السفير الليبي في لندن محمود الناكوع: تجاوزنا مرحلة الخطر

السفير الليبي في لندن محمود الناكوع: تجاوزنا مرحلة الخطر

[caption id="attachment_55232317" align="aligncenter" width="620" caption="محمود الناكوع"]محمود الناكوع[/caption]

وأبدى الناكوع مجددا تفاؤله من الأوضاع الأمنية في ليبيا، وأكد "أن كل هذه المظاهر التي نراها على أنها فوضى ستنتهي في وجود الدولة، وستنتخب حكومة بطريقة شرعية جيدة ومنظمة. وسيكون الامتحان القادم بعد ستة شهور هو أكبر امتحان لليبيين". وعما إذا كانت هناك حلول عملية للحد من المظاهر المسلحة في البلد، قال "إن العلاج سيكون على مراحل. وسينضم عدد كبير من الشباب إلى وزارتي الداخلية والدفاع. وأن يختار عدد منهم لابتعاثه للدراسة، أو للتدريب في الداخل والخارج. وصرف مرتبات لهم. كما أن هناك فكرة أخرى تتمثل في إغراء من لديه سلاح بأن يبيعه بثمن مغر، كما حصل في تجارب سابقة مثل لبنان".
وحول القلاقل التي قد تحدثها بعض التركيبات العرقية في ليبيا في ظل غياب سيطرة الدولة، أوضح "أن هذه التركيبات نسبتها صغيرة جدا، وكلها أبدت الولاء للوطن، ولكنها تريد أن تتمتع بنوع من الحرية. وان تتمكن من استخدام لغتها، وتسمي أبناءها بما تشاء. لقد دخل القذافي معهم في صراع ومنعهم من استخدام لغتهم والتصرف في تسمية أولادهم. وطمس ثقافتهم، واستفزهم. ولا نخشى أي خطر من هذا الجانب، فليبيا تجاوزت مرحلة الخطر".
وتناول الناكوع بداية الصراع السياسي والثقافي في ليبيا فأشار إلى "أنه كانت هناك بعض هذه التيارات التي ترى ضرورة الاستفادة من الغرب، وليس هناك في العالم العربي ما يفيدنا. بينما رأت أخرى أن هذا ليس ممكنا، فالغرب كان مستعمرا ولا يمكن الاستفادة منه، فكان هناك نوع من الصراع".
كما تحدث الناكوع عن الكتابة وضوابطها والكتاب وهمومهم في ظل الهزة التي أحدثتها ثورة المعلومات في هذا المجال، وأدخلت إلى هذا العالم كل من هب ودب من أناس يكتبون أكثر مما يقرؤون. وشدد على صقل الكتابة قبل نشرها، وتقديمها للقارئ، وأنه ينبغي على الكتاب أن يقدموا مادة مفيدة وجيدة.
وتطرق إلى النخب في الوطن العربي وقال "إننا نأمل من النخب أن تكون في مستوى ما تريده الشعوب وتعمل على بناء دول دستورية تسودها الشفافية، وأننا لا نستطيع أن نبني هذا من دون النخب".
وفي ما يلي نص الحوار:

الصراع السياسي والثقافي في ليبيا


* تحدثت عن ملامح الصراع السياسي والثقافي في ليبيا الحديثة.. هل تقصد صدام الثقافات أو صدام السياسيين والمثقفين مع بعضهم بعضا؟
ـ نعم. الثقافي والسياسي. أولا نبدأ بالجانب الثقافي، فليبيا عندما مرت بمرحلة الاستعمار الإيطالي، وحاولت إيطاليا أن تنشر الثقافة الإيطالية أو اللغة الإيطالية، أصبح هناك نوع من الصراع بين هذا الغازي وما يريده من تغيير في المجتمع، وبين الناس الذين يدينون بالإسلام ويتمسكون بلغتهم العربية. هنا يقع الصراع، فالمحتل الإيطالي أراد أن يعلم الشباب اللغة الإيطالية على حساب العربية، لكن هذا لم يحدث نظرا لرفض الناس هذا الأمر. ثم جاءت مرحلة الاستقلال، حيث شهدت بداية لبعض التيارات السياسية بعضها وطنية وبعضها عروبية. وكانت بعض هذه التيارات ترى ضرورة الاستفادة من الغرب، وليس هناك في العالم العربي ما يفيدنا. ويرى آخرون بأن هذا ليس ممكنا، فالغرب كان مستعمرا ولا يمكن الاستفادة منه، وهنا يحدث نوع من الصراع. ويسري هذا على الأطر السياسية التي تضع القرارات. ثم جاءت فكرة القومية العربية، والانقلابات العسكرية، وبعض الدول المتصلة بروسيا والأخرى المتصلة بأميركا والغرب، فتكونت بعض الأجيال التي تأثرت بهذا الجانب أو ذاك الجانب، وأصبحنا ونحن في الجامعات نمارس نوعا من الصراع بين اسلاميين وبعثيين وقوميين ويساريين. هذا ما عنيته بالصراع في ليبيا الحديثة.

* في ليبيا لم يكن هناك تبديد فقط لثروة المجتمع، ولكن كان هناك تعمد في حرمان الناس منها أيضا؟
ـ في عصر القذافي نستطيع أن تقول إنه كانت هناك عصابات أو مجموعات تستحوذ على عقود المقاولات، وتبرم صفقات مع شركات في الخارج ومؤسسات متنوعة، سواء ما كان منها تعليميا أو أمنيا أو نفطيا. وهذه المجموعات هي التي أثرت، بمعنى كونت ثروة كان تأثيرها بائنا. ومن هؤلاء من هم موظفون عاديون أو ضباط صغار في الجيش، ولكن لأنهم كانوا موالين للنظام ويثق بهم، فهؤلاء أصبحوا هم أصحاب الثروة، وحرم الآخرون. كما أن مؤسسات البلاد من مستشفيات ومدارس مهملة بشكل كبير، وما يسمى بالبنية التحية محطمة في بلد نفطي. لذا فإن الشباب الآن يتطلع إلى تجربة أخرى، وعدالة توزيع الثروة. ولكن هل ستنجح هذه الدولة الجديدة في ضبط الأمور. ذلك ما يأمله الشعب ويطالب به المتظاهرون من إبعاد كل العناصر القديمة التي شاركت في الفساد بطريقة ما، وأن يتولى جيل جديد نظيف إدارة البلاد. إنها تطلعات وتحديات كبيرة.

[caption id="attachment_55232318" align="alignleft" width="300" caption="الناكوع: التجربة التونسية تثير الاعجاب"]الناكوع: التجربة التونسية تثير الاعجاب[/caption]

* هل نستطيع بهذا الكلام أن نقضي على الفساد؟
ـ أنا أقول إن هذا يرجع إلى الوعي، وهذا ينبغي أن يوطد لدى الشباب في المدارس والجامعات والمساجد. وعي حقيقي يشمل العدل بين جميع الناس. كيف نستطيع اختيار الشخص المناسب في هذه المجالس التي ستنتخب.
قد توضع قوانين صارمة في هذا المجال. ولكن وضع هذه القوانين شيء، وتنفيذها شيء آخر. لذا لا مفر لنا من "القدوات" في هذه المجالس والوزارات، تمثل القيم الاخلاقية. قيم العدل والمساواة والانضباط والنظام، وسنصل إلى النجاح إذا اعتمدنا هذا الأمر. ولكن إذا ضعفت هذه القيادات ضعف الأثر.

أزمة السلاح


* كيف ستعالجون أزمة السلاح المنتشر في ليبيا قبل فوات الأوان؟
ـ أولا العلاج سيكون على مراحل. وسينضم عدد كبير من الشباب إلى وزارتي الداخلية والدفاع. وأن يختار عدد منهم لابتعاثه للدراسة بالخارج، أو للتدريب في الداخل والخارج. وإعطاء مرتبات للشباب. كما أن هناك فكرة أخرى تتمثل في إغراء من لديه سلاح بأن يبيعه بثمن مغر، كما حصل في تجارب سابقة مثل لبنان. ستستغرق هذه العملية شهورا، ولكن مؤسسات الدولة ستستوعب هؤلاء الشباب وتوفر لهم العيش الكريم. وعندما تتوفر السيولة سيحسم الأمر بسرعة.
* أنت ترى أن الشباب سيسلمون أسلحتهم؟
ـ بالتأكيد.
* هل تخشون في ظل هذه الفوضى من مطالبات بالانفصال، وخلق كيانات داخل البلد؟
ـ التركيبات العرقية في ليبيا نسبتها صغيرة، وكلها أبدت الولاء للوطن، ولكنها تريد أن تتمتع بنوع من الحرية. وان تتمكن من استخدام لغتها، وتسمي أبناءها بما تشاء. لقد دخل القذافي معهم في صراع ومنعهم من استخدام لغتهم والتصرف في اسماء أولادهم. وطمس ثقافتهم. واستفزهم. وهم الآن يتطلعون إلى إظهار هذا الجانب من ثقافتهم، وهذا حقهم، وليست هناك أية مشكلة بخصوصه. ولا نخشى أي خطر من هذا الجانب. فليبيا تجاوزت مرحلة الخطر.

دول الجوار


* علاقاتكم مع دول الجوار كيف ستكون، وهل ستهملون ما كان يقوم به النظام السابق من مساعدات لدول أفريقيا من بناء المدارس والمستشفيات..؟
ـ شيء طبيعي كما يقال، إنك لا تستطيع أن تغير الجغرافيا، فالعلاقة لا بد أن تكون جيدة مع الجيران. والعلاقة مع الجيران أو أغلبهم كانت جيدة خلال الثورة. ربما كانت هناك صعوبات مع بعض الدول، ولكنها ستزول، لأن نظاما زال وآثاره زالت، وهدفنا أن نبني علاقات جيدة مع الجميع. وأن لنا مصلحة كدولة وهي أن نحمي حدودنا. كما أن هناك مصلحة للآخرين من حولنا من أنهم محتاجون لليبيا وثروة ليبيا، والعمل في ليبيا، وهي مصالح ستكون متبادلة. بالنسبة لأفريقيا كذلك سيكون التعاون موجودا ومنفتحا، ولكن بسياسة رصينة وبخطط واستراتيجية، وليس بشنط من الدولارات لكي تعطى لهذا الوزير، أو لهذا الرئيس لجلب الولاءات للقذافي. فالمساعدات ينبغي أن تكون مدروسة. وهذه الخطة العامة للدولة. فنحن نسير ببطء ولكن هناك دقة في كل شيء.
* وماذا عن جمعية الدعوة الإسلامية وبرامجها.
ـ لا أدري. جمعية الدعوة الإسلامية يدرس موضوعها ولا أعلم كيف سينتهي. وفي الماضي كانت هذه الجمعية عبارة عن غطاء لكثير من النشاط المخابراتي، ولكثير من الفساد والأموال، هذا سيتوقف. لكن كيف ستدار، فلا أدري؟! أما المدارس والمستشفيات والمؤسسات الأخرى، فإن موضوعها تحت الدراسة.
* يقال بأن هناك أكثر من نصف مليون ليبي في تونس، وفنادق تونس ومستشفياتها ومصحاتها تطالب الحكومة الليبية بالإسراع في إجراءات صرف مستحقاتها، ولكن ما زال الكثير منها لم يسدد بعد؟
ـ هذا الرقم مبالغ فيه. وحتى أثناء الأزمة لم يصل الرقم إلى هذا الحد. بعض التقديرات تقول إن هناك 300 ألف وبعضها تقول بأنهم بلغوا نصف المليون، ولكن هذا كان أثناء الأزمة. كان سكان الجبل الغربي كلهم في تونس، والآن كلهم رجعوا. كما رجع الذين غادروا طرابلس والمدن الأخرى. ولكن مازالوا هناك أعداد من الجرحى، وربما هناك أناس من الذين كانوا موالين للقذافي ولديهم المال ويعيشون هناك. ولكن إذا كانت هناك حقوق مثبتة وموثقة لا بد أن تدفع لتونس. ولا أظن أن هذا سيكون موضع خلاف. والآن السيولة متوفرة في هذا القطاع، إلا أن مسألة التدقيق فيها سيكون أمرا صعبا، ذلك أن البلدين يمران بمرحلة انتقالية. إلا أن أكثر المشاكل يختلقها الناس بسوء تصرف.

[caption id="attachment_55232319" align="alignright" width="300" caption="السلاح في كل مكان وفي كل بيت"]السلاح في كل مكان وفي كل بيت[/caption]

أزمة الكتابة


* في أي أنواع الكتابة تجد نفسك؟
ـ تستطيع أن تقول أن الإطار الأساسي لكتاباتي أسميه الإطار الاجتماعي السياسي، وأتطرق إلى الأبعاد التاريخية والفكرية بصورة عامة، ولكن أرى بأن الفكر الاجتماعي السياسي، هو المحور الأساسي الذي له علاقة بالمجتمع، وعلاقة المجتمع بالدولة، وعلاقة المنظمات والمؤسسات بها، ولذلك كتبت عن الاستبداد في الوطن العربي، وعن مشكلات النخبة والانحطاط والنهوض في الواقع العربي، وكتبت عن ملامح الصراع السياسي والثقافي في ليبيا الحديثة. وكل هذه الكتابات محورها الفكر الاجتماعي والسياسي. وكثير من كتاباتي مقالات ثم جمعتها في كتب، وبعض كتاباتي كتب ممنهجة. وآخر كتاب نشرته جاء تحت عنوان: اسماء في النفس وفي الذاكرة. أكثرها شخصيات ليبية، بعضهم من أسرتي وبعضهم أساتذتي وزملائي في الدراسة. كما تناولت في الكتاب نفسه بعض الشخصيات العربية والإسلامية التي تأثرت بكتاباتها، أو كونت علاقة معها في الداخل وفي المهجر.
* لماذا وصفت الكتابة اليومية بأنها مرض..؟
ـ لاحظت أن بعض الكتاب يكتبون يوميا على الانترنت. وباعتباري كاتبا أحاول دائما أن أقدم مادة مفيدة للقراء. فأبدأ الكتابة يوم الجمعة مثلا. ولكني لا أكمل هذا المقال، وأتركه ليوم أو يومين، ثم أعيد قراءة ما كتبت، وأصحح بعض الأشياء وأضيف أخرى. أعني أن المقال يأخذ مني يومين، أو ثلاثة أو أربعة أيام، حسب نضج الأفكار في ذهني، فأجد أن اتباع هذه الطريقة يمكّن من تقديم شيء مفيد. أما الذي يكتب كل يوم أنا لا أعتقد أنه يقدم مادة مفيدة. ولكن هناك بعض الموهوبين، فهناك من يأخذ فكرة ويثريها بثقافته وقلمه بهذه الموهبة. ولكن ليس بإمكان كل واحد أن يفعل هذا.
* من خلال اطلاعي على أعمالك، لاحظت أنك أشرت إلى المفكر الراحل أحمد صدقي الدجاني في هذا الخصوص؟
ـ نعم. انظر كيف أن الإنسان يقرأ عشرين ساعة، ليكتب مقالا أسبوعيا واحدا، وقد قال لي هذا منذ ردح من الزمن في جلسة بيني وبينه في بيته بالقاهرة يرحمه الله. كان يبذل جهدا كبيرا لإنجاز المقال. وهو إنسان كان قادرا على الكتابة بكل امتياز. وقد فعل هذا ليأكد لنا منهجا في الكتابة الرصينة الجيدة المفيدة. وقد أخذت هذه الفكرة ونقلتها للقراء ليستفيدوا منها.
عزمي بشارة كان هو الآخر حذر من الذين يكتبون أكثر مما يقرؤون. وذهب في ذلك بعيدا حيث اقترح وضعهم في السجن.
وزاد من هذه الكتابات غير الناضجة، التطور التكنولوجي، ومدى سهولة النشر على الانترنت. فيستطيع أي شخص أن يكتب ما يشاء، ومن دون مسؤولية. وكتابات غير أخلاقية، ومن دون أي رادع، تحت أسماء وهمية، يتهم فيها الناس بعضهم بعضا.
* ماذا تقول للكتاب الشباب، وماذا تريد منهم أن يفعلوا؟
ـ أول شيء يجب التركيز على القراءة. لا يمكن أن تكون الكتابة جيدة، إلا إذا كان صاحبها كثير القراءة. وينبغي أن تكون هذه القراءة متنوعة. في الأدب والشعر، حتى تصبح اللغة جميلة، وتشد القارئ، وكذلك علماء الاجتماع، التاريخ والفلسفة حتى يثري الإنسان عقليته بثقافة عميقة.
* ولكن كيف يقرأ الناس في هذه الحياة المتسارعة. بمعنى أن الإنسان دائما منشغل بأمور الحياة وروتينها المعهود؟
ـ هناك فرق بين الإنسان العادي، الذي بريد أن يطلع، ويمارس حياة عادية. لكن هناك الأمر المهم، وهو في ما يتعلق بمن يتصدى للكتابة والتعليم والمحاضرات، وأن من يفعل هذا لابد أن يخصص لنفسه يوميا قراءة جادة في الكتب والبحوث. أنا دائما أميل لقراءة الكتاب على الورق، هناك أيضا متعة في الانترنت، ولكنني أحس بمتعة أكثر في قراءته على الورق. المهم أن ما أقصده بمن يقرأ القراءة الجادة هم أؤلئك المقحمون في الفكر والتوجيه والتوعية والقيادة. وهؤلاء لا مفر لهم من أن يكونوا قارئين ليؤثروا في الحياة. أما بقية الناس فلا يهتمون بالقراءة.
* هل صحيح ما يقال بأنه حتى الكتاب الجيدون ضاعوا أمام ثورة الانترنت وما وفرته من وسائل زاحمت دورهم، وأقحمت شبابا جددا في هذا المجال؟
ـ مهما كان الأمر، فإننا لا نعدم كتابا متميزين، سواء كان ذلك في الصحافة، والانتاج الفكري. كما أن هناك كتبا مهمة في معارض الكتب جديرة بالقراءة. ولكن القدرة على تمييز الكتاب الجيد تأتي من ناحيتين: الكاتب المتميز نفسه الذواق للقراءة، وتأتي أيضا من النقاد، فهم الذين ينبهوننا إلى أفضل الكتب، وبالتالي يساعدوننا على البحث عن هذه الكتب التي خرجت للسوق، بعد أن يشيروا إلى عنوانها ومواضيعها وأهميتها، فالناقد له دور مهم جدا.

رحلة طويلة


* في كتابك (رحلتي مع الناس والأفكار) ما الذي شد بالك خلال هذه الرحلة الطويلة؟
ـ رحلتي مع الناس.. كأنك تقول سيرتي الذاتية. من هؤلاء الناس الذين عشت بينهم، سواء أكان ذلك في البيت أم المدرسة، أم مجالات الحياة الأخرى. ومن الذين تأثرت بهم، وبأفكارهم، ومن الذين أشاروا لي بالكتب المهمة التي يجب أن نقرأها خاصة في المرحلة الثانوية أو الجامعة، فلا شك أن الكتاب يعكس تجربتي الشخصية في الحياة، ومن هي الرموز التي تعلمت منها واستفدت منها في هذه الرحلة. ومن يقرأ هذا الكتاب سيقرأ أيضا كفاحي السياسي.
* تحدث في موضوع كبير.. في كتاب سميته: الجمال والحب في الإسلام. هذا موضوع ضخم، بل موضوعان ضخمان.. هل تتبعت كل الخيوط في هذين الموضوعين؟
ـ أولا أريد أن أشير إلى أن من شد ذهني إلى الجانب الجمالي في هذا الخصوص هو المرحوم مالك بن نبي في كتابه (مشكلة الثقافة) وفي بعض كتبه الأخرى يتكلم عن الجانب الجمالي في الحياة في الثقافة. ويتحدث عن أن جمال النفس.. جمال الأفكار ينعكس على الملابس، وعلى البيت والسلوك، وبالتالي على حياة الشخص. وفي الحديث: إن الله جميل يحب الجمال. والملاحظ أننا غير مهتمين بالجانب الجمالي في حياتنا العامة، على الرغم من أن الآيات القرآنية تحض على الجمال. وكيف تبدأ الصلاة بالطهارة وبالوضوء وهي جوانب جمالية. إلا أن حياتنا العامة ينقصها هذا الجمال. وهناك نقطة على تقديم هذا الكتاب، وهي أني لاحظت بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك أن هناك كلاما قيل عن الاسلام والتطرف والإرهاب والفضاعة، أحببت أن أعطي صورة أخرى، وأظهر جمال الإسلام. وترجم الكتاب إلى ثلاث لغات: الانجليزية والفرنسية والإسبانية.

[caption id="attachment_55232321" align="alignleft" width="225" caption="خطر الارهاب يتهدد ليبيا ودول المنطقة"]خطر الارهاب يتهدد ليبيا ودول المنطقة[/caption]

أزمة النخبة


* نشرت كتابا عن أزمة النخبة في الوطن العربي، هل تعتقد أن هناك نخبة في المنطقة، أم أن هذا مجرد أوهام؟
ـ لا. هناك نخبة أو نخب. الناس المصنفون بأنهم إسلاميون، وآخرون ليبراليون وعلمانيون. أعني هذه التيارات المثقفة.
* أنا أقصد بالنخبة، الأفراد الذين ليس لهم علاقة بالعامة.. ويرون أنفسهم فوق الجميع. ولا أعني النخب السياسية؟
ـ النخبة تفرض نفسها بنفسها. فالنخب هم الناس المتميزون الذين يحس بهم المجتمع، فهم متميزون بعطائهم الفكري. فالإداري الجيد أعده من النخبة، والأستاذ الجيد كذلك، ضابط في الشرطة متميز.
* أنا أختلف معك في هذا التفسير، ولكن ما هي الأزمة إذا؟
ـ ما لاحظته خاصة من خلال نشاطي السياسي بين سنوات (1980 ـ 1988) عندما كنت داخل التنظيم الذي أسسناه وهو (الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا) وأتيحت لي الفرصة للتنقل من الغرب فعشت في المغرب وفي مصر والعراق وزرت السودان شهورا عدة والجزائر وكذلك تونس، واختلطت بأنواع من رجال الأمن من السياسيين ومن رجال الأعمال، فأحسست بأن هناك أزمة أخلاقية، ليست هناك مصداقية كما يتمناها الإنسان الجاد. وهذه الأزمة الأخلاقية لا تجعل الناس تلتقي على أسس سليمة وصحيحة، وتتضافر جهودها وتصب في اتجاه واحد. وتجد هذا ممثلا في مشاكل شخصية، وتنافس غير شريف، ومصالح ذاتية. وهذه كلها تضيع المصلحة العامة، والمشاركة الحقيقية في بناء أي تنظيم في أي دولة. ولذلك نحن الآن فرحون بالربيع العربي وهذه الثورات. كما أننا نلاحظ المشاكل والتحديات الكبيرة. ونأمل من النخب التي تتولى القيادات السياسية والإعلامية والعسكرية، أن تكون في مستوى ما تريده الشعوب وتعمل على بناء دول دستورية وديمقراطية ومنظمة وفيها الشفافية، وأنت لا تستطيع أن تبني هذا من دون النخب، أعني من دون قدرات متميزة مع أخلاقية في التفاني في العمل، وفي تحقيق هذه الأهداف الكبيرة.

إعجاب بالتجربة التونسية


* قلت مرة إن أفضل الدساتير الوضعية، هو الذي يوضع من قبل لجنة منتخبة من الشعب. أوَ ليس من الأفضل أن يتولى هذا حقوقيون؟
ـ هذا يعتمد على مرحلة الوعي لدى الشعب. فالشعب إذا اختار ممثلين جيدين، فإن هؤلاء الممثلين سيختارون لجنة لإعداد الدستور فسيكون الأمر جيدا، وأنا شعرت بكثير من الراحة عندما تابعت المجلس التأسيسي في تونس وكيف يتناقشون في الدستور المؤقت أو الوثيقة المؤقتة، فالحوارات والنقاشات في ذلك المجلس أوضحت وكشفت لنا عن قدرات جيدة جدا في تونس ثقافيا وقانونيا وسياسيا وتنظيميا، حتى الجدل يرتفع ولكنه لا يطول، وكانت هناك استجابة لسيطرة رئيس المجلس، ولم تكن هناك فوضى. فأنا معجب جدا بالتجربة التونسية وكيف تمت، سواء عن طريق الانتخابات وكيف أن المراقبين الدوليين اشادوا بها، ثم عن طريق المجلس، ثم عن طريق تشكيل الحكومة. كل هذا تم بشكل جيد، على الرغم من الصعوبات والمشاكل الاقتصادية، وتعتبر تجربة جيدة. وقد كتبت مقالا في هذا الموضوع أردت منه أن يستفيد الشباب في ليبيا من هذه التجربة. فكما كانت هي الرائدة في الربيع، كانت هي الرائدة ايضا في اسلوب الانتخابات، وفي الخيارات التي وقعت على الشخصيات الجيدة المثقفة والمسؤولة على حد كبير في هذا المجلس التأسيسي في تونس.
* تحدثت عن (بذور الديمقراطية في ليبيا) فعما تتحدث، تتكلم عن الديمقراطية في مجتمع قبلي.. الديمقراطية لا تناسب هذه المجتمعات؟
ـ بالتأكيد أن المجتمعات العربية تطورت. هناك تطور في التعليم، وفي وسائل الإعلام والتقنية الحديثة. وأنا أصبحت أميل لمجتمع المدينة. فعندما نذكر مدينة مثلا نجد أنها تسكنها قبائل متنوعة وليست قبيلة واحدة. فلم يعد الأمر مثل الماضي كانت هناك خيام وتنقل. الآن أغلب الناس في مدن. ثم إني أذكر التجربة التي مرت علينا، ولو أنهما كانت متواضعة، في ليبيا عام 1951 وضعنا الدستور وجاء البرلمان، وكانت هناك ممارسة إلى حد ما جيدة، وإن كان قد شابها بعض الأخطاء، وكانت لدينا صحافة، وأذكر أنني في الستينات كنت صحافيا، وعدد الصحف والمجلات وصل إلى 20. وكانت لديها هامش كبير من الحرية، على الرغم من عدم وجود أحزاب معلنة، وكانت هناك تيارات عروبية وإسلامية ويسارية، ولكن كانت هناك تجربة لو أنها تطورت، ولم يقم الانقلاب لكنا الآن في وضع أفضل، ولكن الانقلابات العسكرية أفسدت العالم العربي، ودهست أي نمو للديمقراطية والعمل السياسي. فلا ينبغي أن تلقي اللوم على القبيلة. إن القدوات وأهل الصفوة في المجتمع يستطيعون أن يفرضوا الشفافية، وكلما كانت هذه القدوات جيدة، ستنجح هذه المجتمعات في بناء الديمقراطية، وإعمال القانون وحقوق الإنسان والشفافية. وإذا قلت هذه الزعامات أو الصفوات، تكون هناك مشكلة ويكون هناك تخبط، فيجب ألا نلقي اللوم على القبيلة.

ليبيا المستقبل


* أنا أسألك سؤالا مباشرا.. هل ولاؤك للقبيلة أم للبلد؟
ـ أبدا. أنا ولائي أولا للفكرة الجيدة، بغض النظر عن مصدر هذه الفكرة غربية كانت أم شرقية. هذا هو ولائي. وهذا الذي أنقله في محاضراتي وآرائي عندما أكون في مسجد صغير مثلا في مدينة الزنتان مسقط رأسي، أو في طرابلس أو في أي مكان. وهذه تعلمتها من مالك بن نبي.
* هل قابلته؟
ـ نعم. مرات عدة، وكان قد زارنا في طرابلس مرتين أو ثلاثا. فالفكر إذا هو الأساس في الحياة، لأن الفكر سيقودك إلى الفعل. فإذا كان فكرك جيدا ستفعل فعلا جيدا. وإذا كان سيئا أو ضعيفا أو منحرفا، سيكون نتيجته فعلا سيئا ومنحرفا، فأنا أتعامل في حياتي مع أسرتي وأصدقائي وفي السفارة ومع الناس بما نقدمه من أفكار، وكيف نضع أسسا للعمل الصحيح. كيف تنتهي ثقافة الوساطة التي كانت سائدة.. ثقافة الفساد المالي والإداري.. الطمع الفوضى وما شابه ذلك. هذه الأشياء التي كانت سائدة طيلة أربعين سنة في ليبيا، أفسدت الحياة في ليبيا. كيف نستطيع أن نغيرها. وهذا أمر صعب. فحتى بعد انتهاء القذافي لم تنته الثقافة التي أوجدها. يتحدث الناس عن (التصعيد) وأنهم يستطيعون أن يزيلوا فلانا وينصبوا علانا، وكأنهم لا يزالون في عصر القذافي. فما لم يكن هناك قدوات لا ترضى بالوساطة والغش، ولا أي ممارسة من ممارسات العهد الماضي، لن يحدث التحول نحو دولة القانون، والديمقراطية والقضاء المستقل والصحافة الحرة، وهو أمر يحتاج إلى وقت.
* كيف ترى ليبيا المستقبل؟
ـ أنا دائما أقول إن هناك تحديات كبيرة تواجهنا، ولكني متفائل بأن المستقبل سيكون جيدا. وكل هذه المظاهر التي نراها على أنها فوضى ستنتهي في وجود الدولة خاصة في ما يتعلق بوزارتي الداخلية والدفاع، وتنتخب حكومة بطريقة شرعية جيدة منظمة. وسيكون الامتحان القادم بعد ستة شهور هو أكبر امتحان لليبيين، نأمل أن يخرجوا منه بسلام، وبطريقة مشرفة إن شاء الله.

محمود الناكوع في سطور:






ولد محمود محمد الناكوع في مدينة الزنتان جنوب غرب ليبيا عام 1939، ودرس فيها المرحلة الابتدائية، وتابع دراسته الإعدادية والثانوية بمدرسة غريان الثانوية خلال فترة الخمسينات من القرن الماضي، وكانت هذه المرحلة من أهم المراحل في حياته الثقافية والفكرية، لكونها كما يقول: كانت غنية بالتطورات السياسية والفكرية في المنطقة العربية، لاحتوائها أحداثا كبيرة كالثورة المصرية والثورة الجزائرية، كما شهدت بدايات الاستقلال في ليبيا. أكمل دراسته بالجامعة الليبية في بنغازي في كلية الآداب والتربية، وتخرج فيها عام 1963.
التحق بالعمل الإعلامي وعمل محررا في قسم الأخبار العالمية بالإذاعة الليبية، وانتقل للصحافة عام 1967، حيث بدأ الكتابة في الصحافة الليبية، التي كانت وقتها تتمتع بمساحة جيدة للتعبير عن الآراء، وتعد مرحلة الستينات من أهم المراحل الثقافية والسياسية في ليبيا، وكانت هناك أيضا تنظيمات سياسية قومية ويسارية وإسلامية كثيرة في ليبيا خلال هذه الفترة.
انتمى حينها لجماعة الإخوان المسلمين، وإثر قيام الانقلاب العسكري أوقف عن العمل الصحافي، وفي عام 1973 اعتقل وسجن عامين بتهمة الانتماء لهذه الجماعة، ثم أفرج عنه بعد أن جمدت الجماعة عملها، بعد أن عصف النظام السابق بكل الحركات السياسية والفكرية في ليبيا. ومع بداية تطبيق الكتاب الأخضر عام 1978على المجتمع الليبي، هاجر من البلاد، وظل معارضا لنظام القذافي حتى زواله العام الماضي.
وكان عضوا في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، حتى تركها عام 1990. وإثر هذه المرحلة تفرغ للكتابة والتأليف والعمل الفكري. له مؤلفات عدة منها:
1 ـ ملامح الصراع السياسي والثقافي في ليبيا الحديثة
2 – رحلتي مع الناس والأفكار
3 - اسماء في النفس وفي الذاكرة
4 ـ الحب والجمال في الإسلام
5 ـ أزمة النخبة في الوطن العربي
6 ـ بذور الديمقراطية في ليبيا
font change