منذر القباني: الرواية السعودية استطاعت أن تثبت وجودها رغم كل الصعوبات

منذر القباني: الرواية السعودية استطاعت أن تثبت وجودها رغم كل الصعوبات

[caption id="attachment_55245809" align="aligncenter" width="620"]الرواية السعودية من الأعمال العربية الأكثر انتشارًا الرواية السعودية من الأعمال العربية الأكثر انتشارًا[/caption]

في روايته الشهيرة "حكومة الظل" يقول الطبيب والأديب السعودي منذر القباني: "يجب أن لا نغلق عقولنا عن جميع الاحتمالات، فعدم فهم الأمر لا ينفيه".
وفي محاولة لفهم مستقبل الرواية السعودية وحاضرها الغزير المتهم ببساطه المحتوى أحيانًا، أو الدوران في مواضيع مكررة أحيانًا أخرى.. التقت مجلة (المجلة) بالدكتور منذر القباني، صاحب رواية (فرسان وكهنة) الصادرة حديثًا، للحديث عن نهجه المختلف الذي يسير فيه وحيدًا بين دهاليز التاريخ والحاضر، بعيدًا عن سياق الرواية السعودية الحديثة، والتي اختارت أن يكون همها الأوحد الحديث عن المسكوت من قضايا المجتمع.
يرى منذر القباني أو "دان براون العرب" كما يحب أن يطلق عليه محبوه، بأن هذا اللقب قد ساهم في زيادة شعبيته، وتعريفه على قراء دان براون في العالم العربي، لكنه يقول: "تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، في حين أن دان براون وقف (مكانك سر) منذ روايته شفرة دفنشي".
يؤكد القباني بأن الرواية السعودية استطاعت أن تثبت وجودها في العشر سنوات الأخيرة بشكل كبير، واستطاعت أن تناقش قضايا اجتماعية لا يستطيع أحد الاقتراب منه، "فبالرغم من كل العراقيل أصبح لها جمهور كبير في كافة أنحاء العالم العربي، وهي من الأعمال العربية الأكثر انتشارا بلا شك".

فيما يلي نص الحوار ..

مازالت روايتك الأخيرة " فرسان وكهنة " في مقدمة الروايات العربية الأكثر مبيعًا لهذا العام، هل يمكنك أن تحدثنا عنها؟

"فرسان وكهنة" هي رواية ملحمية من ثلاثة أجزاء، تتناول قضايا فلسفية في إطار تاريخي ممزوج بالخيال العلمي، والحد الفاصل بين الحقيقة والوهم، الواقع والخيال، وكيف يستخدم البعض الأوهام من أجل الاستبداد بعقول وأفكار الناس. كما أنها تتناول الأوجه المختلفة للاستبداد. أعتقد أن رواية فرسان وكهنة رواية متميزة وجديدة على الرواية العربية، كما أعتبرها أفضل ما كتبت إلى الآن. لذلك أنا فخور جدًا بهذا العمل.

نظرتك للمغول في روايتك فرسان وكهنة اختلفت عمّا جاء في التاريخ، هل تعمدت ذلك؟

هي مختلفة عن النظرة التقليدية المبتورة للتاريخ والتي نشأنا عليها، ولكنها أقرب إلى الواقع منها إلى الخيال. وهذه النظرة اعتمدت على قراءات متعددة لتلك الفترة التاريخية المهمة، وليس فقط الاعتماد على المراجع التقليدية التي تصور المغول على أنهم ليسوا إلا جماعة من الهمج أحدثوا القتل والدمار. لذلك الذي يقرأ الرواية سيعتقد -كما اعتقدت أنت- بأنها مختلفة عما جاء في التاريخ، وهذا مثال حي كيف أن أوهامًا مررت علينا على أنها حقائق فأصبحنا نصدقها ولا نشك فيها.

عند ذكر أعمال منذر القباني، يأتي الحديث عن التشويق، الإثارة، والتاريخ.. هذا البعد التاريخي الحاضر في أعمالك إلى أي مدى تجده صادقًا برأيك؟

أولاً أنا قارئ نهم للتاريخ، وأعتقد أن هناك الكثير مما يمكن أن نتعلمه من خلال قراءتنا للتاريخ بتمعن شديد، ولكن بشرط أن نترك الانحياز وننظر للأمور بنظرة ناقدة ثاقبة، وهذا في حد ذاته يشكل تمرينًا جيدًا للفرز بين الوهم والحقيقة، لأن التاريخ مليء بالمغالطات والأوهام التي تكتبها أنامل المنحازين، فتسطرها على أنها واقع لا غضاضة فيه، في حين أن الحقيقة قد تكون بخلاف ذلك.

ما الذي يميز الرواية السعودية، وروايات منذر القباني تحديدًا؟

أنا حريص دائمًا على أن أقدِّم عملاً يحمل عمقًا فكريًّا في إطار تشويقي سلس، ولعل هذا ما يميز أعمالي الروائية عن سواها. أعتقد هذا ما جعل أعمالي تلقى ذلك الرواج الكبير، فهي ليست فقط ممتعة، ولكنها أيضًا تشكِّل مادة دسمة تحث على التفكير، وتقدم قدرًا من المعرفة. أما الرواية السعودية بشكل عام، فقد استطاعت أن تثبت وجودها في العشر سنوات الأخيرة بشكل كبير، واستطاعت أن تناقش قضايا اجتماعية ظلت في الماضي تشكل "تابو" لا يستطيع أحد الاقتراب منه.


[caption id="attachment_55245807" align="alignleft" width="200"]منذر القباني منذر القباني[/caption]
[blockquote]يرى منذر القباني أو "دان براون العرب" كما يحب أن يطلق عليه محبوه، بأن هذا اللقب قد ساهم في زيادة شعبيته، وتعريفه على قراء دان براون في العالم العربي، لكنه يقول: "تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، في حين أن دان براون وقف (مكانك سر) منذ روايته شفرة دفنشي".[/blockquote]


ما هو الإبداع الحقيقي الذي يطمح له الكاتب الروائي؟

أن يقدم عملاً فيه جماليات، يترك أثرًا قويًّا في نفس القارئ يبقى معه ولا يفنى بمجرد انتهائه من قراءة الصفحة الأخيرة من الرواية، من خلال تناوله لقضايا الإنسان في أي زمان ومكان بشكل خلاق.

لماذا غاب المجتمع السعودي بقضاياه عن أعمال منذر القباني؟

أعمالي تحمل همًّا إنسانيًّا بشكل عام، وهمًّا إسلاميًّا عربيًّا بشكل خاص. قضايا المجتمع السعودي هي جزء من هذا الهم؛ بحكم أن المجتمع السعودي هو في نهاية المطاف جزء من المجتمع العربي الإسلامي الإنساني. صحيح أنا لا أكتب عن قضايا اجتماعية سعودية بعينها، ولكن هناك روائيين سعوديين يكتبون في هذا المجال، فلا أريد أن أكون مجرد تكرار لما هو موجود. التنوع في الرواية مطلوب، والرواية العربية بحاجة لمثل هذا التنوع.

ما رأيك بمصطلح "خلجنة البوكر"، حول احتكار الروايات الخليجية لجائزة البوكر العربية، وأين الجائزة من أعمالك؟

أولاً لا أتفق معك بأن الروايات السعودية والخليجية تحتكر جائزة بوكر العربية. العام الماضي مثلاً الذي فاز بالجائزة اللبناني ربيع جابر، والعام الذي قبله فاز بها مناصفة المغربي محمد الأشعري، وفي دورتها الأولى الذي فاز كان المصري بهاء طاهر، وفي الدورة الثانية كان يوسف زيدان هو الفائز. إذًا لا يوجد احتكار لأي دولة على الجائزة. أما بالنسبة لأعمالي فهذا أمر خاضع للجنة التحكيم، ولا أُسأل أنا عنها، وكم من أعمال أدبية لم تلق التقدير الكافي من قبل النقاد في زمنها، ولكنها خلدت بعد ذلك عندما جاء جيل جديد من النقاد.

الشعوب العربية بطبعها مفعمة بالعاطفة، هذه العاطفة غابت عن أعمالك الثلاثة، برأيك ألم تلعب الروايات العربية دورًا في تعزيز هذا الشعور، خصوصًا مع الكم الكبير للروايات العربية العاطفية الصادرة؟

لا شك أن الشعوب العربية تحكمها العاطفة بشكل كبير على حساب العقل والمنطق. أعتقد أن هذا جزء من مشاكلنا وسبب رئيس لتأخرنا. صحيح أنا في أعمالي أحكم العقل والمنطق أكثر من العاطفة، ولكني لا أغفل العاطفة تمامًا، ولا يمكن لأي إنسان سوي أن يغفل ذلك الجانب، وإلا أصبح أشبه بالآلة، ولكن لا بد من إعطاء كل شيء قدره الذي يستحقه. في رواية "فرسان وكهنة" شخصية باسمي تمثل ذلك الجانب العاطفي، وأحداث الأجزاء القادمة من الثلاثية ستبين ذلك بشكل أوضح.



[blockquote]الإبداع الذي يطمح له الروائي هو أن يقدم عملاً فيه جماليات، يترك أثرًا قويًّا في نفس القارئ يبقى معه ولا يفنى بمجرد انتهائه من قراءة الصفحة الأخيرة من الرواية[/blockquote]



يردد البعض رغم تواجد الرواية السعودية الغزير، إلا أنها باهتة المحتوى، ما تعليقك؟

لا، هذا ظلم وبهتان للرواية السعودية، بدليل التقدير الذي تحظى به على الصعيد العربي. أعتقد بأن الرواية السعودية استطاعت أن تثبت وجودها بالرغم من كل العراقيل، وأصبح لها جمهور كبير في كافة أنحاء العالم العربي، وهي من الأعمال العربية الأكثر انتشارًا بلا شك. هذا كله لم يأتِ عن فراغ.

البعض يعتبر حركات الروائيين السعوديين حركات فردية غير مدعومة، ما رأيك؟

صحيح، وهذا عائد إلى أن المجتمع السعودي يفتقد إلى حركة ثقافية حقيقية. صحيح أن هناك كتّابًا وقراء، ولكن المجتمع ككل ليس مجتمعًا حاضنًا للثقافة، ومع الأسف هو أيضًا مجتمع ليس حاضنًا للإبداع. وعلينا أن نتذكر أن الثقافة ليست معرض كتاب هنا أو مهرجانًا ما هناك، ولكنها معايشة يومية على مدار السنة وفي أكثر من مدينة. الثقافة تشمل الفنون والفكر والأدب والتراث، وأيضًا العلوم. صحيح أنه كل فترة وأخرى يظهر مبدع في مجال ما، ولكنه يبقى عاملاً في إطار فردي مستقل، وليس جزءًا من منظومة إبداعية.

ما هو الحل برأيك لظاهرة العزوف عن القراءة خصوصًا مع الإقبال الشديد على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي.

أولاً لا يوجد عزوف كامل للسعوديين عن القراءة، بدليل أن كثيرًا من الأعمال تلقى رواجًا جيدًا، كما أننا نلاحظ الإقبال الشديد على معرض الكتاب بالرياض كل عام. لكن طبعًا لا بد أن نقر بأن عدد القراء لا يقارب ما هو عليه الحال في الغرب أو حتى في الشرق. لكن هذا عائد إلى انعدام وجود حركة ثقافية حقيقية كما ذكرت. أيضًا علينا أن لا ننسى أن مدارسنا -مع الأسف- لا تنمي حب القراءة لدى الأطفال منذ الصغر، والقراءة هي في نهاية المطاف عادة نستطيع أن ننميها في الطفل إن أردنا.
في الغرب وسائل الترفيه متوفرة أكثر من بلادنا، ولكن مع ذلك نجد أن الكبير والصغير يقرأ بنهم واستمتاع، وهذا عائد إلى أن الكتاب يلقى اهتمامًا كبيرًا من قبل المجتمع ككل، ويسلط عليه الضوء من قبل الإعلام، كما أن هناك جوائز كثيرة لكافة فروع المعرفة. هي منظومة متكاملة يشترك فيها الكل صغارًا وكبارًا، المجتمع المدني والدولة. في مجتمعنا -مع الأسف- المثقف المبدع لا يسلط عليه الضوء بشكل كافٍ، ويكاد يكون مهمشًا، بالتالي يبقى تأثيره في نطاق ضيق للغاية، على عكس لاعب كرة القدم مثلاً. أعيد وأكرر أن الثقافة هي منظومة متكاملة تشمل الجميع، وإذا لم يؤدِ كلٌّ دوره، سيبقى المجتمع متخلفًا ثقافيًّا.

تلام روايات منذر القباني ويؤخذ عليها بأنه يغيب عنها عنصر "الإقناع"، وبأنها تتميز ببساطة الأسلوب مما يجعلها تتناسب غالبًا مع قراء الفئة العشرينية. ما تعليقك؟

أعمالي -كما أقول دائمًا- هي مزيج من عمق الطرح وبساطة الأسلوب. البعض يعتقد خاطئًا أن اللغة المعقدة بالضرورة تعكس فكرًا عميقًا. اللغة المعقدة في اعتقادي هي دليل على إما عدم فهم الكاتب للقضايا التي يطرحها، أو عدم قدرته على التوصيل للآخرين. الكاتب المتمكن في اعتقادي هو الذي يستطيع أن يوصل أعقد المفاهيم للناس بلغة سهلة وممتنعة. أما مسألة أن قرائي أغلبهم في الفئة العشرينية، فهذا غير صحيح. أنا قرائي -ولله الحمد- من كافة الأعمار، ولكن علينا أن لا ننسى بأن النسبة العظمى من مجتمعاتنا العربية هم دون سن الثلاثين.



books ‫(2)‬
[blockquote]لا يوجد عزوف كامل للسعوديين عن القراءة، بدليل أن كثيرًا من الأعمال تلقى رواجًا جيدًا، كما أننا نلاحظ الإقبال الشديد على معرض الكتاب بالرياض كل عام. لكن طبعًا لا بد أن نقر بأن عدد القراء لا يقارب ما هو عليه الحال في الغرب.[/blockquote]



عند ذكر اسمك يتم ربطه مباشره بعملك الأول "حكومة الظل" والتي نالت استحسانًا وانتشارًا واسعًا، وأطلق عليك من بعدها لقب " دان براون العرب". فماذا يعني لك هذا اللقب، أم أصبح عبئًا تواجهه عند البدء في أي عمل تكتبه؟

لا شك أنه في بداية ظهوري في عام ٢٠٠٦ هذا اللقب عرفني على قراء "دان براون" في العالم العربي، وساهم في ازدياد شعبيتي ككاتب روائي. ولكني أرى أن هذا اللقب إن دل على شيء فهو يدل على شعورنا كشعوب عربية بالدونية للغرب، وأننا يجب دائمًا أن نشبه مبدعينا بشخص ما غربي لكي نضيف إليه التقدير. شخصيًا أرى نفسي قد تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، في حين أن "دان براون" وقف "مكانك سر" منذ روايته الرائعة "شفرة دفنشي"، ولم يقدم شيئًا يستحق الذكر، وهذا ليس رأيي أنا فقط ولكن رأي الكثير من النقاد في الغرب. الأمر الآخر علينا أن نتذكر بأن هناك فارقًا جوهريًّا بيني وبين دان براون، وهو أنني أكتب رواية ذات عمق فكري بأسلوب تشويقي، بمعنى أن التشويق بالنسبة لي هو وسيلة وليس غاية في حد ذاتها، في حين أن التشويق بالنسبة لدان براون هو الغاية والوسيلة.

في رواية "عودة الغائب" لديك عبارة تقول فيها "الأمة العظيمة لا تهزم من الخارج، قبل أن يقضي عليها أبناؤها من الداخل"، كيف تقرأ المشهد السياسي العربي، وهل برأيك التغيرات التي يمر بها أثرت على الإنتاج العربي الأدبي؟

المشهد السياسي العربي متخبط، وهذا انعكاس طبيعي لحال المجتمعات العربية. مشكلتنا الحقيقية هي أننا في قرارة أنفسنا شعوب مستبدة وقابلة للاستبداد. الأب يستبد مع أبنائه، والزوج مع زوجته، والرئيس مع مرؤوسيه. نحن شعوب تتحدث أكثر مما تستمع، تأخذ أكثر مما تعطي، وعلى أتم استعداد أن تقمع الآخرين في سبيل أن تصل هي إلى أهدافها. وبهذه الصفات نحن نقضي على أنفسنا، ولسنا بحاجة لعدو خارجي لكي يقضي علينا. ولا شك أن الربيع العربي بقدر ما أحيا الأمل في نفوس الكثير من المثقفين، إلا أنه سرعان ما أسفر عن خيبة أمل عندما بانت تداعياته مع الوقت. أعمالنا الأدبية عبر السنوات الماضية كثيرًا ما تناولت استبداد الحكومات، ولكنها قليلاً ما تناولت استبداد المجتمع مع ذاته، وفي نهاية المطاف الحاكم هو جزء من مجتمعه ونتاج طبيعي له. ومن غير المعقول أن ينتج مجتمع مستبد حاكمًا ديمقراطيًّا، أو مجتمع ديمقراطي حاكمًا مستبدًا. هذا جزء مما أشير إليه في ثلاثية "فرسان وكهنة"، وأتمنى أن أرى أعمالاً أدبية أخرى تتناول مثل هذه المفاهيم.

منذ عام 2006 إلى اليوم ثلاثة أعمال روائية فقط، هل أنت راضٍ عما قدمت وما الذي تطمح له في المستقبل؟

أنا راضٍ جدًا عما قدمته إلى الآن، وبالرغم أن ثلاثة أعمال روائية ليست بالكثير، إلا أن المهم عندي هو الكيف وليس الكم. ويكفيني أن أعمالي الروائية تركت أثرًا طيبًا في نفوس وعقول القراء.
أما الذي أطمح له في المستقبل فهو أن أكون دائمًا متجددًا في كتاباتي، غير خاضع للتكرار أو النمطية في الأسلوب. كما أتمنى أن أفاجئ قرائي دائمًا بكل ما هو جديد.

font change