سجالات السعوديين.. وفوضى العاطفة الدينية

سجالات السعوديين.. وفوضى العاطفة الدينية

[caption id="attachment_55247562" align="aligncenter" width="620"]معتصمات يؤدين الصلاة في ميدان التحرير بالقاهرة معتصمات يؤدين الصلاة في ميدان التحرير بالقاهرة[/caption]

وجد الشباب السعودي نفسه لعقود تحت ضغط التعاطف مع مظلومية تيارات وتنظيمات دينية مختلفة، وما يحدث اليوم من تعاطف مع حزب الإخوان ليس إلا حالة أخرى من هذا الضغط، أفعال القاعدة على بشاعتها وجد أصحابها تعاطفًا من قبل أعداد كبيرة، والحركات الإرهابية باختلاف أسمائها لم تخسر حصتها من تعاطف الجيل السعودي الشاب.

التعاطف الإنساني، هو موقف أخلاقي لا يجب التنازل عنه، لكن أن يتحول التعاطف إلى تلبس كامل لشعور الآخر فهذا إشكال نفسي يجب التوقف عنده، في كل المناهج والمدارس يؤكد علماء النفس على الفصل بين الإنسان و سلوكه، ففي التربية الغضب يجب أن يكون من سلوك الطفل الخاطئ لا من الطفل نفسه، والتعبير عن الرفض يجب أن يكون على الفعل لا على ذات الشخص، وبالمقابل، التعاطف مع الإنسان لا يفترض التصالح مع سلوكه وأفكاره، ولهذا التعاطف مع من سقط من ضحايا فض الاعتصامات، لا يفترض بأي حال أن يتحول لتصالح مع فكر الإخوان، ولا مع موقفهم من الحياة.

التعاطف مع مظلومية الضحايا الذين سقطوا لا يجب أن يتحول لتعاطف مع مظلومية الحزب بفكره وسياساته وكل قياداته، الحزب الإخواني ليس هو الضحايا الذين سقطوا، والموقف الأخلاقي من الضحايا لا يجب أن يميع الموقف الفكري من الحزب ذاته، والشباب السعودي الذي يغرق في آساه تعاطفًا مع الإخوان أصبح حالة يجب تفسيرها نفسيًّا، لماذا يسهل عليه الوقوع في فخ المظلومية حد إنكار الموقف الفكري، لماذا يسهل ابتزاز الشباب السعودي بالعاطفة الدينية من أي طرف؟



[blockquote]أيُّ مأزق نفسي يعيشه الشباب السعودي فيجعله الرقم الأول في كل استهداف من جماعة أو تنظيم ديني مهما كان، ماذا يعاني هذا الشباب من فجوات يسهل تعبئتها بكل ما تلفظه المجتمعات الأخرى من تيارات وأشخاص.![/blockquote]



هنالك الملايين من ضحايا المجاعات والظواهر الطبيعية، والملايين من ضحايا العنف الاجتماعي وشبكات الاتجار بالإنسان، فلماذا ينقطع التعاطف معهم ويتوقف على مشاهدة فيديو واحد، أو قراءة عنوان خبر دون تفاصيله، لماذا لا يتحول التعاطف إلى مثل هذه الهستيريا الجماهيرية من المتابعة لقنوات البث المباشر أيامًا وأسابيع، وفوقه الاستعداد لخسارة كثير من العلاقات الاجتماعية التي تختلف مع هذا التلبس النفسي لضحايا الإخوان اليوم، وغيرهم من التيارات الدينية عبر السنوات الماضية!

أيُّ مأزق نفسي يعيشه الشباب السعودي يجعله الرقم الأول في كل استهداف من جماعة أو تنظيم ديني مهما كان، من مراكز صنع القيادات إلى حملات التبرع المالي، ماذا يعاني هذا الشباب من فجوات يسهل تعبئتها بكل ما تلفظه المجتمعات الأخرى من تيارات وأشخاص، فوضى العاطفة الدينية التي تهز الشباب بمفردة واحدة، هي طاقة كامنة يمكن تفجيرها على أقل سبب ومن أي طرف بمجرد ابتزازها نفسيًّا، فإذا كان من المفهوم أن يتلبس بعض الشباب حالة المظلومية الإخوانية اليوم، لأنه ابن بيوت سعودية شكَّل الخطاب الإخواني لها غطاء تربوي مناسب بين فتاوى دينية متشددة، وعالم خارجي منفتح، فمن غير المفهوم أن يذهب الشباب السعودي غير المتدين أو العروبي أو الليبرالي أيضًا إلى تلبُّس نفس الحالة، إلا أن يدرك الجميع أن فوضى العاطفة الدينية داخلهم واحدة.

موروث اللاوعي الجمعي للمجتمع السعودي بكل شرائحه هو واحد، نحن مجتمع ورث كل الخطابات الدينية العصابية والهستيرية في ضميره، ومن المستحيل أن يغتسل منها بمجرد قراءات مئات الكتب الفكرية والفلسفية وحتى العلمية، لا يعالج هذا الضمير المستباح داخل الإنسان السعودي إلا تبصر نفسي عميق يواجه حقيقته، والتبصر النفسي هو مسؤولية فردية لكل شاب مثقف شغوف بالمعرفة، فتبصير الفرد والجماعة مهمة شاقة تتطلب مواجهة نفسية شجاعة، واعترافات بصوت عالٍ.

لا يكفي أن يضحك الشاب أو يعبس لذاكرته عندما تبرز له مواقفه السلبية على المستوى الشخصي، يجب إدراك الحالة كاملة، فالامتعاض لا يعني التشافي، بل هو دليل قوة طاقة هذه العاطفة الدينية الموتورة داخله، ليس عيبًا اعتراف الشباب السعودي اليوم بأنه يتعرض لابتزاز نفسي من قبل المظلومية الإخوانية، هذه شجاعة تفوق الانتصار لعواطف الآخرين، وهو وعي وبصيرة نافذة تستحق التشجيع.

من السهل نفسيًّا الاستجابة للابتزاز بتلبُّس حالة التظلم وتصديرها كأنها القضية الوحيدة في الحياة هذه الأيام، لكن من الصعب مواجهة كل هذا الابتزاز العاطفي ورفضه، من الصعب على الشاب المثقف المعتز بقراءاته الفلسفية العميقة أن يتصالح مع الفكرة بأنه يتعرض لابتزاز نفسي، ومن الأصعب أن يعترف بها بصوت عالٍ في مثل هذه اللحظة الفاصلة، حيث يتم التشويش بكل قصد على الموقف الأخلاقي بمزايدات مثالية قاسية تبتز الطبيعة الإنسانية.
font change