قيادة المرأة للسيارة.. غياب الشارع السعودي !

قيادة المرأة للسيارة.. غياب الشارع السعودي !

[caption id="attachment_55248477" align="aligncenter" width="620"]كل شيء يغيب يزيد من غياب الشارع السعودي وغرابته، لكن أكثر مايطبع شوارعنا بهذه الغرابة هو غياب النساء كل شيء يغيب يزيد من غياب الشارع السعودي وغرابته، لكن أكثر مايطبع شوارعنا بهذه الغرابة هو غياب النساء[/caption]

ربما لا يغيب شيء في السعودية مثل الشارع باعتباره فضاءًا عامًا، وبوصفه النبض المباشر للمواطن، والوجه الشعبي بأدق ملامحه، الشارع الذي يعكس الأطياف الاجتماعية، ويقدم الصوت والصورة والألوان المحلية، الشارع الذي يخلقه الناس، فهم يعيشون في جوانبه بكل ما تحمله هذه الأجناب من مقاهٍ ومحال وأكشاك متداخلة، تمتلئ زواياه بالكلام والصراخ والنكات التي تطبع لهجة أهل البلد وتمايزها عن سواها.

الشارع باعتباره فضاء التعبير الأساسي للمجتمع، هو الشارع الذي يشهد احتفالات الناس وعزائهم، أفراحهم ومآسيهم، صراعاتهم ولقاءاتهم، مواعيدهم وصدفهم، لكنه ليس هو الشارع السعودي المكتظ بالسيارات، الشارع الشاحب الذي لا يحمل الناس، لا يحتضن الفرح ولا الحزن، ولا يتشارك الوجع ولا الجوع ولا الشبع، لاالفقر لا الفكرة لا النكتة.

والأسباب التي يمكن أن تقف خلف غياب الشارع السعودي تتفاوت بين الرسم المعماري للمدن، أو طبيعة المجتمع المحافظ المنسحب في بيوته وفضائه الخاص، عدا عن عامل الجو شديد الحرارة معظم أوقات العام، والأهم من كل ذلك، وسائل النقل والحركة المعدومة إلا من السيارات.

كل شيء يغيب يزيد من غياب الشارع السعودي وغرابته، لكن أكثر مايطبع شوارعنا بهذه الغرابة هو غياب النساء، تبدو مسألة شاذة جدًا أن تجلس النساء في مقهى على طرف الطريق، أو أن تعبر مجموعة من السيدات الرصيف أو الأزقة، في شوارعنا لا نساء يبتعن أو يشترين، لا نساء واقفات أو جالسات، لا سولافة نسائية صباحية يمكن أن تطل من الشرفات، ولا سهرة مسائية تصل ضحكاتها للمارة، لا صوت امرأة يمكن أن يُسمع، ولا صورة دعائية لها يمكن أن تُرى، لا رائحة عطر نسائي يمكن أن يعبق، لا وقع الكعب العالي يمكن أن يرن، ولا حتى حقائب نسائية يمكن أن تسرق ويعتاش عليها اللصوص!!

كل هذا الغياب الكامل للمرأة جسدًا صوتًا صورةً ورمزًا، يسهل كثيرًا فهم حالة العصاب الهستيري لدى بعض الشرائح الاجتماعية من قيادة المرأة للسيارة، ويساعد في تفسير حالة التخوف من إقرار هذا الحق على الطرف الآخر، ليست المسألة متوقفه إذن على منع النساء عن قيادة السيارة لذاتها مهما زادت هذه الادعاءات، إنما جل المسألة يكمن في حالتين، الأولى كسر هذه العقيدة الذكورية التي تبتلع المرأة في الأقنة المغلقة، والثانية في خلق الشارع السعودي باعتباره فضاءً عامًا.

العقيدة التي تصادر المرأة من الشارع وترفض حضورها فيه، هي عقيدة تصادر الفضاء العام وترفض تشكله، تكره الانفتاح الاجتماعي والتواصل بين الناس، تمنع المشاركة والمخالطة وتبادل الخبرات والمعرفة، هي عقيدة تريد السيطرة على كل قنوات الاتصال والتعايش التي تسمح بتكون الرأي العام، ذلك لأن لحظة حضور المرأة في الشارع ستلغي هذا التطرف في اعتبارات الفضاء الخاص، هي لحظة ستبطل الأسوار بكل أشكالها، هي لن تزعزع الأمن، لكنها ستسمح ببناء الثقة بين الناس، أن تحضر المرأة في الشارع يعني أن تهتز فكرة البيت حرم المرأة، فتنتهي معه ذريعة الحبس والفضاء الخاص .

لطالما كانت بيوتنا قلاعًا شاهقة الأسوار، ولطالما كانت المرأة هي الذريعة لأن البيوت حرم النساء، وإن الشرط الذي يكمن بين تغييب المرأة داخل الأماكن المغلقة والفضاءات الخاصة، وبين انعدام الشارع والفضاء العام، هو الشرط الذي تنتفض له الشرائح الاجتماعية المتطرفة، ويتردد حوله القرار الرسمي.

إن نزول المرأة للشارع يلغي ذريعة الفضاء الخاص، ونزولها لا يتحقق إلا من خلال قيادتها للسيارة بنفسها، حيث المدن التي لا توفر غير السيارة وسيلة لحركة الإنسان، فغياب النساء كعنصر أساسي في تكوين الشارع هو غياب للفضاء العام بكل ما يحمله من اعتبارات اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية، مايعني أن قيادة المرأة للسيارة كسبب في نزول المرأة للشارع، هي مسألة لا تخص شريحة دون أخرى، ولا سلطة دون غيرها، المسألة تحمل في رمزيتها ما هو أهم وأعمق، والرسالة التي يمكن أن تفك شفرتها، هي أن الاستقلال الفردي للمرأة السعودية هو استقلال وطني، فلنتحد وراء هذا الحق، لأن النضال فيه هو عمل إنساني ووطني بامتياز.
font change