تحديات ومخاطر.. ومليك يجدد وعده بحرب طويلة جدا

تحديات ومخاطر.. ومليك يجدد وعده بحرب طويلة جدا

SAUDI-US-SYRIA-IRAQ-CONFLICT-MILITARY-AID-KERRY

الإجابة بلا شك: المملكة العربية السعودية، منذ أن كانت إمارة في الدرعية وحتى الآن، باعتبارها أكثر الدول العربية والإسلامية تأثرا وتأثيرا على ليس باعتبارها قبلة دينية فحسب، وإنما علامة فارقة على المستوى الاقتصادي المنفتح بلا هوادة على الأسواق العالمية والسياسية الخارجية المعتدلة والحذرة، والمجتمع المحافظ في مجمله، الذي لم يعرف الانتماءات السياسية، إلا أنه مر بتحولات عديدة كانت في مجملها تقلبات لا واعية في أحضان الأصولية، منذ الجماعة المحتسبة، وحتى «داعش»، وبينهما الإسلام السياسي و«الإخوان» والسرورية والتكفيريون والسلفيات بأنواعها، كما عرفت الأقليات الدينية، مثل هذا الاختطاف الهوياتي، إلا أن غالبية السعوديين في المجال العمومي يطمحون لاستمرار دولة الرفاه والاستقرار، رغم كل العثرات والأخطاء وتقلبّات الظروف السياسية المختلفة والمخاطر المحدقة بدولة استعصت على التصنيفات الجاهزة، وخالفت كل التوقعات، وما زال لديها الكثير.

في المعركة مع الإرهاب والتطرف لا يمكن تصور الكمال؛ هناك أخطاء ونقص وطموحات لم تأخذ طريقها للتفعيل، ربما!
لكن الداخل السعودي ممثلا في القطاعات الأمنية ومعاقل القرار والنخب السياسية ينطوي على الكثير من الفعالية والعمل والحراك غير المسبوق. في ملف «الإرهاب» نحاول أن نرصد أطراف شتاته في هذا الملف الذي يستهدف توقيتا حرجا، تعيد فيه جهات مشبوهة، وأخرى مستلبة ثنائية «السعودية والإرهاب»، بعد أن كان المراقبون يعتقدون أن 2003 كانت نقطة فاصلة في تكريس السعودية المستقرة، رغم رياح التغيير بوصفها أخطر هدف لمرمى الإرهابيين، على اختلاف أهدافهم.



صيحة نذير





والسؤال الذي يفرضه هذا البحث عن لغز الإرهاب والسعودية استهدافا وتأثرا وتأثيرا يأخذ مشروعيته من صيحة النذير التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز أخيرا، معاتبا المجتمع الدولي والدول الكبرى، وحتى علماء الشريعة الصامتين، كانت تستحضر هذا التحول في مسيرة الإرهاب، التي وُصف الحرب عليها ذات مرة بالطويلة جدا، فالدول التي تحول الإرهاب فيها من عرض مرضي وردة فعل زمنية أو حدثية كثيرة جدا في أفريقيا وباكستان وأفغانستان ودول القوقاز، وهناك الكثير من الدول الغربية التي تنشط فيها حركة تجنيد غير مسبوقة.


[caption id="attachment_55252082" align="alignleft" width="300"]خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز يجتمع بالرئيس الفلسطيني محمود عباس خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز يجتمع بالرئيس الفلسطيني محمود عباس[/caption]

هناك مفارقة ثابتة منذ بدايات تأسيس المملكة العربية السعودية، بحكم موقعها الجغرافي وتبنيها نظام حكم قائما على الشريعة الإسلامية، وهي أن كل المنعطفات التاريخية التي مرت بها المملكة كانت تتقاطع مع «العنف» أو التشدد الديني أو الإرهاب.

فإرهاب اليوم ليس كسابقه، فهو الآن يحضر كأداة سياسية ومكون اجتماعي، وليس مجرد فعل لأشخاص مغرر بهم يسعون إلى الانقياد غير الواعي نحو شعارات آيديولوجية، كما هو الحال في عنف الثمانينات المصري المرتبط بالعلاقة مع النظام، أو عنف الداخل الذي اتخذ طابع العنف العقائدي وليس السياسي، إذن كيف بدأت القصة محليا؟


الحوار أولا




سبقت خطوة الملك التشريعية والقرار التاريخي في مواجهة الإرهاب خطوات كثيرة؛ قبل سنوات أعلن الملك عبد الله خطوة مفاجئة قفزت على الواقع المرير لـ«الطائفية» آنذاك، حين التبست مفاهيم المقاومة بالأحزاب المتطرفة التي تسعى إلى تقويض مفهوم الدولة القطرية، أو بتحويل نفسها إلى دول داخل دول، كتجربتي «حزب الله» والحوثيين الشيعيتين، اللتين وجدتا طريقهما للتعاطف، بفعل استغلال الإسلام السياسي السني، ممثلا في «الإخوان»، لمواجهات الحزب ومن بعده حركة حماس لإسرائيل، إلا أن دعوة الملك عبد الله للحرب على الطائفية والإرهاب في آن واحد استحضرت حالة الالتباس بين الطائفية الدينية وطائفية أكثر خطرا منها، وهي الطائفية السياسية، وتصدير التشيع السياسي الذي ليس له علاقة بنظيره العقائدي، وإن كان رافعا له ومحفزا لإعادة نتائجه، شهدنا في السابق تصريحات لكثير من جماعات الإسلام السياسي انحازت للتشيع السياسي، وإن كانت سنية العقيدة، إن على مستوى الأفراد، كما صدر عن المفكرين السعوديين والعرب في حرب لبنان الأخيرة، أو من قبل على مستويات كثيرة من قبل اليسار التقليدي، وحتى اتجاهات مكافحة العولمة و«الإمبريالية الغربية»، التي تبناها مع اليسار فئام من الناصريين والقوميين العرب.



تذويب الطائفية





وإذا كانت هذه الخطوة لتذويب «الطائفية» عبر التأكيد على مفهوم المواطنة السعودية للجميع قد قوبلت بترحيب شديد من قيادات إسلامية وعدد من الجهات الدولية، فإن تأثيرها كان أكبر في أبناء الطائفة الشيعية من السعوديين، الذين رأوا في طرح الملك عبد الله لمسألة الحوار ليس فقط بين المذاهب، وإنما الأديان، نقطة انطلاق مشجِّعة، وسرعان ما انعكس ذلك على الواقع، فكلنا يتذكر البيان الذي أصدرته طائفة من علماء محافظتي القطيف والأحساء بعد أحداث العوامية الأخيرة، وتكمن أهمية هذا البيان في الجانب السياسي، حيث اعتبر بمثابة إعادة إنتاج العلاقة مجددا مع مراعاة المتغيرات على الساحة ما بعد «الربيع العربي»، فالمواطنون الشيعة في السعودية تقدموا بخطوة شجاعة كردة فعل على سنوات من التأسيس لمفهوم الحوار الوطني، والحرب على التطرف من الجميع، وكانت كلمة علماء القطيف هذه المرة صادقة لا تعرف الخداع أو المواربة، وأقتبس منهم: «التطرف لا يحل مشكلة ولا يحقق مطلبا، بل يزيد المشكلات تعقيدا، ويحقق مآرب الأعداء الطامعين». ويضيف في لغة تسمي الأشياء بأسمائها: «لقد بليت مجتمعات الأمة في هذا العصر بجماعات وتيارات متطرفة تمارس الإرهاب والعنف تحت عناوين دينية وسياسية، والدين بريء من الإرهاب، والعنف السياسي يدمر الأوطان».

كلمات مثل هذه لا يمكن عزوها إلى الخوف أو التزلف بقدر ما هي استجابة لتحولات حقيقية في قراءة المشهد من الداخل، واستهداف الخارج للبلد الذي يشترك الجميع في الانتماء إليه.

بالعودة إلى استراتيجية السعودية الجديدة تجاه الإرهاب، لا يمكن القفز على المنحنيات الوعرة تاريخيا، التي كلما ترسخت مواقف المملكة تجاه العنف، يحاول البعض إعادة الحديث عن مرحلة أفغانستان، وما يقال عادة عن خلق الوحش الإرهابي قبل أن يتعملق، وتصيب أظافره الجميع.


[caption id="attachment_55252083" align="alignright" width="212"]وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف[/caption]

يمكن القول إن نواة الإرهاب الحديث تشكلت مع بدايات تجربة «الجهاد الأفغاني»، بين مزدوجين ضروريين لتمييزها عن المراحل اللاحقة التي تلتها، باعتبارها مرحلة مختلطة ضبابية تمثل ارتباك البدايات، سواء للمجموعات المقاتلة وصولا إلى الدول المستفيدة والداعمة، وانتهاء بفقدان السيطرة على تلك المجموعات، ومن ثم تغولها باتجاه الاستقلالية ليس التنظيمية فحسب، وإنما الفكرية وعلى مستوى المرجعيات الدينية، والانفصال عن الجسد الإسلامي بشكل عام، وهذا ما لا تجري قراءته بدقة في تقييم تلك المرحلة، التي كان من السهل السيطرة على المجموعات الجهادية بحكم المشايخ الشرعيين قبل الانفصال الكبير، حين انتقلت «القاعدة» إلى الجهاد الأممي، ثم العالمية، وقبل الانهيار الكبير لجماعات العنف، وتفريخ نماذج أكثر تطرفا أنتجها واقع جديد.


تحولات زمنية




منذ الثمانينات وبدايات تشكل ظاهرة «المقاتلين» العابرين للحدود بعد انتهاء تجربة أفغانستان وتشكل فكر «القاعدة»، أظهرت تحولات جذرية في علاقة الإسلام السياسي ومن ورائه «الصحوة» برموزها بهذه الظاهرة من التأييد المبكر إلى اعتبار أن ما يحدث خديعة سياسية كبرى للتخلص من الشباب المجاهد، إضافة إلى أن أسلوب التغيير أو المشروع الانقلابي بين الفريقين مختلف؛ الأول يعتمد على الهرم المقلوب، البدء بتغيير السلطة بشكل عمودي ومباشر، بينما يسعى الإسلام السياسي إلى بناء قاعدة جماهيرية قادرة على التغيير والانتشار الأفقي، ومن هنا كان كل من الطرفين ينظر إلى الآخر على أنه يقود بدور تكاملي في الحرب على الغرب والأنظمة المتحالفة معه، وكانت لحظة الاقتتال بين الأحزاب في أفغانستان هي لحظة انفصال المدارس السلفية التقليدية عن المشهد، وبداية الصدام مع الصحوة و«القاعدة» الذين تقاسموا آليات العمل، لكنهم اختلفوا في الوسائل ليتحدوا مجددا مع حرب الخليج، في ضرورة التغيير مع اختلاف الطرائق، ولاحقا صعدت قوى الصحوة في مرحلة ما بعد حرب الخليج، بينما تراجعت «القاعدة» لتلم شتاتها وتنفجر مجددا بعد أفول الصحوة واقتراب المرحلة الثالثة، وهي الإرهاب المعولم الذي اكتمل في الـ11 من سبتمبر (أيلول) لينقسم المشهد إلى ثلاثة تيارات رئيسة:

الخطاب الديني التقليدي المضاد للصحوة ولـ«القاعدة»، والخطاب الصحوي - الإسلام السياسي المبرر لـ«القاعدة» والمضاد للمدرسة السلفية التقليدية، و«القاعدة» المنفصلة عن الإسلام التقليدي والمكفرة لرموزه، والمتحالفة مع الإسلام السياسي في الرؤية والمختلفة في آليات العمل، فهم يحتكمون إلى النظرية ويختلفون في آلية العمل: تحضر حاكمية سيد قطب والولاء والبراء ودار الكفر والإيمان.. إلخ، ولكن يرى «القاعديون» أن الغرب والأنظمة لا يفهمون إلا لغة القوة، بينما يرى الإسلام السياسي أن المواجهة خطأ استراتيجي، وأن المشروع الانقلابي الذي يستهدف تكوين قواعد اجتماعية مؤثرة من شأنها اختراق كل مؤسسات الدولة وصحوتها، ثم يجري الضغط على الأنظمة عبر «التبرير» للإرهاب بأن الحالة السياسية هي السبب، في محاولة لاستثمار إرهاب «القاعدة» للضغط على الأنظمة، ولو عبر إظهار الاعتدال ومفاوضة الإرهابيين وحتى التحول إلى «وسطاء»، وربما تتبع موقف «القاعدة» ذاتها من رموز الصحوة يؤكد ترسيمة ما بعد 11 سبتمبر التي حددت أضلاع مثلث «العنف المسلح».


فالمفجرون، وهم غالبا شباب في بحر الـ20، لم يخوضوا تجربة الإسلام السياسي، لكنهم تأثروا بخطابه والمناخ العام المضاد لمفهوم الدولة، ووضع «المنظرين»، وهم قيادات القاعدة الشرعية، وفي مجملها هي مرتدة من تجربة الصحوة والإسلام السياسي، بدءا من أبو مصعب السوري، ومرورا بأبو محمد المقدسي، وصولا إلى أبو قتادة وأبو بصير والقيادات المتأخرة التي شنت على رموز الصحوة الحرب بسبب مواقفها البراغماتية والمصلحية من المواجهة مع الأنظمة، إلا أن الرؤية التكاملية خففت من تلك الحرب الشعواء، بوصف أن الإسلام السياسي باع المجاهدين بثمن بخس وهو «السلطة».


الانفصال بين الإرهاب والأصولية




ما حدث بالضبط أن حرب الخليج أسهمت في انفصال وانشطار الذات بين الإسلام السياسي و«القاعدة»، سببه اختلاف الوسائل مع اتحاد الغايات، إلى أن جاءت لحظة 11 سبتمبر وقررت «القاعدة» المواجهة العالمية والتحول إلى ظاهرة عابرة للقارات، فانفصل عنها الإسلام السياسي حفاظا على مواقعه الاجتماعية ومكتسباته على الأرض ونفوذه في الكثير من المؤسسات والمواقع، لكنه أمسك بخيط «التبرير» مع كل حادثة إرهابية لتذكير الأنظمة السياسية بأنها تحصد خطيئتها السياسية بعدم إشراك الإسلام السياسي وتقديم نفسها بديلا للإسلام المعتدل، اعتمادا على قاعدة جماهيرية وضمور وضعف أصحاب التيار السلفي التقليدي في مواجهة «القاعدة» لأسباب تتصل بملفات عقائدية وفقهية ما زالت عالقة بين الأطراف جميعها لم يجرِ حسمها على مستوى النظرية على الأقل حتى الآن، وهذا جزء من ترهل الإسلام السني المعاصر بسبب غياب المرجعية الدينية عن التأثير، واختلافها فيما بينها، واختراقها وتسييسها.



مواجهات مبكرة





قصة التطرف والأصولية ولاحقا الإرهاب بدأت مبكرا مع السعودية ويمكن إرجاع بذورها التاريخية إلى اللحظة الحاسمة التي اصطدم فيها الملك المؤسس مع مجموعات راديكالية عقائديا، وصولا إلى لحظة «جهيمان»، وهي مرحلة فاصلة انتقل فيها التشدد الديني من المعارضة إلى استهداف بنية الدولة، ولاحقا لحظة حرب الخليج الفاصلة، التي كانت السعودية فيها على مفترق طرق، إلى أن جاء القرار الحكيم من العاهل السعودي آنذاك الملك فهد بن عبد العزيز (رحمه الله)، الذي جنّب به المنطقة كارثة كانت محدقة.


في الطور الثاني من الطريق الطويل في المواجهة مع التطرف، جاءت موجة «القاعدة» لتدشن عصرا جديدا من المواجهات، منذ تفجيرات الرياض 1994. التي كانت (بلا شك) انعطافة خطرة في المعركة مع الإرهاب، حيث حضر هذه المرة، اسما ومعنى وحقيقة، وكان من المهم حينها أن تخرج الدولة من التعامل مع الأزمات، عبر ردات الفعل، إلى استراتيجية مبنية على قراءة دقيقة للحالة.


مسؤولية جزئية




من الصعب تحميل «الإسلام السياسي» والصحوة برموزها وقادتها مسؤولية قانونية على ذهاب شخص بعينه إلى القتال لأن «القانون» الذي لا يحمي المغفلين والمغرَّر بهم، يحمي المنظرين والمبررين الذين يعرفون قواعد اللعبة، فينتجون خطابين؛ الأول للاستهلاك الإعلامي، والثاني يعرفه الأتباع والخواص، وهذا أمر واضح في بيانات وخطابات رموز المرحلة بعد انفصال حرب الخليج، لكن المسؤولية الشرعية والدينية والأخلاقية تطالهم في التبرير لقاعدة «التكفير والتفجير والتنظير»، ومحاولة تصوير أنهم مجرد ضحايا للأنظمة السياسية والمجتمع الدولي، في حين أن «القاعدة» هي انشقاق صغير في جسد الإسلام السياسي والصحوة، بسبب استعجال النتائج والملاحقة الأمنية وتشكل ظاهرة «المقاتلين العابرين للحدود»، لكنها تدين في تراثها وأفكارها وتصوراتها العامة للذات والآخر والمجتمع لمرحلة التأسيس للإسلام السياسي والصحوة الدينية التي شملت المنطقة برياح التغيير.



مواقف ملتبسة





رد فعل رموز الإسلام السياسي والأصولية الدينية المعاصرة ما زال يتجه نحو الإنكار والبحث عن تصريحات قديمة لحظة الانفصال الكبير بين الجهاديين والصحويين والتقليديين، بل ويتجه نحو التصعيد والمحاكمة وطلب الاعتذار، في حين أن الأولى بهم التفكير في مآلات الشباب؛ لماذا نقرأ بيانات وفتاوى وتغريدات تخص قضايا شخصية جدا فقط لأنها في سياق مناكفة الأنظمة السياسية والحكومات، بينما وصلت الحالة الدينية إلى هذا الكم من الفوضى في الفتاوى والمواقف والأحزاب والحرب الجديدة بين المجموعات المسلحة من دون أي مواقف حقيقية وصريحة لنقد أخطاء المرحلة السابقة، يمكن أن تقرأ عشرات البيانات في قضايا عابرة للحدود تخص دولا وأقاليم مستقلة لا ناقة للإسلام السياسي فيها ولا جمل، ولا تقرأ بيانا واحدا حقيقيا يدين العنف ويسمي الأشياء بأسمائها، وهو ما يؤكد أن المواقف التي تتخذ طابع النصائح والبيانات المنددة هي مواقف سياسية بالأساس وليست مواقف ذات تأصيل شرعي أو طابع أخلاقي لا يفرق بين تطرف وآخر.


الإرهاب ملة واحدة




لا فرق في الإرهاب الحديث بين الإرهاب السني أو الشيعي أو البوذي أو حتى إرهاب الفوضى، الذي لا علاقة له بدين أو مذهب، فالإرهاب شر محض وباطل كله، ويجب أن يُواجَه بالقوة نفسها من أي مصدر كان، لكن الإشكالية اليوم أن الإرهاب المتصل بدول واستخبارات عادة ما يكون منقادا إلى أجنداتها، اليوم نحن نشهد حالة سنية فريدة، فرغم استقلالية «القاعدة» طيلة الفترة الماضية منذ نشأتها، فإنها كانت خاضعة للمزاج العام، إلا أن إرهاب اليوم هو خيار مستقل شرعيا وتجنيدا وتمويلا، وحتى على مستوى التحالف.


سعودة العنف



في كل حادثة إرهابية تحدث في أرجاء المعمورة هناك تركيز كبير على «العناصر» السعودية في كل مناطق التوتر، وهذا راجع إلى جملة من الأسباب تتصل بطبيعة تحول «السعودي» المقاتل إلى قيمة إضافية خارج قدراته الذاتية، فهو عامل دعائي مهم ومزدوج من حيث استخدامه «كارت ضغط سياسي»، كما أنه عامل استقطاب لكوادر جديدة محملة عادة بالتمويل والدعم والمساندة أحيانا للأسف من الأهل عن جهل وخوف من التواصل مع السلطات، وعادة يجري اتخاذ قرار التبليغ بعد انقطاع التواصل أو القتل، وهناك أحاديث كثيرة لسعوديين تورطوا في العنف تشهد بأن عملية الاستهداف مقصودة.


قلب العالم الإسلامي




من الطبيعي جدا أن يكون حجم التأثير السعودي كبيرا في التأثير على الإرهاب أو الاستهداف منه، فهناك عوامل تاريخية وجغرافية وسوسيولوجية واقتصادية متداخلة جدا جعلت من السعودية مرمى الإرهاب استقطابا وتمويلا وتجنيدا واستهدافا، فالمقاتلون الأوائل في المرحلة الأفغانية لم يكونوا يشكلون العدد الأكبر، لكن جرى تمييزهم لاحقا في مضافات بيشاور وحتى معسكرات التدريب، وأهمها الفاروق، لإعطاء هذا البعد الخاص للمكون السعودي، حيث كانت المجموعات تنتقل على طريقة الشبكات محاطة بكثير من الدعم المجتمعي من قبل مجتمع محافظ لم يكن يرى في «الحالة الأفغانية» أبعد من نصرة للمسلمين تجاه دولة شيوعية.

[caption id="attachment_55252086" align="alignleft" width="150"]جهيمان العتيبي جهيمان العتيبي[/caption]

الأطراف المستفيدة كانت ترى في السعوديين وقود معارك حقيقية، فقد نقلوا لهم واقعا مختلفا وجديدا بحكم ارتباط المجموعات الجهادية المقبلة من السعودية في مرحلة الجهاد الأفغاني بحراك مجتمعي وشرعي وتمويلي، لكن لحظة الانفصال لم تأتِ متأخرة والوعي السعودية بخطورة الأزمة كان مبكرا، وهو جزء من تاريخ مركب ومتداخل لم يُدوّن حتى الآن، فهناك العديد من رموز الصحوة والمشايخ والدعاة الذين ذهبوا بعد مرحلة «مطبخ بيشاور» وبدايات استقلال القاعدة، ليفاجأوا بتحولات كبيرة في مخيمات ومعسكرات المجاهدين القادمين من الخليج واليمن تتصل بتفشي ظاهرة التكفير، وبدايات طرح قضايا تكفير الدول، وتأكيدا على ذلك، فإن المناخ الأصولي العام في المنطقة، وهو مناخ «القاعدة» والإرهاب، يشكل جزءا ضئيلا منه، وكان مستعدا للحظة الانفصال عن المجتمع والدولة، ومن هنا بدأت أطروحات التكفير للدولة ثم العلماء فالأجهزة الأمنية فالعلماء، وبدأت الرسائل تتوالى، وأشهرها «الكواشف الجلية»، و«تحريم المدارس الحكومية»، و«قتل العسكر»، وكلها مؤلفات طرحت أسماء جديدة شكلت لاحقا مرجعيات شرعية بديلة، وأبزرها مرحلة أبي محمد المقدسي المهمة جدا، التي استطاع فيها ليس فقط إنتاج خطاب عنفي مُؤسَّس على السلفية، بل تحويل تراث أئمة الدعوة النجدية إلى رصاصات غادرة ترتد إلى الجسد السعودي عبر تنزيل حالة وفتاوى ضد الدولة العثمانية، التي كانت تشكل سياقا خاصا أقرب للسياسي منه من الديني على واقع الدولة القطرية، بل وقلب العالم الإسلامي السعودية.

وكان لافتا أن لا تجد طوال تاريخ العنف عبر عقود أي مؤلفات تتناول تكفير أنظمة عربية أو إسلامية أخرى، لأنها كانت في حكم المفروغ منه، بل ولا تختص به «القاعدة» وأخواتها، وإنما كان موقف الإسلام السياسي برمته، إلا أن الأمر حين يتصل بالسعودية، فهناك العشرات من المؤلفات الخاصة التي تجيب على شباب جزيرة العرب كما تحاول القاعدة اللعب على رمزية الأسماء.


علاقات حرجة



التيارات الدينية التقليدية بتنوعاتها المختلفة تأخرت جدا في حسم موقفها إلى لحظة ١١ سبتمبر بينما كان موقف الدولة مبكرا بعقد ونصف العقد، مع بدايات العائدين من أفغانستان، ثم انفجار الأوضاع داخليا على مستوى الأفكار مع حرب الخليج الأولى التي كشفت عن انهيار التحالف الرمزي بين القوى الدينية المختلفة، هذه القوى التي جرى استخدامها مرارا وفي أكثر من موقع لمحاربة الإرهاب، لكن دون جدوى أو تأثير بالغ، لأنها تخاطب جماهيرها العريضة في التفاصيل والمواقف والأحداث وتتناسى التأصيل الشرعي لقضايا الجهاد والقتال، التي لا يختلف حجاجها الديني إلا في الدرجة وليس النوع، ومن هنا يبدو الجدل والنقاش والحوار تحت سقف منخفض جدا.

الجدل الديني المشتعل على خلفية الإرهاب كان منخفض السقوف يطرح السؤال والجواب بطريقة ملتبسة وغامضة فـ«القتال مشروع»، لكن بإذن ولي الأمر، هذا أقصى ما يمكن قوله آنذاك، بينما من السهولة جدا أن يقول الطرف الآخر إن الإذن غير مطلوب، أو حتى يعترض على مفهوم ولي الأمر، ليصبح الجدل ترفا فقهيا لا أكثر.

ولا يمكن القول إن «قضايا» الجهاد والإمامة لم تحظَ بمراجعات نقدية في تاريخ الإسلام السني، فهذا غير صحيح أبدا لمن يقرأ تاريخ المدارس السنية الكبرى ومدوناتها الفقهية، بل الأدق أن الإسلام السياسي كما جماعات التطرف المسلح لم يكونوا ليعترفوا بالدولة القطرية، وبيعتهم هي لأمراء الحرب أو للمرشد، أو بانتظار المخلص القادم.
وبالتالي فإن من السهل جدا أن يجدوا في التأصيل الفقهي مخارج شرعية يجري الاستشهاد بها بالنصوص نفسها التي يستدل بها «المعتدلون»، لأن الجميع لم يقم بمراجعة فاحصة للتوصيف الشرعي لواقع جديد ومختلف عن أدبيات وكلاسيكيات مسائل الجهاد والخلافة ودار الحرب.


نقطة تحول




موجة الهجمات الإرهابية المستهدفة للداخل السعودي في 2003 كانت نقطة تحول أساسية، حيث طرحت الكثير من الأسئلة حول جدوى الاكتفاء بالحلول الأمنية، وما إذا كانت «القاعدة»، التي تستهدف العمق السعودي، لها امتداداتها وخلاياها النائمة في الداخل الذين كان يعيشون مرحلة ترقب لردة فعل الجهات الأمنية، التي بدورها انتقلت من استراتيجيات ردة الفعل إلى الضربات الاستباقية.

في هذا السياق يمكن الحديث عن ثلاثة نماذج سعودية بامتياز في ملف الحرب على الإرهاب وجدت أصداءها في المحيط الإقليمي والدولي، بسبب تجاوزها للمفهوم الأمني في التعامل مع الإرهاب إلى استراتيجية الوقاية وإعادة التأهيل ومكافحة التطرف في شكله الفكري.


هذه المواجهة الدامية أسفرت عن ولادة منتج سعودي خاص وفريد في التعامل مع الإرهاب، كان محل استغراب في بداية تدشينه وإعلانه، فلم يكن أحد ليتصور أن استراتيجية «القوة الناعمة» التي دشنها الأمير محمد بن نايف، عبر رفع شعار المواجهة الفكرية القائمة على مبدأ المناصحة والإقناع للمتطرفين والمغرر بهم ستؤتي أُكُلها، كما أنها، وفي الوقت ذاته، تتيح بقاء خيارات الحلول الأمنية متى ما تعذر الوصول إلى حلول لجان المناصحة التي رغم حداثة التجربة والنقص والأخطاء التي ترافق أي مشروع من هذا النوع تحولت إلى أنموذج فريد تتسابق مراكز الأبحاث لدراسته عن كثب.


مئات العائدين




وفي التفاصيل، يمكن القول إن ثمة المئات ممن دخلوا مراكز المناصحة خرجوا إلى الحياة العادية بعد أن وُلدوا من جديد، ومُنحوا فرصة استئناف حياة مختلفة بعد أن عانوا من التطرف طويلا، وربما لو كان قدرهم الوقوع رهن الاعتقال في مكان آخر من مناطق التوتر، أو حتى غوانتانامو، لكان مصيرهم أسوأ بكثير.

الأرقام التي لا تكذب عادة تقول، وهي منشورة ومتاحة (مكتبة جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية مصدر ثري جدا للمعلومات الخام حول ملف العنف السعودي) ليست سرا ولا تحتاج إلى تنقيب أو بحث مضنٍ. إن أقل من 4% من إجمالي الذين دخلوا برامج المناصحة، وهم بالمئات، عادوا إلى تجربة التطرف مجددا، وهناك من منح الفرصة أكثر من مرة، كما أن حجم الإنفاق على المستفيدين من برامج الوزارة أكثر من 49 مليون ريال للمعتقلين، المطلق سراحهم 77 مليون ريال، العائدين من غوانتانامو 10 ملايين ريال، الفئة الضالة 35 مليون ريال، رواتب خاصة للمستفيدين 222 مليون ريال، وهو ما آمن به الوزير الشاب محمد بن نايف كجزء من الاستثمار في الإنسان السعودي، وعدم النظرة لمن وقع في براثن التطرف بمعيار واحد.


نموذج عمل




أربعة أعوام كانت كفيلة بأن يتحول برامج إعادة التأهيل والمناصحة إلى ما يسمى نموذج عمل Business model في دول كثيرة كاليمن وإندونيسيا وماليزيا وحتى الأردن والجزائر وصولا إلى تجارب غربية كان أبرزها التجربة البريطانية وبعض تجارب الجيش الأميركي في سجون العراق.
ما يجهله الكثيرون في برامج المناصحة أنها قامت بالتوازي مع حملات تغيير الرأي العام قادتها الصحافة الورقية التقليدية التي واجهت الإرهاب بملفات وتحقيقات لم تصل إلى الحد المأمول، لكنها في النهاية قامت بأدوار إيجابية جدا في سبيل تعزيز الشرعية وتفكيك خطابات التسييس لملف الإرهاب أو محاولات إسقاط الموقف النقدي من السلفية على ملف الإرهاب بشكل انتقائي ومؤدلج، في حين أن التيار العريض للسلفية الرسمية ساهم في تعزيز تلك الشرعية عبر مواجهة الإرهاب بلغة دينية ربما لم تجد تأثيرها في الشارع إلا أنها سجلت مواقف مضادة يمكن الاتكاء عليها مع جمهور هذه المؤسسات الدينية الرسمية من عموم المكونات الاجتماعية اللامنتمية.

المنحنى السعودي ما بعد موجهة إرهاب الألفية خرج من حرب الأحداث الإرهابية بطابعها الجنائي إلى اعتبارها حرب أفكار، وحينها أطلق خادم الحرمين الشريفين كلمته الشهيرة بأن الحرب على الإرهاب ستدوم طويلا.


[blockquote]

السعودية : تصاعد موجة العنف


[caption id="attachment_55252088" align="alignleft" width="232"]مواطنون سعوديون أمام مبنى دمر جزئيا في أعقاب حادث انفجار سيارة مفخخة في مبنى الإدارة العامة للمرور بحي الوشم في قلب العاصمة السعودية الرياض وادت الى مقتل وجرح العديد من الاشخاص (21 أبريل 2004) مواطنون سعوديون أمام مبنى دمر جزئيا في أعقاب حادث انفجار سيارة مفخخة في مبنى الإدارة العامة للمرور بحي الوشم في قلب العاصمة السعودية الرياض وادت الى مقتل وجرح العديد من الاشخاص (21 أبريل 2004)
[/caption]

الحدث المروع الذي فتح ملف الإرهاب في الداخل كان في 12 مايو (أيار) 2003. حين قامت 3 سيارات مفخخة باستهداف 3 مجمعات سكنية يقطنها غربيون وعرب في الرياض، قُتل فيها 20 شخصا و194 إصابة، والملايين من الخسائر المادية.

ولم يمضِ شهر واحد حتى تفجع إحدى الدوريات الأمنية على بعد 10 كلم شمال شرقي مدينة تربة على طريق (حائل - لينة) سيارة جيب «تويوتا» يستقلها شخصان متوقفة على الطريق واشتبه فيها، وعندما طلب رجال الأمن من السائق إثبات هويته فر هاربا وقام رجال الأمن بمطاردته حيث سلك طريقا صحراويا، وأثناء المطاردة قام الهاربان بإلقاء قنبلة يدوية على رجال الأمن، مما نتج عنه استشهاد كل من جندي أول درداح بن وقاع الشمري، والجندي سعود بن عبد الله الشمري، وإصابة الجندي فرحان بن حمود الشمري والجندي عبد الله بن مشعل الشمري.

3 يونيو 2003

توفي أميركي أصيب بجروح خطيرة بالرصاص في قاعدة بحرية متأثرا بجروحه، وكان يعمل في قاعدة الملك عبد العزيز في الجبيل المدينة الساحلية الصناعية.

8 نوفمبر 2003

جرى تفجير مجمع المحيا السكني الذي يسكنه غالبية من المواطنين العرب والمسلمين، والذي توافق مع شهر رمضان، الذي يعد من الأشهر التي لها قدسيتها عند عموم المسلمين. كانت حصيلة هذا الهجوم 12 قتيلا و122 جريحا من الأبرياء.

21 أبريل (نيسان) 2004

انتحاريون يستهدفون مبنى الإدارة العامة للمرور في الرياض، بسيارة مفخخة، نتج عنها مقتل 4 من رجال الأمن، بالإضافة إلى مدني، وإصابة 148 شخصا.

1 مايو 2004

اقتحم مسلحون أحد المواقع الصناعية في مدينة ينبع، وقتل 5 أشخاص (أسترالي وأميركيان وبريطانيان) بالإضافة إلى رجل أمن سعودي، وإصابة 14 من زملائه.

29 مايو (أيار) 2004

مجموعة مسلحة تقتحم مجمع الواحة السكني في مدينة الخبر، واحتجاز 45 رهينة، وقتل العشرات من ساكنيه، قبل أن تتمكن قوات الأمن السعودي من اقتحام المبنى بعد 48 ساعة، وتحرير الرهائن.

في 6 يونيو (حزيران) 2004

قتل المصور التلفزيوني الآيرلندي سيمون كامبرز وأصيب زميله البريطاني فرانك غاردنر مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) لشؤون الأمن في اعتداء بحي السويدي في العاصمة السعودية الرياض.

6 ديسمبر (كانون الأول) 2004

محاولة اقتحام فاشلة لمبنى القنصلية الأميركية في جدة، انتهت بمقتل 3 مسلحين، وإلقاء القبض على 2 آخرين، وسقوط عدد من القتلى من غير الأميركيين.

29 ديسمبر 2004

عملية متزامنة، استهدفت الأولى مقر وزارة الداخلية في الرياض، عبر انتحاري فجر سيارة، وأصيب رجل أمن عند حراسات البوابة الشرقية. والثانية استهداف مقر مركز تدريب قوات الطوارئ الخاصة في الرياض، عبر انتحاريين حاولا تفجير سيارة بالقرب من المركز، قبل أن تفجرهما السلطات الأمنية قبل دخول السيارة إلى مقر المركز.

18 يونيو 2005

اغتيل المقدم مبارك السواط من جهاز المباحث العامة في ضاحية الشرائع بمدينة مكة المكرمة على يد 2 من الإرهابيين، أطلقا عليه نحو 20 رصاصة من سلاح ناري (محل شك).

24 فبراير (شباط) 2006

أحبطت السلطات الأمنية محاولة فاشلة استهدفت معامل بقيق لتكرير النفط شرق السعودية، حيث حاول انتحاريون تفجير سيارتين كانوا يستقلانها، قبل أن تتمكن حراسات المعامل من قتلهم، كما استشهد رجلا أمن.

12 مايو 2006

تعرضت القنصلية الأميركية في جدة إلى إطلاق نار من مسلح، قبل أن تتمكن سلطات الأمن من إلقاء القبض عليه، بعد أن أصابته.
كما شهدت مختلف المدن السعودية عشرات المداهمات الأمنية والمواجهات مع الإرهابيين، نتج عنها مقتل عدد من رجال الأمن، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المسجلين على قائمة الإرهاب.

27 أغسطس (آب) 2009

محاولة اغتيال فاشلة للأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودية، حيث نفذها عبد الله طالع العسيري الذي كان يشكل الرقم 85 على قائمة المطلوبين أمنيا، واستخدم فيها تقنية الجوال في محاولة الاغتيال الفاشلة.
أيضا في عام 2009 شهد أحد المنافذ الحدودية في منطقة جازان، مواجهة مع تنظيم القاعدة حينما حاول اثنان من المدرجين على قائمة الـ85 التسلل إلى الأراضي السعودية متنكرين بزي نسائي قبل أن تجهز عليهما السلطات الأمنية.

5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012

قتل 2 من أفراد حرس الحدود في كمين نصب لإحدى الدوريات الأمنية بمحافظة شرورة جنوب البلاد على الحدود مع اليمن.

3 يوليو (تموز) 2014

شهد منفذ الوديعة على الحدود السعودية - اليمنية أعمالا إرهابية تبناها تنظيم القاعدة، حيث قام خمسة أشخاص من «القاعدة» بتبادل النار مع رجال حرس الحدود، فيما هرب 3 من تنظيم القاعدة، وبقي اثنان داخل غرفة، حيث هب رجال الحدود إلى القبض عليهما، وفاجأوهما بأحزمة ناسفة وتفجير أنفسهما، وقد توفي 5 من رجال الحدود، فيما جرى قتل 3 أشخاص من تنظيم القاعدة، وإلقاء القبض على أحدهم[/blockquote]



من ردة الفعل إلى العمل المؤسسي
إعادة التأهيل




في البداية، كانت الفكرة غريبة بعض الشيء إذا ما أخذنا في الاعتبار طبيعة وفظاعة الأعمال الإرهابية، وانتشار الخلايا النائمة من الشبان الذين تدربوا في مناطق التوتر على مدى 3 عقود كانت كفيلة بإخراج أجيال من المنخرطين في أفكار التكفير والعنف المسلح، فمثل هذه الحالة عادة ما تكون القبضة الأمنية الحل الوحيد، رأينا ذلك في مواجهة جماعات الجهاد المصرية منذ عهد عبد الناصر وما بعد اغتيال السادات.. إلخ، إلا أن الاستراتيجية السعودية الجديدة في مكافحة الإرهاب حملت أفكارا شابة وطموحة من قبل وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، الذي كان عراب الحرب على الإرهاب في طوره الجديد إلى الحد الذي ظل وما زال هدفا للجماعات الإرهابية.

إعادة التأهيل كانت أقرب إلى برنامج شامل منها إلى جرعات نصائح المشايخ التقليديين، التي كانت تحظى في السابق بسخرية واستهجان سجناء الإرهاب لأسباب تعود إلى عدم إيمانهم بشرعية المؤسسة الدينية ولطبيعة خطاب النصيحة، إلا أن دورات الحوارات الدينية المطولة ومناقشة شبه التكفير وواقع مناطق التوتر واستهدافها للشباب السعودي بشكل خاص، شكل نقلة جديدة في مواجهة التطرف داخل السجون، وانضاف إلى تلك الحوارات الشخصية حزمة من علماء النفس والاجتماع والبيانات الرقمية والإحصاء.. إلخ.

الاستراتيجية الجديدة ميزت وبشكل كبير بين من وقعوا في جرائم جنائية من القتل والتفجير والتعذيب، والنشطاء في الخلايا الإرهابية ممن لم يباشروا العمليات أو قبض عليهم قبل أن يمسوا دما، فكان التركيز على هؤلاء على طريقة العصا والجزرة؛ فمن يحرز تقدما في برامج إعادة التأهيل سيكون من السهل الإفراج عنه متى ما استكمل الشروط، بالإضافة إلى الامتيازات الأخرى داخل السجن على مستوى الرعاية الصحية شكلت علامة فارقة لدى المعتقلين وذويهم.

سياسة الجزرة لعبت دورا كبيرا في تغيير الصورة النمطية عن سجون الداخلية، وتلك قصة أخرى حيث الذاكرة والوجدان العربي مليء بقصص التعذيب في سجون عبد الناصر التي ساهمت آلة «الإخوان» في التفنن في توثيقها والكتابة عنها، كجزء من منتجات وكتب مرحلة الصدام تلك، التي كونت انطباعات مرعبة تجاه المعتقلات عززها الأداء الوحشي لسجون البعث في العراق وسوريا، وحتى في مناطق التوتر، وهو ما ألقى بظلاله على استقطاب المزيد من الكوادر الإرهابية عبر أدوات الدعاية الحزبية من خلال تعرية خطاب السلطة آنذاك.

في السعودية، كان الوضع مختلفا حيث سعت الاستراتيجية الجديدة إلى تقديم الدولة وجهازها الأمني كناصح أمين لا يسعى إلى الانتقام، وكان هذا التأكيد واضحا من خلال مفردات برامج المناصحة، التي أتت أكلها مع الشبان المغرر بهم.

وإذا كانت هذه الاستراتيجية قد وضعت بالأساس لمن جرى اعتقاله في قضايا إرهابية، إلا أنها تشمل حتى أولئك الفارين من العدالة، حيث وضعت قوائم المطلوبين، مع فرص مرتبطة بإطار زمني للعودة دون شرط أو قيد، واستهدفت بالأساس إلى التمييز بين الكوادر الإرهابية القيادية والمنظرة والمنغمسة في بحر من الدم، والشباب المتحمس الذي اختطفت قناعاته، وهناك أمل أن يتغير في حال ما أتته الفرصة.
عملية الحشد الاجتماعي لمواجهة التطرف لم تقف عن التوعية، بل طالبت من عموم المواطنين التعاون مع وزارة الداخلية للإدلاء بمعلومات عن الشخصيات المطلوبة أمنيا، وهو ما يعني المشاركة المجتمعية في مكافحة الإرهاب، فقامت وزارة الداخلية عن صور المطلوبين وأعلنت أسماءهم وطلبت التعرف عليهم والإبلاغ عنهم، حيث رصدت مكافآت مالية لمن يبلغ أو يرشد عن أي من المطلوبين أو غيرهم من العناصر والخلايا الإرهابية، على سبيل المثال وضعت الوزارة مكافأة مالية، قوامها سبعة ملايين ريال لكل من يسهم في إحباط عمل إرهابي.

من جهة أخرى، جرى استهداف الأسرة التي يتورط أحد أبنائها في العمليات الإرهابية، بالحوار معها وتفهم احتياجاتها وتزويدها بالأخبار أولا بأول، بل ونقلها على حساب الوزارة لزيارة ابنها المعتقل، وهي استراتيجيات كانت مفاجئة وصادمة في بدايتها، إلا أن نتائجها ساهمت في فصل الشخص الإرهابي وعزله عن محيطه الخاص ليس من أجل أن لا يجري التأثير عليه، وإنما طلبا في حصاره ومنحه الفرصة للعودة، وشاهدنا على شاشات التلفزيون عشرات الأسر التي كانت تقدم إلى مجلس الملك متبرئة من فعل ابنها، وتجاوز ذلك إلى حضور وفود قبلية في إشارة لامعة إلى نجاح محاصرة «الإرهاب» في شخص فاعله فحسب.


مناعة اجتماعية




الحملة الواسعة التي قادتها الداخلية تجاه الإرهاب، تابعها المجتمع السعودي لحظة بلحظة، لذلك كان من المهم التأكيد على ضرورة تغذية المناعة الاجتماعية تجاه أفكار الإرهاب العنفية، ليس في استهداف التفجير والعمليات الانتحارية وتجريمها، بل أيضا إيجاد مناعة ضد التطرف بكل أشكاله بدءا من العزلة والإقصاء والتمييز الاجتماعي لأسباب تطهرية دينية وصولا إلى الجانب الفكري التكفيري والنفي، وهي تشمل دائرة أوسع بكثير من مجرد جماعات الإرهاب التقليدية؛ «القاعدة» وأخواتها، وصولا إلى «داعش» اليوم، فالأحداث الإرهابية التي جرى الكشف عنها أفرزت فراغا مجتمعيا في التعامل مع الإرهاب، فالمجتمع السعودي كل مرة كان يفاجئ بتورط الكوادر العنفية، لكنه تأخر كثيرا في السؤال عن لحظة التحول وغياب دور الأسرة أو تجاهلها، بحجة الخوف والقلق على المصلحة الشخصية للابن.

وبإزاء الحلول الكثيرة التي طرحتها التجربة، فإن التحولات المستمرة التي يعيشها عالم الإرهاب اليوم تفرض متابعة حثيثة وتطويرا للاستراتيجيات، فعلى سبيل المثال، لاحظ الباحثون أن الإرهاب فيما يخص «التجنيد» يمر بتحولات كثيرة، منها أنه في طور الانتقال من الطريقة الشبكية التي تحدث عنها خبراء الإرهاب في بداياته إلى التجنيد الفردي حيث لا يجري الالتحاق لمجموعات متطرفة بشكل تنظيمي هيكلي، ولذلك فإن التعرف عليهم يكون عسيرا في الغالب، بسبب غياب السمات الشخصية أو العلامات الدالة، وحرصهم على السرية والتكتم في خطواتهم التي يقدمون عليها، ومن طبيعة هؤلاء المجندين الصغار غير المرتبطين هيكليا أن يحرصوا على الانضمام السريع إلى العراق أو اليمن أو سوريا عبر وسطاء في دول مجاورة، كما تحرص الجماعات المتطرفة على تجنيد هذه النوعية لسهولة التأثير عليها وإقناعها بالقيام بعلميات انتحارية من دون تفكير أو فحص للعواقب.


لا شيء في الخفاء




الاستراتيجية الجديدة في مكافحة الإرهاب اتخذت من مبدأ الشفافية والوضوح منهجا لها، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير مع حساسية قطاع الأمن بما يتجاوز قطاعات أخرى ما زالت تفتقد ذات الصراحة، فجرى تعيين متحدث رسمي لوزارة الداخلية الذي لا ينتظر للصدفة تفسير الأحداث، وهذا الكم من التكهنات والتخرصات التي عادة ما تعقب أي حادثة إرهابية على مستوى تفسيرها أو توجيه أصابع الاتهام إلى هذه الجهة أو تلك بناء على مواقف مسبقة، بل كان يظهر في الغالب عقب الحادثة بساعات قليلة، أو تصدر الداخلية بيانا تفصيلا يتحدث عن الواقعة سواء كانت عملا إرهابيا أو القبض على أحد المطلوبين أو توضيحا لاستهداف مقرات حكومية، أو حتى ردا على بيانات جماعات الإرهاب التي تحاول بلا هوادة استغلال الأحداث وإثارة الرأي العام عبر بيانات وأدواتها الإعلامية المتقدمة.


التطرف الفكري




واستُحدثت في وزارة الداخلية برامج كثيرة لمواجهة التطرف الفكري، كان من أبرزها برنامج الإرشاد من قبل لجنة استشارية يرأسها وزير الداخلية شخصيا، ولها عدا مركزها الرئيس بالرياض سبعة فروع تشمل أهم مناطق المملكة، هدف هذه اللجنة هو محاولة فهم أعمق للأفكار المسيطرة على الشخصية الإرهابية وحوارها، وتشمل أربع لجان؛ اللجنة الدينية الفرعية، واللجنة النفسية والاجتماعية الفرعية، واللجنة الأمنية الفرعية، واللجنة الإعلامية الفرعية.

اللجنة الدينية تتألف من 150 من المتخصصين في الشريعة والدعاة المعتدلين يقومون بالحوار المباشر مع السجين في ظروف ملائمة، ورغم نجاح هذه الطريقة وفعاليتها، فإنها بحاجة إلى تطوير أوسع للانتقال بها من نقاش الأفكار المباشر إلى فهم «العقل الإرهابي» من الداخل، الذي يحتاج إلى دراسات بحثية تقدم خلاصاتها إلى هذه اللجان التي تتفاجأ أحيانا بالثقافة الشرعية للسجين، فقد لا تعطي النتائج نفسها التي يعطيها الحوار مع شاب صغير مُغرَّر به.

[caption id="attachment_55252085" align="alignright" width="203"]اسامة بن لادن اسامة بن لادن[/caption]

اللجنة النفسية والاجتماعية يقوم عليها 50 شخصية من المتخصصين في علم النفس التحليلي والعلاجي والباحثين الاجتماعيين ومقيمين للحالة والسلوك، ويساهمون في كتابة تقرير عن الحالة، وربما كان تأثير مثل هذه اللجنة على أهميته أقل من اللجنة الدينية، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن جذر الأزمة في العقل الإرهابي يعود إلى القناعات أكثر من كونه سلوكا نفسيا مضطربا، وهو ما يحيل إلى ضرورة مراجعة مفاهيم الإرهاب وأنواعه الجديدة والمتغيرة.

كما أن إضافة خبراء في العلوم السياسية إلى هذه اللجان يُعدّ أمرا ملحّا بعد دخول «لعبة الاستخبارات» اليوم على المجموعات الإرهابية في مناطق التوتر.
إضافة إلى ضرورة تعميم تجربة الخبراء لتشمل دولا ومناطق أخرى جديدة منتجة للتطرف، ومنه «الإرهاب الأشقر» المتصاعد، الذي سيكون الموجة المقبلة، كما يتوقع كثير من المحللين، حيث الخلايا النائمة في الدول الأوروبية، لا سيما بريطانيا وفرنسا، بدأت في التزايد، وهو ما يعني قراءة جديدة ومختلفة لفهم الدوافع.
هناك لجان أخرى إعلامية وإرشادية تعمل على تقديم الخدمات التعليمية والتربوية للسجناء، وهي تؤدي عملها بشكل جيد إجمالا، إلا أن من المهم هو عدم الوقوع في فخ البيروقراطية، وتحول عملية المناصحة إلى مجرد وظيفة، بدلا من مبادرة مجتمعية قائمة على محاولة الإنقاذ وليس مجرد أداء عمل روتيني.

وعلى طريقة «الحق ما شهدت به الأعداء»، فإن صدى برامج المناصحة لوزارة الداخلية قد عمّ أرجاء العالم، باعتباره تجربة مثيرة ونموذجا قابلا للتكرار، كتبت الكثير من الرسائل الجامعية والمقالات والبحوث الميدانية عن التجربة، وقدم صحافيون غربيون بارزون للاطلاع على التجربة، والتأكد من أنها ليست حملة علاقات عامة هدفها الدعاية لعمل الوزارة.
إلا أن الأثر الأكبر كان في استغلال نتائج المناصحة إعلاميا، وإن بشكل لم يصل إلى حدود المأمول، إلا أن الاعترافات التي جرى بثها لأفراد عادوا عن قناعتهم وتحدثوا عن تجربتهم بشكل تفصيلي، كانت وما زالت واحدة من أهم المواد الإعلامية التي وضعت مفاتيح لفهم طريقة تفكير العقل الإرهابي، وآليات التجنيد والتمويل.


صمت العلماء




وإذا كان في إشارات الملك في كلمته التاريخية نقد لاذع للمرجعيات الدينية السنية بأنواعها المختلفة، فهو وصف بعضها بالكسل، وآخرين بالصمت، في إشارة إلى تقاعس المؤسسات الدينية التقليدية، وإلى صمت الحركات والرموز والجماعات الإسلامية المعتدلة بحجج واهية، إلا أنه يمكن القول إن هذا الكسل والصمت تفسره تحولات وتبدلات عميقة في واقع الإسلام السنّي اليوم الذي يعاني من أزمة غياب المرجعيات الدينية الفاعلة والمؤثرة، وعودة كثير من الخطابات الإسلاموية ذات الطابع المدني إلى مربع «تبرير العنف»، مع التحفظ على إدانة فاعليه.
العالم الإسلام اليوم لا يبشر بخير في ظل هذا الاستقطاب السياسي، الذي تعيشه المنطقة، وفي ظل حال «الفشل» باتجاه أي تغييرات حقيقية في القضايا الكبرى العالقة التي باتت تستنزف الكثير من الجهد الذي كان يمكن أن يُجيَّر لحساب التنمية والتطوير والاستثمار في الإنسان العربي والمسلم.


تحالفات مشبوهة




التطور الذي عرفته الجماعات الإرهابية منذ بذرة أفغانستان وصولا إلى حلم الدولة في «داعش»، لم يكن ليتطور لولا صعود الإسلام السياسي الرافد الرئيس للأصولية الحديثة التي تعتبر الجماعات الإرهابية التعبير المسلح عن الفكرة المتطرفة، لذلك كانت معالجة التعبيرات العنفية بمعزل عن مكونها السياسي والتنظيري واحدة من إشكاليات الحرب على الإرهاب، وليس على التطرف ككل.

التحول الحقيقي الذي أحدثه الإسلام السياسي لم يكن إلا على مستوى الأفكار، فلم يدخل الناس الإسلام بعد أن كانوا به كافرين، ولا الحماسة الدينية ازدادت عن مرحلتها السابقة، وإنما جرى الإمساك بمفاصل المجتمع ومصادر التلقي فيه، تغيرت خطب الجمعة وظهرت طبقات جديدة فاعلة في المجتمع، حيث تراجع العالم التقليدي، وأصبح معزولا ببعض طلابه النخبويين، وظهرت طبقة الدعاة، وهي مرتبة دينية مبتدعة بجدتها، ولم تكن كباقي المناصب الدينية الرسمية وغير الرسمية امتدادا لسياقها التاريخي منذ عهد الإسلام المبكر، وتلك قصة في غاية الأهمية، إذا ما علمنا أن الطبقات الجديدة التي ظهرت؛ «الدعاة»، و«المفكر الإسلامي»، و«المجاهد» و«المحتسب».. ساهمت في تصدعات اجتماعية عميقة، كما أنها اكتسبت الكثير مع الوقت بسبب سهولة الانتساب لهذه الطبقات التي يمكن الانضمام لها دون شروط ومواصفات عالية، وفي النهاية نحن في مرحلة حصاد لارتباك وتداخل عقود، وبالتالي فلا يمكن الشروع في تجاوز المرحلة إلا بعد فهمها جيدا، واستنباط الدروس الكثيرة منها لكل الأطراف.



هجرة الإرهاب





مرحلة المناصحة هذه كانت كفيلة بهجرة «الإرهاب» من الداخل، وانتقاله إلى مناطق توتر ودول مجاورة، وأصبحت «القاعدة في جزيرة العرب» تتخذ من اليمن مسرحا لها، ولم يكن هذا القرار تنظيميا محضا، وإنما ساهمت الضربات الاستباقية والاستراتيجية الجديدة في الحرب على الإرهاب، في ذلك وذلك، من خلال عدد من المرتكزات الأمنية التي للأسف لم تأخذ حظها من الطرح الإعلامي، ومن أبرزها:
نجاح الاستراتجيات الأمنية الجديدة ساهم في الحيلولة دون اتخاذ أراضي المملكة مسرحا للتخطيط وجمع التبرعات والتمويل وتنفيذ الجرائم، حيث بات من الصعب تسلل العناصر الإرهابية إليها أو إقامتها على أراضيها فرادى أو جماعات أو استقبالها أو إيواؤها أو تدريبها أو تسليحها أو تمويلها أو تقديم أي تسهيلات لها، كما أن المجموعات المتطرفة وجدت صعوبة في العيش بأمان في الداخل بحكم تبدل استراتيجيات المواجهة من أمنية إلى مواجهة شاملة.


[caption id="attachment_55252087" align="alignleft" width="200"]جورج دبيلو بوش جورج دبيلو بوش[/caption]

من جهة أخرى ساهمت الاستراتيجية الشاملة في التعاون والتنسيق بين الدول العربية، وخاصة المتجاورة منها، التي تعاني من الجرائم الإرهابية بصورة متشابهة أو مشتركة، إضافة إلى تطوير وتعزيز الأنظمة المتصلة بالكشف عن نقل واستيراد وتصدير وتخزين واستخدام الأسلحة والذخائر والمتفجرات، وغيرها من وسائل الاعتداء والقتل والدمار، وإجراءات مراقبتها عبر الجمارك والحدود لمنع انتقالها من دولة إلى أخرى.


الحملات الأميركية




وعلى عكس واقع الأحداث على الأرض عنها في شاشات التلفزيون، فإن ملف الحرب على الإرهاب على الطريقة الأميركية ساهم في تعزيز التعاطف مع الإرهابيين الذين كانوا يلقون حتفهم عبر طائرات بلا طيار، لكنها تحصد معهم العشرات من الأبرياء، وتخلف غضبا على الأرض يكون دافعا رئيسا في المزيد من التجنيد واستقطاب كوادر متطرفة.

وحتى بعد مجيء أوباما وكلمته الشهيرة في جامعة القاهرة التي حاولت التأسيس لعلاقة جديدة مع العالم الإسلامي، لم يفلح ذلك كله في تحسين صورة الولايات المتحدة في ظل تراجع عمليات «القاعدة» وانهيار بنائها التنظيمي، فالآثار المترتبة على مرحلة الحرب على الإرهاب والتدخل الأميركي في المنطقة ما زالت تلقي بظلالها، ذلك أن الإدارة الأميركية الجديدة لم تستطع الخروج بنجاح من الإرث الفاشل للإدارة الأميركية السابقة سيئة الذكر (عهد بوش)، التي ارتكبت كوارث كثيرة، حيث فشلت في التعامل مع الملفات الحساسة التي تمس العالمين العربي والإسلامي، من خلال ارتجالها غير المدروس في مسألة الحرب على الإرهاب، بدءا بملف أفغانستان، ومرورا بالعراق فالصومال، وهو الأمر الذي جيَّش الشارع العربي والإسلامي ضد سياساتها الخارجية، وخلق خطابا مضادا عبر الأدوات الخطابية المؤثرة نفسها.

توظيف الولايات المتحدة وبشكل دعائي لكارثة 11 سبتمبر بطرق كثيرة تجاوزت الأطر الحقوقية والقانونية التي قامت عليها ديمقراطيتها ساهم في ارتفاع أصوات النقد حتى من حلفائها، فانتهاك سيادة دول كثيرة كباكستان واليمن وأفغانستان والصومال لضرب أهداف متوهمة هو أحد المؤشرات الخطيرة على ذلك التوظيف السلبي لملف مكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي قوبل بكثير من الاستهجان الشعبي الذي بدأ يتضخم ككرة الثلج، ويرى في الحرب على الإرهاب فائدة كبيرة للإرهابيين أنفسهم الذين حصدوا ثمار التصعيد العسكري غير المتزن بابتلاع حصة أكبر من الأنصار الذين أصبح استقطابهم سهلا ما دامت المواجهة بالنسبة إليهم تحولت إلى خيار القتيل أو القاتل.


الانحسار الاقتصادي




مواجهة الانحسار الاقتصادي التي سبقت أزمنة الثورات لم تلقِ بظلالها على الدول الكبرى أو الصغرى، بل حتى على التنظيمات المتطرفة والإرهابية، ففي الجانب المالي تأثرت «القاعدة» كثيرا بالحرب الاقتصادية عليها حيث أصابت استراتيجيتها المالية تحولات كثيرة من أبرزها أنها انتقلت من طريقة الشبكات التمويلية إلى طلب التبرع برسائل عامة محفوفة بمخاطر أمنية، وهو ما يؤكد الفشل في إيجاد مصادر تمويل غير تقليدية كمشاريع مستقلة ضخمة ذات عوائد مستمرة، والاعتماد على التبرعات الفردية أو التحويلات الصغيرة نابع من اليقظة التي يعيشها العالم وتحول الإرهاب إلى ظاهرة عالمية، حيث أصبح نقل الأموال أكثر خطورة وأشد صعوبة، لا سيما أن هناك قوائم متجددة بالكيانات والأفراد التي تقدم مساعدة مالية للتنظيمات الإرهابية.


مشروع الدولة الإرهابية




تفرض التحديات الآن إعادة تقييم لمرحلة الحرب على الإرهاب لا سيما بعد إعلان الملك الجديد، الذي انتقلت فيه آليات مواجهة الإرهاب من المواجهة الأمنية والمجتمعية إلى تدخل كل مؤسسات الدولة في هذه المعركة الطويلة، على مستوى الهيئات العلمية والدينية وعلى رأسها المفتي، هناك المزيد من الوضوح وتسمية الأشياء بأسمائها، وكان من آخر تلك التحولات النص على الجماعات الإرهابية بعينها وبأسمائها، حتى لا تلتبس القراءة، بالطبع يتزامن ذلك مع تراجع كبير في تأثير ودور المؤسسات الشرعية لأسباب تتعلق بالبدائل وتطور لغة الخطاب، إلا أن هذا الموقف ضمانة قوية للشرائح والفئات الاجتماعية التي يؤثر فيها هذا النوع من الخطاب، إضافة إلى أن وجود تشريعات وخطابات لمؤسسات الدولة حول الإرهاب يقطع كل الأقاويل والأساطير التي عادة ما تخرج لمحاولة إحراج المملكة في هذا الملف الحساس.

الأمر مختلف الآن تماما؛ الإرهاب يسعى للبقاء والتمدد عبر إعادة بعث مشروع الدولة، بعد أن كان أكبر مطامحه الضغط على الأنظمة العربية عبر استهداف مصالح الولايات المتحدة الغربية، لكن أسلوب إدارة الحرب على الإرهاب، مع الوقت، وعبر طيلة هذه السنوات، استطاع التأثير على مسار العمليات الإرهابية ليصبح أقل فأقل، بينما يزداد تجذره في الداخل الإسلامي والعربي ليصبح جزءا من النسيج الاجتماعي، كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن، ويصعد إلى سدة السلطة، كما في الصومال، ويتسيد مشهد التأثير السلبي باستهداف استقرار الدولة، كما هو الحال في مصر وتونس والمغرب وكل بلدان العالم العربي تقريبا.


الإرهاب الجديد




أحجية الإرهاب القديمة تبدلت، فالتصورات القديمة عنه تتعرض للتهشم في ظل التحولات السريعة التي يعيشها الإرهاب اليوم، الذي لا يمكن تجاوزه بأدوات الأمس نفسها، فنحن نواجه حزمة واسعة التنوع والتعقيد من الإرهاب؛ فهناك إرهاب الدولة، إرهاب المنظمات، إرهاب الفوضى، كما أننا اليوم نواجه مئات التنظيمات التي تحتاج إلى قراءة مختلفة بسبب الاختلاف في السياق والأهداف، لا سيما بعد «تغول» الجانب السياسي في الدافع الإرهابي الآن، فلا يمكن قراءة «بوكو حرام» كما تُقرأ «داعش»، أو مجرد ربط «القاعدة» اليوم بالمجموعات الجهادية المبكرة في مرحلة أفغانستان، حين كان كل شيء بدائيا، وتختلط فيه الدوافع الدينية بالسياسية بالاستفادة من المقاتلين في تسخين الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والولايات المتحدة وحلفائها.

الحقيقة اليوم مختلفة تماما، فمقاربة التنظيم الواحد باتت مسألة بحاجة إلى تتبع وقراءة تأملية دقيقة تختلف بحسب مناطق وجوده، فـ«قاعدة» اليمن تختلف عن «القاعدة» في ليبيا، كما أن خصوصية المكان تطغى على كثير من التنظيمات الأخرى، كما هو الحال في الإرهاب الحدودي في سيناء، لكن كل هذه الاختلافات والتنوعات تلقي بعبئها الأمني والاستراتيجي على المناطق التي تستهدفها، وعلى حالة الاستقرار في العالم، لا سيما مع تصاعد موجة التجنيد والاستقطاب للكوادر الجديدة التي يفرزها الواقع المحبط بكميات غير مسبوقة.
العالم الداخلي لجماعات العنف المسلح، وعلى رأسها «القاعدة» وأخواتها، متشابك ومعقد وكثيف الظلال، عكس ما يبدو أنه بسيط ومباشر، وذلك عبر تصويرهم كأشخاص ناقمين وموتورين يسعون للتغيير عبر استخدام العنف.


سذاجة الربيع العربي




هذا التبسيط في فهم هذه الظاهرة أدى إلى كوارث حقيقية لا سيما في مرحلة الربيع العربي الذي سعى منظروه وحالموه إلى تهميش مكون أساسي في المشهد السياسي العالمي، وهو «جماعات العنف المسلح»، التي تختلف عن جماعات الإسلام السياسي، وإن كانت منبثقة عنها في الرؤية والتكوين الفكري والقضايا العامة، إلا أنها تختلف عنها باعتبارها جماعات فوضوية ذات منزع عقائدي وليست جماعة سياسية تهدف إلى السيطرة على مفاصل المجتمع عبر شعارات دينية. القاعديون لا يكترثون بالمتغير السياسي إلا من حيث قدرته على إتاحة الفرصة لهم في إعادة بناء جسد التنظيم وخلاياه، وفي سبيل ذلك يمكن مهادنة الأنظمة القائمة، سواء تلك الربيعية ذات المنزع الإسلاموي، أو حتى حالة الفراغ السياسي في الدول التي لم تستقر على حال.


ربيع «العنف المسلح»




لكن جماعات العنف المسلح، وهي الظاهرة الآن، المنافسة للتيار الرئيس (القاعدة)، التي ظلت تحصد الاهتمام وعدسات التركيز، مما أسهم في إهمال نظيراتها حتى تضخمت اليوم وباتت جماعات مستقلة ورئيسة ذات طابع محلي. نجد هذا في «قاعدة جزيرة العرب»، ونجده في جماعات العنف في سيناء وفي ليبيا وتونس ومالي وشمال أفريقيا وفي القرن الأفريقي، وبالطبع هذه المجموعات تختلف جذريا عن حالة مقاتلي جبهة النصرة أو مثلا عن المجموعات الصغيرة المسلحة في لبنان، التي تستهدف بناء توازن مسلح يقابل قوة «حزب الله»، من دون أن تكترث بأكثر من ذلك، وفي كل منطقة من هذه المناطق تختلف جماعات العنف المسلح عن السياق العام لتنظيم القاعدة، من حيث استهداف المواقع الغربية، ورفع العداء لأميركا والقيام بعمليات كبيرة ونوعية ذات بعد إعلامي.

على العكس تماما، تنزع جماعات العنف المسلح مثلا في سيناء إلى الحفاظ على حدودها الافتراضية للسلطة والسيطرة، بحيث لا تبحث أبعد عن هذا الهدف إلا في حالة تقويض مراكزها الجغرافية في سيناء والمنطقة المحيطة بها، وهذا ما يفسر العمليات الإرهابية الآن التي تنتقل إلى القاهرة ومحافظات مصر، في مؤشر إلى نجاح حصار تلك الجماعات في سيناء بعد أن عاشت فترة ازدهار في ظل حكم مرسي بسبب إطلاق القيادات وحالة التفاوض السياسي بين الجماعة وبينها.

تصورات جماعات العنف المسلح عن ذاتها وأدوارها وطريقة أدائها على الأرض وحتى طموحاتها على الأرض لا يتصل بـ«المتغير السياسي»، لذلك وضعها في سياق جماعات الإسلام السياسي باعتبار أنها الخيار الأسوأ في حال فشل التغيير السلمي مغالطة كبرى وخطيئة سياسية أفرزت لنا هذه التصورات المغلوطة، وأسهم في ذلك أن لحظة الحراك الديمقراطي في المنطقة ما قبل «الربيع»، حيث التبشير بمشروع الشرق الأوسط الكبير والتصالح بين الغرب والإسلام السياسي كانت مبنية على تكريس هذه المغالطة باعتبار أن الإسلاميين الجدد هم البديل المعتدل عن «القاعدة» وأخواتها على طريقة «الإحلال الناعم»، في حين أن مراجعة بسيطة لأدبيات ونشأة وتاريخ هذه الجماعات تؤكد أنها ليست داخلة في العملية السياسية، بل هي متجاوزة لها ولمفهوم الدولة الذي لا تعترف به، فضلا عن أن تخوض معركة الاستحواذ على السلطة، هي جماعات تقويضية ذات منزع عقائدي لا ترى في غير السلاح أسلوبا للتغيير، بل سلوك للحياة، لذلك هم يرون أنهم حتمية وجودية دينية، على اعتبار أن الجهاد لا ينقطع إلى يوم القيامة.

والسؤال: ما الذي يفيد في معرفة هذه الفروق المتشعبة جدا في التعامل مع جماعات العنف المسلح؟!
التمييز بين نشأة وأفكار وسياق وأهداف كل جماعة هو مفتاح رئيس في التعامل معها، فالجماعات المحلية الصنع ذات البعد الجهوي والقبلي والاقتصادي، مثل سيناء، لا يمكن اجتثاثها من دون تجريف بذورهم الاجتماعية، بينما الأعضاء المقاتلون في مجموعات النصرة والقادمون من دول أوروبا لا يمكن إلا اعتبارهم طارئين على المشهد وراحلين بانتهائه، كما أن خطورة الجماعات التي تحولت إلى ما يشبه الدولة كالحالة الصومالية، وتقترب منها مجموعات أبين وشبوة أكثر بكثير من المقاتلين الهواة الذين ينفذون عمليات انتحارية فردية، أو أولئك الأفراد في المجتمعات الفردية الذين يعبرون عن أزمة هوية معزولة بحاجة إلى اندماج أكثر من إرادتهم للتغير العنفي.


الإرهاب المصلحي




انتقلت وضعية الإرهاب اليوم من حالة الانفصال بين المجموعات الإرهابية والعالم إلى حالة الاتصال، التي تبدأ بالتجنيد المباشر والعملاء المزدوجين (هناك العشرات من السير الذاتية التي كتبها عملاء مزدوجون عملوا في استخبارات غربية وانضموا لتنظيمات إرهابية).
إلا أن استغلال الحدث الإرهابي لصالح قضية أو ملف سياسي بات السمة الأبرز لما يمكن تسميته بـ«الإرهاب المصلحي»، فالدول المستفيدة من الإرهاب التي لا تطالها عملياته كثيرة جدا، حيث تحاول هذه الدول، كما المعارضات السياسية، إحراج الأنظمة العربية عبر ملف الإرهاب، لكنها تجهل في غمرة حماستها للتغيير السياسي أن الإرهاب اليوم تحول إلى أسلوب حياة، فهو ليس كإرهاب الأمس فكرة شاذة ومتطرفة.


موقف تاريخي




موقف الملك عبد الله في كلمته التاريخية الأخيرة كان تاريخيا بكل ما تعنيه الكلمة، فقد قطع الطريق على المزايدة في ثنائية الإرهاب والسعودية، كما أنه أسس لمواجهة جديدة لا تطال الأفكار المجردة وإنما تطبيقاتها على الأرض.

الأكيد أن موقف السعودية من التطرف والإرهاب قديم مع تأسيس الدولة منذ أحداث جهيمان في الثمانينات وما تلاها من بروز الإسلام السياسي لاحقا فتحوله إلى معارضة ذات طابع سياسي مع حرب الخليج، إلى ما يشبه الدولة داخل الدولة بعد ذلك إلى ضعفه ما بعد سبتمبر وانتقاله من ملفات الداخل إلى الخارج بعد أن أصاب الإرهاب الداخل السعودي، وجرى الانفصال بين التيارات المسلحة والتيارات المتطرفة فكريا لتصبح الأولى مهاجرة، والثانية منظرة أو مبررة أو ممولة أو في أسوء الأحوال مستغلة تضخم التطرف المسلح كورقة ضغط سياسية لتمرير أجندتها.
إلا أن القرار التاريخي هذه المرة يتميز عن المواقف السابقة التي وقفت فيها الدولة بصرامة تجاه التطرف بأنه يتخذ طابع التشريع، وهو أقوى أنواع التأثير لأنه لا يتحدث عن الأشخاص أو الأحداث أو الأعيان وإنما عن الأوصاف والمحددات القانونية.


توقيت حساس




تميز القرار بأنه جاء في توقيت مهم جدا تعيش فيه المنطقة مرحلة استحقاقات ما بعد الربيع العربي، وبالتالي خاضت كثير من التيارات والرموز المحسوبة على تيارات فكرية متطرفة في شؤون خارجية بدعوى النصرة مرة وبحجة الوقوف مع المظلوم عبر بيانات سياسية تحمل صفة «التدخل السيادي، وهي أفعال مجرمة قانونا، وأصبح هناك التباس لدى كثير من المراقبين حتى أولئك الذين يعرفون مواقف المملكة السابقة تجاه تصريحات بعض الشخصيات في الملف العراقي والسوري وأخيرا اليمني، وتأزيم وتثوير هذه الملفات لصالح الانتصار لفصيل سياسي واضح ومحدد، «وهو الإخوان»، حتى لو تعارض ذلك مع كل المكونات الاجتماعية غير المسيسة، وهي الجماهير العريضة من الشعوب المسلمة، بل وحتى لو استدعى ذلك الهجوم والتحريض ضد التيارات السلفية التي تملك شرعية أكبر على الأرض ومرجعية لها امتداد تاريخي عريق.


الطابع التشريعي




القرار امتاز بأنه صِيغ بطريقة قانونية دقيقة، فقد علّق الأحكام على الأوصاف لا على الأعيان ليستفيد من تخبطات المرحلة التي تعيشها بعض الدول في تحويلها الملفات السياسية إلى ما يشبه الحرب ضد الأقليات، وهو، وإن كان قد اكتسب صفة التعاطف الشعبي، فإنه على المدى البعيد قد يحول تلك المجموعات المتطرفة في حال لم تناقش في الهواء الطلق وتبدد حججها إلى أقليات وجماعات سرية، ولاحقا إلى ما يشبه الميليشيات المتطرفة ذات الامتداد الشبكي، القرار لم يسمِّ لكنه وضع سياجا واضحا حول استهداف الأمن والأفكار التحريضية، وهو ما يقطع الطريق على المزايدين الذين يدركون أن المملكة لم ولن تكون دولة بوليسية على غرار نموذج الدولة «القومية»، التي جربت البعث واليسار وآيديولوجيات مختلفة، ويمكن القول دون تردد إنه لو قُدّر لفصيل من الإسلام السياسي الحكم في بلد ما، فقد شاهدنا ما يحدث في حماس والسودان، وأوائل حكم «الإخوان» في مصر من تصريحات وأفعال ومواقف تشرعن للدولة البوليسية الشمولية، وهو الأمر الذي تحذر السعودية من الوقوع في شراكه.


إرهاب الفضاء




بدوره، القرار لا يطال الأفكار بل الأطر التنظيمية والحزبية، ولذلك هذه الضجة من محاربي «تويتر» الذين يريدون إفراغ القرار من محتواه ليست إلا واحدة من ردات الفعل المتكررة على كل قرار من هذا النوع يجري تفسيره بشكل سلبي لمحاولة القفز عليه والضغط باتجاه تحديده، بما لا يشمل التيارات التي ينتمون إليها، أو يتعاطفون معها، الإطار التنظيمي هو أشبه بما يكون في البلدان الديمقراطية بحظر الحزب السياسي، صحيح أن تجربة الأحزاب غير موجودة بالمعنى القانوني، لكنها موجودة بسلطة الأمر الواقع، وما إنكار هذا إلا ضرب من الاستخفاف الذي لا يلائم حساسية المرحلة، فكلنا يعلم أن الكثير من الدول التي عانت من ويلات التنظيمات المتطرفة رغم أنها محظورة، فإنها كانت ممتدة ومخترقة حتى لبعض مؤسسات الدولة، ولا سيما مؤسسة التعليم، المحضن التربوي الأهم في بلد وصف بأنه بلد الشباب.


[caption id="attachment_55252084" align="alignleft" width="300"]القوات الخاصة السعودية القوات الخاصة السعودية[/caption]


على المستوى الاستراتيجي للمملكة شكل القرار الملكي فرصة واعدة جدا لحسم الجدل حول الارتباك من الموقف السعودي للتطرف، فهو خطوة تشريعية مهمة للفصل بين استراتيجية الدولة من جهة وتصرفات الأفراد المنتسبين لها من جهة أخرى، بالإضافة إلى تبعات الاستقرار؛ تعريض العلاقات الدولية للخطر، وهو ما يعني ضرورة أن يجري توسيع النقاش في أجواء صحية للقرار، وتخصيص مساحات أكبر لتداوله في الإعلام وأروقة الجامعة ونقاشات المهتمين.

السعودية واجهت تحدي الإرهاب الذي بدا كبيرا ومزدوجا، فمن جهة تسبب الخطر الإرهابي في تحولات على مستوى العلائق السياسية وأبرزها فتور طغى على العلاقة مع الولايات المتحدة عقب الـ11 من سبتمبر، إلا الضربات الاستباقية على معاقل الإرهاب الذي مسّ السعوديين بأكثر مما مسّ الأميركيين أنفسهم، ساهم في فك تلك الازدواجية، بل وجعل من السعودية لاعبا رئيسا في ملف الإرهاب الذي ما زالت الدولة تنظر إليه بجدية بالغة.


مفتاح الحل السعودي




وعلى العكس، فإن حالة الاستقرار السياسي رغم كل رياح التحديات والمصاعب، وأبرزها التحديات السياسية التي تعيشها المنطقة، تفرض على السعودية دورا رئيسا لا يقل أهمية عن دورها في الحرب على الإرهاب.
فالدور المقبل هو ضرورة التعاون مع كل دول المنطقة على اختلاف مواقفها السياسية الجزئية لأخذ أدوار فاعلة وكبيرة في الحرب على الإرهاب، الذي يجب أن لا تنفرد السعودية به.

«عقلنة» الحالة السياسية هو مطلب مهم، تشترك فيه دول الجوار، بما فيها الأطراف الفاعلة إيران وتركيا، وحتى دول الربيع العربي غير المستقرة، إضافة إلى النخب والطبقات الثقافية الذين يجب عليهم التحلي بالشجاعة هذه المرة وعدم الالتفات إلى صخب الجماهير ليراجعوا بالمنطق نفسه «الحالة الثورية» التي دعموها بالأمس، وشاهدوا ارتداداتها السلبية على المجتمعات بعد سقوط الأنظمة السريع.
الأصولية المعاصرة تحمل «ميكانيزم» بقائها في داخلها عبر آلية العنف، وهي ليست بالضرورة عنفا محصورا في «السلاح»، بل ثمة أسلحة معنوية لا تقل عنه خطورة، كالتكفير والحصار الفكري واختراق السلام المجتمعي عبر آليات الطرد بمعايير دينية، حتى في أكثر المسائل دنيوية، لذلك الحرب على الإرهاب والتطرف والغلو هي حربنا الطويلة جدا.


[blockquote]

ماذا لو لم تواجه السعودية الإرهاب باستراتيجية شاملة؟



أرقام مفزعة


ربما السؤال سيكون إنشائيا لو كان الحديث عن حجم التهديدات التي طالت السعودية دون الحديث عن كمية المضبوطات، أو ما يمكن تسميته «إرث الإرهاب»، ليس الفكري أو التنظيري، وإنما إرثه المادي، إذا ما علمنا مضبوطات وزارة الداخلية من المواد الخطرة التي جرى اكتشافها بحوزة الخلايا الإرهابية.
هنا بعض الأرقام التي تحاول الإجابة عن هذا السؤال: ماذا لو؟
1 - كمية من المواد التفجيرية المتنوعة بلغت زنتها ما يقارب 23.893.002 ألف كيلوغرام، علما بأن الكمية التفجيرية التي استخدمت في مجمع المحيا السكني تتراوح بين 300 إلى 500 كيلوغرام.
2 - 431 قنبلة يدوية، منها ما جرى صنعه محليا بعد تعبئتها بقطع معدنية لضمان إحداث أكبر قدر من الإصابات البشرية، ومنها ما هو مصنوع في دول أخرى.
3 - 674 كبسولة ناسفة لإشعال المواد المتفجرة لاستخدامها في 350 تفجيرا.
4 - 301 قذيفة «آر بي جي» مع دوافعها، وهي سلاح يُطلق عن بعد لتدمير أهداف مختلفة.
5 - 304 أحزمة ناسفة جاهزة للتفجير بما يكفي لـ300 انتحاري.
6 - 1020 قطعة سلاح منوعة بين رشاشات «كلاشنيكوف» ومسدس وبنادق.
7 - 325 ألف و308 طلقات ذخيرة حية لأسلحة متنوعة.
لنا أن نتخيل حجم الدمار الذي كان سيطال كل شيء، لو أننا تعاملنا مع الإرهاب بمعايير مزدوجة وانتقائية.
[/blockquote]


font change