رحاب أبو زيد: عالم المرأة الفكري أرحب وأوسع امتدادًا من عالم الرجل

رحاب أبو زيد: عالم المرأة الفكري أرحب وأوسع امتدادًا من عالم الرجل

[caption id="attachment_55247500" align="aligncenter" width="620"]الروائية السعودية رحاب أبو زيد الروائية السعودية رحاب أبو زيد[/caption]

تخطو الكاتبة والإعلامية السعودية رحاب أبوزيد خطواتها نحو العالمية، وذلك بعد قرارها ترجمة روايتها الأولى "الرقص على أسنة الرماح " الصادرة عن "دار بيسان للنشر والتوزيع" في بيروت إلى اللغة الفرنسية، رغم أنها" غير قلقة على مدى انتشار الرواية حاليًّا"؛ لأنها ترى أن الانتشار اليوم لم يعد مقياساً للنجاح، بل الذاكرة الأفقية هي التي تحتفظ بالخالد من الأعمال فقط .
رحاب أبو زيد تؤكد في حوارها مع "المجلة" أن الرواية السعودية تتربع بمرتبة جيدة بين الدول العربية في تشكيل خارطة أدبية عربية لا يمكن تجاهلها، لكن النقاد يتحملون ذنبًا مؤذيًا للمشهد الثقافي حين يتناولون الأعمال الأدبية تناولاً غير حيادي لا يخلو من التعصب لدولة أو لشعب أو لتيار.
على صعيد آخر، ترى أبو زيد أن المرأة السعودية لم تحقق إنجازات تذكر في مجال الأدب، "لكن الإيمان بأن الطريق محفوفة بالتحدي والمصاعب هي التي ستصنع الفرق".

فإلى تفاصيل الحوار...





تعملين الآن على ترجمة روايتك الأولى "الرقص على أسنة الرماح" للغة الفرنسية.. لماذا اخترت هذه اللغة تحديدًا ؟ وهل هناك نية لترجمتها للغات أخرى ؟

لقيت الرواية صدىً مبهرًا في المغرب العربي، وأصدقاء من بينهم نصحوني بترجمتها إلى الفرنسية، وهي اللغة المقروءة بكثافة إلى جانب العربية في دول المغرب العربي، فكان هدفي الأساس هو الانتشار بالعمل إلى نطاق أوسع، والخروج إلى القارئ العربي في كل مكان، فإذا وصلت للقارئ الفرنسي من أصل فرنسي فذلك سيكون مدعاة لاعتزازي؛ إذ سيتاح له من خلال الرواية التوثق من جدية الحراك الثقافي في السعودية، والوقوف على أحد الأعمال السعودية الحديثة التي لا تنقل صورة عن مجتمع مجهول بالنسبة له فقط، بل تكشف عن رؤى ثقافية مغايره للصورة النمطية في الذهنية الغربية.

هل تعتقدين أن هذه الرواية نجحت في الانتشار عربيًّا ؟

أعتقد دومًا أن الأعمال الجيدة هي الأطول عمرًا، والأطول عمرًا يحدد بقاءها صعودها التدريجي إلى منصة التتويج على رأس الأعمال المميزة التي يذكرها التاريخ، وبذلك فأنا لست قلقة على مدى انتشار الرواية حاليًا؛ إذ إن العمل الأول يعتريه الكثير من الأخطاء أو المشكلات في التوزيع والتواجد في المحافل العربية الثقافية، كما أن جاهزية المتلقي ليست متكافئة دائمًا مع مستويات الإنتاج الأدبي، ومع طغيان التقنية وتدخلها في الحياة العامة والثقافية أيضًا لا يزال العمل الأدبي المتميز يخوض معركة شرسة أمام أعمال ركيكة أو تقليدية.. الانتشار اليوم لم يعد مقياسًا للنجاح، بل الذاكرة الأفقية التي تحتفظ بالخالد من الأعمال فقط..

هناك روايات على قدر كبير من الأهمية ولكنها لم تنجح في الانتشار عربيًّا على من يجب وضع اللوم الكاتب، دور النشر، أم وسائل الإعلام؟

إذا كان بعض الدخلاء على كل مجال مما ذكر أعلاه قد سيطروا على منافذ الحكم، وتولوا مهمة تحديد الصالح من الطالح فسوف تنفضهم هذه المرحلة الهوجاء ليعود الناس متعطشين للمعنى، ولما يحمل لهم متعة ونشوة الإبداع، وكل سيجد ضالته بعدما تطيح رؤوس من ينصبون أنفسهم أسياد الموقف. ليس للعمل الجيد سوى الانتظار في طابور طويل من المتطفلين والجادين وغير الجادين، وسينسحب من ليس لديه جلد على الطريق الطويلة المحفوفة بالبذل والعطاء والجهد والتعب.

بعض دور النشر حصرت إصدارتها في الأعمال الروائية.. هل أساء هذا الأمر للأجناس الكتابية الأخرى، وللرواية وللكاتب على حدٍّ سواء ؟

في الوقت الراهن نعم.. إذ تشترط بعض دور النشر أن يكون العمل روائيًّا حتى تقدم له الدعم والإمكانيات المطلوبة، ولا أدري إن كان ذلك إشارة إلى أن الجنس الأدبي المتسيد اليوم للساحة الثقافية هو الرواية! لكنه ولع الإنسان المغرم بفن الحكاية والقصص، ومطالبة جماهير القراء من الشباب والكبار يحدد معايير الربح والخسارة، وللأسف تنساق دور النشر في الموجة الدارجة أحيانًا دون النظر لمشروع ثقافي حقيقي، أو سعي لتقديم قيمة فنية وأدبية مغايرة.. وهذا مما واجه طباعة كتابي الجديد، حيث تم رفضه من دارين للنشر من الدور المعروفة فقط خشية عدم تحقيقه لأرقام تسويقية عالية، وعلى الرغم من كون ذلك محبطًا لأول وهلة، لكنه زادني إصرارًا على عدم الانسياق لرغبات سوق النشر والناشرين.

برأيك أين تُختصر معاناة الكاتب العربي بشكل عام، والكاتب السعودي بشكل خاص؟

ربما كانت الرقابة هي مفصل المعاناة الأول بالنسبة للكاتب العربي عمومًا، فكلما تقدمت الإنسانية بعلومها وآدابها تقدم الإنسان بفكره ونزاهته وإنجازاته على مرّ الأزمان، وذلك لا يتأتى إلا بمساحات من الحرية المقننة، والوئام مع الآخر مهما تباينت بؤر الخلاف والاختلاف.. إذ يجب أن ننصرف إلى تقدير منجزات بعضنا البعض بغض النظر عن الجنسيات والطوائف والعنصريات والمذاهب ومنابت الفرقة والفتنة، إضافة إلى ذلك، يعاني الكاتب العربي عمومًا من الاغتراب في قلب مجتمعه، وإذا ما جرّب الهجرة فإن غربته تظل تعيش داخله وتنتقل معه أينما رحل.. فلا يفتأ الكاتب العربي باحثًا عن وطن يلملم شتاته إلى أن يموت، وربما وجده في منفى أو مات مصابًا بحالة وجع من الحنين إلى وطن لم يجده بعد!

فوز رواية الكاتب الشاب سعود السنعوسي بالبوكر لهذا العام .. هل من شأنه أن يزيد من حدة المنافسة مابين الأقلام العربية الشابة؟

فوز "ساق البامبو" للكاتب الكويتي سعود السنعوسي إنما هو فوز مستحق لتكامل أركان الرواية في العمل بغض النظر عن كونها قصة واقعية، أو رواية شبابية، أو غير ذلك، العمل مدهش بتسلسله وانسيابيته المتوازنة بين التفاصيل الصغيرة والأحداث الكبيرة، وبناء هيكل الرواية بتماسك، والبنية النفسية للشخصيات من وجهة نظر الراوي وهو هنا الكاتب نفسه، أعتقد أن الجائزة بهذا التتويج تعيد للإبداع أمجاده، وتوجه دفة الجماهير من المتلقين الشغوفين بالأدب الروائي القوي إلى عمل متميز يبقى في الذاكرة يحب القارئ العودة له مرارًا وتكرارًا.. ربما يزيد هذا التتويج من الرغبة في تزود الروائيين الجدد بالجدية وتطوير الأساليب الروائية، وتجنب الوقوع في أخطاء الحشو البلاغي، والمبالغة اللغوية اللفظية على حساب فن الحكاية.

هل هناك سمات معينة تتحكم في الرواية الشبابية ؟

لا أعرف ما المقصود بالرواية الشبابية هنا، لكن ما أراه أن الشباب يتجهون لأعمال مقضومة سريعة كحياتهم اليومية، كثير منهم يغفل أو يتجاهل النظر إلى البعيد، والشغف بتسجيل أعمالهم في ذاكرة التاريخ؛ فذلك في نظري أهم بكثير من نفاذ الطبعات الأولى من كتبهم! ولا يفوتني الإشارة إلى أن هذه لعبة دور النشر للفت الأنظار أحيانًا لأعمال مسلوقة أو مسروقة خالية من الوقت والجهد، فتكتب عليها طبعة ثالثة أو رابعة لتضليل القارئ، وهم بذلك يصنعون جيلاً من التسطيح سواءً على مستوى الكتاب أو القراء.


[caption id="attachment_55247501" align="alignleft" width="212"]الرقص على أسنة الرماح .. رواية أبو زيد الرقص على أسنة الرماح .. رواية أبو زيد[/caption]

يعتقد بعض النقاد أن "أغلب" الأعمال الروائية السعودية الشابة لم تخرج من إطار الثرثرة والأسلوب السطحي الضعيف أدبيًّا وفنيًّا" ما تقييمك لهذا الرأي ؟

بالعكس، فعلى مستوى الرواية تتربع السعودية في مرتبة جيدة بين الدول العربية في تشكيل خارطة أدبية عربية لا يمكن تجاهلها، لكن النقاد أحيانًا لا يمنحون مفاتيح الريادة للأعمال الجيدة، ومعاييرهم التي على أساسها يمكن تقييم عمل ما وهم بذلك يقومون بالذنب نفسه الذي يقوم به كاتب سطحي، وكلاهما يؤذي المشهد الثقافي بشكل عام، على النقاد تناول الأعمال الأدبية تناولاً جادًّا حياديًّا بعيدًا عن التعصب لدولة أو لشعب أو لتيار، كما على الكتّاب الالتزام بأول شرط من شروط الإبداع حتى يزاحم الأعمال العربية القديرة، وهو شرط التروي والاشتغال على العمل من كل جوانبه من أجل العمل لا من أجل الشهرة أو تحقيق الذات.

هل من شأن التغييرات التي يشهدها العالم العربي اليوم أن تسهم مستقبلاً في ولادة أدب جديد ؟

ربما! فلقد أنتجت لنا السنين الأخيرة بتقلباتها ومتغيراتها السريعة أعمالاً في صيغ سريعة أيضاً تعكس تأثرها بعوالم التواصل الإعلامي، ولا يمكن تصنيفها ضمن الكتابة المقالية، أو الروائية، أو القصص القصيرة، ولا أحسبها إلا إحدى شواهد العصر على ما نكابده من تقلبات مفجعة في المفاهيم والمعايير والتصنيفات، لذلك فالتروي والتأمل هما الدعامتان اللتان يجب الاتكاء عليهما لتحديد معالم رؤى جديدة ومواقف مما يدور حولنا.

برأيك ما هي أهم المكتسبات التي حققتها المرأة السعودية في مجال الأدب؟

لم تحقق المرأة السعودية إنجازات تذكر مثل انتصارها على بعض القيود العائلية
التي تعيق ظهور الصوت وإعلان موقفها المستقل، فاستلاب شخصيتها ومحو كيانها كانت من السمات البدهية لحياتها، إلى درجة الظن أن منحها حق الحياة فضل ومنّة كافيان.. وهنا انقسمت النساء إلى قسمين؛ قسم اختار الاكتفاء بدور المتلقي المستكين والشاكر الممتن للمساحة التي قدرت له، والتي سمح له بها! بينما اختارت أخريات لعب دور مؤثر وفعال في الحراك الثقافي والاجتماعي بالمملكة على الرغم ما انطوى عليه ذلك من تبعات قاسية على تعاطي المجتمع معها وتقبله لها، لكن الإيمان بأن الطريق المحفوفة بالشقاء هي التي ستصنع الفرق كان الدافع للصمود والاستمرار.

إلى أيِّ مدى انفتح الأدب السعودي في مواضيعه على العوالم الخارجية، وخرج من إطار طرح القضايا المحلية ؟

لا تزال التجارب قاصرة للإلمام بعوالم خارجية وملامسة أفق لانهائية للإبداع خارج أطر محلية استهلكت وكشفت أسرارها، ولغازي القصيبي السبق في نقل التجربة السعودية لمصاف العربية والعالمية في ضربه للموضوعات التقليدية عرض الحائط، وحتى على مستوى الأساليب المذهلة في تنوعها وتمردها على السائد.

ما تقييمك لواقع جنسنة الأدب والفكر السعودي، وتقسيمه إلى أنثوي وذكوري؟

أنا ضد جنسنة الأدب جملة وتفصيلاً؛ فالكتابة التي تلامس أغوار النفس البشرية وأحراش العلاقات الإنسانية لا تعترف بنوع أو جنسية أو عرق، بدليل بلوغ أعمال أدبية روسية ولاتينية مراتب الأعمال الخالدة جنباً إلى جنب أعمال بريطانية، وأمريكية، وتشيكية، وكل ذلك يصلنا نحن العرب، ونحتفي به دون تمييز لنوع كاتبه؛ لذلك أتعجب من إثارة أسئلة عنصرية -إذا أمكن القول - عندما نقف على أعتاب الأدب السعودي! إذا كانت الحياة العامة لا تزال تحفل بمثل هذه التصنيفات الجائرة فيجب أن تتلاشى في الأدب تمامًا.. بل يجب أن يسهم الوعي الثقافي والحيادية المطلقة من خلال الأدب في رفع نظرة المجتمع للجنسين، وتوسيع دائرة التواصل وليس المزيد من الفصل و"الشقاق".. ثم إن تصنيف أدب نسائي لو تم اعتماده واستعماله بكثافة فسوف يعمل لصالح المرأة وليس ضدها؛ لأن عالم المرأة فكريًّا أرحب وأوسع امتدادًا من عالم الرجل! وليس ذلك تحيزًا للنساء إنما واقع طبيعة المرأة التكاملية في الحياة يتيح لها شمولية في التفكير والرؤية.


في أيِّ فلك يدور عملك القادم ؟

في فلك أدب الرسائل الذي يكاد يندثر.. ففي عصر تطبيقات الأجهزة الذكية كلنا أصبحنا أدباء يمكننا كتابة رسائل، لكن ليس كل الرسائل تستحق التسجيل والحفظ. العمل عبارة عن رسائل حقيقية عاش أطرافها في زمن طفرة الشبكة العنكبوتية قبل سطوة التغريد وسيطرة 140 حرفًا على كتاباتنا، بين مقتضب رفة جناح فراشة ومنسدل كجناح طير مستكين، ولقد دخل العمل الجديد حيز التنفيذ، وسيصدر قريبًا إن شاء الله.

font change