ليبيا القبلية.. هل من مجلس للحكماء؟

ليبيا القبلية.. هل من مجلس للحكماء؟

[caption id="attachment_55235969" align="aligncenter" width="620" caption="ليبيا.. الحرب مستمرة!"]ليبيا.. الحرب مستمرة![/caption]



في ظل هذه الفوضى الماحقة التي تجتاح ليبيا، وتحديات العصابات المسلحة لبعضها بعضا، وفي ظل تنامي الحمية العشائرية والمناطقية، وفي سياق ولاء بعض الليبيين في الداخل ومنظماتهم إلى قوى خارجية، أملا في الحصول على نصيب في الغنيمة الكبرى، يغدو المخرج صعبا ومتشعبا ودقيقا إلى أبعد الحدود.

أولا، أود أن أشير إلى أن تعبير «العصابات المسلحة»، استخدم هنا لعدم الرضا عما يفعله هؤلاء المسلحون، لأنه ليس من الصواب أن يتحول المساهمون في التخلص من نظام مستبد إلى متجبرين مستبدين، مهما بلغ حجم التضحيات التي بذلوها، فليس هناك مسوغ لهذا العمل. منطق المسلحين يقول: «إننا من حرر ليبيا من القذافي، لذا فإننا الآمرون الناهون»، وهو تماما ما جاء على لسان القذافي مرارا، وبما معناه أنه هو الذي حرر ليبيا من الهيمنة الأجنبية المتمثلة في القواعد العسكرية التي كانت في ليبيا قبل توليه السلطة في عام 1969. وكلا المنطقين أعوج، فتخليص البلد من احتلال وإيقاعها في احتلال من نوع آخر، هو أمر مأساوي ولا يمكن أن يقبله الناس مطلقا. ينبغي أن تسيطر الحكومة فعليا على المنافذ الحيوية وغير الحيوية للبلاد. وحتى المنافذ التي قيل إنها سلمت للحكومة الليبية، مازالت في الواقع تحت السيطرة المناطقية والعشائرية، وهناك رحلات تقلع للخارج تحت جنح الظلام والضوء أيضا، من دون إذن هذه الحكومة.

على الحكومة الليبية ألا تتهاون مع هذه العصابات، وإن عليها أن تعمل كخلية نحل، ليلا نهارا، من أجل نزع سلاح المجموعات، بسرعة قصوى، لأن كل يوم يمر، يكون في صالح هذه المجموعات، فتشعر فيه هذه بقوتها وتجذرها وأيضا تطاولها، ويغدو من الصعب بعد ذلك زحزحتها عن أمكنتها. فهل من المعقول أن يكون قدر ليبيا أن تتخلص من مستبد جائر، ليتلقفها مستبدون عديدون، يعربدون في عاصمتها من دون وازع، ويتحكمون في مفاصل الدولة الأمنية وغير الأمنية.
إن وجود هذه الأرتال المسلحة خطر يهدد السلم الاجتماعي، ويشعر المواطنين بالخوف، وعدم الاستقرار. ويبعث فيهم الحمية القبلية. إن الشعور بالعظمة والاستكبار الذي يحس به بعض الناس الذين يجدون أنفسهم صدفة في السلطة، ربما يمنعهم من إلقاء السلاح، وخاصة إذا طال عليهم الأمد، وكرت عليهم السنون. لذا فإن كل يوم يمر على هذه العصابات المتشبتة بسلاحها، يعد تعزيزا لها، وتأصيلا لجبروتها وعنجهيتها.

بالأمس أغارت واحدة من هذه العصابات المسلحة على مطار طرابلس الدولي، وعرقلت حركة الملاحة الجوية فيه، بذريعة أن قائدها خطف. حسنا خطف، ولكن ما علاقة احتلال مطار طرابلس بالموضوع؟!
الواقع أن هذه العصابات المسلحة، تستند إلى قبائل، وتدعمها مناطق، وبما أن الحبل متروك على الغارب في ليبيا، فلكل عصابة غاياتها وأهدافها. ألا يعلم هؤلاء أنهم بهذا يساهمون في تأجيج القبائل الأخر واستفزازها؟!

الحل هو ألا تكتفي الحكومة بإصدار الفرمانات والبيانات والدعوات للمسلحين بنزع أسلحتهم. بل ينبغي لها أن تتخذ إجراءات عملية. وأن تكون في حالة انعقاد دائم حتى تنفذ هذه المهمة الحيوية، التي من دونها لا يمكن بسط سيادة الدولة وهيبتها في أرجاء البلاد. أجل يجب أن يكون شعار الحكومة الليبية في الوقت الراهن هو (نزع السلاح أولا). إن على رئيس وزراء ليبيا عبدالرحيم الكيب والوزراء التنفيذيين، أن يدعوا كل شيء جانبا ويضغطوا بشكل يومي ومتواصل، ومن دون كلل ولا ملل، حتى يستتب الأمن ويُنزع السلاح بالكامل. لأن في هذا تطمينا للناس وإعادة للحمة الوطنية. ومصداقية للانتفاضة الشعبية على النظام السابق.

أما إذا رأت الحكومة نفسها عاجزة عن إيجاد حل لهذه القضية، فإن عليها أن تعلن ذلك على الملأ، وفي بيان رسمي، لكي يعلم الناس حقيقة ما يجري فعلا، وربما يجدون العذر للحكومة. لكن الحكومة يجب عليها أن تجد حلا ومخرجا لهذه المشكلة، ولو أدى ذلك لطلب المساعدة من قوات أممية. إنه من العبث أن تعطي الحكومة المؤقتة كل هذا الوقت لهذه العصابات المسلحة، لإلقاء السلاح.
أن تخرج ميليشيات من مدينة من المدن وتدخل مدينة أخرى.. من وراء ظهر الحكومة.. فأي نوع من السلطة تمثل هذه الحكومة؟!
هناك حل آخر، وهو أنه يمكن للحكومة قبل أن تلجأ للخارج، أن تسعى لتشكيل مجلس حكماء أو مجلس عشائري، على غرار ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، تشارك فيه كل القبائل، أو القبائل الكبرى، للخروج بالبلد من هذا المأزق.
font change