيا ما بعد القذافي.. شعار الشعب المسلح أصبح واقعا مخيفا يهدد استقرار وأمن البلاد[/caption]


كان كثير من الناس في هذا البلد الذي عمته الفوضى سنين طويلة، لا يأتون لوظائفهم، وإن أتوا يغادرونها مبكرا، والمسؤولون لا يأبهون. وعلى الرغم من أن الفوضى كانت في كل مكان مثلما كانت لجان القذافي الثورية والشعبية في كل مكان، إلا أن فوضوية نظام الكولونيل السابق كانت مراقبة ومقصودة أيضا. وكان الغرض منها بث الحيرة بين الناس، لكي يظلوا لاهين في أمورهم الشخصية، ومشاكلهم اليومية. لا أحد كان في مقدوره تجاوز هذه الفوضى.

اليوم شعر الليبيون بالحرية ويريدون أن يعبروا عن هذه الحرية بأقصى ما يمكنهم التعبير به حتى لو كانت الفوضى عمودا فقريا فيه. لكن هذه الحرية تتحول يوما بعد يوم إلى فوضى عارمة، يدعمها سلاح فتاك يباع كالطماطم في كل مكان. فإثر سقوط نظام العقيد القذافي اختفت أعداد هائلة من الصواريخ بلغ عددها 10 آلاف صاروخ وهي صواريخ سهلة الاستعمال وتحمل على الأكتاف، بالإضافة إلى أسلحة كيميائية أخرى. كما أن هناك آلافا من الأسلحة الخفيفة اختفت من مخازن السلاح.

والقلق من هذه الأسلحة لم يسيطر فقط على الدول المجاورة لليبيا، بل تعداها إلى الدول الغربية، حيث أبدى خبير أمني بريطاني قلقه أيضا، مؤكدا أن بريطانيا قلقة من هذه الصواريخ المفقودة، وبخاصة أنها مقبلة على استضافة الألعاب الأولمبية قريبا، حيث عزت صحيفة (صندي اكسبريس18/12/2011) في تقرير لها أعده الصحافيان تيد جيري وماركو جينانجالي، قرار الحكومة البريطانية نشر نحو 13500 جندي، إلى هذا التهديد الذي تمثله الصواريخ. كما أوردت الصحيفة أن سفينة حربية مجهزة بتكنولوجيا متطورة وتقنيات التشويش ضد الصواريخ وصفارات الانذار، وبها قناصون، ستقبع وسط العاصمة البريطانية لندن على نهر التيمز.

والسفينة الحربية سوف تكون أرضية لطائرات الهليكوبتر من طراز لينكس لاستعمالها في حالات الطوارئ. يأتي هذا بعد أن قالت الصحيفة تحت عنوان مثير: الصواريخ الليبية تمثل تهديدا للألعاب الأولمبية: إن السلطات المصريةاعتقلت خمس مجموعات من مهربي الأسلحة من ليبيا.

[inset_left]
نوعية الأخبار التي ترد من ليبيا:
* محمد الصلابي يتحول من واعظ ديني إلى واعظ سياسي
* هجوم (ثوري) على مستشفى طرابلس المركزي مات فيه مسنان بسبب أزمة قلبية
* اشتباكات بين الثوار والجيش (الذي لم يشكل) تلقي بظلالها على مؤتمر المصالحة في ليبيا
* ثوار يرفضون تسليم مطار طرابلس (غنموه في الحرب) إلى الحكومة الانتقالية
* هجوم مسلح يستهدف موكب رئيس الأركان الليبي (الذي لم يؤسس بعد) في طرابلس محاولين توقيفه عند "حاجز وهمي".
* حي من طرابلس يهاجم أكبر قبيلة في ليبيا ويقتل من هذا الحي 13 شخصا
* الحكومة الليبية تمهل الميليشيات أسبوعين لمغادرة طرابلس
* اقتحام فرقة عسكرية مدججة بالأسلحة الخفيفة والثقيلة يقولون إنها قوات تحت إمرة اللواء حفتر، فندق ريكسوس في العاصمة طرابلس، أين يقيم أعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي.
* رجال مسلحون تابعون للواء خليفة حفتر يقودهم حفيده صدام يقتحمون مصرف الأمان في حي قرجي
* الثوار الليبيون يرفضون الخروج من طرابلس
* اشتباكات وقصف بالصواريخ جنوب طرابلس
* مظاهرات في بنغازي تحرق صور عبد الجليل
* مظاهرات مضادة مؤيدة لعبد الجليل
[/inset_left]


الأخبار التي تأتي من ليبيا مقلقة نسبيا في ما يتعلق بالمظاهر المسلحة، التي لم تحل حتى الآن، وإن أبدى الثوار أخيرا ليونة في هذا الخصوص.
فمن خلال إلقاء نظرة على الأخبار المرفقة مع هذا الموضوع، يتبين أن زمام الأمور في هذا البلد يجنح للفوضى إذا لم توظف الحكومة الليبية كل إمكانياتها للتصدي لظاهرة انتشار السلاح، وتأخذه على محمل الجد. وتعمل ليل نهار على القضاء على المظاهر المسلحة في سائر أنحاء البلاد.

ما أسهل على الحكومة الليبية المؤقتة تنظيف شوارع طرابلس، بل ومدن ليبيا كلها، من المظاهر المسلحة! ليست هناك دواع لهذه الانذارات والتهديد والوعيد. وليس هناك داع للتصريحات التي تصدر بين الحين والآخر عن وزيري الداخلية والدفاع أو عن المجلس الانتقالي الليبي أو عن رئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب.

فقد ورد أن الحكومة الليبية (المؤقتة) أعلنت في بيان لها انها منحت الميليشيات المسلحة مهلة اسبوعين لمغادرة طرابلس، مهددة بإغلاق العاصمة امام حركة السيارات.
تقول الحكومة هذا الكلام، ولكنها لا تسعى إلى تنفيذه. فكلام الحكومة وفرماناتها شيء والواقع شيء آخر. ويثبت هذا الكلام ويعززه، الأخبار التي تحدثت عن اقتحام فرقة عسكرية مدججة بالأسلحة الخفيفة والثقيلة يقولون إنها قوات تأتمر بأمر اللواء خليفة حفتر الذي كان قائدا لقوات القذافي في حربها ضد تشاد في الثمانينات، والتي نالت القوات الليبية تحت قيادته هزيمة منكرة في وادي الدوم في بداية الثمانينات.

وهذه القوة اختارت مكانها بكل دقة، وذهبت لفندق ريكسوس في العاصمة طرابلس، حيث يقيم فيه أعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي. ما جعل رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل وعددا من الأعضاء (ينطّون) من كراسيهم منفجعين أثناء الاقتحام.
وعلق عضو في المجلس نفسه على هذه المداهمة قائلا إنها: "محاولة انقلابية" يقوم بها العسكر على ما وصف بأنه (مدنية الثورة والدولة في ليبيا بعد السابع عشر من فبراير).

الاستيلاء على الأموال


وتساءل رائد سابق في الجيش قائلا: (عماذا تبحث هذه القوة، وما الرسالة التي تريد توصيلها؟ هذا عمل خطير جدا، قد يشجع آخرين على القيام بعمل مماثل).
بل إن موقع المنارة الالكتروني قال إن القوة (قالت لدى دخولها الفندق إن هناك مليار دولار بداخله، ويجب أن يخصص خمسة في المائة منه لحفتر ليؤسس بها جيشا وطنيا).

ومضى الرائد الذي لم يشأ أن يذكر اسمه يقول: (قوة حفتر الباسلة تريد أن تستولي على الأموال بالقوة من هذا الفندق الذي يبدو أنه تحول إلى مصرف مركزي! وقوة حفتر هذه تريد أن تحدد الميزانية التي تخصص للجيش. فما وظيفة وزير الدفاع إذن. وتخيلوا لو أن كتيبة الزنتان قامت بالعمل نفسه وجاءت للفندق بأسلحتها الثقيلة؟!

وماذا لو أن بلحاج وجماعته عمل عملا مماثلا. وماذا لو جاءت القبائل القوية الأخرى وزحفت على طرابلس؟!
ماذا يريدون هؤلاء من طرابلس؟ لماذا لا يلقون أسلحتهم أو يأخذونها معهم ويعودون إلى مناطقهم؟).

وأوضح الرائد أنه (إذا كانت ليبيا قد تخلصت من هيمنة أنجال القذافي، فيبدو أن هناك أنجالا آخرين في طريقهم للهيمنة، منهم على سبيل المثال ابن حفتر بلقاسم، نجل رئيس الأركان، الذي أصبح يصرح للصحافة هو الآخر). في إشارة إلى تصريحات نجل حفتر والتي اتهم فيها مجموعة منافسة من الثوار بالوقوف وراء الهجوم على موكب والده.

ولكن ماذا عن الحادثة الثانية التي كان بطلها ابن حفتر صدام. حيث ذكرت مصادر مطلعة في اللجنة الأمنية العليا في طرابلس أن رجالا مدججين بالسلاح تابعين للواء حفتر بينهم حفيده صدام اقتحمت مصرف الأمان الواقع في حي قرجي متحدية تحذير حراس المصرف مما أدى إلى مجابهة وتبادل لإطلاق.

ويقول مصدر صحافي في العاصمة الليبية طرابلس إن (الغريب في الأمر أن كلتا الحادثتين هدفها مادي، أي البحث عن النقود).
وعلق مصرفي على العملية الأخيرة قائلا: (لقد نجوت بأعجوبة من هذا التصادم بين حراس البنك والقوة التي تريد اقتحامه. تركت مكتبي بما فيه ولذت بالفرار. وأوضح أن مثل هذه الأمور غير مقبولة، وستقود البلاد إلى فوضى عارمة، وخرابا ودمارا).

حلول للثوار


وصرح أحد ثوار في مدينة طرابلس لـ(المجلة) قائلا: (الكل يلوم الثوار هذه الأيام، ويطلبون منهم تسليم أسلحتهم، فماذا لو لم يكن الثوار حول هذا المصرف. بالطبع سيستولون على أموال المصرف كلها). وأوضح قائلا: (إن الثوار لم يقتحموا أي مصرف، ولم يكن دافعهم المال، بل إنهم يحمون أموال الناس، ويوفرون لهم الأمن). ووجهت (المجلة) سؤالا في هذا الخصوص، مبينة أن الثوار يقومون بعمل وطني، ولكن الوطن يحتاح إلى أن تختفي هذه المظاهر المسلحة، ليشعر الناس بالأمان؟ فأجاب قائلا: (إننا متفهمون لهذا الأمر، ونسعى لتحقيقه. ولكن من سيتولى هذا الأمر. البلد ليس على مايرام الآن. إنه يحتاح إلينا لبعض الوقت، وعندما يشكل الجيش الوطني، ويعود رجال الشرطة إلى أعمالهم، فإننا بالتأكيد سنرمي السلاح، نريد دولة منظمة وآمنة، وهذا سيتحقق).


[caption id="attachment_55230295" align="alignright" width="300" caption="الأسلحة في كل مكان وفي متناول الجميع"]الأسلحة في كل مكان وفي متناول الجميع[/caption]


وسألت (المجلة) هذا الثائر عما يريده الثوار، هل لهم طموح سياسي، أم يريدون مكافآت على أعمالهم، أم ماذا؟ فأوضح قائلا: (ينبغي ألا يتركونا هكذا، هناك حلول.. أشياء كثيرة، الثوار ليس لديهم طموح سياسي. المقاتلون الذين أطاحوا بالنظام الاستبدادي السابق لا بد من رعايتهم، وتقديم خدمات جليلة لهم. والحديث هنا ليس عن المناصب الحكومية. ولكن لماذا لا يرسل هؤلاء الشباب في دورات للدراسة خارج البلاد مثلا؟ إدماجهم في الجيش، توفير وظائف لهم. عندها سيشعرون أن جهودهم لم تذهب سدى).

وختاما فإن مسألة إنهاء المظاهر المسلحة، لا تنتهي بإقناع المسلحين بإلقاء السلاح، ولكن لا بد من البديل الفوري والعاجل لمعالجة أوضاعهم. فعندما يقتنع هؤلاء أو يقنعون بضرورة تسليم اسلحتهم، تكون الوظائف البديلة جاهزة فورا.

وهذا أمر بسيط جدا في دولة ليست مكتظة بالسكان، وتمتلك ثروات طائلة. إن على المجلس الانتقالي الليبي والحكومة المؤقتة أن يعالجا هذه القضية من دون إبطاء، بإرسال جانب من هؤلاء المقاتلين أو حتى جميعهم للدراسة في الخارج، وتوفير احتياجات من لا يريد الدراسة، وخلق وظائف لمن يريد وظيفة. وبذلك تحل هذه المشكلة، ويعاد الهدوء والأمن للناس. ينبغي للحكومة الليبية أن تعالج هذه المحاور سريعا إذا أرادت حلا نهائيا للمظاهر المسلحة. الوقت يمر سريعا ويجب أن تعمل الحكومة من دون كلل ولا ملل.

عبد الجليل الساعدي
font change