مهمشون إرهابيون: هل تتحد الجماعات المشتتة.. في أفريقيا!

مهمشون إرهابيون: هل تتحد الجماعات المشتتة.. في أفريقيا!

[caption id="attachment_55245753" align="aligncenter" width="620"]المليشيات الصومالية المليشيات الصومالية [/caption]

تحمل الأنباء الأخيرة حول أفريقيا الإشارة الدالة على اندفاع السمر «البؤساء»، بخطى واثقة نحو احترابات جديدة، في ظل تصاعد حمى الصراعات من جهة، واختلال عمليات التنمية وضعف الدول وهشاشة الوعي القومي من كل الجهات، استمر ذلك حتى بعد أنباء التئام الاتحاد الأفريقي في مايو (أيار) الماضي، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، فقد انفض دون أن يخرج بحلول واضحة لأي من الأزمات المجلجلة التي تهز أركان القارة الأفريقية.

ولكن! من أين تنبع الصراعات التي تختلط فيها أوراق الإرهاب بأصوات المهمشين، وتمتطى فيها القضايا العادلة لتصبح دربا للسلطة، أو دربا لتغذية الحرب، التي يعيش عليها تجار الحروب، وما الميدان؟!
الميدان يتحضر بسرعة، ويمكن بدء رحلة النذر من نيجيريا التي تحارب «بوكو حرام» بلا حوار، وتلاحق عناصرها الذين إما لاذوا بالنيجر ودول الجوار؛ أو تمترسوا وراء انتصارات وقتية. كل ذلك يجري دون أن تولي نيجيريا «ومن وراءها» اهتماما لدراسة منبع التطرف العنيف في فكر الجماعة، ودون أن يخصص الباحثون جزءا من دراساتهم لتمحيص أثر الامتدادات القبائلية في الصراعات الأفريقية. وعلى المستوى السياسي، تحولت حرب نيجيريا مع الجماعة «الإرهابية وشبيهاتها» إلى ورقة سياسية خاضعة للمزايدة، مما خلق حالة «تفهم للتطرف» فشت وسط المواطنين من قبائل الهوسا والمناطق المهمشة في نيجيريا، خاصة أن الحكومة تستغل التفجيرات دوما لزيادة ميزانيتها الأمنية على حساب التنمية، وهنا الالتباس بين المطالب والإرهاب، وبين القضايا العادلة لمواطنين مهمشين في دولة مدنية، وبين سلوك الدولة الذي مكن جماعة بوكو حرام «وأحلافها» باختطاف «الهوسا» والمهمشين، ولكن هل سيقضى على «بوكو حرام» بعمليات منفردة، وهل الهجوم على «بوكو حرام» «في صالح الأمن الأفريقي» أم إنه يحفز «رابطة المهمشين»؟!



[blockquote]بعد دراسة الحملة الفرنسية التي بدأت في العام الحالي على الجماعات الإرهابية بمالي، لا يمكن إغفال نتيجة تفيد بإعادة تموضع الجماعات الإرهابية على نطاق جديد يحتمي بمدى قبائلي، ولا يمكن إغفال تسرب بعض المقاتلين إلى دول الجوار، واندماجهم مع قاعدة الساحل. الأمر الخطير، هو نشوء روح جديدة، تشبه الروح التي نشأت بين الأفارقة وأدت إلى تشكل فكرة الوحدة الأفريقية، أو الرابطة الأفريقية، وهي شبيهة إلى حد كبير بتلك التي عناها «روبرت كريسمان» حينما قال: «اجتثاث ملايين الأفارقة من أوطانهم وإجبارهم على العمل كعبيد في ظروف قاسية، هو الذي وضع أسس الوحدة الأفريقية والقومية السوداء في الولايات المتحدة ومناطق الهند الغربية»، ويضيف عليه الخير حمدي عبد الرحمن واصفا إياه بأنه «نواة الوعي الأفريقي بضرورة الوحدة والوعي القومي» (حمدي عبد الرحمن، الاتحاد الأفريقي والنظام الأمني الجديد في أفريقيا، مركز الإمارات للدراسات-2011 - ص12).[/blockquote]



أما السودان، فأزماته العسكرية عكسية؛ فقد استطاع مقاتلو دارفور أن يبرزوا للعالم قضيتهم «المطلبية» بشكل أخفى الخلفية الإسلامية لبعض فصائلهم، ولكن هذا لا يمكن أحد من إهمال الأثر القادم من البواعث المتصلة بالطوارق والصلة القبلية بتشاد والعمق الأفريقي والأحلاف، خاصة بعد ظهور أشتات مقاتلي مالي، في معادلة دارفور، وقد جعلت الصراعات السودانين مكانا ملائما، بحكم الوضع الأمني، لاستقبال المتطرفين أو التغافل عنهم، ناهيك بالصراع المتفجر على مناطق حدودية مثل أبيي وهجليج والنيل الأزرق وغيره، وهنا تبرز حروب الوكالة، بين الدول، التي تدعم تنظيمات المهمشين.
وهكذا، فإن شريطا من دعم المهمشين والإرهابيين، يتسع، ويمكن أن يعد إعلان إثيوبيا البدء بسد الألفية فتيلا سيشعل الكثير من الأزمات المؤجلة، فبغض النظر عن تفاصيل السد وموقف دول المنبع والمصب المتضارب، فإن التحرك العسكري المصري كان واردا جدا في حقبة الرئيس مبارك ولكنه الآن صعب، ولكن القراءات كلها تشير إلى أن المخابرات المصرية ستعود بقوة للسيطرة على الملف وتثبت جدارتها وتجني ثمارا تعب في غرسها رجلها «الأمين» عمر سليمان، وهنا لا يستبعد استفادة مصر من الميليشيات المتمردة في إثيوبيا أو تحريك المشهد الصومالي وربما سيناريو حرب إرترية - إثيوبية، فهذا هو الخيار التقليدي.

بالإضافة إلى تدفق السلاح بعد القذافي، وإلى غسل الأموال في وسط أفريقيا الذي تقوم به منظمات إرهابية ودول تهرب به من العقوبات المالية المفروضة على أنظمتها المالية، فإن العلاقة مع المجتمع الدولي، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية، تظل أبرز التحديات، فـ«الجنائية»، إلى جانب قضيتها مع الرئيس السوداني البشير، حددت يوم الاثنين محاكمة نائب الرئيس الكيني ويليام روتو بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتلاحق الرئيس الكيني أوهورو، والإشكالية الكبرى في العدالة العالمية، أنها عاجزة عن التنفيذ من جهة، ومن جهة أخرى هي تحول المتهمين إلى مستميتين في الدفاع عن أنفسهم، وربما تحميهم بالرافضين للتدخل العالمي، أكثر من تهديدها لهم.

الخلاصة تقول، إن اتحادا يطل بين القوى المهمشة، شبيها باتحاد الشباب العربي في عام 2011، إذ «أعجبه» التظاهر في تونس ومصر، وارتاد شيئا من التوارد والتتابع الذي لا ينقطع، وهذا الاتحاد الأفريقي «الجديد» يقوده الإرهاب ويمتطي أقدام المهمشين، ولا يمكن حله إلا بدراسة فكر التطرف العنيف وتجفيفه، والعدالة في التنمية، فهل من مدكر، ليلحق اتحاد الدول بالنصيحة قبل أن يأتي المهمشون واتحادهم بالثابتة!
font change