السياحة السعودية ورؤية 2030... قراءة في إنجازات الحاضر ومخططات المستقبل

رافد واعد للدخل القومي

السياحة السعودية ورؤية 2030... قراءة في إنجازات الحاضر ومخططات المستقبل

[caption id="attachment_55263028" align="aligncenter" width="2288"]مدائن صالح، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، في المملكة العربية السعودية. مدائن صالح، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، في المملكة العربية السعودية.[/caption]


* تشكل السياحة ثاني قطاع من ناحية توطين الوظائف، حيث يوفر أكثر من 900 ألف وظيفة، ومن شأن المزيد من الاهتمام مضاعفة فرص العمل.
* سيظل قطاع السياحة الدينية هو القطاع السياحي الأكثر استفادة من رؤية 2030.
* من المستهدف تحقيقه حتى عام 2020 أن تصل نسبة إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بـ3.1 %.



باكو (أذربيجان): أحمد طاهر*

في إطار رؤية المملكة 2030 والتي أطلقها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في أبريل (نيسان) عام 2016. والهادفة إلى وضع أسس فاعلة ومرتكزات أساسية لمستقبل المملكة، من خلال استحضار سلسلة من المبادرات التي تستهدف تقليص الاعتماد الرئيسي على النفط، من خلال إيجاد روافد كثيرة لدعم الاقتصاد الوطني، يأتي من ضمنها القطاع السياحي، حيث تعتمد هذه الرؤية على ثلاثة محاور رئيسية، هي: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح. وفي كل محور من هذه المحاور تبدو فعالية مبادرات السياحة والإرث الحضاري والتراث الوطني، نظرا لما يمثله هذا القطاع من بُعد قيمي ومجتمعي وحضاري واقتصادي، تسعى المملكة من خلاله إلى تحقيق تنمية سياحية قيّمة ذات منافع اجتماعية وثقافية، تعزز الوحدة الوطنية وترسخ القيم العربية والإسلامية.
وغني عن القول إن المملكة على مدى التاريخ كانت معروفة بحضاراتها العريقة، وطرقها التجارية التي ربطت حضارات العالم بعضها ببعض، الأمر الذي أكسبها تنوعًا ثقافيًا فريدًا، وهو ما سعت رؤيتها المستقبلية إلى تعزيزه عبر الحفاظ على الهوية الوطنية وإبرازها والتعريف بها، ونقلها إلى الأجيال القادمة، من خلال غرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية واللغة العربية، وإقامة المتاحف والفعاليات وتنظيم الأنشطة المعززة لهذا الجانب. وفي السياق ذاته، أكدت الرؤية على أهمية إحياء مواقع التراث الوطني والعربي والإسلامي والقديم وتسجيلها دوليًا، وتمكين الجميع من الوصول إليها بوصفها شاهدًا حيًا على إرثها العريق، وعلى دورها الفاعل، وموقعها البارز على خريطة الحضارة الإنسانية.
ولذا، سلطت الرؤية الضوء بصورة رئيسية على أهمية تطوير قطاع السياحة والترفيه من أجل تنويع مصادر دخل المملكة وتشجيع استثمار القطاع الخاص، وتحدثت عن خطط لتطوير مواقع سياحية وفق أعلى المعايير العالمية، وتيسير إجراءات إصدار التأشيرات للزوار، إضافة إلى تهيئة المواقع التاريخية والتراثية وتطويرها.
وفي خضم استعراض ما ستشهده السياحة السعودية خلال عام 2018، يمكن رصد أبرز ما تم من خلال إطلالة سريعة على أهم الإنجازات، مع الإشارة إلى الرؤى المطروحة وفق الخطط المدروسة في مجال تنمية هذا القطاع وتطويره والارتقاء بأدائه، وذلك من خلال المحاور الآتية:


برنامج التحول الوطني 2020... الركيزة الأساسية للنهوض بقطاع السياحة




«إن برنامج التحول الوطني شكل نورًا في آخر النفق، وأعطى دعمًا للسياحة بهدف تمكينها من الانطلاق، وتنفيذ ما خططت له الهيئة واستكملت كل جوانبه قبل ما يقارب الـ10 أعوام... إن الحلم وانتظار السنوات السابقة بدأ يؤتي ثماره»، بهذه الكلمات عبر الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني عما وصل إليه قطاع السياحة في المملكة، حيث اعتبر أن أهم ما أنجزه برنامج التحول الوطني 2020. هو أن جعل القطاع السياحي أكثر سهولة وقبولاً من السابق، حيث لعب هذا البرنامج دورا مهما في تغيير المفاهيم وتهيئة المجتمع للانتقال من الموقف المعارض للسياحة إلى القبول التام، وذلك في ضوء الفوائد الجمة التي حققها هذا القطاع كرافد مهم للاقتصاد الوطني والدخل القومي من ناحية، وفي ضوء ما يملكه من فرص واعدة تحتاج إلى مزيد من الجهود لضمان حسن الاستغلال من ناحية أخرى، خاصة في ضوء ما يتمتع به هذا القطاع من مزايا كثيرة ومتنوعة، في مقدمتها أن السياحة تشكل ثاني قطاع من ناحية توطين الوظائف، حيث يوفر أكثر من 900 ألف وظيفة، وأن المزيد من الاهتمام من شأنه مضاعفة فرص العمل.



المشروعات السياحية... تعددية المؤسسات وتنوع الأنشطة




منذ إطلاق رؤية 2030، توالت الخطط والبرامج الهادفة إلى تنفيذ كثير من المشاريع الضخمة في القطاع السياحي، من أبرزها ما يلي:
1- صدور قرار الهيئة بإنشاء مكتب «تحقيق الرؤية»، وذلك بهدف متابعة تنفيذ كافة المبادرات المطروحة في هذا الشأن، وتنقسم مهام هذا المكتب بين التخطيط والتنفيذ والمتابعة، ويتم ذلك عبر القيام بإعداد الخطط التفصيلية ورفع كفاءة الإنفاق، والمتابعة وقياس الأداء والتقدم، وإدارة التغيير والتواصل، وتقديم المساندة والدعم.
2- تأسيس الهيئة العامة للترفيه، حيث تتولى القيام بتنظيم وتنمية قطاع الترفيه، مع توفير الخيارات والفرص الترفيهية لكافة شرائح المجتمع في كل مناطق المملكة. كما تستهدف دعم الاقتصاد من خلال المساهمة في تنويع مصادره ورفع الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة ورفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتوليد الوظائف في هذا القطاع المهم.
3- أُعلن في أبريل 2017 عن تأسيس أكبر مدينة ترفيهية ورياضية وثقافية في العالم وتحت اسم «مشروع القدية» الذي سيكون عاصمة الترفية المستقبلية في السعودية.
4- العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع السياحة، وفي هذا الخصوص، منحت المملكة تراخيص لشركات أجنبية عاملة في هذا القطاع، من بينهاSIX FLAGS وهي أكبر شركة ترفيهية في العالم. كما أعلنت الهيئة عن 30 فرصة استثمارية في مجالات السياحة والتراث العمراني الصغيرة والمتوسطة الحجم، بهدف تحفيز المستثمرين ومساعدتهم على بدء مشروعاتهم وفق خطط واضحة ذات مردود مجز، إذ إن المستهدف تحقيقه حتى عام 2020 الوصول بعدد المنشآت السياحية إلى 77.74 ألف منشأة، وعدد الغرف والشقق الفندقية إلى 621.6 ألف غرفة - شقة.
5- إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن إطلاق مشروع سياحي عالمي في المملكة تحت اسم مشروع «البحر الأحمر»، وذلك على أحد أكثر المواقع الطبيعية جمالاً وتنوعًا في العالم، حيث تتيح هذه الواجهة الجديدة فرصة استكشاف طبيعة المملكة من جزر وسواحل وبراكين، بالإضافة إلى المحميات الطبيعية والآثار القديمة. وحفاظًا على الطابع البيئي الخاص والفريد لهذه المنطقة كمنطقة خاصة، سيتم وضع قوانين وآليات تخص الاستدامة البيئية، حيث سيتم العمل للمحافظة على الموارد الطبيعية وفقًا لأفضل الممارسات والمعايير المعمول بها عالميًا لتمكين تحقيق أهداف المشروع. أخذًا في الاعتبار أن حجر أساس هذا المشروع سيُوضع في الربع الثالث من عام 2019م، والانتهاء من المرحلة الأولى في الربع الأخير من عام 2022م، وهي مرحلة ستشهد تطوير المطار، والميناء، وتطوير الفنادق والمساكن الفخمة، والانتهاء من المرافق والبنية التحتية، وخدمات النقل كالقوارب، والطائرات المائية، وغيرهما.
6- مضاعفة الجهود في مجال تسجيل المواقع الأثرية الموجودة في المملكة لدى منظمة اليونيسكو، حيث تطمح الهيئة إلى مضاعفة العدد ليرتفع من 4 مواقع (مدائن صالح 2008 - حي الطريف بالدرعية 2010 - جدة التاريخية 2014 - الرسوم الصخرية في حائل 2015) إلى 14 موقعًا قبل حلول عام 2030، منها: الفنون الصخرية في بئر حمي، قرية الفاوي في منطقة الرياض، واحة الأحساء، طريق الحج المصري. إضافة إلى عدد القرى والبلديات، منها: قرية ذي عين في منطقة الباحة، قرية رجال ألمع في منطقة عسير، بلدة العلا التاريخية في منطقة المدينة المنورة، مشروع وسط الرياض التاريخي الذي سيبدأ بحي الظهيرة والدحو ويتوسع ليشمل 15 كم.
7- إنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم، حيث تستهدف المملكة جعل هذا المتحف محطة رئيسية للسعوديين وضيوف المملكة للوقوف على التاريخ الإسلامي العريق. ويُذكر أن الهيئة كانت قد استشرفت هذا المشروع منذ 5 أعوام بالإعداد لإنشاء متاحف التاريخ الإسلامي، وتشمل متحف التاريخ الإسلامي في قصر حزام في جدة، ومتحف تاريخ مكة المكرمة في قصر الزاهر، ومتحف تاريخ الدولة السعودية في قصر الملك فيصل، ومتحف تاريخ المعارك الإسلامية في مكة المكرمة، ومتحف غزوة بدر، إضافة إلى مواقع التاريخ الإسلامي التي تشمل متاحف مفتوحة مثل جبل أحد وجبل النور وجبل ثور. ويذكر أن المستهدف تحقيقه حتى عام 2020 هو إنشاء 241 متحفا.
8- برنامج تأهيل الأسواق الشعبية وتطويرها، منها: سوق محايل عسير الشعبي، سوق الثلاثاء الأسبوعي بالمخواة في منطقة الباحة، سوق الخميس في القطيف، سوق الخوبة في جازان، سوق ظهران الجنوب.
9- تطوير 10 مواقع سياحية جيولوجية خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وذلك بالتعاون مع هيئة المساحة الجيولوجية السعودية.
10- تزويد الخريطة السياحية السعودية بأنماط سياحية جديدة، منها سياحة الجزر، فقد حددت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني 75 جزيرة، بهدف استغلالها سياحيا. وكذلك سياحة المحميات الطبيعية، وقد أعدت الهيئة من خلال «برنامج تطوير السياحة في المحميات الطبيعية» خطة بالتعاون مع الهيئة العامة لحماية الحياة الفطرية للاستفادة من هذه المحميات في المجال السياحي، ومن هذه المحميات: محمية عروق بني معارض في نجران، ومحمية محازة الصيد في الطائف. هذا فضلا عن الاهتمام بسياحة المعارض والمؤتمرات المتخصصة والمهرجانات، حيث من المستهدف الوصول بعددها عام 2020 إلى ما يقرب من 500 فعالية.
11- تطوير الواجهات السياحية، حيث وضعت الهيئة برنامجا لتطوير عدد من المواقع السياحية، تضمن تطوير 10 مواقع ساحلية، و9 مواقع جبلية، و6 مواقع صحراوية. ويذكر أنه في هذا الخصوص، قامت الهيئة بتحليل 12 ألف موقع سياحي باستخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، وتعبئة استبيانات تقييم المواقع والوقوف الميداني عليها، وقد اتضح قابلية 956 موقعًا للتطوير والاستثمار السياحي وفرز المواقع الأثرية والطبيعية الخاصة، منها 212 موقعًا سياحيا عامًا.
12- البدء في منح التأشيرات الإلكترونية لما تمثله من روافد مهمة لجذب السياحة، حيث قررت المملكة بدءا من أول عام 2018 إعادة منح التأشيرات السياحية التي فتحتها للمرة الأولى في الفترة (2008 - 2010)، والتي كان لها مردود إيجابي على الحركة السياحة الوافدة إلى المملكة، إذ يذكر أنه خلال الفترة التجريبية جذبت التأشيرة السياحية أكثر من 32 ألف سائح، تم تسهيل إجراءات تأشيراتهم عبر مكاتب تنظيم الرحلات السياحية المرخص لها من قبل الهيئة. ومن الجدير بالإشارة أن هذه التأشيرات ستكون سارية المفعول لمرة واحدة، مع التركيز في المرحلة الأولى على السياح القادمين من عدد محدد من الدول، وذلك بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والخارجية.

[caption id="attachment_55263029" align="aligncenter" width="2000"]البحر الأحمر من أفضل أماكن الغوص في العالم البحر الأحمر من أفضل أماكن الغوص في العالم[/caption]

السياحة الدينية ستظل الرافد الرئيسي للدخل القومي




غني عن القول إن الاهتمام الذي أولته رؤية 2030 للسياحة بمفهمومها العام وبأنماطها المختلفة، لا يعني تراجع مكانة السياحة الدينية كرافد رئيسي من روافد الدخل القومي، إذ إن قطاع السياحة الدينية سيظل هو القطاع السياحي الأكثر استفادة من رؤية 2030، حيث تصب كافة الأعمال والإنشاءات المزمع تنفيذها لتعزيز السياحة بوجه عام في مضمار تشجيع السياحة الدينية، إضافة إلى الجهود الاستثمارية المبذولة في مشروعات البنية التحتية التي قامت بها المملكة سواء في مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو جدة، والتي شملت التوسعات الضخمة في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، إضافة إلى قطار الحرمين والمطارات، إذ إنه من المستهدف وفقا لرؤية المملكة زيادة عدد الحجاج والمعتمرين بمعدل 39 في المائة و150 في المائة على التوالي مع نهاية العام 2020، وتوسعة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن المعتمرين من 8 إلى 30 مليون معتمر. وهو ما سينعكس إيجابا على نمو الشركات العاملة في هذا القطاع، مثل الخطوط السعودية للتموين، والشركة السعودية للخدمات الأرضية، ومجموعة الطيار، إضافة إلى تطوير قدرات أساطيل شركات الطيران المحلية، ودخول شركات طيران جديدة، وافتتاح المزيد من الفنادق.


وزارة للسياحة السعودية... هل آن أوانها؟




إجمال القول إن المملكة في طريقها نحو استكمال بناء اقتصادها على أسس غير تقليدية وبعيدا عن الاقتصاد ذي المصدر الواحد المتمثل في النفط، وفي إطار تنفيذ رؤيتها المستقبلية 2030، تأتي السياحة كأحد أهم روافد الاقتصاد الوطني، نظرا لأهميتها سواء على مستوى التشغيل وتوفير مزيد من فرص العمل كونها من الصناعات كثيفة العمالة؛ إذ من المستهدف حتى عام 2020 توفير 1.2 مليون وظيفة، أو على مستوى مردوداتها من العملات الأجنبية كونها مصدرا مهما للعملة الصعبة، إذ إن من المستهدف تحقيقه حتى عام 2020 أن تصل نسبة إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بـ3.1 في المائة، إضافة إلى انعكاسها الإيجابي على تحسين مستوى الخدمات والبنية التحتية، إذ ما يتحقق من دخل من خلال هذا النشاط يعود بصورة إيجابية على هذه المشروعات.
وفي هذا الخصوص، تبرز أهمية منح هذا القطاع مزيدا من الاهتمام والذي يمكن أن يتجلى في إنشاء وزارة متخصصة للسياحة تهدف إلى تنظيم هذا القطاع وفقا للأهمية التي عكستها رؤية 2030 لهذا القطاع الحيوي، حيث يحتاج هذا القطاع إلى كثير من الأمور التي تعيد هيكلته، بدءا من العناية بالمواقع المناسبة للسياحة سواء كانت شواطئ أو مواقع أثرية أو مواقع ذات مناظر جمالية أو المدن التي بها المراكز الكبرى للتسوق، مرورا بالعمل على تطوير الكفاءات خاصة في مجال تقديم الخدمات عموما أو من خلال التوسع في تعلم اللغات الأجنبية خاصة بالنسبة للجنسيات التي يتوقع أن تكون أكثر إقبالا على السياحة في المملكة، وصولا إلى العناية بوجود أدلة ومراكز المعلومات للسائح، فضلا عن استكمال كافة مستلزمات العمل المطلوبة.

* باحث زائر بمركز الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة جمهورية أذربيجان. مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية بالقاهرة.

font change