قراءة لخطابات ومواقف الرئيس المفوّه «أوباما» خلال 8 سنوات عجاف سياسيًا

قراءة لخطابات ومواقف الرئيس المفوّه «أوباما» خلال 8 سنوات عجاف سياسيًا

[caption id="attachment_55256275" align="aligncenter" width="915"]صورة أرشيفية لممرضة البيت الأبيض وهي تحقن باراك أوباما بلقاح H1N1  (أنفلونزا الخنازير) بعد تخطيه أختبار كشف النظر وذلك عقب فوزه بالأنتخابات الرئاسية قبل شهر واحد من دخوله مكتبه البيضاوي - 20 ديسمبر2009 (غيتي) صورة أرشيفية لممرضة البيت الأبيض وهي تحقن باراك أوباما بلقاح H1N1 (أنفلونزا الخنازير) بعد تخطيه أختبار كشف النظر وذلك عقب فوزه بالأنتخابات الرئاسية قبل شهر واحد من دخوله مكتبه البيضاوي - 20 ديسمبر2009 (غيتي)[/caption]

إخفاقات العهد الأوبامي..الصوت الذي لم يجد صداه
•أسهم أوباما من خلال سياسته الخارجية الهشة والمرتبكة في تعزيز الأصوات النشاز في المنطقة على مستوى الأزمة مع إيران وتصوره للمنطقة بعد الربيع العربي




جدة: يوسف الديني

كانت لحظة فارقة في التاريخ الحديث للولايات المتحدة حين تولّى الرئيس أوباما، لكن رحيله المدوي بعد ثماني سنوات عجاف على المستوى الخليجي خصوصًا والشرق الأوسط بشكل عام.
كلنا يتذكر تلك البداية المتحمسة لأوباما حين وعد بعلاقات أفضل مع العالم الإسلامي، في خطابه الشهير بالقاهرة، ليحدد خمسة مهمات أساسية في عهده الذي افتتحه بوعود حالمة أكثر من كونها برامج سياسية محددة، المهمة الأولى الأوبامية هي إعادة تفعيل العلاقات مع الدول العربية، التي كانت في أكثر مستوياتها هشاشة بعد حرب العراق، وما تبعه من احتلال دامٍ تسع سنوات، وانتهى بطريقة مدوية سلم فيها العراق إلى حكومة طائفية، المهمة الثانية التي دشنها أوباما ولم يقدم فيها شيئًا ذا بال هي الدفع بعجلة السلام في الشرق الأوسط، من خلال الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحثه على ضرورة تجميد بناء المستوطنات وذهبت ثماني سنوات أوبامية دون الوصول حتى للحد الأدنى من ذلك، تبدت المهمة الرابعة كمهمة سهلة، وهي محاولة تحقيق عراق مستقر ومغادرة ما تبقى من القوات، وهو الأمر الذي حدث بشكل جزئي لكن العراق وقع في فخاخ الفوضى والطائفية وتغوّل سلطة «داعش» بشكل كبير وممانعة الحشد الشيعي لإرهاب «داعش» بإرهاب طائفي مدعوم من الحكومة المنحازة وبإشراف إيراني، ربما كانت المهمة التي نجح أوباما فيها لصالح ملالي إيران هو تقوية حضورهم في المنطقة، وتحويل كل الدول العربية إلى دول قابلة لانتهاكات إيران وتدخلها عبر خلق جيوب من الإسلام الشيعي المسيَّس أو محاولة الزج بقضية الأقليات أو اللعب على وتر المواسم الدينية، وتحديدًا موسم الحج وهي أدوار ما كان لإيران أن تلعبها لولا التحول الكبير الذي طالها من دولة مصنفة راعيةً أولى للإرهاب في المنطقة إلى حليف لأميركا تتحدث معه عن تفاصيل مستقبل نووي من شأنه تعزيز حضورها في المنطقة.


سنوات الترقب




2009 كانت سنة الترقب الأوبامي الذي تلقاه العرب والخليجيون بسقف توقعات عالٍ جدًا عطفًا على خطابه في القاهرة دعا فيه إلى أن الخلاف العربي - الإسرائيلي يمكن تسويته بسهولة، وأن أميركا ستشارك في صناعة السلام هذه المرة، وكان صدى الخطاب كبيرًا لا سيما مع تنويه أوباما بعدم شرعية المستوطنات وفي دلالة رمزية على حماسية الخطاب تلقى الشارع العربي أوباما كمخلص وبطل عالمي، وكان لافتًا للانتباه أن يقاطع بالتصفيف الحار في إحدى خطاباته قرابة الأربعين مرة توزعت بين أحاديثه ذات النبرة العاطفية والبلاغية حول العلاقة بين الإسلام والغرب والديمقراطية في المنطقة وحقوق المرأة والحرب على الإرهاب، وبالتأكيد الحديث عن السلام في الشرق الأوسط وتحويل إيران إلى حليف لا يهدد مصالح حلفاء الولايات المتحدة، وعلى رأسهم الخليج، لينتهي المطاف بعد ثماني سنوات إلى أزمات عميقة في كل الملفات التي بشر بها أوباما آنذاك.


خطاب القاهرة




وبعيدًا عن الغوص في التفاصيل فإن تعقب خطابات أوباما اللاحقة بعد خطاب القاهرة الذي كان أشبه بـ«منافيستو» تبشيري يقودنا إلى انكماش مضامين الخطاب وتلاشي الوعود مع تقدم السنوات وخلق المزيد من الفجوات على مستوى الأداء السياسي على الأرض في الملفات الأساسية التي واجهها الرئيس أوباما، من سنة إلى أخرى كان حضور الولايات المتحدة في المنطقة يزداد انكماشًا لتليها خطابات لم يشر فيها أوباما لأي دور محتمل للمجتمع الدولي في صناعة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما لقيه الشارع العربي بإحباط شديد، لا سيما بعد أن أسهب الرئيس أوباما في شرح وجهة نظر السياسة الإسرائيلية والتماس المزيد من الأعذار فيما يخص عدم اتخاذ أي قرار جدي بوقف بناء المستوطنات.
2011 تراجعت خطابات أوباما بشكل حاد في وعودها، وكان أبرزها الخطاب الذي ألقاه في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من تلك السنة، حيث تصدر حدث الربيع العربي ليستغله أوباما في الترويج للولايات المتحدة كصانعة ومانحة للديمقراطية عبر تقوية المعارضات السياسية، وكان أبرزها بلا شك الإسلام السياسي الذي جرّب الوصول لسدة الحكم في أكثر من بلد.


[caption id="attachment_55256276" align="aligncenter" width="940"]الخطاب التاريخي للرئيس اوباما في جامعة القاهرة(غيتي) الخطاب التاريخي للرئيس اوباما في جامعة القاهرة(غيتي)[/caption]


فوضى العراق




فيما يخص العراق لم تنجز مهمة أوباما على الشكل الذي وعد به على الأقل وحتى نهاية 2011 ازداد منسوب الفوضى والعمليات الإرهابية وامتداد لدولة «داعش» على التراب العراقي، في حين لم يتبقَّ من القوات الأميركية إلا أقل من عشرين ألف جندي في بلد ينزلق في مستنقع الحرب الطائفية والتحيز الحكومي الواضح ومحاولة مناوشة دول الجوار الخليجية بتصريحات مناوئة، في حين فتح عراق ما بعد أوباما ذراعيه لاحتضان سياسة ملالي طهران وطموحاتهم التوسعية، هذه الفوضى السياسية خلقت معطيات جديدة لعراق غير مستقر، إذا ما أخذنا في الاعتبار ما تتعرض له الكتل السنية من اضطهاد وتهميش سياسي برافعة طائفية وسطوة الحكومة المركزية، إضافة إلى طموحات الأكراد المتنامية في استغلال حالة الفوضى والمطالبة بالاستقلال.



تجاذبات إيرانية




على مستوى التجاذب السياسي بين إيران والولايات المتحدة في عهد أوباما بلغ الأمر ذروته فقد تعامل الطرفان بطريقة تدل على ضبابية الملف وتجاوزه لمجرد الاتفاق النووي، فالإيرانيون بنَفَس طويل واستراتيجية متدرجة ابتلعوا الاندفاع الأوبامي السريع لخلق تحالف متين لكن برؤية قصيرة المدى لا تنظر في خطورة تمكين نظام طهران من الانتعاش اقتصاديًا والتوسع جغرافيًا عبر جيوبه المتعددة، ففرض عقوبات على صادرات النفط لم تسهم في إضعاف إيران بقدر أنها أوضحت مدى هشاشة الوعود الأوبامية بتحسين الأوضاع وبشكل سريع وهو ما لم يحدث حتى في أكثر الملفات التي سوق لها أوباما وهو نجاحه في تخليص العالم من خطر الإرهاب عبر خطوة القضاء على بن لادن، إلا أن ذلك النجاح الرمزي وما تبعه من دعاية وتسويق طويل للبطولة الأميركية على طريقة هوليوود لا يزال الإرهاب فاعلاً في العالم، بل تحول إلى موجة معولمة من الصعب التحكم فيها فضلاً عن السيطرة عليها، وحتى أفغانستان التي أراد أوباما تخليصها من الإرهاب ما زالت حكوماتها المتعاقبة منكمشة ومحاصرة في كابل بينما يزداد حضور طالبان وتوسعها رغم كل ما فعلته وخسرته وأنفقته الولايات المتحدة هناك، وهو ما حدا بباكستان إلى انتقاد السلوك الأميركي والتعبير عن فقد الثقة في قدرة أقوى بلد في العالم على حل الأزمة الأفغانية.


أمة مستغنى عنها




باتت أميركا التي كانت أقوى بلد في العالم بفضل إخفاقات العهد الأوبامي «الأمة المستغنى عنها»، بحسب تعبير نصر ولي الذي كتب عن إخفاقات السياسة الخارجية في عهد أوباما، وحاول نقض ما ادعاه كلينتون الذي قال عن بلاده: «الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها»، وعلل ولي هذا الإخفاق بناء على عدة محاور بدءًا من التحالف لإسقاط نظام معمر القذافي إضافة إلى الفشل الذريع في أفغانستان البلد الذي يعيش على حافة مستقبل مجهول منذ سنوات، كما هو الحال في إخفاقها لردع النظام السوري في حربه المسعورة تجاه شعبه، وبحسبه، فإن هذه الإخفاقات الأوبامية ترجع إلى الفريق الرئاسي الذي اختاره أوباما وغالبهم من صغار السن قليلي الخبرة، لا سيما في الملفات الخارجية، كما أن الانشغال بالصراع مع الجمهوريين ومحاولة كسب وسائل الإعلام على حساب بناء استراتيجية واضحة المعالم.



بلاغة خطابية





الربيع العربي والتعامل معه بخطابات بليغة ورنانة كان خطأ أوبامي الاستراتيجي حيث تأرجح موقفه بين دعم الأنظمة السياسية خوف الانزلاق في الفوضى ودعم الأقليات السياسية والمعارضات الآيديولوجية، لا سيما الإسلام السياسي في مواقع أخرى مع ضعف شديد، فيما يخص الموقف من الكارثة الإنسانية في سوريا، التي انتهت إلى تدخل فاعل وقوي ومؤثر من قبل روسيا لينتقل النفوذ الأميركي، وما يملكه من ثقل كبير إلى قارة آسيا في محاولة لاستباق النفوذ الصيني.
بدا مهينًا جدًا لهيمنة أميركا في المنطقة هو الفجوة بين خطابات أوباما تجاه سوريا وسياسة الولايات المتحدة الفعلية على الأرض، يصرح الرئيس بأن استخدام الأسلحة الكيميائية هو خط أحمر ثخين لن تسمح به الولايات المتحدة، لكن نظام الأسد استخدمه عدة مرات ودون أي ردة فعل أو تحرك جدي من قبل الولايات المتحدة، كما أن الارتباك في الموقف من المعارضة السورية الذي تأرجح بين الدعم والتفاوض والهجران والانحياز للنظام زاد من تعميق جراح السوريين.



ولاية ثانية هشة





التراجع الأوبامي بدا واضحًا لا سيما في ولايته الثانية، وكان دليل ذلك الذي بدا كمؤشر على التراجع الكبير فيما يخص الاهتمام بالشرق الأوسط هو عدم زيارة أوباما لأي من الدول التي مسَّتها رياح ما عرف بالربيع العربي.
24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 صرح الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك عن التحولات التي مست زاوية النظر بين البلدين، حول قضايا راهنة ومصيرية، إيذانا باعتراض المملكة على انكفاء إدارة أوباما عن اتخاذ مواقف صريحة وحازمة حيال الأزمات، خصوصا ما حل بالشعب السوري ودخول إيران وحلفائها على الخط، وتثوير الحالة السورية من ثورة شعبية إلى صراع نفوذ وتحالف أممي، ولذلك جاء الرد سريعا من جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض، الذي قال بالحرف الواحد: «نحن نسوي خلافاتنا مع السعودية بطريقة صريحة ومباشرة، لصيانة الأسس الرئيسية لعلاقة في غاية الأهمية».
المفارقة في زيارة أوباما الثانية للسعودية لم يكن في حجم الحقائب والملفات التي حملها أوباما إلى الرياض، لكن حالة التشابه التي يعيشها الحليفان اللذان يوجهان حليفين على النقيض تمامًا، روسيا التي تذهب بعيدًا في استعادة أجواء الحرب الباردة، مسنودة بحالة «العزلة» الأوبامية، وحالة التمدد الإيراني التي لا تخطئها العين وتقلق المنطقة بأسرها، ودول الاعتدال على رأسها بقيادة السعودية، لكن الفارق أن يقظة «الدب الروسي» لا تقلق سوى مصالح وتحالفات الولايات المتحدة، لكن عودة إيران إلى الطموح باتجاه التحول لقوة عظمى في المنطقة، مرهون بتهديد كل التحالفات وحالة الاستقرار والاستقواء بانتصارات «التمدد» في سوريا أو اليمن أو القرن الأفريقي.



تدهور الشعبية





في 2009 حين كانت الرياض العاصمة العربية الأولى التي يزورها الرئيس الأميركي باراك أوباما، قبل زيارته القاهرة، التي ألقى فيها خطابه عن ضرورة تعزيز العلاقات مع العالم الإسلامي - لم يكن أحد ليتوقع أن تتدهور شعبية أوباما، وتتذمر الشعوب العربية من انعزال الولايات المتحدة عن أزمات المنطقة، في حين أن ملفات المنطقة الآن أكثر شراسة، ويتصور أن تزداد تعقيدًا خلال السنوات المقبلة في حال استقواء الأسد وعودته للسلطة بدعم هائل من روسيا وإيران، وبالتالي انتقال مجموعات المقاتلين إلى مناطق توتر أخرى قد تكون على تماس مع دول الاعتدال، وبالطبع تزداد احتمالية تعرضها إلى تبنٍّ «إيراني» في ظل التحولات التي مرت بها التنظيمات المسلحة، باستبدال العقائدي بالتحالف السياسي والوقوع في شرك لعبة الاستخبارات.



ارتباك سياسي





أوباما بدوره أسهم في سياسته الخارجية الهشة والمرتبكة في تعزيز الأصوات النشاز في المنطقة ليس فقط على مستوى الأزمة مع إيران، وإنما حتى في تصوره للمنطقة بعد الربيع العربي الذي جاء مخيبًا للآمال العريضة بديمقراطية الإسلام الحركي وبالأمس يتحدث أوباما، مطالبًا إيران باتخاذ إجراءات فورية وملموسة لخفض التوترات الناجمة عن برنامجها النووي، مضيفًا في كلمته التي تضمنت ترجمة للفارسية: «منذ أن توليت مهامي (في بداية عام 2009) قدمت اقتراحًا للحكومة الإيرانية: إذا وفت بالتزاماتها الدولية، فعندها يمكن إقامة علاقات جديدة بين بلدينا، وقد تستعيد إيران المكانة المخصصة لها في مجتمع الأمم». وتابع: «لم يكن لدي أي وهم بشأن صعوبة تجاوز عقود من الريبة».
بالطبع الغزل الأوبامي لإيران أعطى حينها لدول الخليج شارات مثيرة للتساؤل والجدل، حيث كانت وما زالت تستشعر الخطر الإيراني المحدق بالمنطقة، الذي يتجاوز مسألة السلاح النووي إلى فرض الهيمنة عبر تحالفات تجاوزت نمط التحالفات التقليدية لتصل إلى حدود «التبني» لعدد من الدول لأفريقية التي تعاني من الإهمال لها في ظل الأزمات الاقتصادية، وأيضًا تبني تكتلات معارضة ولو كانت علمانية بهدف خلق فجوات يمكن النفاذ منها لمحاصرة المنطقة بالتمدد السياسي وهو ما حدث في لبنان وسوريا واليمن وكاد يحدث في البحرين لولا اليقظة الخليجية بقيادة المملكة.
وإذا كان شلال الأسئلة الآن هو عن أميركا ما بعد أوباما في ظل هيمنة الجمهوريين بقيادة رئيس جدلي وإشكالي كترامب، فإن الإجابة قد تكون سهلة من وجهة نظر الخليجيين: «لقد مررنا بالأسوأ»!
font change