عبدالله المدني: مصر تقترب من نموذج إيراني بوجه سني

عبدالله المدني: مصر تقترب من نموذج إيراني بوجه سني

[caption id="attachment_55242977" align="aligncenter" width="620"]د. عبدالله المدني د. عبدالله المدني[/caption]


وقال مؤلف "ومضات من آسيا.. ما صنعه كومار ولم يفعله عبد الفضيل" في حوار مع "المجلة" إن كل المؤشرات تفيد "للأسف" باقتراب مصر في
عهد جماعة الإخوان المسلمين من نموذج إيراني بوجه سني، بقيادة "مرشد الجماعة" بدلا من "الولي الفقيه".. وفي ما يلي نصر الحوار:


- يصدر كتابكم "ومضات من آسيا" في وقت تمرّ فيه كثير من الدول العربية بتغيير كبير وبداية جديدة. فأيّ رسالة يريد إيصالها لهم عبر هذه الومضات الآسيوية؟
* مفاد الرسالة بإختصار شديد هو: استفيدوا قدر الإمكان من تجارب الأمم الآسيوية في مختلف مناحي الحياة إن كنتم فعلا تتطلعون إلى النهضة والرخاء والإرتقاء بشعوبكم، فهذه التجارب متاحة لكل من يريد أن يغرف منها، كما أنها أثبتت نجاحات منقطعة النظير، ناهيك عن أن مصدرها الشرق الذي نحن جزء منه بالمفهوم الثقافي والاجتماعي الواسع. أما الذين يتذرعون بمقولة أن لكل أمة خصوصياتها وبالتالي لا يمكنها نقل تجربة أمة أخرى بنجاح لإختلاف المعطيات والثقافات والقيم، فأقول لهم ليس المطلوب تطبيق تجربة الآخر بحذافيرها، وإنما الإسترشاد بخطوطها العامة سبيلا لتحقيق نصف نتائجها أو حتى ربعها على الأقل.

- اقترحت على الأفغان أن يعودوا إلى الملكيّة إدراكًا لمزايا آخر ملك، هل سيأت يوم تقترح فيه على الجمهوريات العربية الارتداد إلى الملكيّة؟
* مامن شك في أن الأنظمة الملكية في دول مثل مصر والعراق وليبيا، قد بنت دولة المؤسسات والقانون وأمنت الإستقرار، وإبتعدت عن المغامرات الخارجية، وشرعت في التحديث والعصرنة، وكان بإمكانها – لو لم ينقلب عليها العسكر– أن تقدم المزيد من الإنجازات. وبالتالي فعند مقارنتها بالأنظمة الجمهورية التي خلفتها نجد أنها كانت الأفضل. على أنه بعد مرور كل هذه الحقب على زوال الملكيات العربية في الدول المشار إليها، وظهور أجيال بكاملها لم تقرأ عن حسنات أنظمتها الملكية السابقة، بل تعرضت لعملية غسيل دماغ على يد العسكر المؤدلجين كي تمقت الأخيرة. لن تجدي الدعوة إلى التحول من الجمهورية إلى الملكية، حتى لو آمنا بمزايا الأخيرة. غير أن ما قد يجدي هو الدعوة إلى تمسك شعوب الخليج والأردن والمغرب بأنظمتها الملكية الحالية كحائل دون وقوع بلدانها وشعوبها في براثن الفوضى والتمزق والتراجع والبؤس والمغامرات والشعارات البائسة كتلك التي عانت منها شعوب مصر والعراق وليبيا واليمن. ولأني مؤمن بأفضلية الأنظمة الملكية على الجمهورية بعد كل ما عانيناه من الأخيرة، فقد كان لي رأي في الملكيات الآسيوية.

فقد رأيت في عودة الملكية إلى أفغانستان حلا معقولا لإلتفاف القوى القبلية والجهوية المتناحرة حول رمز مقبول متمثل في ملك لم تتلطخ يده بالدماء وينتمي إلى العرق البشتوني السائد. ورأيت في مطالبة النيباليين بإسقاط الملكية لصالح قيام نظام جمهوري خطأ سوف يندمون عليه (أعتقد أنهم نادمون الآن). أما ملكية تايلاند فأعتبرها نموذجية لسبب بسيط هي أنها، رغم طقوسها وهالاتها البوذية المقدسة، فقد تطورت عبر القرون لتواكب متطلبات ومفاهيم العصر المتجددة، الأمر الذي حال دون تكلسها وبالتالي ظلت صامدة ومحبوبة. وبعبارة أخرى فإن الملكية التايلاندية قلدت ملكيات بريطانيا ودول البنيلوكس والدول الإسكندنافية من حيث تجددها فأمَّنت لنفسها الإستمرارية، وابتعدت عن تقليد ملكيات يوغسلافيا ورومانيا وألبانيا وإيطاليا التي سقطت بسبب جمودها ومعاندتها لرياح العصر.

- في كل الكتاب، تقدّم العلمانية كحل لعبدالصبور العربي، وتستشهد بالنموذج التايواني. ألا تتخوف من أن تتحول العلمانية مثلها مثل الإسلاموية إلى أدلوجة، وسلاح لإقصاء الآخر، حسبما درج العربي في التعامل مع ما يؤمن بأنّه الخير؟
* المؤسف، بل المؤلم حقا، أن تتبارى رموز الإسلام السياسي والحركات الإسلاموية بإتهام العلمانية بما ليس فيها. فالعلمانية عندهم كفر بواح وشر مطلق، والعلمانيون ليسوا سوى ملحدين وزنادقة وأصحاب هرطقات. لكن العلمانية عند هؤلاء أنفسهم تنقلب فجأة إلى شيء طيب حينما تطبق في بلاد بها أقلية مسلمة لأنها تتيح لهذه الأقلية ممارسة شعائرها بحرية، وتتيح لأفرادها التنافس بمساواة مع رموز الأغلبية على المناصب العليا والمقاعد البرلمانية وربما الوصول إلى سدة الزعامة.

فلينظر أعداء العلمانية والعلمانيين فقط إلى هذا الجانب المضيء المنصف للمسلمين في البلاد التي يشكلون فيها أقلية، طالما أنه لا يمكن إقناعهم بأن العلمانية ليست أيديولوجيا وإنما مجرد مدرسة فلسفية لا تعادي أي عقيدة وتتعامل مع الجميع على قدم المساواة ولا تقصي، ولاتفاجر في خصومة، وإنما أقصى ما تطالب به هو إعلاء شأن العقل في كل الأمور الخلافية، و إبعاد رجال الدين عن الإشتغال في السياسة لأن منبرهم الديني وصفتهم الدينية يعطيانهم الأفضلية على غيرهم من منافسيهم، الأمر الذي ينتفي معه عامل المساواة. وفي هذا السياق لا بد من التذكير بأن عظمة الهند وما بلغته من تقدم وإستقرار لا يعود فقط إلى نظامها الديمقراطي، وإنما أيضا إلى دعامتين تسندان هذا النظام هما العلمانية والفيدرالية، واللتان لولاهما لتمزقت الهند وتفتّتَتْ.

ولا أعتقد انه هناك بلد في هذا العالم غير الهند، سمحت غالبتها الهندوسية (80 في المائة) بأن يحكمها رئيس جمهورية من الأقلية الإسلامية (15 في المائة) ورئيس وزراء من الأقلية السيخية (1 في المائة) وزعيمة حزب حاكم من الأقلية المسيحية (نحو 2 في المائة). هنا يكمن سر وعظمة النظام العلماني الذي يرسخ لمبدأ المواطنة دون النظر إلى جنس المواطن او عرقه او دينه.




رؤية واضحة



[caption id="attachment_55242978" align="alignleft" width="264"]د. عبدالله المدني: الأنظمة الملكية حائل دون وقوع بلدانها في براثن الفوضى والتراجع والبؤس د. عبدالله المدني: الأنظمة الملكية حائل دون وقوع بلدانها في براثن الفوضى والتراجع والبؤس[/caption]

- إشكالية المرأة التي نقرأها في تأخر المرأة في اليابان، هل نستطيع ربطها بأزمة المرأة العربية، وتوصيفها بأنّها أزمة المرأة الشرقية، عامة؟
* قطعا لا! المرأة اليابانية والعربية لكلتيهما إشكاليات مع مجتمعيهما الذكوريين، لكن شتان ما بين المشاكل التي تعاني منها الأولى والمشاكل التي تواجه الثانية. وشتان ما بين درجتي ما تتمتعان به من حقوق. فعلى حين نجد أن تعليم المرأة العربية وعملها وخروجها وسفورها وسفرها واختلاطها بالرجل وختانها ووصولها إلى سدة صنع القرار لا تزال مواضيع يدور حولها جدل عقيم في المنتديات والحلقات النقاشية والفضائيات، نجد أن المرأة اليابانية تجاوزت كل هذه الأمور وحسمتها نهائيا، وباتت لا تشتكي إلا من بعض التمييز في مواقع العمل فيما يتعلق بالرواتب والإجازات وتقلد المناصب العليا.


- كيف يمكن صناعة الاقتصاد، في ظل الأزمات العربيّة والاضطراب، هل الإشكالية في النظم العربية أم في الثقافة والشعوب؟
* الإقتصاديات الناهضة والناجحة لم تكن لتنهض أو تنجح، سواء في آسيا أو غيرها، إلا بوجود أنظمة تملك رؤية واضحة، وإرادة حديدية، ومخططين استراتيجيين قادرين على التنبؤ السليم ووضع خطط مستقبلية تتلاءم مع تلك التنبؤات وتحديات المستقبل، إضافة إلى وجود ثقافة تقدس العلم والعمل وتنظر الى احترام الوقت واستغلاله استغلالا أمثل بصفتها قيمة محورية للارتقاء، وبمعنى آخر وجود ثقافة متجذرة في الشعب تجعله يتعلم ويعمل ليس بهدف جمع المال المفضي إلى اقتناء أدوات وسلع الرفاهية، وإنما لأن التعليم والعمل واجبان مقدسان تجاه الإله والوطن.

هذا ما حدث تحديدا في جزيرة سنغافورة ذات المساحة الصغيرة والموارد المحدودة والتي كانت يوما ما مجرد مستنقع مليء بالأوبئة والقاذورات، فإذا بها بفضل الرؤية الثاقبة لزعيمها وباني نهضتها "لي كوان يو"، وبفضل حسن تدبيره وعقلانيته ونبذه للشعارات الفارغة والعنتريات، تتحول في سنوات قليلة إلى واحدة من أكثر دول العالم تقدما ونماء وازدهارا ونظافة وسمعة طيبة، بل إلى أهم مركز تجاري ومالي في العالم الثالث، وثالث أكبر مكان في العالم لتكرير النفط، ومالكة لأنجح شركات الطيران وأفضل المطارات وأنشط الموانيء البحرية وشركات الشحن والمناولة. هذا ناهيك عن وصول معدل الدخل الفردي فيها إلى أكثر من 30 ألف دولار، من بعد أن كان في الستينات لا يتجاوز 435 دولارا.

- قبل إزاحة طنطاوي، درج كثيرون على القول بأن مصر الآن أقرب إلى النموذج الباكستاني، وآخرون أقرب إلى النموذج الإيراني أو التركي، وكان الإخوان يقولون إنه النموذج الماليزي، فهل ترى لحالها بعد سنتين من الثورة، أية ملامح آسيوية؟
* كان رأيي في البداية أن الحدث المصري في عام 2011 قريب الشبه بما حدث في أندونيسيا في عام 1989 ، خصوصا وأنه كانت هناك تقاطعات بين نظام سوهارتو ومبارك لجهة طريقة وصولهما إلى السلطة وتحالفاتهما الداخلية وديمقراطيتهما الصورية ودور حزبيهما الحاكمين في إفساد الحياة السياسية، ودعم واشنطن لهما، وصولا إلى دور العسكر في الإطاحة بهما بالتضامن مع الجماهير الغاضبة. ولا أخفيك أني كنت أتوقع أن تسلك مصر المسلك الاندونيسي، فتنظم أمورها من بعد فترة إنتقالية هادئة. لكن قناعاتي سرعان ما تغيرت، ولاسيما بعد ظهور نتائج الإنتخابات وما رافقها من فوضى وتخبط وسياسات إقصائية. حينها فقط أدركت أن نجاح التجربة الإندونيسية في الإنتقال بهدوء من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، مقابل فشل الثورة المصرية في تحقيق شيء من ذلك يعود إلى تباين ثقافة الشعبين، دعك من التفاوت الكبير والهائل في نسب أمية الذاهبين إلى صناديق الاقتراع في البلدين (40 في المائة في مصر مقابل 5 في المائة في إندونيسيا). كم نتمنى أن تقترب مصر من النموذج الماليزي او التركي في ظل زعامة الإخوان المسلمين، غير أن كل المؤشرات تفيد للأسف بإقترابها من نموذج إيراني بوجه سني، بقيادة "مرشد الجماعة" بدلا من "الولي الفقيه".
font change