الرئيس ولد محمد فال يخرج عن صمته: موريتانيا رهينة!

الرئيس ولد محمد فال يخرج عن صمته: موريتانيا رهينة!

[caption id="attachment_55234371" align="aligncenter" width="608" caption="الرئيس الموريتاني السابق إعل ولد محمد فال"]الرئيس الموريتاني السابق إعل ولد محمد فال[/caption]

[blockquote]كل الحلول السياسية التي يمكن أن نؤسس عليها مستقبلا سياسيا لموريتانيا تصب في حتمية إنهاء حالة الانقلاب وهذا ما لم ولن يقبل النظام الحالي التفاوض بشأنه
[/blockquote]

إعل ولد محمد فال، ذلك العسكري الذي دخل المشهد السياسي والإعلامي العربي والدولي من بابه الواسع، حيث اختطف الأضواء بتجربته السياسية في موريتانيا بعد وصوله للسلطة عام 2005، منهيا عشرين سنة من حكم الرئيس ولد الطايع، أعلن لحظة وصوله للسلطة نواياه الديمقراطية التي لم تكن متوقعة من ضابط عسكري جلس على كرسي إدارة أمن الدولة حوالي عشرين سنة، لكن الرجل التزم بتعهده بترك السلطة، بعد تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية شفافة هي الأولى من نوعها في موريتانيا والعالم العربي، بشهادة وإشادة الرأي العام الوطني والدولي.
لكن تجربة موريتانيا الديمقراطية لم تعمر طويلا، حيث أسقط النظام المنتخب بعد أقل من سنتين، لتعود موريتانيا من جديد لمربع الانقلابات والاضطرابات السياسية، فقرر ولد محمد فال التزام الصمت حينها، والابتعاد عن الأضواء، تاركا فرصة صنع التغيير للنخب والأطياف السياسية الموريتانية على حد قوله، ولم يستسغ الكثير من الموريتانيين مبررات ذلك الصمت، بل انتقدوه، بوصف الرجل صانع الديمقراطية في البلاد، ولا يقبل صمته على على تقويض المسار الديمقراطي.

[caption id="attachment_55234377" align="alignleft" width="202" caption="الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز"]الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز[/caption]

ولد محمد فال قال لـ"المجلة" ان موريتانيا تعتبر في حالة فراغ دستوري، نظرا لعدم شرعية المؤسسة الرئاسية وانتهاء مأمورية الجمعية الوطنية (البرلمان).
كما تحدث الرجل عما تشهده دولة مالي المجاورة لموريتانيا من تطورات تهدد امن المنطقة ككل، مشككا في جدوى الحرب التي يشنها النظام الموريتاني الحالي ضد جماعات تنظيم القاعدة داخل الأراضي المالية.
كما أشاد بالعلاقات التي ظلت تربط موريتانيا بدول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم مما يشوبها من فتور أحيانا، بسبب الأوضاع السياسية المتغيرة في موريتانيا، وطالب إيران بمراجعة سياساتها التعسفية إزاء جزر الإمارات العربية المحتلة.
وفيما يلي نص الحوار:

مؤسسات غير شرعية


* ما أسباب خروجك عن صمتك الطويل في هذا التوقيت بالذات؟ وما رؤيتك للأوضاع السياسية في موريتانيا حاليا؟
ـ خلال الفترة الانتقالية التوافقية التي شهدتها موريتانيا سنة 2005، اعتقدت كما اعتقد الموريتانيون وغيرهم أن البلاد خرجت بصورة نهائية من دوامة الانقلابات والأحكام الاستثنائية، ودخلت مرحلة الديمقراطية التعددية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، بعد أن توجت تلك الفترة بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية شفافة، لأول مرة في تاريخ البلاد، بشهادة الرأي العام الوطني، ومختلف الفاعلين السياسيين في البلاد، وكذلك بشهادة وحضور المجموعة الدولية بمختلف هيئاتها. بعد انتهاء دوري كرئيس مؤقت للدولة مشرفا على المرحلة الانتقالية، بدون أن أشارك أو أترشح أو أرشح. قررت الابتعاد عن المشهد السياسي والوقوف على مسافة من مجريات الأحداث بهدف إعطاء إشارة قوية للجيش الوطني ولأعضاء المجلس العسكري السابق للعدالة والديمقراطية وللنخب السياسية في البلاد، ولكل أفراد الشعب الموريتاني، بضرورة الابتعاد عن السياسة لتمكين السلطات المنتخبة ديمقراطيا من التفرغ لمهامها الجسيمة، المتمثلة في إحداث قطيعة نهائية مع ممارسات الماضي، وبناء الثقة وانتهاج حكامة رشيدة تحقق مطامح الشعب، وتضع موريتانيا على سكة الاستقرار والحداثة والتقدم.. ولكن يبدو للأسف أن «الرياح تجري بما لا تشتهي السفن» كما يقال، وفعلا حدث ما لم يكن في الحسبان، فما لبثت بعض مجموعات الضغط أن التفت على مسار التحول وتوجت جنوحها ذاك بالتمرد العبثي الذي قام به شخص واحد سنة 2008 تتويجا لحركة تمرد شخصية دوافعها إقالته من منصبه، وأعاد هذا التمرد البلاد لما قبل المربع الأول، وهو ما أنتج الانسداد الخطير الذي تعيشه موريتانيا اليوم.
تلك هي الدواعي التي جعلتني أتحمل مسؤولياتي اتجاه وطني، واقطع صمتي لأشارك في تغيير وضعية أراها خطيرة جدا على حاضر ومستقبل بلادي. أما تقييمي للوضع فأنا أعتبر وبكل وضوح وصراحة أن المؤسسات الدستورية الحالية في موريتانيا مؤسسات غير شرعية.

[blockquote]موريتانيا تعيش فراغا دستوريا بسبب استمرار نظام التمرد الحالي.
[/blockquote]

* فراغ دستوري إذا في موريتانيا؟
ـ نعم موريتانيا في حالة فراغ دستوري، لأن مؤسسة رئاسة الجمهورية تحتاج إلى شرعية أخلاقية وشرعية قانونية، وأنا أعتبر أن مؤسسة الرئاسة في موريتانيا اليوم فاقدة للشرعيتين معا. لأنها من الناحية الأخلاقية الكل يتفق معي، أن المؤسسة الرئاسية الحالية، منبثقة عن تمرد فردي، ضد رئيس منتخب ديمقراطيا بنسبة 53 في المائة من أصوات الناخبين الموريتانيين، وبالتالي لا يمكن أن تدعي أي ذرة من الشرعية، خاصة أنه إذا ما اعتبرنا أنه حين تمت الإطاحة بالرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله، كان قد شكل لتوه حكومة توافق وطني، عززت ـ إن كانت هناك حاجة إلى ذلك ـ من شرعيته.

أما من الناحية القانونية، فلعلكم تتذكرون ما جرى عند إعلان نتائج انتخابات 2009. فقد طلب رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ـ وهي الهيئة الوحيدة المستقلة، وبالتالي لها مصداقية للحكم على الانتخابات وتصديق نتائجها ـ من وزير الداخلية أن يقدم له محاضر عمليات الاقتراع، حتى يتم التحقق منها، والبت في طعون مختلف المترشحين. وقد تم تجاهل ذلك الطلب بكل بساطة، وهو ما اضطر رئيس اللجنة إلى الاستقالة من منصبه، معلنا ـ في مؤتمر صحافي ـ أنه ليس بإمكانه، من الناحية الأخلاقية، تزكية نتائج لم يسمح له بالتأكد من صحتها.
أنا شخصيا لا أجد أي فرق بين هذه الوضعية، وتلك التي عرفتها دولة ساحل العاج مع اغباغبو العام الماضي، وإن كان الرئيس الفائز حسن وترا ناضل حتى حصل على استحقاقه وفعلا نصب رئيسا للبلاد.

أما المؤسسة التشريعية في موريتانيا، أي الجمعية الوطنية، فليست أحسن حالا من مؤسسة الرئاسة، فقد انتهت مأموريتها الانتخابية منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي ولم تنظم الانتخابات، والدستور الموريتاني صريح في هذه الحالة، حيث تنص مادته الخامسة والأربعون على أن نواب الجمعية الوطنية، يتم انتخابهم لمدة 5 سنوات، بالاقتراع المباشر، وتنتهي سلطاتهم عند افتتاح الدورة العادية لشهر نوفمبر من السنة الخامسة التي تلي انتخابهم، كما ينص الدستور على وجوب انتخاب نواب الجمعية الوطنية الجدد، خلال الستين يوما التي تسبق افتتاح تلك الدورة البرلمانية، وهذه النصوص الدستورية الصريحة تم خرقها بالكامل حيث لا تزال الجمعية الوطنية تعمل خارج القانون، وهذا يؤكد قولي أن البلاد في حالة فراغ دستوري شامل، ولكم أن تتصوروا ما يترتب على ذلك من انعكاسات، والسؤال الذي أوجهه لأولئك المدافعين عن شرعية
وهمية للنظام الحالي، هو كيف يتسنى لسلطة أدخلت البلاد في هذا الفراغ، أن تكون جديرة بالثقة، أو تكون لها أية مصداقية داخلية أو خارجية؟

[blockquote]استمرار حالة الانقلاب أو التمرد الشخصي التي حولت البلد إلى رهينة في يد شخص واحد لا يمكن أن نتصور وضعية أخطر منها.
[/blockquote]

* في رأيك ما هي الانعكاسات المترتبة على ما ترى أنه فراغ دستوري في موريتانيا؟
ـ اعتقد أنني تحدثت بلغة قانونية بحتة لكي لا يكون هناك مجال لتأويل ما أرى انه فراغ دستوري، لحسن الحظ المواد الدستورية صريحة، وأنا أستحضرتها لكم كما هي، فمؤسسة الرئاسة تعيش حالة اختطاف بسبب التمرد الشخصي لمن يحكم في البلاد اليوم ولا شرعية لنظامه، والجمعية الوطنية تجاوزت مأموريتها الدستورية، وبالتالي فأعضاؤها لا فرق بينهم مع أعضاء الجمعيات الوطنية السابقة منذ إنشاء موريتانيا وحتى اليوم، كلهم نواب سابقون مثلي أنا رئيس سابق، أما ما يترتب على هذه الوضعية فمعلوم أن استمرار حالة الانقلاب أو التمرد الشخصي التي حولت البلد إلى رهينة في يد شخص واحد، لا يمكن أن نتصور وضعية أخطر منها، خاصة أنها قد يقتدي بها آخرون لهم أطماع مماثلة وبالعبثية نفسها، ولن يسير بنا وضع كهذا إلا للأسوأ، وهذا ما أريد من جميع الموريتانيين الانتباه له، أما ما يترتب على الجمعية الوطنية، فاعتقد انه من البديهي أن كل مشاريع القوانين التي صادقت عليها هذه الجمعية بعد انتهاء مأموريتها، تعتبر لاغية وغير ملزمة للدولة الموريتانية، وأي نظام يعيد البلاد لوضعيتها الدستورية الصحيحة سيلغي هذه الاتفاقيات أو يعيدها من جديد للجمعية الوطنية المنتخبة، لأن الجمعية الحالية باطلة الصلاحية وهناك قاعدة تقول أن «ما بني على باطل فهو باطل» وهذا يطرح مشاكل كثيرة مع البلدان الصديقة وشركاء التنمية والمستثمرين الأجانب, لذا نريد أن ننبه الجميع للعواقب الوخيمة لهذه الوضعية.

[caption id="attachment_55234378" align="alignright" width="270" caption="مظاهرة مطالبة برحيل الحكومة الموريتانية"]مظاهرة مطالبة برحيل الحكومة الموريتانية[/caption]

مكاسب شخصية


* تصف الانقلاب الذي قام به الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز بالتمرد الشخصي، فما الفرق بينه مع الانقلابات السابقة الكثيرة التي شهدتها موريتانيا، بما فيها الانقلاب الذي قدته أنت بمشاركة ولد عبد العزيز نفسه ضد الرئيس السابق ولد الطايع؟
- لا أريد تبرير الانقلابات العسكرية، لأنني رجل ديمقراطي أو من بالنظم الديمقراطية في الحكم، لكن إذا عدنا بالذاكرة للوراء نجد أن كل الانقلابات التي عرفتها موريتانيا، حصلت في ظرفية سياسية متأزمة لم تعد هناك بدائل عن تدخل الجيش للمحافظة على كيان الدولة ووحدتها الوطنية، وفيما يخص الحركة التي قام بها المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بقيادتي عام 2005، فاعتقد أنها كانت مختلفة تماما لأسباب عدة منها ظرفية الاحتقان السياسي الخطير الذي تشهده البلاد تلك الأيام، ومنها أننا لم نستول على السلطة لأغراض شخصية، قلنا في اليوم الأول إننا سننظم انتخابات شفافة بإجماع الموريتانيين ونغادر السلطة، وأعتقد أننا لم نكن ملزمين بتحديد فترتنا الانتقالية، ولا أحد يمكنه إلزامنا بذلك، لكن قناعتنا الشخصية تتمثل في بناء مؤسسات ديمقراطية مدنية قوية، وبناء جيش جمهوري قوي يؤدي مهام سامية ونبيلة تتعلق بحماية الحوزة الترابية للبلاد، ولن يتأتى ذلك لجيشنا، ما لم يبتعد كليا عن السياسة والسياسيين.

والموريتانيون يتذكرون جيدا وكذلك العالم، أننا اختصرنا مدة المرحلة الانتقالية التي أعلنا عنها من سنتين إلى تسعة عشر شهرا، لكي نترك السلطة للمدنيين ونغادر وهذا ما تم بالفعل.
أما ما حدث سنة 2008، فلا يمكن بحال من الأحوال أن نطلق عليه انقلابا، لأن الوضعية التي حصل فيها وضعية سياسية ودستورية جيدة، والجيش الموريتاني وقواته المسلحة وقوات الأمن، ليس لها أي دور في ما حدث، فهو ردة فعل كما أسلفت من ضابط تمت إقالته من منصبه، فقرر مباشرة وبدون تنسيق مع أي كان الإطاحة بالنظام للمحافظة على مكاسب شخصية لا علاقة لها بالوطن ولا بالجيش ولا بالمؤسسة الأمنية، لذلك أنا أؤكد من جديد أن القوات المسلحة الموريتانية وقوات الأمن لا تتحملان أي مسؤولية في ذلك التمرد العبثي ولا في تبعاته الخطيرة.

* يتضح من كلامك أن موريتانيا في حالة أزمة سياسية ودستورية خطيرة، ما هي آليات التغيير المتاحة من وجهة نظرك؟
ـ قبل تمرد 2008 العبثي حققت موريتانيا مكاسب معتبرة يمكن التأسيس عليها لاستشراف المستقبل، فخلال المرحلة الانتقالية التوافقية 2005، وضع الموريتانيون أسس تداول السلطة والتناوب عليها بطرق ديمقراطية شفافة، ووضعوا أسس حكامة رشيدة تضمن توظيفا معقلنا لموارد البلاد لتحقيق مطامح الشعب في العيش الكريم، لكن التمرد الذي حصل عام 2008 خرب هذا العمل الجبار، وأدخل البلاد في متاهات الانسداد التام في شتى المجالات، أما عن الآفاق فهي محصورة في أفقين: أفق استمرار الوضع الكارثي المتأزم الحالي وعواقبه وخيمة، لأننا أمام نظام يدير ظهره لمطالب الشعب ويحاول البقاء بطرق شعبوية من جهة، وأمام استحقاقات اجتماعية متصاعدة من جهة أخرى لا تتحمل التأجيل، ولكم أن تتصوروا نحو أي شيء يفضي هذا التباين والتناقض، إنه حتما يفضي إلى انفجار لا تحمد عقباه..

[blockquote]يجب أن ندرك أن ما تشهده دولة مالي حاليا يهدد كيان المنطقة الأفريقية واستقرارها عموما
[/blockquote]

أما الأفق الثاني فهو أفق تداعي كل الفاعلين الوطنيين إلى تشاور وطني تشاركي، يقيم الأوضاع ويضع آليات الانتقال السلمي الذي يعيد العربة إلى سكة الديمقراطية والحكامة الرشيدة وينهي التمرد ومخلفاته الكارثية التي لم تحمل للبلاد والعباد سوى القمع والانسداد والأزمات ويعيد الشرعية الدستورية..
وحرصي على مصلحة البلاد يجعلني أعمل على تحقيق الخيار الثاني، خيار التغيير السلمي الديمقراطي التشاركي.. وأملي كبير في الشعب الموريتاني وفي قواه الحية وفي نخبه لبلورة هذا الخيار بشكل يعيد موريتانيا بصورة نهائية لعهد الديمقراطية والاستقرار والتقدم والنماء.

* أين أنت من مبادرات كثيرة ظهرت في المشهد السياسي الموريتاني مؤخرا، تطرح رؤى مختلفة ومتباينة أحيانا لمعالجة الأزمة، خاصة مبادرة «من أجل موريتانيا» التي ظهرت قبل أيام؟
ـ منذ التمرد الفردي الذي حصل سنة 2008، حاولت كل القوى السياسية في بالبلاد بمجهوداتها الفردية والجماعية وبكل صدق وإخلاص، أن تتوصل لحلول سياسية مع النظام الحالي، لكن كل تلك الجهود باءت بالفشل، لقد كانت جهودهم ونواياهم صادقة، لكن للأسف في السياسة الصدق وحده لا يكفي، وبالتالي باءت جهودهم بالفشل لسبب بسيط، هو أن النظام الحالي لم يقم بعملية الإطاحة بالرئيس المنتخب واختطاف السلطة لكي يعيدها أو يفاوض عليها، واعتقادي الشخصي أن استمرار هذا النظام الذي وصل بهذه الطريقة مهما كانت التغطية السياسية أو الإعلامية له، تبقى مناقضة لروح الدستور، وبالتالي كل الحلول السياسية التي يمكن أن نؤسس عليها مستقبلا سياسيا للبلاد، تصب في حتمية إنهاء حالة الانقلاب.. حالة التمرد، وهذا ما لم ولن يقبل النظام الحالي التفاوض بشأنه.

[blockquote]الأشقاء الخليجيون تعاملوا مع موريتانيا بحكمة وروية من منطلق جوهر العلاقة مع بلاد «شنقيط» التي شكلت وتشكل البوابة الغربية للعالمين العربي والإسلامي
[/blockquote]

[caption id="attachment_55234379" align="alignleft" width="240" caption="القاعدة.. خطر يهدد شمال افريقيا ودول جنوب الصحراء"]القاعدة.. خطر يهدد شمال افريقيا ودول جنوب الصحراء[/caption]

حرب مع «القاعدة»


* ما هي في رأيك مآلات الحرب التي تخوضها موريتانيا ضد تنظيم القاعدة، وما موقفك من عمليات الجيش الموريتاني داخل الأراضي المالية؟
ـ موريتانيا في حرب مع «القاعدة»، فـ«القاعدة» تنظيم إرهابي دولي، تمثل مواجهته تحديا لعديد الدول في مختلف القارات، وأتصور أن أفضل طريقة تواجه بها موريتانيا الإرهاب، تكمن في بناء جبهة داخلية متماسكة لتجفيف منابعه المحلية.. والعمل على وضع استراتيجية أمنية وقائية علاجية تؤمن حدود البلاد بالتنسيق والتكامل مع دول الجوار، فأمن دول الجوار وأمن موريتانيا متلازمان مترابطان، لأن العدو مشترك والتصدي له يكون مشتركا أو لا يكون.. وبديهي أن نظام التمرد الذي يسيطر على موريتانيا حاليا غير مؤهل لرفع التحديات الأمنية.

أما في ما يتعلق بالعمليات التي يقوم بها الجيش الموريتاني بشمال مالي، فأنا لا اعتقد بوجود اية ضرورة لتلك العمليات لأسباب منها، أن الأرض الموريتانية توفر العمق الإستراتيجي الضروري الذي يسمح للجيش بتنظيم عمليات تأمين الحدود، بدون الحاجة للمرور عبر بلد آخر، وكما أن التدخل بتفويض سياسي، وبدون إشراك الجيش والشعب الماليين مخاطرة، وإهانة لجيش مالي ولشعبه، وهذه المخاطرة لها عواقبها الوخيمة على موريتانيا، حيث فشل النظام في تحقيق الأمن الداخلي، فخروج الجيش خارج الحدود لا يحقق مصالح موريتانيا، ويضر بمصالح مالي وبعلاقات البلدين، وهو تصرف شخصي أهدافه مشبوهة، لأنها بصراحة حرب زائفة على الإرهاب، يتوخى من خلالها نظام التمرد الحالي، كسب ود الدول المناهضة للتنظيمات الإرهابية، وهو يمضي في تلك الحرب بدون تنسيق مع دول المنطقة، وتواجد الجيش الموريتاني على الأراضي المالية يثير ويدمر معنويات الجيش المالي، ويشعره بخيبة الأمل، حيث ينافسه جيش أجنبي على أرضه ليؤدي مهامه بدلا عنه، ونظام التمرد الموريتاني، لا يسعى من وراء تلك الحرب المزعومة، إلا لتحقيق مآرب شخصية تتمثل في الاعتراف به ومساعدته على البقاء في السلطة لوقت أطول، وهنا أؤكد أن التعامل مع نظام التمرد الحالي في الملفات الأمنية الحساسة، كالحرب على الإرهاب، يعتبر بالنسبة للشعب الموريتاني والجيش تعاملا «مشخصنا» لا يمكن أن يحقق أهدافا ملموسة.

إنني مؤمن بضرورة بناء الثقة مع الجيران، وتفعيل التعاون والتنسيق معهم، لأنه يدرك بالتنسيق والتكامل الأخوي الإقليمي، ما لا يدرك بالتصرف الانفرادي الارتجالي .

* ما هي مسؤولية دول الميدان، في ما تشهده دولة مالي من تطورات سياسية تهدد وحدتها الوطنية والترابية، بسبب الانقلاب العسكري والحركات الانفصالية، والتواجد القوي لما يسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؟
ـ أعتقد أن واجبنا الأخلاقي الأخوي اتجاه جارتنا مالي، أن نسعى لصيانة استقرارها وأمنها ووحدة أراضيها، يجب أن لا نقبل بحال من الأحوال، أي مساس بالوحدة الترابية والوحدة الوطنية لمالي، ويجب أن نرفض رفضا تاما أي دعوة انفصالية في مالي بخاصة عندما يكون مصدرها تنظيم إرهابي خطير على المنطقة ككل، يجب أن ندرك أن ما تشهده دولة مالي حاليا، يهدد كيان المنطقة الإفريقية واستقرارها عموما، وبالتالي على كل الاتحاد الإفريقي ودول المنطقة أن يبذلوا جهودا مضاعفة لاستعادة مالي لوحدتها الوطنية والترابية، وتسوية الأزمة في أسرع وقت ممكن.

[blockquote]يتعين على إيران إنهاء الإجراءات التعسفية المتخذة في حق جزر الإمارات المحتلة من طرافه
[/blockquote]

ارتجالية وانتهازية


[caption id="attachment_55234376" align="alignleft" width="240" caption="ولد محمد فال بالزي العسكري"]ولد محمد فال بالزي العسكري[/caption]

* كيف تنظر لعلاقات موريتانيا الخارجية، وما هي انعكاسات الأوضاع الحالية عليها؟ وماذا عن علاقات موريتانيا مع دول مجلس التعاون الخليجي؟ وما رأيك في قضية جزر الإمارات المحتلة من طرف إيران؟
ـ للأسف علاقات موريتانيا الخارجية حاليا تطبعها الارتجالية والانتهازية، ولا تخضع للأعراف والأدبيات التي تشكل الثوابت الحضارية والسياسية، التي تبني عليها كل دولة سياستها الخارجية، فنحن في موريتانيا لدينا ثوابت حضارية تتمثل في انتمائنا الإسلامي والعربي والإفريقي، ويجب أن تكون علاقاتنا متوازنة في هذه المستويات، وكذلك مع الدول الصديقة في العالم، يجب أن نسعى لتقوية الدبلوماسية الموريتانية، من أجل تحقيق المصالح الوطنية الكبرى، لا من أجل المكاسب الشخصية. فلأسف الشديد سياسة النظام الحالي تسعى لتحقيق مآرب ومصالح شخصية أكثر من كونها وطنية، كما أن هناك تناقضا في السياسات الخارجية يصل درجة الاستفزاز لدول بعينها.

أما علاقات موريتانيا مع الأشقاء العرب، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، فهي علاقات أخوية مبنية على التفاهم والتعاون البناء وعلى وحدة المصير، وهي علاقات تتطور باستمرار، قد يشوبها أحيانا بعض الفتور الناجم عن عدم الاستقرار السياسي في موريتانيا، والذي يتعامل معه الأشقاء الخليجيون بحكمة وروية، فتعاملهم كان دائما مع جوهر العلاقة مع بلاد «شنقيط» التي شكلت وتشكل البوابة الغربية للعالمين العربي والإسلامي، كما هم شكلوا ويشكلون البوابة الشرقية، فهنالك تلاق وتفاعل راسخ بين بوابتي العالم العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، وأقدر بصورة خاصة جهود خادم الحرمين الشريفين ودعم السعودية التنموي لموريتانيا كما أشيد بحرص دولة الإمارات على تعزيز وصيانة علاقاتها الأخوية مع موريتانيا، كما أشيد بحكمة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وأثمن جنوحه لحل موضوع جزر الإمارات ـ التي احتلتها إيران عام 1971 ـ بالطرق السلمية وعن طريق التفاوض، وأعتقد أنه يتعين على إيران إنهاء الإجراءات التعسفية المتخذة في حق الجزر وسكانها، وعليها إنهاء احتلالها لتعود كما كانت للسيادة التامة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ونعتبر أنفسنا كموريتانيين وكعرب، ملزمين وملتزمين بالدفاع عن هذا الموقف، حتى يتحقق الهدف النهائي والذي يتمثل في استكمال سيادة الإمارات العربية المتحدة على كافة أراضيها.
font change