النجاحات الفردية في الثقافة النسائية السعودية !

النجاحات الفردية في الثقافة النسائية السعودية !

[caption id="attachment_55249745" align="aligncenter" width="579"]العالمة غادة المطيري نالت أرفع جائزة للبحث العلمي في أمريكا لاختراعها استخدام الضوء بدل المبضع في العلميات الجراحية العالمة غادة المطيري نالت أرفع جائزة للبحث العلمي في أمريكا لاختراعها استخدام الضوء بدل المبضع في العلميات الجراحية[/caption]

ثمة نماذج فردية ناجحة جدًا من النساء السعوديات في مجالات عديدة، وطالما تم طرح مثل هذه النماذج كدليل إما على أن الدولة تعنى لوضع المرأة وتهتم بتمكينها، أو يتم طرحها كمثال من قبل الناشطات في القضية النسوية على أن المرأة تستطيع أن تكون سيدة أعمال ناجحة، وتدير أحد أكبر الثروات في البلد مثل لبنى العليان، تمامًا كما بإمكانها أن تكون عالمة مميزة في مجالها مثل غادة المطيري، هذه الأمثلة التي يمكن مضاعفتها حتى الوصول إلى آلاف النساء الناجحات والمميزات، هل يشكلن حقًا دليلاً على أفضلية وضع المرأة السعودية، أو يشكلن محاججة عن أحقيتها في وضع أفضل مما هو موجود وقدرتها على النجاح؟

يبدو على المستوى المحلي أن النماذج الفردية لا تشكل إلهامًا حقيقيًّا لبقية النساء؛ لأن الثقافة الاجتماعية السعودية تميل إلى عزو الأسباب إلى عوامل لا تتعلق بالفرد ذاته، فهو إما مدعوم من قبل عائلة قدمت له النجاح بصحن ذهبي، أو هو مدعوم من قبل الدولة بوساطات متجاوزة للواقع، تمامًا كما يمكن أن يميل البعض لحصر النجاح على أنه ثمن لخروج المرأة عن ثقافتها ودينها بمجرد أن تكون المرأة الناجحة سيدة غير محتجبة، هناك أيضًا من يعزو نجاح أي نموذج فردي إلى أنه مجرد حالة خاصة لا يمكن تعميمها ولا الاعتبار بها كدليل على إمكانية البقية من النساء، نعم هنا لكل قاعدة شواذ، بهذا المثل تفسر الثقافة الاجتماعية السعودية كل النجاحات الفردية بضمير مطمئن لا يقلق ولا يسائل ذاته عن كل أسباب الوصول والنجاح في الحياة.

في الحقيقة هنالك وجهة نظر معتبرة في هذا التفسير مهما كان غير منصف، فالنموذج الفردي ليس دائمًا دليلاً على حال كامل الشريحة التي يمثلها، فالسيدة السيرلانكية "سيريمافو بندرانيكا" هي أول امرأة تتولى منصب رئاسة وزراء في العالم، هي نموذج فردي ناجح بالتأكيد، لكنها في المقابل ليست دليلاً على أن وضع النساء السيرلانكيات أفضل من بقية نساء العالم، تمامًا كما أن عدم نجاح أي سيدة أمريكية في رئاسة الولايات المتحدة ليس دليلاً على تردي أوضاعهن مقارنة بالأخريات، ولا دليلاً على عدم وجود قانون يسمح لهن بالترشح ويساعد على تمكينهن، النماذج الفردية يمكن أن تكون مثالاً صادقًا كما هو الحال بالنسبة للسيدة الألمانية "أنجلينا ميركل" التي تمثل قوتها قوة وضع النساء الألمانيات، وتميز أوضاعهن مقارنة بالبقية، لكن يمكن أيضًا أن يكون النموذج الفردي مجرد نموذج تضليلي لا يعكس الوضع بل يزيفه بعكس صورة غير واقعية.

كثير من الدول تنحى إلى تعيين سيدة أو أكثر في مناصب وجاهية أمام العالم لتحسن من صورتها، دون أن تعنى حقيقة إلى وضع النساء في القانون الذي تسنه، لكن ثمة خطيئة أخرى يرتكبها الناشطون في حقوق المرأة بنية بيضاء، هي الاستمرار بالاستشهاد بالنماذج الفردية الناجحة والبارزة جدًا مقارنة بالبقية، كدليل على أحقية المرأة، وكإثبات على إمكانيات النساء عمومًا، لكن مع الوقت أصبح لتكرار هذه النماذج وإبرازهن بشكل فردي سببًا في عزلهن على المستوى الاجتماعي والشعبي البسيط، تمامًا كما تم عزلهن على مستوى التأثير الثقافي، فالمجتمع المحكوم بثقافة مشبعة بالغيبيات والخوارق أصبح ينكر هذه النماذج واقعيًا إلا كنماذج خارقة، فكل حديث عن هذه النماذج لم يعد يؤثر إيجابيا في التصور الاجتماعي عن المرأة، بل أصبح يصب في حساب هذا النموذج ويزيد من ألمعيته بشكل يبرزه كحالة خارقة عن العادة لا تتكرر.

لقد تحولت كل هذه النماذج الفردية من مجرد امرأة سعودية يمكن لبقية النساء محاكاتها إلى مجرد نموذج خاص جدًا متجاوز للطبيعة ولا يمكن تكراره، في ظل هذا ليس المفترض التوقف عن إبراز هذه النماذج وتقديمها للساحة العامة كحالات ناجحة، بل في تفسيرها كحالات واجهت المعاناة والقيود التي يواجهنها البقية، ما يغيب المجتمع ليس هو النجاح المتحقق لهذه النماذج، بل السيرة التي قطعتها كل سيدة والتي تشبه تمامًا واقع البقيات اللاتي يقعن تحت القيود القانونية والاجتماعية، حتمًا هنالك تلميع مبالغ وتدبيج غير مستحق أحيانًا لبعض النجاحات الفردية، لكن الأكيد أن النية البيضاء في إبراز هذه النجاحات لم تفلح في المطلوب؛ لأنه مسبقا لم يتم طرحها كسيرة حياة وعمل بل كثمرة نجاح مقطوفة بجائزة واحدة، إنها اختصار للسيرة بكل مراحلها الشاقة في لحظة واحدة سهلة ومغرية، لكنها بالمقابل مستحيلة.

أخيرًا ليس من الواجب أن تحقق المرأة نجاحًا خاصًا جدًا ومميزًا لتستحق الأهلية الكاملة كمواطنة، هي يمكن أن تكون مجرد سيدة منزل من ملايين السيدات لا يمكن تمييزها عن الأخريات بأي شيء، لكنها ستبقى تستحق أن يتم تمكينها من نفس الحال الذي يتم لأي سيدة أعمال ناجحة، أو أي مديرة جامعية.
font change