من يستطيع إغلاق مضيق هرمز؟

من يستطيع إغلاق مضيق هرمز؟

[caption id="attachment_55230724" align="aligncenter" width="620" caption="هل هي الحرب؟"]هل هي الحرب؟[/caption]

الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية كشف عن أن إيران اتخذت كل الوسائل المتاحة لإغلاق مضيق هرمز، لكنه أكد في المقابل اتخاذ بلاده كل الوسائل المتاحة لإعادة فتحه.
نظيره في الشق المقابل قائد البحرية الإيرانية الاميرال حبيب الله سياري أعلن من جهته ان إغلاق المضيق "سهل جدا" للقوات المسلحة الايرانية و"يشبه شرب كأس ماء كما نقول بالفارسية". وقال سياري ان "الجميع يعرفون مدى أهمية مضيق هرمز واستراتيجيته، وهو تحت سيطرة الجمهورية الاسلامية الايرانية بالكامل. "

هذا التلاسن، الذي صدر من أعلى قياديين عسكريين في ايران وأميركا، قد يكون له ما بعده في حال فرض عقوبات على طهران، ومنع تصدير النفط الايراني، واقدام المؤسسة العسكرية الإيرانية على تنفيذ تهديداتها بإغلاق المضيق الذي يعتبر من الممرات المائية المهمة في العالم، من حيث حركة السفن وحجم صادرات النفط المار عبره، والذي يصل الى نسبة إلى 40 في المائة من النفط العالمي، و90 في المائة من صادرات نفط الخليج، وحوالي 50 في المائة من حجم تجارة المنطقة مع العالم.

تعرف إيران جيدا أن مجرد التلويح بإغلاق مضيق هرمز واستهداف ناقلات النفط سوف يخلقان "أجواء حرب" في المنطقة، ويدفعان الكثيرين الى طلب التريّث في فرض عقوبات نفطية على طهران. مضيق هرمز هو نقطة الوصل بين الخليج العربي، وخليج عمان والبحر العربي والمحيط الهندي وهو، وهذا الأهم، منفذ بحري لخمس دول عربية خليجية لا تمتلك غيره لتصدير نفطها (العراق، الكويت، قطر، الامارات والبحرين).



تصدر إيران عبر مضيق هرمز 90 في المائة من نفطها، والسعودية حوالي 88 في المائة (6 ملايين برميل يوميا) والعراق 98 في المائة والامارات 99 في المائة والكويت 100 في المائة بحسب مؤشرات عام 2006.
المضيق أيضا هو المدخل الوحيد لـ 13 مرفأ تجارياً وعسكريا يمرّ من خلالها أكثر من 55 في المائة من واردات الخليج التجارية، وإغلاقه أو تحول مياهه الى "ميدان معركة" ستكون لها عواقب وخيمة على الدولة المنفذة للإغلاق من الناحية الجيوسياسية، ليس فقط باعتباره مخالفة مباشرة للقانون الدولي، بل لأن إغلاق المضيق سيعتبر اعتداء على أمن سبع دول في وقت واحد (دول الخليج بالإضافة إلى أميركا)، وقطع الطريق أمام إمدادات حيوية لأكثر من 23 دولة أوروبية وآسيوية - بما في ذلك أكبر أربع دول آسيوية: الصين والهند وباكستان واليابان. بمعنى آخر، أن الدولة التي تقترف مثل هذا العمل ستستعدي ثلاثين دولة بشكل مباشر، وبقية دول العالم بشكل غير مباشر لارتباط الدول المعتدى عليها بأحلاف أمنية كالناتو مثلا، أو إقليمية كالجامعة العربية، أو تضررها تجارياً بسبب ارتفاع حاد في أسعار الطاقة العالمية.

تجدر الإشارة إلى أن الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية تستورد معا أكثر من 60 في المائة من صادرات النفط الإيراني، وكلها تعتمد على إيران ودول الخليج لتلبية معظم احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي. وسيرتفع هذا الرقم - بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية - إلى 70 في المائة خلال خمسة إلى سبعة أعوام من الآن. الصين وعلى الرغم من تجارتها النفطية الكبيرة مع إيران، لم تتردد في الموافقة على ثلاث جولات من العقوبات الدولية بحق مشروع إيران النووي، والصينيون يدركون أن قدرة إيران على تلبية احتياجاتهم النفطية مستقبلا تتضاءل باستمرار، مع الانخفاض المستمر في الكفاءة الإنتاجية للنفط الإيراني عاما إثر آخر، ولهذا لجأت الصين إلى تنويع مشترياتها النفطية بدءاً بالسعودية ومروراً بروسيا، وكازاخستان والسودان. وكنتيجة عكسية للتهديدات الإيرانية، فقد عمدت الصين إلى إنشاء برنامج تخزين استراتيجي للنفط، يكفيها شهرا كاملا من استهلاكها العام، وثلاثة أشهر للاستهلاك العسكري. وبحسب بعض المراقبين، فإن الصين ربما تعارض أي عمل عسكري ضد إيران، ولكن في حال قيام تلك الحرب، فإن الصينيين سيقفون بشكل حازم ضد أي محاولة إيرانية لإغلاق المضيق. وقبل الجميع، وهذا ما تدركه طهران وعواصم المنطقة، فإن المتضرر الأول من إغلاق المضيق سيكون إيران نفسها، ودول الخليج العربي معها.

هذه التهديدات الإيرانية ليست جديدة، فقد سبق أن هددت أكثر من مرة بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي، في حال تعرض مصالحها الى خطر ما. كما سبق للإيرانيين ومعهم البعثيون في العراق، التهديد به منذ بداية السبعينات، وتجاربهم في هذا الإطار لم تكن أبدا بمستوى ما يعدون به.. فالتهديد شيء والاقدام على تنفيذ التهديد، واقفال أهم نقطة مرور بحرية في العالم، حيث تعبر ناقلات النفط العملاقة كل يوم محملة بأكثر من 17 مليون برميل من النفط، شيء آخر.
تهديدات الاميرال سياري، رجل أعالي البحار، ليست الوحيدة، فقد سبقها وتزامن معها وتلاها، تصريحات مماثلة على نفس النهج، المهدد والواعد والمنذر، بسوء "عاقبة العالم" من حرب لا تبقي ولا تذر.
لو عدنا قليلا الى الوراء لوجدنا الكثير من هذه التهديدات، فقد سبق أن حذّر رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال حسن فيروزي آبادي قبل ستة أشهر عبر وكالة أنباء فارس، جميع دول العالم من تجاهل مصالح إيران في المنطقة، وبالتالي فإنه من الطبيعي "ألا نسمح للآخرين باستخدام الطريق البحرية". بعدها دخل مكتب "مرشد الثورة" على الخط ليطلق يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري لعلي خامنئي نفس التحذير بأنه في حالة اندلاع حرب سيتم إغلاق مضيق هرمز.
الرئاسة أدلت أيضا بدلوها حيث اكد النائب الأول للرئيس الايراني محمد رضا رحيمي، ان ايران ستغلق مضيق هرمز امام الملاحة في حال فرض عقوبات على الصادرات النفطية الايرانية، محذرا من أن بلاده سوف مرور اي نقطة نفط عبر مضيق هرمز.

ولأن الصورة لا تكتمل إلا بالجهة التي تعتبر الأكثر نفوذا في ايران، فقد جاء الوعيد نفسه وبلهجة أشد على لسان محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني "إن قوات الحرس الثوري مجهزة بأكثر الصواريخ تطورا، وتستطيع أن توجه ضربات قاضية لسفن الأعداء وتجهيزاتهم البحرية".
ردود فعل "القوة المعاكسة" كان جاهزا في كل مرة، وأحيانا بنفس مستوى التهديد حدة وتشنجا. الأميرال وليام غورتيني قائد الاسطول الأميركي الخامس، حذر طهران من الاقدام على أي فعل تصعيدي. وقال إن محاولة إغلاق مضيق هرمز يعتبر من "الأخطاء الجسيمة وسوء التقدير والعواقب". أما نائبه كيفن كوسيغريف فقد كان أكثر وضوحا ودقة وأعلنها صراحة "أن الإيرانيين لن يغلقوا مضيق هرمز.. كما اننا لن نسمح لهم بإغلاقه".



على الرغم من كون الكلمتين "عقبات وعواقب" معروفتين بالنسبة للإيرانيين، إلا أنهم ما يزالون يؤمنون بقدرتهم على تنفيذ تهديدهم بإغلاق المضيق، وهذا يمكن عزوه إلى حقيقة واحدة، وهو أنهم يدركون أن إغلاق المضيق سيكون فرصتهم الوحيدة لتجنب الهزيمة في أي مواجهة مع الأميركيين. وحتى مع وجود صواريخ بالستية بعيدة المدى لديهم، فإنه لن يكون بإمكانهم توجيهها إلى إسرائيل، أو إلى حيث توجد القواعد الأميركية في البحرين وقطر والإمارات دفعة واحدة، لعدم امتلاكهم لنظام دفاعي متطور ضد الهجمات الصاروخية المضادة.

السؤال المطروح: هل فعلا يمكن لإيران أن تغلق مضيق هرمز؟


ثمة سيناريوهات عديدة للحرب المقبلة على إيران، وهي بالمناسبة قديمة وتعود إلى المرحلة التي أعقبت الثورة الإيرانية، والاعتداء على السفارة الأميركية بطهران. ولعل أحد أبرز الخطط التي كتب عنها كثيرا في المراجع العسكرية الأميركية هي مسألة فتح مضيق هرمز، فيما لو تعرض للإغلاق من قبل الإيرانيين، ورغم أن هذا التهديد كان مستبعداً حتى نهاية الثمانينات، وبالذات بعد عملية "دعاء المانتس"، التي شنتها البحرية الأميركية على السفن الحربية الإيرانية، بعد أن هاجمت الأخيرة سفينة عسكرية أميركية في أبريل 1988، وكانت نتيجتها أن أغرقت البحرية الأميركية ثلاث سفن حربية إيرانية وخمس طرادات أخرى، واضطرت إيران بعد الخسارة إلى وقف إطلاق النار مع العراق صيف ذلك العام. بيد، أن الإيرانيين قد عملوا على تطوير ترسانتهم البحرية - لاسيما في المجال الصاروخي -، وقد أدت عمليات شراء واسعة قامت بها إيران من كل من روسيا والصين إلى تقوية البحرية الإيرانية، بحيث ورد في تقرير سري رفع نهاية العام 1995 إلى الرئيس الأميركي بيل كلينتون أنه بات لدى إيران قوة كافية لإغلاق المضيق لفترة تتراوح ما بين ثلاثة إلى ستة أسابيع.

1 - الأكثر احتمالا: حرب الناقلات

الاحتمال الأقرب هو أن تقوم إيران باستهداف حاملات النفط و"تلغيم المضيق"، واستهداف البوارج الأميركية في الخليج، وذلك عبر ترتيب ثلاث مناطق عمليات تمهد لإغلاق المضيق: الأولى، شرقي "بندر عباس" حيث العمق البحري قصير. الثانية، إلى مرفأ "جسك". والثالثة، إلى مرفأ "شاه بحر" على المحيط الهندي.
يستوجب ذلك نشر مظلة صواريخ إستراتيجية خلف هذه المناطق، مع استخدام قرابة 1000 طراد محملة بصواريخ "ساقر" المضادة للمدرعات. وفي هذا يراهن الإيرانيون بشكل رئيس على ألغام (إي - أم 53) تيتهيرد الأرضية التي حصلوا عليها من الصين أوائل التسعينات، ومع جاهزية صواريخ من طراز شهاب1 و2 و3 وشهاب 4 و5 و6 وسجّيل وفجر الى جانب طائرات كوبرا وشاهد وابابيل وشفق وغيرها من الطائرات الروسية الصنع والزوارق الحربية السريعة، فإن لدى الإيرانيين اعتقادا بأنهم يملكون القدرة على إغلاق المضيق لثلاثة أشهر على أقل تقدير.

2 - ربّما: عمليات إرهابية ترفض إيران الاعتراف بها

الإيرانيون واثقون بقدرتهم على إيجاد آلاف الفدائيين لقيادة طرادات الموت على الطريقة "الكاميكازية" اليابانية، ولكن احتلال مضيق مثل هرمز لا يمكن القيام به بغير وسائل الحرب التقليدية، ثم إن تلغيم مسار الدخول والخروج في المضيق (أي مسافة 8 كيلومترات) غير ممكن في وقت تجوب فيه المضيق عشرات من القطع البحرية الأميركية الخليج العربي، إذ يعد الأسطول الأميركي الخامس مسؤولا عن القوات البحرية الأميركية في الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر العرب وقبالة ساحل شرق أفريقيا جنوبا حتى كينيا. ويضم الأسطول الخامس حاملة طائرات وعددا من الغواصات الهجومية والمدمرات البحرية وأكثر من سبعين مقاتلة، إضافة لقاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية. استهداف القطع البحرية الأميركية ومعها بواخر الدول الحليفة، بالاضافة الى ناقلات النفط والموانئ المطلة على الخليج في شكل تفجيرات وهجمات ارهابية، احتمال وارد قد تقوم به جماعات أو أفراد يعملون لصالح إيران أو متعاطفون معها، وهو ما سترفض ايران الاعتراف به وتحمله الى جهات إما معادية للولايات المتحدة أو معادية للثورة الاسلامية، تريد توريط ايران.

3 - الأقل احتمالا: استهداف القوات الأجنبية بشكل مباشر

على الرغم من خطورة الترسانة الإيرانية، إلا أنها تفتقر إلى أهم مكون في معارك بحرية كالاستيلاء على مضيق هرمز، وهو العجز الواضح والبين في قدراتها الجوية الدفاعية والهجومية، فعلى الرغم من امتلاك إيران لعدد وافر من الطائرات، إلا أن أغلبها - خاصة طائرات F14 - تعود إلى فترة الشاه قبل ثلاثين عاماً، ولذلك فهي قديمة - وهرمة - وتفتقر إلى القطع الرئيسة، وطياروها وكذلك الفنيون لم يتلقوا تدريبات متقدمة وحتى صاعق 80 وشفق، فلن يكون بمقدورها مواجهة الطيران الحربي الأميركي المتطور. إيران اشترت عدداً من الطائرات الصينية بعد نهاية الحرب العراقية/ الإيرانية، ولكن تلك الطائرات لا يمكن مقارنتها بأحدث الطائرات الأميركية والبريطانية التي تجوب سواحل الخليج اليوم. ليس هذا فحسب، بل إن إيران لا تملك نظاماً متقدماً للإنذار المبكر (كنظام الأواكس)، وليس بوسع طائراتها إعادة التزود بالوقود، أو الاعتماد على نظام توجيه صاروخي ليزري للوصول إلى أهدافها. بمعنى آخر، إيران ستواجه حملة جوية عاتية إلى الحد الذي معه ستكون عاجزة عن حماية مواقعها الدفاعية، وسيصعب عليها إعادة تموين نطاق عملياتها، أو الحفاظ على منطقة مائية تسيطر عليها في المضيق.



كما نرى، احتلال المضيق ليس أمراً ميسوراً، وحتى لو غامر الإيرانيون فإنه لن يكون بمقدورهم الاستمرار في ذلك، والتقديرات الرائجة حاليا تضعها في حدود ثلاثة إلى سبعة أسابيع، والسبب في ذلك أن كاسحات الألغام الأميركية ستحتاج إلى ثلاثة أسابيع على أقل تقدير لتطهير مسار (بعرض 4 كيلومترات) لاستئناف الحركة في المضيق بشكل أولي.

آثار أي عمل عسكري بين إيران والولايات المتحدة ستكون لها انعكاسات سلبية على دول المنطقة، وسائر العالم. إيران تعتمد بشكل رئيس على صادراتها النفطية للعيش، وتستورد 40 في المائة من وقود السيارات، وفي حال انقطعت تلك الإمدادات عن طهران لأشهر فإن الإيرانيين على موعد مع انهيار كبير للبنية الاقتصادية الداخلية، لاسيما مع العقوبات المحتملة بعد الحرب والتي قد تطال صادرات النفط الخارجية.
ليس بوسع أحد التكهن بالسلوك الذي سيتبعه النظام الايراني، فلقد تعوّد قادة النظام ممارسة السياسة على حافة الهاوية، ولكن في المرات العديدة التي كان استمرار النظام فيها معرضاً للخطر، كان الحرص على بقاء النظام يتغلب على نزعة الانتحار لدى بعض رجاله.

النظام الايراني أمام تحد حقيقي، ومشكلته ليست عسكرية – فقط - بقدر ما هي اقتصادية وسياسية في الداخل والخارج. إذا لم يدرك قادة النظام أن انهيار الريال أكبر خطورة من الوجود الأجنبي في مياه الخليج، أو القبول بتنازلات في الملف النووي، فإن إيران ولا شك، ستجر المنطقة إلى حرب عبثية ستكلف الجميع الكثير إنسانيا ومادياً.
هناك شبه إجماع على أن إقدام النظام الايراني على إغلاق المضيق، أو تهديد حركة الملاحة فيه سيعرض طهران إلى المواجهة.. وهذه المرة قد نشهد المواجهة الأخيرة فلا شيء عند العرب والعجم أهم من النفط.
font change