جنود مصريون استبسلوا في الدفاع عن القرم بقيادة حسن باشا الإسكندراني

جنود مصريون استبسلوا في الدفاع عن القرم بقيادة حسن باشا الإسكندراني

[caption id="attachment_55250478" align="aligncenter" width="620"]شبه جزيرة القرم اليوم.. مناظر خلابة،وسهول شاسعة وجبال مغطاة بالثلوج، واثار قديمة من اديرة وتماثيل شبه جزيرة القرم اليوم.. مناظر خلابة،وسهول شاسعة وجبال مغطاة بالثلوج، واثار قديمة من اديرة وتماثيل [/caption]

بعكس الماضي فإن الاهتمام والتركيز على بلد معين يعود إلى ثلاثة أمور: أهمية موقع هذا البلد أو ذاك جغرافيا أو تجاريا أو عسكريا، أو أن لجغرافيته تأثيرا في القرار السياسي أو أن بلدا كبيرا يريد ابتلاعه كما السمك في البحر من أجل زيادة حجمه.
فعلى سبيل المثال لم نسمع بسلسلة الجبال الوعرة والصعبة جدا "تورا بورا" في أفغانستان أو نعرف عنها أي شيء، وقد نكون قرأنا مختصرا عنها في كتب الجغرافيا في الصفوف الابتدائية أو الإعدادية، وتعني "تورا بورا" الغبار الأسود، ولم نعرف أنها تقع في ولاية ننكرهار، إلا بعد أن نصب الإرهابي أسامة بن لادن خيمته في أحد الأماكن الوعرة فيها عندما نشبت أواخر عام 2001 معارك ضارية بين قواته والقوات الأميركية والبريطانية والتحالف الأفغاني الشمالي، واليوم نسمع بشبة جزيرة القرم. فمع أنها ذكرت في كتب التاريخ ومعظم التلاميذ درس عنها لكن فصل القرم عبر في ذاكرتنا مثل أي حدث عديم الأهمية واليوم قد تندلع بسبب هذه المنطقة حرب لا يدرك المرء مخاطرها.



موقع جغرافي مميز




حسب الدستور، فإن شبه جزيرة القرم تعد جمهورية ذات حكم ذاتي ضمن جمهورية أوكرانيا وكانت في النصف الثاني من القرن الـ18 جزءا من الإمبراطورية الروسية، واشتهرت بسبب وقوع الحرب المشهورة التي سميت يومها «حرب القرم»، ويشكل سكانها 60 في المائة من الروس و30 في المائة من الأوكرانيين وعشرة في المائة من التتار.

ولقد شهدت شبه الجزيرة على مر العصور أحداثا تاريخية مهمة، ففي شهر فبراير (شباط) عام 1945 عقد مؤتمر تاريخي في مدينة يالطا على البحر الأسود، حضره قادة الحلفاء المنتصرين على ألمانيا النازية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وجرى تقسيمها. ونوقشت خلال المؤتمر الذي سمي «مؤتمر يالطا» كيفية محاكمة أعضاء الحزب النازي، لكن شبه الجزيرة واجهت على مر السنين حروبا ونزاعات كبيرة بسبب موقعها المميز، فهي تقع على البحر الأسود الذي تحيط به كثير من بلدان أوروبا الشرقية، كما أن البحر الأسود له وصلة مع بحيرة مرمرة التي تتصل بدورها ببحر إيجة ومنه إلى البحر الأبيض المتوسط، أي أنه ممر ممتاز للتجارة الدولية، لذا لا عجب في الاهتمام الكبير الذي يبديه الروس والأوكرانيون وكثير من الغربيين بشبه الجزيرة هذه.

وشبة جزيرة القرم كبيرة جدا وهي الأكبر على البحر الأسود، فهي تطل من الغرب والجنوب على البحر الأسود ومن الشمال تتصل ببحر ازوف. ويربط شرقها بالأراضي الروسية شريط ضيق وتطل على خليج كرشنيكي الذي يربط بدوره بحر ازوف بالبحر الأسود. هذه الطبيعة الجغرافية تعطي القرم أهمية كبيرة من الناحية الحدودية، فلها حدود مع روسيا وأوكرانيا المتعاديتين ومع البحر الأسود الذي يعتبر أحد أهم شرايين الملاحة في العالم. ولا تقل أهمية من حيث الثروات الطبيعية؛ فالحديث اليوم عن حقول ضخمة للنفط والغاز في عمق البحر الأسود وفي اليابسة وتتقاسم عائدات ما اكتشف حتى الآن شركات عالمية، وإذا ما ضمت روسيا القرم فسوف تعيد توزيع أذونات وتصاريح عمل هذه الشركات.



الحصن




على مر العصور كانت شبه جزيرة القرم منطقة تتصارع عليها الدول القوية، فاسم القرم الذي يوحي بأنه تتري الأصل ويعني «الحصن» له تاريخ حافل بالصراعات الصعبة والتي لم تر أي حل مع أن القوى التي كانت تتصارع عليها اندحرت وغابت في غياهب التاريخ، من شعب السكوثيون وهو شعب بدوي متنقل من أصول فارسية نزح من سهول أوراسيا إلى جنوب روسيا في القرن الثامن قبل الميلاد واستقر عند البحر الأسود وكانت لهم صلة بالمستعمرات الإغريقية في شبه جزيرة القرم، إلى شعوب كثيرة أخرى منها البيزنطيون والغوطيون وهم قبائل جرمانية شرقية وحتى السوماريين وشعب الخزر التركي وقدم من شمال القوقاز، والمنغول التتار إلى العثمانيين وأخيرا الروس.


[caption id="attachment_55250480" align="alignleft" width="300"]القوات المصرية تستعرض جنودها في ميدان محمد علي بالاسكندرية قبل التوجه الى القرم  في 18 مارس عام 1854اي قبل 160سنة القوات المصرية تستعرض جنودها في ميدان محمد علي بالاسكندرية قبل التوجه الى القرم في 18 مارس عام 1854اي قبل 160سنة [/caption]

وفي القرن الـ13 كانت شبه جزيرة القرم تحت سيطرة التتار التي حولوها إلى مركز تجاري مهم جدا لهم، حيث كانت سفنهم تنطلق من مينائها في العاصمة سيفاستوبول إلى مصر ثم إلى البحر الأبيض المتوسط مما جعلهم ينافسون تجار جنوا والبندقية في إيطاليا. ومن أهم الممارسات التجارية التي جرت عبر القرم تجارة الرقيق الأبيض وباتجاه أوروبا تجارة التوابل والحبوب ومنتجات أخرى مهمة. هذا كله جعلها تلعب دورا أساسيا في التجارة خاصة لموقعها الاستراتيجي بالقرب من الطرف الشمالي النهائي لطريق الحرير ولم يكن لهذا المرفأ منافس سوف مرفأ تانا.

وقد تكون هذه الميزات غير العادية هي سبب انصباغ تاريخ شبه جزيرة القرم في القرون الوسطى أيضا بالنزاعات والصراعات، من زمن الإمبراطورية البيزنطية والمنافسة مع تجار جنوا والبندقية وحتى سيطرة قوى أخرى إلى أن أصبحت بيد الإمبراطورية العثمانية في القرن الـ15 فضمت إليها بعد أن أصبحت ولاية من الولايات الإسلامية.


لجوء التتار إلى العثمانيين




لكن الوضع لم يبق على حاله، فبعد الاضطرابات الداخلية التي وقعت بين التتار والقوزاق حدثت تحولات سياسية دفعت التتار إلى الإمبراطورية الروسية لحمايتها وأعلنوا الولاء لها عبر معاهدة بيرياسلاف عام 1654 مما مهد لهيمنة الروس على شبه الجزيرة وعلى الأراضي الأوكرانية. مع ذلك ظلت روسيا القيصرية تفكر بالوسائل الكفيلة بضمان هيمنتها الكاملة على القرم لأهميته الاستراتيجية خاصة وأنه يطل على البحر الأسود.

ولقد ظلت التوترات قائمة والخلافات كبيرة وصعبة بين روسيا وأوكرانيا على شبه جزيرة القرم، فهي تطفو مرة إلى السطح بسبب زيادة توترها ومرة تخبو وتهدأ، ومع أن هذا المنطقة البالغة مساحتها نحو 27 ألف كلم مربع أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية تابعة لروسيا، فإن الرئيس الروسي السابق نيكيتا خروتشوف جعلها جزءا من أوكرانيا ضمن جمهوريات الاتحاد السوفياتي، فهو كان بالأصل من أوكرانيا، فاعتبرت هذه الخطوة من يومها حسب وصف سياسيين روس خطأ تاريخيا عظيما، ويستندون في ذلك على الوثائق التاريخية.
ففي القرن الـ18 توسعت الإمبراطورية الروسية باتجاه الجنوب وسيطرت على القرم مما وفر لها ممرا إلى البحر الأبيض المتوسط عن طريق البحر الأسود، فمن المعروف أن الممرات البحرية تعتبر العصب الأساسي للتجارة الدولية ومن يسيطر عليها يسيطر على التجارة. بعدها وضعت خططا لهدفها الأساسي وهو وضع المضايق البحرية التركية أخيرا تحت سيطرتها إلا أنها فشلت بسبب مقاومة الأتراك وحلفائهم الأوروبيين يومها مما جعل شبه الجزيرة نفسها مهددة بالخطر كموقع روسي.



وللعثمانيين أيضا مطامعهم




وسبق ذلك أن دخل العثمانيون شبه جزيرة القرم عام 1475، ولم تنحصر مطامعهم في هذا الموقع فحسب بل أرادوا التوسع فدخلوا أراضي في الجنوب ليست بعيدة عن العاصمة الحالية موسكو. لكن مع مرور السنين أنهكت قوى الجيوش العثمانية فبادرت روسيا إلى احتلال شبه الجزيرة لأول مرة وذلك عام 1736 ثم استولت عليها نهائيا عام 1771. ولقد حاولت الاحتفاظ بها بقدر الإمكان وما زالت، لأن ذلك يعني السيطرة على البحر الأسود والدول المطلة عليه. ولا تصبح روسيا دولة عظمى إلا بعد ضمها للأراضي المتاخمة للبحر الأسود بما في ذلك القرم، لذا كانت على استعداد لشن حروب طاحنة من أجل الاحتفاظ بمواقعها، لكن ذلك لم يعجب في أي زمن من الأزمان الأعداء اللدودين مثل الإمبراطورية العثمانية والفرنسيين والبريطانيين، الذين كانوا على استعداد للدفع بمئات الآلاف من الجنود لاحتلال القرم بشكل خاص.
ولقد سعت الإمبراطورية الروسية إلى الاحتفاظ بشكل دائم بالقرم رغم المعاهدات التي وقعت وتنص على أن تكون هذه المنطقة ذات إدارة ذاتية. ولم تكتف بذلك فهي كانت تطمع بالاستيلاء على أراضي الإمبراطورية العثمانية لذا ظلت تتحين الفرص للانقضاء عليها، فهذا يوفر لها إمكانية كسب معابر للتوسع في الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط، ومع أن الإمبراطورية الروسية كاترين الثانية لم تضع خططا واضحة لحرب ضد العثمانيين فإن خلفها القيصر الروسي نيقولا الثاني قرر تحقيق أهدافه الخفية وكان يطمع بالدرجة الأولى بالاستيلاء على أراضٍ لتركيا فزحفت جيوشه عام 1853 إلى مالديفيا ورومانيا، عندها اشتعلت نيران الحرب، والمقصود هنا حرب القرم الرهيبة ما بين عامي 1853 و1856.



مخاطر نوايا الروس




عندما أدرك السلطان العثماني عبد المجيد الأول مخاطر نوايا الروس وتبعات ضعف قواته في القرم، طلب من فرنسا وبريطانيا مساندته، فأرسلت الدولتان قوات لضرب القوات الروسية في سيفاستوبول العاصمة الحالية للقرم. إلا أن الدعم الفرنسي والبريطاني للعثمانيين لم يكن بدافع الصداقة بل لوعود بالحصول على ميزات تجارية على البحر الأسود. كما توجه السلطان بطلب المساعدة إلى عباس باشا الأول والي مصر، لأنه أدرك جيدا أن شبح الحرب سوف يهدد كيان إمبراطوريته أيضا، فلبى الوالي الطلب وأمر بتعبئة أسطول من 12 سفينة مزودة بـ642 مدفعا ونحو 7 آلاف جندي مصري بقيادة القائد البحري حسن باشا الإسكندراني. ولم تقتصر المساندة المصرية على ذلك بل قرر عباس باشا تعبئة قوات برية قوامها 20 ألف جندي مع عدد كبير من المدافع وكانت هذه القوات تحت إمرة الفريق سليم فتحي باشا، وأضيف إلى هذه القوات نجدات كانت ترسل بين الحين والآخر من جنود وسفن.


[caption id="attachment_55250479" align="alignright" width="300"]صورة حقيقية تم التقاطها لإسماعيل باشا حقي، قائد الفرقة البرية الأولى صورة حقيقية تم التقاطها لإسماعيل باشا حقي، قائد الفرقة البرية الأولى[/caption]


وحسب ما تم توثيقه في كتاب «قصص الحرب.. من العصور العابرة وحتى اليوم» في الثاني من شهر يوليو (تموز) عام 1853 احتل 80 ألف جندي روسي إمارة الدانوب فما كان من الإمبراطورية العثمانية إلا أن أعلنت الحرب وذلك في الرابع من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من نفس العام وفي 16 منه صدر إعلان الحرب ضد روسيا فقررت فرنسا وبريطانيا في 12 من مارس (آذار) 1954 توقيع معاهدة مع الإمبراطورية العثمانية، وفي نهاية شهر مارس 1854 نزلت قوات التحالف في مضيق الدردنيل، وبدأت بعدها المعارك الطاحنة والمجازر البشعة فدخلت إيطاليا أيضا على الخط وأرسلت 14 ألف جندي لمحاربة الروس وذلك بمقتضى معاهدة وقعت يوم 26 من شهر يناير (كانون الثاني) عام 1855.
وفي الثامن من شهر سبتمبر (أيلول) استولت قوات الحلفاء على القرم وفي 30 مارس عام 1856 وقعت كل من روسيا والإمبراطورية العثمانية وبريطانيا وفرنسا وحكومة سردينيا الإيطالية وبروسيا والنمسا ما سمي معاهد سلام باريس، ومن أهم بنودها حيادية البحر الأسود ونزع السلاح فيه وحرية الملاحة في نهر الدانوب.
ويقول مؤرخون غربيون إن خلفية وقوع الحرب هي تزايد نفوذ روسيا على منطقة الشرق الوسط عبر البحر المتوسط الذي يطل على البحر الأسود، مما يدحض الحجج التي كان يتفوه بها القيصر الروسي نيقولا الثاني من وجود خلاف مع العثمانيين حول حقوق رهبان الأرثوذكس في الأراضي المقدسة (القدس) وحماية المحمية الروسية هناك، مما أقلق الفرنسيين والبريطانيين، لكن ولكي تثبت هذه الحجة توجه الأمير الروسي الكسندر ممنشيكوف إلى القسطنطينية في شهر فبراير (شباط) عام 1853 بهدف الحصول على اعتراف بحقوق المحمية الروسية في القدس إلا أن الباب العالي رفض ذلك مما دفع روسيا إلى قطع العلاقات معه وبدأت تظهر في الأفق توترات خطيرة.

هذا بالتحديد كان دافعا قويا لكي تساند فرنسا وبريطانيا الإمبراطورية العثمانية التي كانت من ألد أعدائهم وظهر ذلك بأن أول هجوم لهم كان على القاعدة العسكرية البحرية في سيفاستوبول بعد إرسال سفن حربية إلى مضيق الدردنيل.
في الثالث من يوليو حركت روسيا 53 ألف جندي باتجاه مدينة بروث وبعد أسبوعين باتجاه مدينة بوخارست، إلا أن الإمبراطورية العثمانية حصرت تجمع قواتها في بلغاريا مطالبة القوات الروسية بالتراجع.


معارك القرم




وحسب ما ورد في كتاب «قصص الحرب.. من العصور العابرة وحتى اليوم» إضافة إلى الأسباب السابقة الذكر فإن لفرنسا كما بريطانيا أيضا أسبابها الداخلية للتدخل العسكري في حرب القرم وهي بمعظمها استراتيجية، منها التوسع باتجاه البلقان وروسيا والحصول على ممرات بحرية غير خاضعة للنفوذ الروسي الذي بدأ يضيق الخناق على السفن التجارية العابرة من البحر الأسود إلى البحر المتوسط. في المقابل كانت الإمبراطورية العثمانية تطمع بالانفراد بالمجاري البحرية التجارية، لكن ولأنها كانت تعيش حالة ضعف ووهن أرسل السلطان عبد المجيد الأول بطلب العون من حلفائه العرب ولم يكن هناك سوى مصر التي كانت شبه محتلة من العثمانيين، فلم يتأخر عباس باشا الأول وكان والي مصر بدعمه، رغم أن قوته العسكرية لا تقارن بالقوة الروسية. فأرسل لمساندته 12 سفينة حربية وقوات برية وبحرية قوامها أكثر من 27 ألف جندي مع عتادهم وعدتهم وسقط الآلاف منهم دون أن يعود ذلك بالفائدة على مصر بل على العثمانيين.

ولقد شاركت القوات البرية المصرية أواخر عام 1853 ببسالة في معارك طاحنة بينما توجه الأسطول المصري إلى سواحل شبه جزيرة القرم بعد أن رفع على سفنه الأعلام العثمانية بانتظار أوامر المشاركة في الحرب. ولم يمض نصف عام حتى انضمت فرنسا وبريطانيا ضد روسيا، عندها بدأت بالفعل حرب القرم، فحاصرت قوات التحالف العاصمة الحالية سيفاستوبول في شهر سبتمبر عام 1854 طوال عام إلى أن نزعتها من يد الروس بعد احتلال دام أكثر من 80 عاما. والمعركة التي يذكرها التاريخ أيضا هي التي نشبت بين الوحدات الروسية والقوات البرية بقيادة إسماعيل باشا حقي التي شاركت في الدفاع عن مدينة سيليستريا شمال شرقي بلغاريا وبدأت في 11 من شهر مايو (أيار) 1854 حيث صدت هجمات الروس عليها موقعة آلاف القتلى والجرحى. ولقد وصفت المعارك التي دامت قرابة شهرين بالأشرس في حرب القرم ذهب ضحيتها نحو 400 جندي مصري شهيد.


[inset_right]تشير بيانات دولية إلى أن عدد القتلى من الجيش المصري خلال حرب القرم وصل إلى 2500 وعدد كبير من الجرحى[/inset_right]

ويضاف إلى سجل المعارك التي شاركت فيها القوات المصرية وثلاث فرق من الجنود الجزائريين ضمن القوات الفرنسية معركة «الما» بعدها عاد الأسطول المصري في أكتوبر من عام 1854 إلى الأستانة حيث انطلق منها للمشاركة الحقيقية في حرب القرم وتمكن من لعب دور مهم في إيقاع أكبر الخسائر البشرية في صفوف القوات الروسية.

لكن من المؤلم أن بارجتين مصريتين غرقتا أثناء العودة ففقدت البحرية المصرية نحو 1920 جنديا في البحر الأسود كانوا على متنها، ويقول خبراء عسكريون اليوم إن أسباب الغرق غير واضحة حتى اليوم لكن قد يعود السبب إلى الأحوال الجوية الصعبة ولقد نجا 130 بحارا.
وتشير بيانات دولية إلى أن عدد القتلى من الجيش المصري خلال حرب القرم وصل إلى 2500 وعدد لا يحصى من الجرحى وتدمير الكثير من المعدات والسفن البحرية الحربية.

ففي معركة شرسة وقعت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1855 سقط العديد من الجنود المصريين في محاولة لصد هجوم روسي عند مدينة سينوب فغرقت إثر ذلك الفرقاطة المصرية «دمياط» وكان على متنها 500 جندي مصري ابتلعتهم مياه البحر الأسود ولم يظهر لهم أثر.
كما أظهرت القوات البرية المصرية بسالة في القتال ضد القوات الروسية فاستطاعت ضمن قوات التحالف من احتلال مدينة اوباتوريا ذات الموقع البحري الاستراتيجي مما دفع القوات الروسية إلى شن هجوم بنحو عشرين ألف جندي واستشهد في هذه المعركة وحدها ما يقارب 400 جندي مصري إضافة إلى قائد القوات البرية سليم باشا فتحي.
ورغم استبسال الجنود المصريين في الدفاع عن أهداف الإمبراطورية العثمانية لم يكن لمصر مصلحة في حرب القرم، ويعتقد أن السلطان عبد المجيد لم يطلب من مصر المساعدة بل طالبها بتوفير الجنود والسفن الحربية.

وخلال فترة الحرب التي دامت ثلاث سنوات قتل ما يقارب من 200 ألف شخص لكن بعض المؤرخين يقولون إن عدد القتلى تعدى المليون. كما يذكرون أن الفضل في هزيمة الروس يومها يعود إلى مغول القرم، فكحلفاء للسلطان العثماني كانوا معرضين للملاحقة والاضطهاد من قبل الروس مما اضطرهم للجوء إلى أماكن وعرة ومن هناك بدأوا بالتآمر في عملية غزو الأتراك والأوروبيين للقرم.

ولقد وصف مراسل لصحيفة «التايمز» البريطانية في 27 من شهر سبتمبر عام 1855 حرب القرم هذه بأنها الأشرس والأبشع على الإطلاق، فمستشفيات سيفاستوبول كانت مليئة بالجثث المشوهة بشكل فظيع وكريه، وعندما دخل من أحد الأبواب كانت كتل من الجثث مبعثرة هنا وهناك نكل بها بوسائل فظيعة. وبرأيه أن ما حدث وما تمت مشاهدته يدفع إلى القول إنه لم تقع في أوروبا أبدا حرب أبشع من حرب القرم، حيث استبيح فيها استخدام كل أنواع الأسلحة التي تحدث أفظع خراب، فتسعة أشهر حصار سيفاستوبول من قبل قوات التحالف حولت المدينة إلى خراب كامل فلم يعد هناك بيت وفرته المدفعية أو نجا من القصف، فإلى جانب 520 ألف قتيل من القوات العثمانية وتضم فرقا مصرية إضافة إلى الوحدات الأوروبية، قتل في هذه الحرب نصف مليون روسي.


font change