الباجي قائد السبسي: ليس هناك ربيع عربي بل بداية ربيع تونسي

الباجي قائد السبسي: ليس هناك ربيع عربي بل بداية ربيع تونسي

[caption id="attachment_55235184" align="aligncenter" width="620" caption="الباجي قائد السبسي"]الباجي قائد السبسي[/caption]

اليوم وبعد أكثر من أربعة أشهر على تسليمه "قصر القصبة" مقر الحكومة التونسية الى خلفه أمين عام حزب حركة النهضة الاسلامي حمادي الجبالي، ما زال "سي الباجي" لاعبا أساسيا في المشهد السياسي التونسي ويثير كثيرا من الحبر لمواقفه وطروحاته التي ترى فيها "النهضة" وحلفاؤها محاولة لافشال تجربة "حكم الاسلاميين" ودعوة لاحياء "البورقيبية" التي حاول الرئيس السابق زين العابدين بن علي محوها خلال 23 سنة من حكمه.
"سي الباجي" لم يكتف بالتصريحات فقط، بل أقدم أخيرا على إطلاق مبادرة سياسية موجهة لجمع ما سماه «العائلة البورقيبية»، نسبة إلى الرئيس التونسي الأسبق، الحبيب بورقيبة، ما اعتبر محاولة لخلق توازن فقدته تونس بعد الفوز الساحق للاسلاميين بعد أن منيت المعارضة الديمقراطية واليسارية بهزيمة مخيبة للآمال في انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي.
قائد السبسي، ألحق مبادرته ببيان أطلق عليه اسم "نداء تونس" وقال إن المبادرة تهدف إلى خلق توازن داخل الخارطة الحزبية والسياسية في تونس.

وكان قائد السبسي تمكن أخيرا من جمع الآلاف من التونسيين في اجتماع شعبي احتضنته مدينة المنستير، مسقط رأس بورقيبة. وقال في خطاب إن «النهضة صوت لها مليون ونصف المليون ناخب يمثلهم اليوم 89 نائبا، وهناك مليون ونصف مليون من الأصوات ضاعت ولم يمثلها أي نائب بالمجلس، لذلك نسعى اليوم إلى توحيد الصفوف ورصها لاستعادة ذلك العدد الضائع من الأصوات»، في إشارة إلى أكثر من مليون ونصف مليون منخرط في التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل والكثير من الدستوريين المنتمين إلى الحزب الدستوري الذي قاده بورقيبة.
قائد السبسي قال إن النجاح الذي حققته حكومته التي تولت تسيير الأمور في الفترة الانتقالية بعد الثورة "ساهم فيه الشعب التونسي بكل أطيافه، والذي كان يقظا ومتفهما"، مؤكدا أنه وعلى الرغم من "المعوقات والضغوطات الداخلية والخارجية، تمكنا، من استعادة الأمن والاستقرار، وتنظيم انتخابات بمواصفات عالمية، وتصعيد حكومة شرعية، وهو ما كان محل إعجاب وانبهار في العالم".
وعن مفهومه للربيع العربي أكد أنه لا يعترف بـ"تسمية الربيع العربي، وليس هناك غير بداية ربيع تونسي، وقد نصل الى ربيع عربي، اذا توفرت مجموعة من الشروط، أهمها نجاح التجربة التونسية التي تملك وحدها مقومات النجاح". وفي ما يلي نص الحوار:

تحقيق الأهم


* إثر مغادرتك رئاسة الحكومة بعد انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) وتسليمك السلطة لخلفك حمادي الجبالي بشكل ديمقراطي، أثنى الجميع على عملك في ظرف صعب جدا، وتمكنك من الخروج بالبلاد من حالة الانفلات العام والفوضى إلى بر الأمان وتنظيم أول انتخابات ديمقراطية وشفافة، لكن بعد أشهر أو أسابيع لاحقتك الانتقادات من "الترويكا" وأنصارها لتعقبها محاكمتك بتهمة تعود إلى نصف قرن، فالدعوة إلى قتلك أو موتك، كيف تفسر هذا التناقض، ثم كيف تحكم على أدائك ووأداء فريقك طيلة الأشهر التسعة التي قدت فيها البلاد؟
ـ عملي وفريقي استحسنه الجميع في الداخل والخارج، وفي الحقيقة فإن هذا النجاح لا يعود فقط الى شخصية الباجي قائد السبسي وتجربته فقط، بل وأيضا إلى الفريق المتكامل الذين عملوا معي، والذين أخلصوا في عملهم، وكان أغلبهم يعيش في الخارج، وعادوا لخدمة وطنهم والتضحية من أجله، ولهم مني كل التقدير والإكبار.
النجاح ساهم فيه كذلك الشعب التونسي بكل أطيافه، والذي كان يقظا ومتفهما، وعلى الرغم من المعوقات والاستحقاقات والانتظارات الشعبية وأيضا الضغوطات الداخلية والخارجية، فإننا توفقنا، وفي فترة قصيرة، من تحقيق الأهم مرحليا، وهو استعادة الأمن والاستقرار وتنظيم انتخابات ديمقراطية بمواصفات عالمية، وتصعيد حكومة شرعية، وهو ما كان محل إعجاب وانبهار في العالم .
لكن وبعد تسلم الحكومة المنتخبة مقاليد السلطة، وانطلاقها في عملها لاحقتني الانتقادات والاتهامات، خاصة بعد إطلاقي لمبادرتي السياسية، والتي لم تتم قراءتها أو لم يتم فهمها، وفي كلتا الحالتين لا عذر لهم في ذلك.
فأنا دعوت السلطة فقط إلى تحديد موعد للانتخابات القادمة، والإعلان عن دعوة الناخبين لها حسب التعهدات التي تعهد بها 11 حزبا، ومن بينها النهضة، بتحديد مدة الحكومة الجديدة بسنة فقط، انطلاقا من تاريخ انتخابها وسن دستور جديد، وقد لاحظت بعد مرور قرابة خمسة أشهر عن الانتخابات بطئا واضحا لتحقيق هذه التعهدات، خاصة أن رئيس الجمهورية يريد أن تواصل الحكومة ثلاث سنوات كاملة.
هذا الكلام قبلته الحكومة، وكأنني نطقت كفرا، بل ان الرئيس قال هذه العبارة عني في الجزائر.
وأعتقد اليوم أن الأمور بدأت تعود الى نصابها، بعد التصريح المتميز للشيخ راشد الغنوشي، الذي أثنى على شخصي وعلى عملي، وأعترف بأني أخرجت البلاد الى برّ الأمان. وفي الحقيقة فإني لا أطلب الشكر، لكني لا أقبل الانتقاد.

* يعني هل أنت راض عن فترة حكمك وما تحقق خلالها؟
ـ كان بالامكان أن يكون عملنا أحسن، لأننا بذلنا مجهودا كبيرا، ثم لا تنسى أن حكومتنا انطلقت في العمل إبان اعتصام القصبة، وكانت البلاد تعيش انفلاتا أمنيا عاما وشاملا، وكانت مؤسسات الإنتاج محترقة، وتمكنا واعتمادا على ثقة الشعب، من السيطرة على الوضع، وحققنا نتائج مهمة، ومنها إنهاء السنة الدراسية والجامعية في أفضل الظروف، ودون حصول أحداث عنف، وتمكنا من التعامل مع لجوء قرابة مليون و300 ألف ليبي وأجنبي، ووفرنا الغذاء والسكن للجميع.
كما تحكمنا في الحدود على الرغم من الحرب بين الليبيين، والتي وصلت آثارها في مناسبات كثيرة الى آراضينا.

القيام بالواجب


* وكيف تحكم على آداء الحكم الحالي، بعد مرور ما يزيد عن مائة يوم؟
ـ لا أريد تقييمهم أو إعطائهم دروسا، اذ أعلم أن الكثير منهم لهم حساسية ضدي، وقد صدرت عن بعضهم تصريحات مسيئة لي، وعلى كل حال أقول يجب أن نترك لهم وقتا أطول للقيام بالواجب، وفي طليعة ذلك سياسيا ترسيخ النظام الديمقراطي، ولا يتم ذلك الا بتنظيم انتخابات ديمقراطية في آجالها، رغم انني ألاحظ أنهم غير مستعجلين على ذلك، خاصة أن الإعداد للانتخابات يتطلب، وفق المعايير العالمية، بين 6 و8 أشهر، اضافة الى أن انتخابات 23 أكتوبر تمت بمشاركة نصف الناخبين المحتملين فقط، اذ لم يتسن تسجيل كل الناخبين.
كما أن ضبط تاريخ الانتخابات، يعطي ثقة أكبر للمواطنين وللمستثمرين. وأشعر وكأن هذه الحكومة ذات المرجعية الدينية، غير مهتمة باحترام تعهداتها، وأقول لهم لَم تقولون ما لا تفعلون؟

[caption id="attachment_55235185" align="alignright" width="227" caption="راشد الغنوشي"]راشد الغنوشي[/caption]

* هل اتصلت بالحكومة الحالية لإبلاغها مواقفك وتصوراتك؟
ـ لا، لم اتصل بها ولم يتصلوا بي.

* بعد الاتفاق على عدم اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع، بعد اعتماد الفصل الأول من الدستور الماضي لسنة 1959، ينتظر أن يكون الخلاف القادم حول طبيعة النظام السياسي الذي سيتم اعتماده، فهل أنت من أنصار النظام الرئاسي أم البرلماني؟
ـ التجربة السياسية الماضية مع بورقيبة وبن علي حرفت النظام الرئاسي، اذ كانت سلطات رئيس الجمهورية بلا حدود، وفوق المراقبة، إضافة الى غياب مؤسسات رقابية لمراقبة الحكومة، وهو ما ولد نظاما رئاسويا.
ولأن للنظام البرلماني مشاكله المتعددة، فإني أنتصر للنظام الرئاسي المعدل، الذي يضمن وجود هياكل الرقابة ويمنع الاستبداد واحتكار الحكم.

* أنت متهم اليوم بتعذيب عناصر يوسفية (نسبة للزعيم التونسي الراحل صالح بن يوسف) معادية لحكم بورقيبة، والقضية منشورة اليوم أمام القضاء، ماذا تقول عن الاتهام وكيف تدافع عن نفسك؟
ـ هذا أمر لا يزعجني، ولا أرى مانعا في المثول أمام القضاء، لكن أقول إن الأشخاص الذين يتهمونني بأنني عذبتهم، تم إيقافهم في19 ديسمبر(كانون الأول) عام 1962 في ما عرف وقتها بالانقلاب على بورقيبة، وتم اكتشافهم من الجيش، الذي حقق معهم وأصدر ضدهم أحكامه، وكنت وقتها مديرا للسياحة، ولم التحق بوزارة الداخلية إلا يوم 7 يناير (كانون الثاني) 1963، وهو ما يعني انني لم أر أحدا منهم، ولم أعذب أو أدع الى التعذيب.
وحتى فترة سجنهم لقضاء محكوميتهم بالأشغال الشاقة، فإني لم أعط الأوامر بضربهم أو تعذيبهم فأنا ضد العنف، ثم ان الأزهر الشرايطي كان صديقي، وعائلته لم تطلب متابعتي.

دولة عصرية


* دعا أحد الوعاظ في وزارة الشؤون الدينية بموتك، وبما سماه "العصابة البورقيبية" قبل أن يتراجع ليقول بأنه قصد الموت السياسي، هل خفت من هذا التهديد، وهل ندمت على تحمل مسؤولية رئاسة الحكومة، بعد ما لحقك من انتقادات وتهديدات؟
ـ الحياة والموت بيد الله وحده، أما السياسي فلا يمكن أن يتقاعد أو يموت كما يقولون، ومهما حدث أو سيحدث، فإنني لم أندم على تحمل رئاسة الحكومة في الفترة الانتقالية الأولى، اذ جئت للقيام بالواجب بعد استقالة الوزير الأول، وكنت مجبرا على ذلك.

* قال الكثيرون، واعترفت شخصيا بأنك أعدت الفكر البورقيبي أو سياسة بورقيبة، هل مازال هذا الفكر يصلح لتونس، رغم الانتقادات الكبرى، التي توجه إليه في عديد الأوساط، ليكون أساس مبادرتك؟
ـ البورقيبية طريقة عمل جربت فصحت، والزعيم بورقيبة لا يمكن أن يزايد أحد على نضاله ووطنيته، ومساهمته في تحرير البلاد وبناء دولة عصرية، قامت على التعليم والصحة وتحرير المرأة.

[caption id="attachment_55235186" align="alignleft" width="300" caption="سلفيو تونس: قائد السبسي وبورقيبة وجهان لعملة واحدة!"]سلفيو تونس: قائد السبسي وبورقيبة وجهان لعملة واحدة![/caption]

* ألم يخطئ بورقيبة طيلة مسيرته؟
ـ لم يكن معصوما من الخطأ، فهو لم يحقق الديمقراطية، وأبعد أو قبل بإبعاد رجال عظام كانوا معه، كما قبل بمقترح رئاسته لتونس مدى الحياة، رغم أن ذلك ضد فكره كما عرفته.

* لكنه أخطأ في التعامل مع الدين الإسلامي، وسار على درب كمال أتاتورك ليؤسس دولة علمانية؟
ـ أخطأ بورقيبة، لما دعا المواطنين إلى الإفطار ذات يوم رمضاني حار جدا، لكنه لم يكن شبيها بأتاتورك، لأنه لم يكن يجتهد في المسائل، التي تتوفر فيها النصوص القرآنية أو الأحاديث الصريحة، إذ رفض إدراج المساواة في الارث بين الذكر والأنثى لوجود نص واضح في ذلك، وهو ما يؤكد انه كان مؤمنا.

* يعاب عليك أنك عملت مع بن علي، وانك سكتت عن ديكتاتوريته؟
ـ عملت معه فترة قصيرة كرئيس لمجلس النواب بعد إلحاح منه، إذ رفضت في البداية طلبه، رغم انني فرحت في البداية وكغيري من السياسيين بمضمون بيانه، وقد رفضت مواصلة العمل معه، ورفضت رئاسة المجلس الدستوري، بعد أن أبلغني بذلك الوزير الأول، ومدير الحزب آنذاك، وقلت لهما أبلغا الرئيس بأنني لا أبحث عن عمل.
ويعرف عديد السياسيين والمعارضين أننى توقعت هروبه أو اختفاءه في سنواته الأخيرة، وقد قلت ذلك الى السيدين أحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر، والى الأستاذ حمادي الرديسي الذي كتب ذلك بعد الثورة.

ربيع تونسي


* كيف تقرأ مستقبل بلدان الربيع العربي؟
ـ أنا لا أعترف بتسمية الربيع العربي، ليس هناك غير بداية ربيع تونسي، وقد قلت هذا الكلام في اجتماع مجموعة العشرين، وقد نصل الى ربيع عربي، اذا توفرت مجموعة من الشروط ، أهمها نجاح التجربة التونسية التي تملك وحدها مقومات النجاح، وهي تعميم التعليم منذ أكثر من نصف قرن، وتحرير المرأة منذ ستين عاما، وتوفر طبقة وسطى عريضة يمكن أن تضمن المسار الديمقراطي.

* كسياسي وكمواطن تونسي، كيف تقرأ توسع ظاهرة السلفية في تونس، وهل لديك تخوفات منها؟
ـ خوفي من استعمال العنف والتهديد به، ومن الفوضى التي أصبحت تعرفها شوارعنا والتي تهدد عودة السياحة والاستثمارات الخارجية الى نسقها السابق، وهو ما سيعسر بعث المشاريع وخلق مواطن الشغل، ومواجهة بطالة أكثر من 800 ألف شاب، منهم 250 ألفا من أصحاب الشهادات العليا.
font change