«الشرعية الثورية».. ماذا بعد!

«الشرعية الثورية».. ماذا بعد!

[caption id="attachment_55236661" align="aligncenter" width="620"]انتهت الثورة وبدأت الفوضى انتهت الثورة وبدأت الفوضى[/caption]



عادت «الشرعية الثورية» من جديد إلى الواجهة، بعد أن ظنها الليبيون أنها إرث بائد، وعبارة ابتدعها رأس النظام السابق في محاولة لتبرير تدخلاته التي كانت متعددة ومستفزة أيضا في كل صغيرة تمس الشأن الليبي طيلة عقود.
أجل، عادت هذه العبارة بقضها وقضيضها إلى المسرح الليبي، بعد أن غابت شهورا فقط، كانت نائمة خلالها، في إرشيف ما كان يعرف بـ«السجل القومي»، و(هو لمن لا يعلم، كتب مطبوعة طبعات فاخرة لجميع خطابات القذافي منذ سبتمبر/أيلول 1969)، أو أرفف مكتبة «الفكر الجماهيري»، أو في «المركز العالمي لدراسات الكتاب الأخضر»، وهذه المؤسسات الثلاث (لمن لا يعلم أيضا) شفطت قدرا لا يمكن حصره من أموال ليبيا، لأن صاحب «الشرعية الثورية» كان مستميتا في نشر أفكاره مهما كلف ذلك من أموال. فقد كانت هناك ندوات في كاركاس ومدريد وباريس وأكرا، وكانت هناك أموال فلكية تهدر على أساتذة جامعات عالمية لكتابة البحوث حول الكتاب المذكور، بالإضافة للإقامة والسفر.

أفاقت الشرعية الثورية من غفوتها، ورفعت فوق الأعناق، في محاولة لبعثها من جديد، حتى بعد أن ثبت بالدليل القاطع عدم جدواها. كانت تجربتها من قبل هي هذا الدليل القاطع.
لماذا إذا تعاد تجربتها في البلد نفسه الذي أعدمت فيه؟!
لماذا خرج مجددا مصطلح «الشرعية الثورية»؟!

قبل أشهر كان هذا المصطلح يرن في أسماع الليبيين، وكانت أموالهم وحقوقهم تنتهك باسم الشرعية الثورية. اليوم تمارس الشرعية الثورية من باب واسع، قد يحول ليبيا إلى مجتمع «أبكم»، ويجعل هذا المجتمع مجتمعا مغيبا تماما عما يجري في بلده. كان صاحب الشرعية واحدا يعرفه القاصي والداني، أما اليوم فإن أصحاب «الشرعية الثورية»؟! يعدون بالآلاف. فكل من حمل سلاحا، أو حتى هراوة، أضحى يعد من (الثائرين). هل هم خمسون ألفا.. ستون.. سبعون ألفا لا أحد يدري؟!
هم ليسوا واحدا، بل هم بالآلاف.

ولكن ماذا تعني هذه «الشرعية الثورية»؟! هل هي مجرد كلمتين لا قيمة لهما؟ هل هي مجرد تعبير كقولنا «رفيق» مثلا، ليس له معنى إلا التبعية؟!
«الشرعية الثورية»؟! هي من أخطر ما نادى به المسلحون حتى الآن، لأنها «عصمة» لهم من أي عقاب أو تجاوزات، وبالتالي فإن أمر البلاد معلق بأيدي آلاف من الناس، يصولون ويجولون فيها من دون رادع، أو حساب. وهذا الصولان والجولان ماثلان للعيان في ليبيا الآن. ويستطيع أن يراه بوضوح من يريد أن يرى. عصابات مسلحة، تقفل طريقا وتفتح أخرى. تقبض على فلان وتترك علانا. تغير على مطار طرابلس، أو تنقض على مطار معيتيقة. كل هذا يحدث هذا باسم «الشرعية الثورية»؟!
انتفض الناس من أجل الحرية، فإذا بهم يكبلون باسمها.


[caption id="attachment_55236647" align="alignleft" width="300"]ليبيا الجديدة.. الشرعية للسلاح ليبيا الجديدة.. الشرعية للسلاح[/caption]


ليست المسألة محصورة في كلام عابر، لأناس عابرين. ولكنه كلام راسخ لأناس راسخين. فالقانون الذي طالب به المسلحون أجيز. وأصبحنا الآن وجها لوجه أمام «العصمة»، سمها ما شئت «العصمة الثورية»، «الشرعية الثورية»، «الجائزة الثورية». تعددت التسميات والمعنى واحد. والرسالة الموجهة لكل الليبين، ربما ليس في ليبيا فقط، ولكن لليبيين جميعا من هم على ترابها أو على ثرى أرض أخرى، هي أن لا تفتح فاك، فالكلام غير مباح، لأنه طلع الصباح.. هل هو صباح الحرية، أم صباح الأغلال؟!

إذا لم يلغَ هذا القانون، ستكون هناك أزمة دائمة في ليبيا، ولا بد من إيجاد طريقة لقيام ثورة تصحيحية.. عفوا ثورة مسلحة.. لإعادة الأمور إلى نصابها. لأن الأمور لم تكن في نصابها منذ ما يربو عن أربعة عقود متواصلة، وحتى هذه اللحظة.
لا يمكن في أي عرف أو قانون أن تعطى الحصانة لآلاف مؤلفة. وفي ليبيا ارتكبت جرائم إبان الحرب، ما كان ينبغي لها أن ترتكب، ويجب محاكمة المتسببين بها، لا أن تصدر قوانين لإضفاء الشرعية عليها.
وأخيرا فإن على الليبيين، أن يفتحوا أعينهم على بصيرة، وأن يتعضوا من الماضي، ويعلموا أن الوقت يداهمهم، ويعوا أن بلدهم تأخر بما يكفي عن ركب الأمم، وحان الوقت للنهوض به من هذه الكبوة التي استمرت عقودا، وأن ينهوا الأنانية الفردية والجماعية، لكي يبنوا دولتهم المدمرة.

هذا الكلام ليس وعظيا، أو خطابيا. لكن الوضع في ليبيا، يحتاج إلى مثل هذا الكلام لكي يترفع المعنيون عن الصغائر والأنانية والمصالح الشخصية التي قد تدخل البلاد في دوامة لا يستطيع أحد إيقافها.
ليبيا بأسرها قد تكون حيا في بكين.. فلمَ كل هذا التناطح؟! تقاسموها بالتساوي إذا ولا تقصوا أحدا.. اكثروا من الوزارات.. وزارة القبائل، وزارة البيئة.. أو حتى وزارة للذوق لمَ لا، واعطوها لذوي الكلاشينكوفات مثلا.. إنهم في حاجة ماسة إلى مثل هذه الوزارة.
font change