أطماع طهران في المنطقة العربية.. تغلل اقتصادي ونفوذ سياسي

أطماع طهران في المنطقة العربية.. تغلل اقتصادي ونفوذ سياسي

[caption id="attachment_55253109" align="aligncenter" width="620"]الحرس الثوري الايراني الحرس الثوري الايراني[/caption]

شره الجمهورية لتدشين عهد جديد من الإمبراطورية يتعاظم، وكانت البداية الجديدة مع الإعلان عن اتفاق جنيف بين إيران ومجموعة «5+1» الذي أعاد موضعة إيران في مكانة إقليمية متقدمة على خلفية أجواء التهدئة والبعد عن توتير المناخ السياسي من الدول الغربية والولايات المتحدة بشكل أساسي، ورافق ذلك صعود نجم الرئيس الإيراني الذي يوصف بالاعتدال في الصحافة الغربية والذي أطلق كلمته الشهيرة ملخصا روح السياسة الإيرانية: «العلاقة الدولية لعبة يمتزج التعاون فيها بالتنافس».
نقطة التحول كانت مع توقيع اتفاق جنيف النووي بين إيران من جهة ومجموعة «5+1» من جهة أخرى، الذي حصلت إيران بسببه على تعليق فرض عقوبات اقتصادية جديدة وهو ما تم تلقيه في الداخل الإيراني بوصفه خبرا سارا قد يعيد الأمل في انتعاش الاقتصاد وتحسين مستويات الدخل المتدنية وعلاج مشكلات البطالة وغلاء الأسعار الفاحش للسلع الأساسية، إلا أن هذا التفاؤل سرعان ما تهاوى مع انحدار أسعار النفط بأكثر من 57 في المائة في أقل من نصف عام، الأمر الذي حدا بصندوق النقد إلى أن يؤكد حاجة إيران لأسعار نفط لا تقل عن 125 دولارا للبرميل إذا ما أرادت تحسين معادلات موازناتها، وببقاء سعر البرميل في حدود الخمسين دولار يعني مواجهة ملفات داخلية حرجة أهمها ارتفاع معدلات التضخم إلى النصف وارتفاع أسعار السلع الأساسية (الخبز، البنزين..).


النفط نظرية المؤامرة




إلا أن روحاني الذي أطلق اتهاماته في كل اتجاه معتبرا أن هناك مؤامرة أسعار نفط تحاك ضد بلده، قد أقر موازنة مالية بزيادة 4.3 في المائة بحدود 294 مليار دولار، وهو ما يعني عكس التوقعات، بعدم القيام بأي إجراءات تقشفية، بل وزيادة الحضور الإيراني ليتجاوز المحيط الإقليمي، ويجترح مناطق جديدة كاليمن وليبيا والجزائر، ومناطق لا مفكر فيها كالقرن الأفريقي بموقعه الاستراتيجي.
الإصرار على المضي قدما رغم العوائق الاقتصادية يفسره إيمان إيران العميق بتأثير تحسن المفاوضات مع الغرب والولايات المتحدة الذي يسير باتجاه تصاعدي إيجابي وهو ما يراهن عليه الإيرانيون أن يساهم في عودة الاقتصاد وتحسين مستوى الأداء بغض النظر عن مآلات الأسواق النفطية التي ستنتعش بشكل تلقائي في حال الوصول إلى أي اتفاق.
ومن نافلة القول إنه من المبكر جدا الحديث عن تبعات كارثية لانهيار أسعار النفط في وقت قياسي، وذلك لأن طهران لا تتسلم العائدات النفطية وتضخها في الداخل، بل تضعها في مصارف خارجية على أمل أن تتدخل القوى الكبرى في إيقاف نزف أسعار النفط حماية للمخزون على المدى البعيد.



استثمار الأزمات





وإذا كانت إيران قد استفادت سابقا من تأثيرات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بعد أن ساهم بعض الإعلام الغربي في تصوير الإرهاب على أنه نسخة سنية محضة، والنظر إلى الإسلام السياسي الشيعي على أنه بديل آمن يمكن السيطرة عليه من خلال التفاوض مع قياداته، فإن أحداث الربيع العربي ومآلات الفشل ساهمت بشكل كبير في إبقاء إيران في الواجهة بعد أن حرصت طهران على زيارة بلدان ما بعد الربيع العربي كتونس وليبيا وتقديم نفسها على أنها نموذج سياسي قادر على مد يد التعاون والتحالف.
وهناك سيناريو قريب يتحدث عنه الخبراء في السياسة الإيرانية يتحدث عن حالة كمون وترقب لأوضاع الإقليم في حربه على «داعش»، وفي انهيار أنظمته السياسية في دول ما بعد الربيع العربي مع تكريس الجهد للعب دور أكبر في آسيا الوسطى بناء على حسابات الأوراق الجيوسياسية الرابعة، وهو ما يعني أدوارا أكبر في أفغانستان وآسيا الوسطى؛ كازاخستان وأوزبكستان وبقية الدول المتذررة من الاتحاد السوفياتي سابقا.



قطاع الطاقة المتذبذب





على المستوى الاقتصادي، فإن المحك قدرة إيران إلى إبرام صفقة نووية من شأنها إعادة الاعتبار لقطاع الطاقة وتدفق الأموال الوفيرة والاستفادة من موارد النفط والغاز، التي ستسيل لعاب الشركات الكبرى الأجنبية التي لا تعنى كثيرا بتفاصيل الحالة السياسية، لكنها لا تريد انفراد الشركات الروسية والصينية بتطوير حقول النفط في إيران، وبالتالي تزيد فرص خسارة تلك الشركات اقتسام بعض الحلوى الفارسية.
تمتلك إيران احتياطات كبيرة من النفط والغاز، ووفقا لتقرير «بريتش بيتروليوم»، فإن طهران تقبع على أكبر احتياطي مؤكد من الغاز في العالم (1200 تريليون قدم مكعبة، أي ما يزيد على 18 في المائة من الإجمالي العالمي)، ورابع أكبر احتياطات نفطية مؤكدة (157 مليار برميل، أي ما يعادل أكثر من 9 في المائة من الإجمالي العالمي) لتأتي في مرتبة رابعة بعد فنزويلا والسعودية وكندا.



اقتصاد متعثر وسوق واعدة





وغني عن القول إن إيران تملك ثاني أكبر اقتصاد بعد السعودية على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، ورغم ذلك تصنف إيران في المرتبة 152 من أصل 189 بلدا على مستوى الفعالية في ممارسة الأعمال التجارية.
ومع بداية 1974 أنتجت إيران أكثر من 6 ملايين برميل يوميا. الصادرات النفطية الإيرانية فيما بعد لم تصل إلى مستواها الأقصى؛ حيث تراجعت من نحو 2.5 مليون برميل يوميا في 2011، إلى نحو مليون برميل يوميا ببداية 2014، وهو ما انعكس على حجم الخسائر في الإيرادات الحكومية.



تجاوز عقبة النفط





وفي محاولة منها لتجاوز عقبات ومشكلات النفط، حرصت طهران على تدشين مناخ استثماري جديد في قطاع الطاقة بهدف تحجيم الطلب المحلي وإعادة تأهيل الإنتاج، حيث يتم توفير نسبة 98 في المائة من احتياجاتها من خلال النفط والغاز، على أن تؤمن بقية الاحتياجات من الطاقة الكهرومائية والطاقة النووية والفحم، كما تنوي إيران إصلاح قطاع الطاقة عبر ترتيبات مالية جديدة تشمل عمليات التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما، بهدف جذب رؤوس الأموال والتكنولوجيا الأجنبية لمشاريع الاستكشاف.



انهيار الداخل





إن تصاعد التفوق الإيراني مرهون بعدم انهيار الداخل على خلفية الأوضاع الاقتصادية الصعبة بسبب انهيار أسعار النفط، وهناك تقارير كثيرة عن انتشار ظاهرة غسل الأموال بسبب تدفق هائل لأموال نقل وتهريب المخدرات.
إشكالية «إيران» هي مسؤوليتها عن التمدد السياسي وتبعاته الاقتصادية، حيث عليها أن تخصص فائضا ماليا هائلا لأذرعها السياسية وتنظيماتها الموالية لها في لبنان والعراق واليمن ودعم نظام بشار الأسد ووفق استراتيجيات تحالف فعالة وبطيئة وتدريجية وبشكل منهجي يتجاوز ردود الفعل الوقتية.



تراجع الراديكاليين الذين يرون طبيعة علاقة الجمهورية بالغرب مبنية على العداء وأنه لا حل إلا بمقاومة الشيطان الأكبر، ساهم في صعود معسكر الاعتدال الإيراني ويشمل الرئيس الإيراني الأسبق رفسنجاني، والرئيس الحالي حسن روحاني.
التقارب الإيراني - الأميركي هو مصلحي ونفعي ومؤقت، لكنه ليس تقاربا على مستوى القيم العامة، فإيران تدرك حجم الفجوة بين شعاراتها الثورية وسلوكها السياسي، إلا أن تقاربها مع الولايات المتحدة سيمنحها نفوذا هائلا في المنطقة، وهو ما سيشكل عائقا أمام حضور تركيا ودول الاعتدال بقيادة السعودية.
ما تطرحه طهران منذ ثورتها هو تدشين نسخة متماسكة من الإسلام السياسي الشيعي الذي يتوسل السياسة بالسياسة وليس بشعارات دينية فوق مجتمعية، ليتحولوا لاحقا إلى نخبة سياسية بقاعدة شعبية تم اكتسابها بشعارات دينية، ومن هنا وقع الإسلام السياسي في مأزق ادعاء شرعية مستقلة عن باقي المكونات الدينية، ومن جهة ثانية نافس التيار السلفي العريض ثم ابتلعه عبر تثويره سياسيا ليتشظى لاحقا مع صعود موجات العنف.



تفوق تصدير الثورة





بالطبع أفلحت «إيران» في تصدير ثورتها مع ضبطها، بينما فشل العرب والمسلمون السنة في إيجاد صيغة صحية لعلاقة الديني بالسياسي.. إيران تقدم نفسها مع حلفائها وأذرعها السياسية في المنطقة على أنها كتلة واحدة كبيرة قابلة للتفاوض؛ وذلك قد تم برافعة طائفية عبر تصدير التشيع السياسي، وهو الأمر الذي قد يصعب القيام به بتكوين تحالف سني سياسي، ليس فقط بسبب ضبابية المفهوم السني بمعناه السياسي التحشيدي، ولكن أيضا لأن تحالفا كهذا من شأنه أن يرتد على انقسامات داخلية عنيفة بسبب ما قد يسببه من موت محتم لمفهوم المواطنة الذي يعيش أكثر أوقاته حرجا، بينما يدعو بعض المتأخونين - أكثر من الإخوان أنفسهم – إلى أن تتجاوز المنطقة ما يصفونه بـ«المكارثية» ضد الجماعة.



اقتصاد المقاومة





لدى إيران أولوية الآن تدفعها للتضحية بالسلام الإقليمي وحتى بتحمل أكبر قدر من الهشاشة الاقتصادية في سبيل أولوية امتلاك السلاح النووي، ولا شك أن انخفاض أسعار النفط سيساهم في منحها موقعا تفاوضيا وتسريع إيقاع المفاوضات حول الملف النووي الذي يحتل موقع جدل كبير بين مختلف التيارات في طهران، ومن المعلوم أن المرشد الأعلى خامنئي واحد من أكثر المدافعين عن الحق النووي، وأنه سيفتح المجال لإعادة موضعة طهران بوصفها قوة عظمى بامتدادات واسعة في آسيا وأفريقيا وصولا إلى مناطق جديدة كاليمن وشمال المغرب، ومن هنا تم طرح مصطلح «اقتصادات المقاومة» القائمة على طرح التقشف خيارا اقتصاديا أشبه بالسلام الذي تقاوم فيه الإمبراطورية الفارسية تقلبات أسعار النفط والمتغيرات السياسية.
الإشكالية أن شعار «اقتصادات المقاومة» لا يمكن أن يكون فعالا على الواقع مع انخفاض أسعار النفط الذي يرشح العملاء للانتقال إلى مواقع أخرى، وحتى محاولة بيع النفط بشكل غير معلن يعني أسعارا أقل، وبالتالي تراجع الأداء الاقتصادي العام على مستوى الاستفادة من إيرادات النفط، فضلا عن الحاجة الملحة لتطوير قطاع النفط وصيانته.
ويطرح فريق روحاني مسألة دعم رؤية المرشد حول «اقتصادات المقاومة» رغم معارضة الرأي العام الذي يرى أن هذه الشعارات لم تغير من الواقع المتردي اقتصاديا، والذي قد يفتح باب الاضطرابات والاحتجاجات الجمعية رغم ما يبدو للخارج من تماسك الداخل الإيراني.
ولا شك أن امتلاك طهران السلاح النووي سيمنحها قوة إقليمية تتوافق مع خطتها لبناء محور وهلال موال لها على طول الشريط الحدودي من العراق لسوريا وصولا إلى اليمن وإلى القرن الأفريقي.



الحرج من الأرقام





وهناك امتعاض إيراني دائم من التقارير الدولية التي تحذر من انهيار الاقتصاد الإيراني في ظل استمرار حالة العناد والصلف بين الطرفين، ويصنف البنك الدولي إيران في المرتبة 157 من 186 دولة في مجال النمو الاقتصادي، وازدياد معدلات البطالة بلغت 38 في المائة، مقارنة بمعدل 9.6 في المائة في الشرق الأوسط، و7.9 في المائة عالميا، وتأتي إيران في المرتبة 161 من بين 169 على مستوى الحريات الاقتصادية وتدفق الاستثمار ورؤوس الأموال.



أذرع سياسية طويلة





وتحمل إيران عبء تحالفاتها وأذرعها السياسية والعسكرية الخارجية؛ حيث تمول حزب الله سنويا بما يتجاوز 200 مليون دولار، هذا عدا تحمل نفقات وتبعات خسائر وتبعات قرار الحرب داخل الحزب، كما هي الحال في حرب عام 2006. وتأتي حركة حماس في مرتبة ثانية بعد انقساماتها مع فتح ووقوفها مع دول الممانعة والتوجه صوب إيران. وتشير التقارير إلى قرابة 100 مليون دولار في السنة، هذا عدا رعاية أنظمة منهارة كالنظام السوري والميليشيات الشيعية في العراق التي تحظى بإدارة ودعم «فيلق القدس»، الذي يدير تفاصيل الأذرع الإيرانية.
إشكالية نظام طهران تولد من طبيعة تداخل السياسي والثوري منذ نجاح الثورة ضد الشاه في عام 1979.. قيام الثورية على أساس ثوري ولاحقا تكون هوية إسلام شيعي قابل للتصدير، واحد من إشكالات طبيعة السلوك الإيراني السياسي الذي لا يخضع لمنطق الدولة، وإنما لخطاب الثورة، كما أن ارتهان السياسة إلى قيم ثورية يشخصها المرشد ومؤسسة مصلحة النظام العليا يعني تقدم أولوية الثوري على البراغماتي سياسيا، لذا تستخدم إيران خطابا مزدوجا ثوريا مقاوما في الداخل، ودبلوماسيا مبنيا على استخدام كروت الضغط التي تجمعها إيران بعناية بسبب نجاح سياسة تصدير الثورة، في الخارج. كما أن خطاب الانكفاء مفيد للداخل رغم وجود معارضة واعية في الأجيال الشابة التي لم تعد تقتنع بأن البلاد مستهدفة وأنها ضحية مؤامرة عالمية ضدها، ولذا نلحظ وجود موجات هجرة عالية للعقول الإيرانية التي رغم عدم قدرتها على الخروج غالبا، فإن ثقافة العولمة وتيار الأمركة يضرب بأطنابه في البلاد بسبب حالة «العزلة» التي عادة ما يرافقها تمرد على الخطاب السائد في مواقع كثيرة، وتتحدث التقارير عن أكثر من 17 في المائة منذ التسعينات هاجروا من إيران، لا سيما بعد الحرب الإيرانية - العراقية، وحسب تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي عام 2009، فإن طهران تتصدر قائمة الدول التي تفقد نخبها والطبقة المتعلمة بما يتجاوز 180 ألفا كل سنة، كما تطرح عدد من الدول الغربية برامج استقطاب للعقول الإيرانية.
مستقبل الحالة الإيرانية مرهون بحجم التنازلات التي ستقدمها الولايات المتحدة الأميركية لطهران، كما أن توقيت المرحلة الآن في صالحها مع استهداف «داعش» والغفلة عن سيطرة الميليشيات الشيعية في العراق، وهنا تدخل إيران مشهد ما بعد الربيع العربي بفرص أكبر حظا؛ حيث انكماش تركيا، في حين تسعى دول الخليج جاهدة للبقاء على حالة الاستقرار الداخلي مع ترقب وتحفز للمتغيرات الإقليمية.



كاريزما روحاني





شخصية روحاني وكاريزماه تعني أن باستطاعته أن يخترق الجدار الصلد للمجتمع الدولي بقيادة أميركا والدول الست، لكنه سيفاوض على ملفات المنطقة وليس على مرتكزات الداخل الإيراني القائمة على مبادئ الجمهورية الإسلامية. الإشكالية التي ستتعرض لها إيران وكل الدول أو الحركات السياسية القائمة على آيديولوجية عقائدية أن نجاح صورتها في الخارج مرتبط بتغير هويتها في الداخل، وبالتالي تحسن مستوى الداخل مرتبط بتحقق شروط المصالحة مع المجتمع الدولي والملفات العالقة، وهنا يكمن المأزق؛ حيث تحول السلاح النووي إلى ما يشبه كبش فداء في سبيل الحفاظ على الخارج، أو تتم التضحية برفع العقوبات بشكل كامل في سبيل الإبقاء على سلاح الردع النووي كحالة شبه منجزة، ولو إعلاميا، للهيمنة على المنطقة وخلق مزيد من الفرص والأذرع المقلقة التي تدين لطهران بالولاء السياسي.
font change