السعوديون تجاوزوا الفتنة الطائفية وفشل الإرهابيون في إحداث الانقسام بينهم

السعوديون تجاوزوا الفتنة الطائفية وفشل الإرهابيون في إحداث الانقسام بينهم

[caption id="attachment_55253578" align="aligncenter" width="620"]ولي العهد يزور المصابين بمستشفى الملك عبد العزيز للحرس الوطني بالأحساء (واس) ولي العهد يزور المصابين بمستشفى الملك عبد العزيز للحرس الوطني بالأحساء (واس) [/caption]

[blockquote]
قالوا لـ«المجلة»:
• الدكتور عبد العزيز بن صقر: يجب الوقوف في وجه دعاة الطائفية.. فالولاء للوطن خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو التخاذل في حمايته
• الدكتور خالد الجابر: يجب أن نعمل بكل قدراتنا لتفعيل مبادئ التعايش والقبول وتعزيز المواطنة والشراكة والوحدة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد
• الدكتور بدر الإبراهيم: نعايش صراعًا إقليميًا كبيرًا تقوم فيه قوى سياسية برفع راياتٍ طائفية وحشد الناس وتعبئتهم طائفيًا.. لكن هذا التمظهر الطائفي للصراع لا يعبر عن جوهر الصراع في المنطقة
• الباحث محمد محفوظ: استقرارنا الوطني والاجتماعي مرهون بكفاحنا الوطني المتواصل من قبل الجميع لتفكيك كل عناصر الغلو والتطرف المذهبي
[/blockquote]



يحضر «البعبع الطائفي» كلما ارتفع الصراع بين أي دولة عربية وإيران. وبموازاة ذلك يتم التلويح بورقة المواطنين الشيعة في البلدان العربية، باعتبارهم منطقة «رخوة» في الصراعات الإقليمية.
تاريخيا، كان ساحل الخليج العربي الممتد من سلطنة عُمان حتى شطّ العرب يضم تنوعا سكانيا من المذاهب الإسلامية المختلفة: سنية، وشيعية، وإباضية. وكانت هذه المنطقة تنعم بالإخاء والسلام، قبل أن تنفجر الصراعات السياسية التي بلغت ذروتها بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، واندلاع الحرب العراقية - الإيرانية (1980 – 1988).



محطات




لكن هذه الصراعات أصبحت أكثر قربا وشراسة بعد الاحتلال الأميركي للعراق في أبريل (نيسان) 2003، واتخذت منذ ذلك الوقت شكلا تعبيريا أكثر صراحة، تجلى في الصراعات التي صبغت الشرق الأوسط في السنوات الخمس الأخيرة، وأهمها الحرب الأهلية في سوريا، والتي بدأت بثورة شعبية تطالب بالإصلاح السياسي في 15 مارس (آذار) عام 2011، مرورا بالأحداث التي شهدتها مملكة البحرين في 14 فبراير (شباط) 2011، وانتهاء بانقضاض جماعة الحوثي (المدعومين من إيران) على السلطة في اليمن وتقويض صلاحيات الرئيس الذي جاء بعملية توافقية، تلت ذلك الحرب التي قادها التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية في اليمن، والتي بدأت في 26 مارس (آذار) 2015.
على الصعيد الجغرافي، يمتد الصراع السياسي بين إيران التي تسعى للإمساك قسرا بورقة المواطنين الشيعة في العالم العربي، من العراق حتى سوريا فلبنان واليمن، ويقع المواطنون الشيعة في دول الخليج في وسط هذا الكباش الإقليمي. ومنذ الثورة الإيرانية كان الشيعة في السعودية ودول الخليج يواجهون عمليات اختراق إيرانية يجري توظيفها لأغراض سياسية محضة، ويجري تلبيسها مسوحات مذهبية ودينية. وأدت في أحيان إلى استخدام مواطنين شيعة للقيام بتنفيذ أعمال توصف بأنها إرهابية، بينها على سبيل المثال الهجوم على أبراج الخبر بصهريج مفخخ في 25 يونيو (حزيران) 1996، وأحداث مماثلة وقعت في البحرين، والكويت.
إزاء ذلك، كان عديد من الباحثين والمفكرين يتحدثون عن «المعضلة الشيعية» في الخليج، باعتبارها قنبلة موقوتة يجب تفكيكها قبل أن تؤدي إلى نتائج غير محمودة. وهناك من يضع هذه المعضلة في قالب أكبر وطني، ويبحث له عن حلول وطنية، تبدأ بتحقيق مبدأ المواطنة الذي يشمل جميع السكان ومساواتهم أمام القانون، وهناك من يرى أنها مجرد «عقدة» أمنية ينبغي التعامل معها دوما بأدوات أمنية. وبالطبع، هناك من لا يعير لهذه المعضلة بالا باعتبارها واحدة من القضايا المؤجلة في العالم العربي.



تماسك أمام الإرهاب




كان الاختبار الأبرز للعلاقة بين السنة والشيعة في السعودية وقع العام الماضي 2015، حين تعّمد متطرفون تفجير مساجد شيعية لإثارة الاحتراب الأهلي، وامتد للكويت، لكنه جوبه بوحدة الصف والتماسك الوطني، وقد سقط نحو 56 شهيدا وأكثر 140 مصابا في 6 تفجيرات استهدفت المساجد في الأحساء والقطيف والدمام وعسير ونجران وسيهات، كما وقع انفجار آخر استهدف مسجد الإمام الصادق بمنطقة الصوابر في الكويت (26 يونيو الماضي)، وأدى لمقتل 27 شخصا وإصابة 227 آخرين.
وفشل تنظيم داعش الإرهابي في إشعال فتنة طائفية، وبدت الأجهزة الأمنية حازمة في تفويت هذه الفرصة على الإرهابيين، فقد فشل الإرهاب في الداخل السعودي في تحقيق أي من أهدافه وغاياته ومقاصده، وارتد سريعا على صانعيه ومنفذيه، وتكسرت أهدافه في بث الفرقة والانقسام الطائفي وإضعاف الثقة في القدرات الأمنية.
وعلى الصعيد الشعبي، أظهر المجتمع السعودي، خاصة الضحايا الذين استهدفهم الإرهاب، وعيا عاليا انعكس بمزيد من التماسك الوطني والوحدة وعدم الانجرار نحو الفتنة. ومع كُل عملية إرهابية يشيع أهالي الضحايا أبناءهم تحت لافتة الوحدة الوطنية بعزيمة أكبر. وحرص علماء القطيف والأحساء عبر بيانات متكررة على التأكيد على أن «الحوادث الإرهابية الأليمة لن تزيد المواطنين إلا ثباتا وصمودا وولاءً للدين والوطن».



الاعتداء على السفارة





في الرابع من يناير (كانون الثاني) الماضي (2016)، أعلنت المملكة العربية السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بعد هجوم متطرفين إيرانيين يبدو أنهم مدعومون من السلطات الأمنية الرسمية، على السفارة السعودية في طهران، والقنصلية العامة في مشهد.
وتوّج قطع العلاقات صراعا ممتدا بين طهران والرياض التي تسعى لاستعادة الدور العربي، ومواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، عبّر عنه حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة أحمدي نجاد، بالقول إن «إيران تسيطر فعلا على أربع عواصم عربية»، وهو ما يمثل اختلالا غير مقبول في التوازن الإقليمي في منطقة حساسة ومضطربة.
كان يمكن للصراع مع إيران أن يبقى في إطاره السياسي، قبل أن يجد متسلقون فرصتهم لتوظيفه مذهبيا وطائفيا، وهو ما يعني في النهاية الوقوع في الفخ الإيراني الذي يعيد رسم المنطقة على أساسات طائفية.
في 19 يناير (2016) شهدت العاصمة القطرية انعقاد ندوة عن أزمة العلاقات السعودية الإيرانية، حضرها باحثون وأكاديميون سعوديون وعرب، وناقشت أسباب وتداعيات هذه الأزمة ونظمها المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات.
في هذه الندوة، حظي موضوع الشيعة العرب باهتمام أغلب المشاركين في الندوة، حيث اعتبروا أن السقوط في الفخ الطائفي من خلال تطييف الصراع مع إيران من شأنه أن يخدم الأجندة الإيرانية ويعزز الانقسام في تلك الدول.
ولاحظ المركز العربي للدراسات، الجهة المنظمة لهذه الندوة، أن إيران سعت منذ زمن طويل لفرض نفسها ممثلا للشيعة حول العالم، وأكد في ورقة أعدها لهذه الندوة أنه «لم يدّع الشيعة تاريخيا يوما أنهم شعب أو قومية، وقلما تبلوروا حتى كطوائف منظّمة داخل مجتمعاتهم التي انتموا إليها. أمّا ولاية الفقيه، وهي الأداة الدينية لفرض تبعيةٍ كهذه، فكانت دائما موقف أقلية بين علماء الشيعة، حتى في إيران نفسها، فيما لم يسمع بها أحدٌ في البلدان العربية، قبل أن يتبناها حزب الله في لبنان».



تهديد للوحدة الوطنية





الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، والذي شارك في ندوة الدوحة، قال لـ«المجلة» إن المملكة العربية السعودية دولة فريدة في نشأتها وفي فلسفتها السياسية، ولمفهوم الوحدة الوطنية دلالة خاصة في تاريخها، فقد قامت هذه الدولة على كلمة التوحيد «لا الله إلا الله محمد رسول الله»، وهذا المبدأ كان هو الأساس في توحيد كيانات متشرذمة، متقاتلة فيما بينها، ومتصارعة المصالح والانتماءات القبلية والفكرية والآيديولوجية.
وأضاف: «نشأت الدولة (السعودية) على أسس نبذ عوامل التفرقة والصراع والالتفاف حول الإسلام الصحيح الخالي من الشوائب الذي أصبح عامل توحيد أبناء الأمة، تحت قيادة حكيمة لا تعرف التفرقة إلا في ما يخالف شرع الله». ويضيف: «اليوم هناك من يحاول إحياء الماضي الأسود بنشر بذور التشرذم والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد، خاصة في نغمة جديدة هدفها التركيز على البعد الطائفي».
وبرأي الدكتور عبد العزيز بن صقر، فقد «برز هذا النوع من التوجه بعد أن نجحت الدولة في توحيد المجتمع السعودي تحت راية الوحدة الوطنية والولاء الوطني. فالإسلام الخالي من الطائفية والخالي من الفوارق الأخرى هو عماد وحدة هذا البلد، والولاء للوطن لا يقبل التقسيم أو التجزئة أو التنافس».
ويضيف: «برزت مؤخرا أدلة وشواهد على أن قوى خارجية مدعومة بعناصر داخلية عميلة تحاول شق صلابة الوحدة الوطنية والتلاحم الوطني في المملكة. وهذه القوى تعتاش على التفرقة وإعلاء شأن ورقة الولاء الطائفي. والهدف هنا هو زعزعة الوحدة الوطنية والولاء الوطني وإحلال الولاء والهوية الطائفية محلها، مما يخدم مصالح القوى الخارجية، ويهدد أمن واستقرار الوطن ويزعزع حالة التوافق والتعايش السلمي القائمة في مجتمعنا». ويكمل قائلا: «هذه القوى لا تستطيع اختراق جدار الوحدة الوطنية في المملكة الذي يقف عائقا وعارضا كبيرا أمام طموحاتها في فرض السيطرة والهيمنة والتوسع، لذا وجدت في الورقة الطائفية أهم معول لتهديم الوحدة الوطنية والولاء الوطني. وإضعاف الدولة وتفتيت المجتمع».
ويرى بن صقر أن «التصدي لمحاولات تهديد الوحدة الوطنية عبر توظيف سلاح الورقة الطائفية ليس مهمة مقتصرة على أجهزة الدولة (فحسب)، بل هو مهمة وواجب كل مواطن يستشعر مخاطر هذه الهجمة، ويقدر نتائجها السلبية على الدولة والمجتمع (...) فالوقوف في وجه دعاة الطائفية داخليا ممن استجاب ودعم المخططات الخارجية هو أقل ما يمكن توقعه من كل مواطن شريف حريص على سلامة الوطن، وبغض النظر عن انتماءاته الطائفية أو العرقية أو الاجتماعية».
ويضيف: «الولاء للدين الأصيل، والولاء للوطن، يجب أن يكون خطا أحمر لا يمكن تجاوزه أو التخاذل في حمايته، لكل من يعيش على أرض هذه البلاد التي كرمها الله بخيراته. والهجمة على وحدة المملكة الوطنية ليست بظاهرة جديدة، بل ظاهرة متكررة تزداد شدة وخطرا مع تطور الظروف الإقليمية والدولية. ولكن صلابة قيادة الدولة ووعي شعبها سيفشل المحاولات الراهنة والمستقبلية للنيل من أهم مقومات هذه الأمة».



لا يوجد صراع مذهبي





الباحث القطري الدكتور خالد الجابر، أستاذ الاتصال السياسي في برنامج دراسات الخليج بجامعة قطر، شارك أيضا في ندوة الدوحة، وتحدث لـ«المجلة» قائلا: «مسألة الفرز واجبة، كما يجب وضع النقاط فوق الحروف. فالصراع في المنطقة اليوم ليس صراعا مذهبيا (سنيا - شيعيا) عمره ألف عام (كما قال الرئيس الأميركي). فهذه مقولة فاسدة لا تستقيم. بل هو صراع سياسي تمت تغذيته مذهبيا والنفخ فيه - بالتحديد - خلال العقود الماضية من قبل متطرفين وإرهابيين وجهلة ومغفلين يعيشون بيننا لهم تصوراتهم الشاذة التي يريدون أن يفرضوها على الآخرين، عن تكوين الدولة ومؤسساتها، ومبادئ المواطنة، ومفهوم الولاء، وطبيعة الإيمان بالتعددية والتعايش والقبول بالآخر». ويضيف أن تلك الرؤية الانتهازية «تقابلها من الجانب الآخر أطراف خارجية وإقليمية ودولية ذات أطماع وهيمنة لتوسيع النفوذ وأحكام السيطرة على المنطقة وشعوبها».
ويقول الجابر: «لقد اشتد الاستقطاب والتجاذب والتخندق بعد الفوضى العارمة التي دخلت فيها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ أن تغير المشهد السياسي بشكل كبير مع بداية عام 2011، وانطلاق الاحتجاجات والمطالبات في أكثر من دولة عربية، وسقوط أنظمة وتغيير حكومات وقلب الطاولة وخلط الأوراق، مما ترك فراغا كبيرا داخليا وخارجيا، فحاولت القوى الإقليمية في مقدمتها إيران بسط سيطرتها على المنطقة ودعم أنظمة تابعة ومرتبطة بها وفرض سياسات موالية لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بالإضافة إلى زعزعة الاستقرار وزرع الفتنة والتحريض في السعودية والبحرين والكويت».
وبرأيه فإن «المعضلة تكمن في أن طهران تبنت خطابا مذهبيا، وهي أيقظت الطائفية في المنطقة واختطفت تمثيل المذهب وادعاء تمثيل أتباعه وتحويله إلى طائفة سياسية لتجنيد فئات في المجتمع الخليجي والعربي خارج انتماءاتهم الوطنية. لذلك فإن أسوأ رد ممكن هو تبني الخطاب الإيراني من الجهة المقابلة وإشعال صراع سني - شيعي والانجرار لحرب طائفية خاسرة».
ويكمل قائلا: «يجب أن نعمل بكل قدراتنا لتفعيل مبادئ التعايش والقبول وتعزيز المواطنة والشراكة والوحدة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد، ونؤكد على أن قيام البدائل الديمقراطية والالتزام بمتطلبات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي هو خيارنا لإنهاء هذه الظواهر الشاذة المنحرفة عن نهج الدين الإسلامي الحضاري المتسامح في المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية».



لا خيار إلا المواطنة




الباحث في الفكر الإسلامي، والكاتب السعودي محمد المحفوظ، قال لـ«المجلة»: «تعلمنا التجارب السياسية والإنسانية أن المجتمعات المتعددة والمتنوعة لا يمكن أن تحافظ على وحدتها الداخلية وصيانة استقرارها الداخلي إلا بخيار المواطنة.. لأنه الخيار الوحيد الذي يتعالى على كل الانتماءات التقليدية والتاريخية لصالح الانتماء الوطني..».
ويضيف: «المجتمعات التي تعاني من مشاكل وصعوبات في علاقات المكونات والتعبيرات الاجتماعية مع بعضها، تعود - في تقديرنا - كل هذه الصعوبات فيها إلى غياب المشروع الوطني الذي يدفع جميع المواطنين للتعالي أو الارتفاع عن انتماءاتهم النوعية لصالح الانتماء القادر على جمع كل المواطنين بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم لصالح انتماء واحد يشعر جميع المواطنين بالانتماء إليه والدفاع عنه ألا وهو الانتماء الوطني..».
برأيه فإن «أي قصور في بلورة وصياغة مشروع الانتماء الوطني المستند في نظام الحقوق والواجبات على مبدأ (المواطنة) بوصفها هي جسر العبور من انتماءات ما قبل الدولة الحديثة إلى الانتماء الذي ينسجم ومفهوم الدولة الحديثة.. هو إعاقة لقيام الدولة نفسها».. فـ«الدول الحديثة في كل الدنيا، لا تقوم انتماءات شعبها ومجتمعها على الانتماء الديني أو المذهبي أو القبلي أو الجهوي، وإنما تقوم على حقيقة المواطنة التي تجمع الجميع وتعبر عن حساسية الجميع..».
أما عن الشيعة في المملكة العربية السعودية، فيقول المحفوظ: «لا يخرجون في آمالهم وطموحاتهم الجماعية عن مفهوم المواطنة، الذي لا يفرق بين مواطن وآخر على كل المستويات، فالجميع سواسية أمام القانون وأمام الفرص المختلفة المتوافرة في الحياة الوطنية.. فهم باعتبارهم مكونا اجتماعيا أصيلا يتطلعون إلى وحدة وطنهم من خلال مبدأ المواطنة المتساوية..».
ويقول: «لكي يصل الجميع إلى إنجاز كل عناصر الحمولة القانونية والدستورية لمفهوم المواطنة المتساوية فإنهم كغيرهم من شركاء الوطن يعملون من أجل الأفكار التالية:
أولا: جميع المواطنين، آحادا ومكونات، يعتزون بخصوصياتهم الثقافية والدينية، ويعتبرون هذه الخصائص من الروافد الأساسية التي تغني حياتهم الاجتماعية والوطنية.. ويتطلعون إلى بناء وحياة وطنهم بعيدا عن التنوعات الدينية والمذهبية والجهوية.. فبمقدار اعتزازهم بتنوعاتهم المذهبية فإنهم يعتزون بوطنهم حينما لا يجعل من نظام الحقوق والواجبات فيه قائما على هذا التنوع المذهبي، وإنما يكون قائما على مواطنيتهم المتساوية.
ثانيا: إن المجتمعات المتنوعة لا يمكن أن تصون وحدتها الداخلية إلا باحترام تنوعها وتعددها المذهبي والقبلي.. فالوحدة التي تبنى على احترام التعدد والتنوع أكثر صلابة وتحصينا من أي شكل وحدوي آخر.. لذلك يتطلع الشيعة في المملكة لأن يتم التعامل مع انتمائهم المذهبي ليس بوصفه عيبا ينبغي إخفاؤه، وإنما هو جزء من ثروات الوطن المعنوية والثقافية، ينبغي أن يحظى باحترام وتقدير عميقين.
ثالثا: جميعنا كمواطنين نعتقد أن التطرف المذهبي والعداء المذهبي يدمر المجتمعات ويخرب أسس استقرارها الاجتماعي.. لذلك ثمة ضرورة في وطننا للوقوف معا ضد كل نزعات التطرف في ظل حقائق التنوع الذي يعيشها مجتمعنا، حيث تفضي تلك النزعات إلى توتير العلاقة بين مختلف المكونات والتعبيرات».
وانتهى المحفوظ للقول: «إن استقرارنا الوطني والاجتماعي مرهون إلى حد بعيد بكفاحنا الوطني المتواصل من قبل الجميع لتفكيك كل عناصر الغلو والتطرف المذهبي، وحينما نتحرر من كل نزعات الغلو والتطرف فسنكتشف جميعا أن تنوعنا الاجتماعي هو أحد عناصر قوتنا.. ولا خيار فعالا أمامنا إلا احترام تنوعنا وحمايته قانونيا وسياسيا، حتى يتحول إلى إضافة نوعية في حياتنا الاجتماعية والوطنية».



«مَذْهَبَة» المشهد الإقليمي أمر خطير





الباحث السعودي بدر الإبراهيم، الذي ألف كتابين مهمين في قضايا المواطنة، هما: «حديث الممانعة والحرية»، و«الحراك الشيعي في السعودية.. تسييس المذهب ومذهبة السياسة»، قال لـ«المجلة»: «يمكننا أن نرى بوضوح السعي الحثيث لـ(مَذْهَبَة) المشهد الإقليمي، عبر وضعه في إطار جماعاتٍ طائفية تتصارع على النفوذ والحصص في المشرق العربي، وهي لا تتصارع على تفسير النص الديني أو رواية التاريخ الإسلامي كما يظن البعض، بل تستخدم الرموز الدينية والتاريخية في التحشيد والتعبئة لأغراض سياسية».
ويضيف: «الخطورة هنا تكمن في وجود حالة سياسية تتحرك باستخدام الهوية المذهبية، والتي نجد نتائجها في حجم الاستقطاب المذهبي الذي يبتلع النُّخَب وعامة الجمهور على السواء، والتفسير الطائفي للصراعات في المنطقة، أي فهم الصراع في الساحات العربية الملتهبة بوصفه صراعا بين الشيعة والسنة في العموم».
ويضيف: «نعايش صراعا إقليميا كبيرا، تقوم فيه قوى سياسية برفع راياتٍ طائفية، وحشد الناس وتعبئتهم طائفيا، لكن هذا التمظهر الطائفي للصراع لا يعبر عن جوهر الصراع في المنطقة، فالدول تتنافس على نفوذٍ سياسي واقتصادي، وقد تستخدم الشعارات المذهبية في تحشيد الناس لخدمة أهدافها السياسية، كما أن الأحلاف الإقليمية تتشكل في منطقتنا منذ عقودٍ طويلة، ضمن مواقف سياسية معينة من أحداث الإقليم، ومن الحالة الاستعمارية والإسرائيلية، ومن القوى الدولية الكبرى، مما يعني أن عوامل الصراع ليست طائفية بالضرورة، وإن أخذ الشكل الطائفي في البروز خلال العقود الثلاثة الأخيرة، نتيجة متغيرات عديدة».
ويكمل: «كذلك، فإن أي تدقيق في تفاصيل الصراعات القائمة اليوم يؤكد أن الصراع أعقد من اختزاله في انقسام عمودي بين السنة والشيعة. لكن فهم الصراع على أساس مذهبي يبني اعتقادا بوجود كتلة مذهبية تحت عنوان الشيعة، تضم الشيعة جميعا، على اختلاف تلاوينهم وأفكارهم ومناطقهم، وبالمثل في الجانب السني، مما يعني أن أتباع المذاهب يتحولون من هذا المنظور إلى أعضاء في حزب سياسي، عليهم أن يحددوا مواقفهم من الأحداث على أساس انتمائهم لكتلتهم المذهبية».
ويقول: «لا بد من مواجهة هذا الفهم الخاطئ، عبر مواجهة الاستقطاب الطائفي، برفض توظيف الهوية المذهبية في السياسة، ورفض رؤية مجموعة بشرية متنوعة ككتلة صماء، والإصرار على حلولٍ وطنية في كل المشرق العربي، خارج منطق المحاصصات الطائفية، لإنهاء التخندق الطائفي، والذهاب نحو مظلة جامعة للعرب، مع ضمان حقوق متساوية للجميع».



العلاج في الإطار الوطني





وعن علاقة الأطياف المذهبية في السعودية ببعضها بعضا، يتحدث الباحث السعودي خالد النزر، الذي قال لـ«المجلة»: «لا أعتقد أن هناك من لا يشعر بوجود عزلة أو حاجز ما بين الشيعة وباقي المواطنين (في المملكة) بشكل أو بآخر، ولسبب أو لآخر، فهناك ما يمكن تسميته بالملف الشيعي أو بالمسألة الشيعية». ويضيف: «الحقيقة هناك قناعة لدى الكثيرين بأن هذه المسألة الشيعية في السعودية بدأت مع الثورة الإيرانية ونهجها في الهيمنة على الشيعة العرب وغيرهم، واستمالتهم مذهبيا واستقطابهم سياسيا. ورغم حقيقة هذا الدور الذي لعبته إيران الثورة، ورغم أنها في البداية نجحت بالفعل في استقطاب بعض شيعة السعودية وتجنيدهم لصالحها؛ إما على شكل مجموعات قامت ببعض العمليات الإرهابية، أو بدعم مجموعات معارضة في الخارج أو الداخل، فإننا لو دققنا النظر بشكل موضوعي فسنلاحظ آليات أخرى أعطت تأثيرا سلبيا في هذه القضية».
ويلاحظ النزر أن «أولئك الذين انضووا عمليا تحت الجناح الإيراني كانوا قلة في عموم الطائفة الشيعية في المملكة، لكن رد الفعل المقابل شمل كل المواطنين الشيعة. وهذا فاقم المشكلة ليزيد من عزلتهم وتركهم لقمة سائغة لاحتواء الآخرين». وهو يرى أن «معاداة الشيعة عموما كانت من أساسيات الخطاب الديني الأحادي المهيمن، وهو يرشح في الإعلام أيضا دون مانع، مع ما لهذا من أثر على التعامل معهم والثقة بهم».
لكنه يقول: «أعتقد أنه خلال السنوات العشرين الأخيرة حدث تقدم ونوع من التفعيل للوجود الوطني الشيعي سواء في الإعلام أو المناسبات والمؤتمرات الأولى للحوار الوطني. وبرزت تيارات شيعية قوية كان لها مشروع وطني قطعت فيه شوطا كبيرا لفك الجمود عند الشيعة أنفسهم، وخففت من حدة الاحتقان والتوتر لدى الشباب الشيعي خاصة في القطيف، وحثتهم على الاندماج الوطني».
وينتهي النزر قائلا: «المكون الشيعي هو مكون وطني يعيش حالة شديدة من الشد والجذب والمشاعر المختلطة، حيث تتجاذبه تيارات دينية، بعضها له ارتباطات خارجية، وبعضها له أجندات مصلحية ذاتية لا تراعي المصلحة العامة، وبعضها يكرس تاريخا طويلا من التمييز الطائفي لإطالة أمد العزلة بحجة الحفاظ على الهوية المذهبية».. و«الحقيقة أن تاريخهم الطويل يشهد لهم بالمشاركة الوطنية الفاعلة منذ نشوء الدولة (...) وهناك حاجة لتغيير النظرة المرتابة والمتوجسة لهم، لتكون نظرة موضوعية ومنصفة، وأن الملف الشيعي في المملكة بحاجة ماسة لمراجعة جادة، ودراسته بشكل علمي وبأيادٍ وطنية، ليتم حله نهائيا، خاصة مع هذه الأوضاع الإقليمية والدولية، لمنع الآخرين من الاستثمار فيه أو النفوذ من خلاله».


font change