طريق السلام بين إسرائيل والدول العربية لم تكن معبدة بالازدهار والنمو..

هل سيختلف الأمر مع الإمارات والبحرين؟

الإمارات والبحرين توقعان اتفاقية سلام مع إسرائيل في البيت الأبيض

طريق السلام بين إسرائيل والدول العربية لم تكن معبدة بالازدهار والنمو..

* الفارق بين الإمارات والبحرين من جهة، ومصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة ثانية، أنّ هذه الدول خاضت صراعات عسكرية ضدّ إسرائيل وأتت هذه الاتفاقيات لتحصيل مكاسب عبر السلام بدل خوض الحروب الدموية
اتفاق أوسلو هو الإطار القانوني الوحيد الذي جسد الكينونة الفلسطينية وسمح للشعب الفلسطيني أن يحكم نفسه على جزءٍ من الأراضي الفلسطينية

بيروت: إنّه «فجر الشرق الأوسط الجديد»، هكذا وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحدث التاريخي الذي احتضنته أروقة البيت الأبيض يوم 15 سبتمبر (أيلول) الجاري، حيث وقّعت دولتا الإمارات والبحرين اتفاقيتي سلام مع إسرائيل بعد عقود من المقاطعة أسوة بغالبية الدول العربية التي كانت تشترط عدم إقامة أي علاقات مع إسرائيل إلا بعد تسوية النزاع الفلسطيني.
وقد أطلق البيت الأبيض اسم «أبراهام» على الاتفاق، الذي تم بإشراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحضور وفود من الإمارات برئاسة عبد الله بن زايد، والبحرين برئاسة وزير الخارجية عبد اللطيف الزياني، إضافة إلى الوفد الإسرائيلي برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
 
أبرز بنود الاتفاق
وأورد الموقع الرسمي للبيت الأبيض، بيانا تحدث فيه عن بنود «اتفاق أبراهام»، وعن دور كل من الإمارات والبحرين وإسرائيل في إقرار السلام في الشرق الأوسط.
وبحسب موقع البيت الأبيض، فإن أبرز ما جاء في الاتفاق، هو إقامة علاقات دبلوماسية كاملة تشمل إنشاء سفارات وقنصليات وتبادل سفراء مقيمين في كل دولة.
وينص الاتفاق أيضا على الاعتراف بحق كل دولة في السلام والسيادة والالتزام بتعزيز السلام والاستقرار ودعم جهود حل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتجنب التهديد باستخدام القوة العسكرية لحل النزاعات.
ويشمل الاتفاق إلزام الحكومات والشعوب الأطراف الثلاثة بتأصيل العلاقات الثقافية، وتأصيل فكر التعايش المشترك ومكافحة الإرهاب.
ويلزم الاتفاق أطرافه بمنع أي أنشطة إرهابية تهدد أي دولة أخرى انطلاقا من دولة أخرى، كما ينص على إطلاق أجندة استراتيجية للشرق الأوسط بدعم أميركي.
ووفقا للبيان تلتزم الدول بتسجيل الاتفاق في الأمم المتحدة وفقا لميثاق المنظمة الدولية وأن يتم اللجوء إلى القانون الدولي في حال تم الاختلاف على تفسير أي من بنوده.
وينص أحد بنود الاتفاق على دعم التعاون المشترك في العديد من المجالات التي تشمل (الاستثمار- السياحة- خطوط الطيران المباشر- الأمن- الاتصالات- الصحة- الطاقة- البيئة)، كما يلزم الدول المشاركة فيه بأن تتعاون في مجالات الزراعة والموارد المائية.
 
دوافع اتفاقيتي السلام 
على الرغم من أهمية «اتفاق أبراهام» بالنسبة لترامب حيث تمثل هذه الاتفاقيات أهم إنجاز دبلوماسي لإدارة ترامب، خصوصا قبل أسابيع قليلة من خوضه معركة الانتخابات الرئاسية وترشحه لولاية رئاسية ثانية، إلاّ أنّ هناك العديد من الأسئلة حول الدوافع التي جعلت من الإمارات والبحرين اتخاذ هذه الخطوات قبل تسوية العلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل؟ خصوصا أنّ هاتين الدولتين لم يسبق لهما أن خاضتا أي حرب مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل.
و بحسب وزير الخارجية البحريني فإن هذه الخطوة التي أقدمت عليها البحرين هي «خطوة لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني والعمل على تجسيد المبادرة العربية، كما ستسهم في إيجاد حل للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي»، هذا بحسب التصريح الرسمي لمسؤول بحريني، ولكن هناك دوافع أخرى جعلت من البحرين كما الإمارات تقدم على هذه الخطوة، أبرزها «الخطر الإيراني».
وتلتقي مصالح كل من البحرين، والرئيس الأميركي، وإسرائيل أيضا، ضمن استراتيجية دونالد ترامب، الهادفة إلى احتواء إيران، التي تمثل من وجهة نظر واشنطن خطرا إقليميا، على المصالح الأميركية، في المنطقة كما تمثل في نفس الوقت عدوا لدودا لإسرائيل. كذلك تعتبر السلطات البحرينية نفسها، وفق كثير من المراقبين الأكثر عرضة للتهديد من قبل إيران، فالبحرين عاشت سنوات من التوتر، بسبب ما اعتبرته عدة وسائل إعلام إيرانية أنّ البحرين ضمن إيران، وأشارت مرارا إلى أنها مثلت اللواء الرابع عشر، ضمن أراضي إيران حتى عام 1970.
وفي ظل هذا الوضع، ربما مثل سعي المنامة لتأمين نفسها، في مواجهة التهديد الإيراني، دافعا مهما أيضا في اتجاه التطبيع مع إسرائيل بدعم أميركي، وقد كان لافتا حجم الإدانة الإيراني، لاتفاق السلام الأخير بين إسرائيل والبحرين، والذي وصل إلى حد التهديد، ضمن رد فعل الحرس الثوري الإيراني.
كذلك الإمارات مثلها مثل العديد من دول الخليج العربية، تشعر بقلق إزاء طموحات إيران، وترى أنها قوة تشيع عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
وإيران متورطة بشكل مباشر، في نزاعات في سوريا والعراق، وتؤيد المتمردين الحوثيين باليمن، وجماعات مسلحة مثل حزب الله في لبنان، والجهاد الإسلامي في فلسطين.
الدافع المهم الآخر لسعي البحرين باتجاه هذا الاتفاق، ومن وجهة نظر بحرينية أيضا، لا يختلف عن الدافع الذي أعلنته الإمارات فيما سبق، وهو فوائد التبادل الاقتصادي والأمني والعسكري والتكنولوجي مع إسرائيل.
كما يرى مراقبون أنّ اتفاقيتي السلام ستعززان النمو الاقتصادي والابتكار التكنولوجي والتعاون سيكون في عدّة مجالات، كما قال نتنياهو: «إن إسرائيل ستتعاون مع الإمارات العربية المتحدة على تطوير لقاح ضد فيروس كورونا، وفي مجالات الطاقة والمياه والحماية البيئية والكثير من المجالات الأخرى».
 
دول عربية سبقت الإمارات والبحرين
قبل الإمارات والبحرين، كانت الدول العربية الأخرى التي اعترفت رسميا بإسرائيل هي مصر والأردن فقط، اللتان وقعتا معاهدتي سلام في عام 1978 وعام 1994 على التوالي. إضافة إلى اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل.
كما أقامت موريتانيا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 1999، لكنها قطعت تلك العلاقات في عام 2010.
ولكن الفارق بين الإمارات والبحرين من جهة، ومصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية أنّ هذه الدول خاضت صراعات عسكرية ضدّ إسرائيل وأتت هذه الاتفاقيات لتحصيل مكاسب عبر السلام بدل خوض الحروب الدموية.
وهنا نستعرض أبرز الأسباب التي دفعت كلا من مصر والأردن ومنظمة التحرير من توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل.

 

من اليمين بيغن، والرئيس الأميركي كارتر، ومن اليسار السادات
 


 
«كامب ديفيد» 
هو اسم اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل والتي تمّ توقيعها في 17 سبتمبر عام 1978، وقعها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن، وشهدهما الرئيس جيمي كارتر، في منتجع كامب ديفيد الأميركي.
وأهم ما توصلت إليه الاتفاقية هو الوصول إلى «للسلام الدائم في الشرق الأوسط» ونصت على ضرورة حصول مفاوضات بين إسرائيل من جهة ومصر والأردن والفلسطينيين من جهة أخرى، كما نصت على التفاوض المباشر بين مصر وإسرائيل من أجل تحقيق الانسحاب من سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب العام 1967م، ونصت أيضا على إقامة علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل بعد المرحلة الأولى من الانسحاب من سيناء، وبالفعل تمّ الانسحاب الكامل من سيناء.
أثارت اتفاقيات «كامب ديفيد» ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية، وتم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 إلى عام 1989 نتيجة التوقيع على هذه الاتفاقية.

 

الرئيس الأميركي بيل كلينتون (وسط)، والملك الأردني الحسين بن طلال (يسار) ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين (يمين) أثناء توقيع إعلان واشنطن في حديقة البيت الأبيض، والذي أنهى حالة العداء الرسمي بين البلدين، يوليو 1994
 


 
وادي عربة
أمّا معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل فوقعت في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1994 في وادي عربة على الحدود الأردنية الإسرائيلية، حيث حضر من الجانب الأردني عبد السلام المجالي رئيس الوزراء الأردني ومن الجانب الإسرائيلي إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي، والشاهد على التوقيع بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأميركية. وكان من أبرز البنود التي تناولتها هذه المعاهدة هو النزاعات الحدودية بين الدولتين، وهدف الطرفين كان «وضع حد لسفك الدماء» لأجل سلام عادل ودائم.
وأهم بنود هذه الاتفاقية الاعتراف بسيادة كل منهما وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي، والعمل للعيش ضمن حدود آمنة، وترسيم الحدود البرية والبحرية بين الطرفين إضافة إلى التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي. ولكن على الرغم من الاتفاقية إلاّ أنّ المراقبين يرون أنّ المعاهدة بين إسرائيل والأردن تشهد «برودا مثيرا» وأنّ الأردن وافق على المعاهدة في وقت كان يمر فيه بظروف صعبة، جعلت عقد معاهدة السلام مع إسرائيل خياراً استراتيجياً لمنع خسارة المزيد من أراضي المملكة. وأنّ العلاقات بين الطرفين بدل أن تتطور إيجابيا مع الوقت، فهي تتدهور وعلى سبيل المثال قيام العاهل الأردني في أكتوبر 2018 بإلغاء الملحقين اللذين يمنحان إسرائيل الحق في التصرف في منطقتي الباقورة والغمر الحدوديتين لمدة 25 عاماً.

 

من اليمين بيغن، والرئيس الأميركي كارتر، ومن اليسار السادات
 


 
اتفاقية أوسلو
اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل والمعروف رسمياً باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، وهو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأميركية في 13 سبتمبر 1993، بحضور الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، ولكن اتفاق أوسلو لم يدم طويلاً، إلا أنه يعتبر أهم حدث سياسي فلسطيني خلال الثلاثة عقود الماضية، نظرًا للتداعيات والتطورات التي ترتبت عليه.
ومن أبرز بنود هذه الاتفاقية، أن تنبذ منظمة التحرير الفلسطينية الإرهاب والعنف (تمنع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل) وتحذف البنود التي تتعلق بها في ميثاقها كالعمل المسلح وتدمير إسرائيل.
وأن تعترف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وأن تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل (على 78 في المائة من أراضي فلسطين – أي كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة).
وخلال خمس سنين تنسحب إسرائيل من أراض في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللتين تشكلان 1.5 في المائة من أرض فلسطين.
تقر إسرائيل بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي (أصبح يعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية) على الأراضي التي تنسحب منها في الضفة الغربية وغزة.
كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تدرك جيداً حدود اتفاق أوسلو، لكنها رأت أن لا خيار أمامها إلا القبول به، فقد ضعف وضعها كثيراً في عصر ما بعد الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية، فتصالحت عن وعي تام مع إسرائيل وضمنت لنفسها موطئ قدم فوق التراب الفلسطيني قبل أن يتعرض وضعها الإقليمي والدولي لمزيد من الضعف والتردي.
ورغم كل ما يُقال عن اتفاق أوسلو، إلاّ أنّ هذا الاتفاق هو الإطار القانوني الوحيد الذي جسد الكينونة الفلسطينية وسمح للشعب الفلسطيني أن يحكم نفسه على جزءٍ من الأراضي الفلسطينية، وسمح أيضاً بإنشاء أول سلطة وطنية فلسطينية على طريق الدولة، فقد حقق اتفاق أوسلو رغم ما يعتريه من أزمات جزءاً من العودة، فهو الوثيقة الوحيدة التي اعترفت فيها دولة الاحتلال بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني مثل باقي شعوب العالم.
انطلاقة انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 كانت السبب الرئيسي لنهاية مسار أوسلو، خصوصا بعد أن سعى اليمين الإسرائيلي لتعطيل عملية السلام ووقف اتفاق أوسلو، مستغلاً العمليات الاستشهادية التي كانت تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينية في قلب إسرائيل، فبعد انسداد أفق التسوية عقب صعود اليمين الإسرائيلي لسدة الحكم في إسرائيل بعد اغتيال إسحاق رابين عام 1995، حاول الرئيس الراحل ياسر عرفات الضغط على إسرائيل من خلال إصراره على إطلاق انتفاضة الأقصى ودعمها بالمال والسلاح بعد زيارة شارون للمسجد الأقصى المبارك عام 2000، خصوصا بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد عام 2000 في منح أوسلو آخر فرصة ممكنة.

إذن طريق السلام بين إسرائيل والدول العربية لم يكن معبدا بالازدهار والنمو والتعاون الوطيد بين الأطراف الموقعة، فرفض الشعوب العربية للتطبيع، واستمرار النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي الدموي، كان كفيلا بزعزعة الاتفاقيات التي بدل أن تتوطد مع الزمن تتراجع وتصبح أكثر اهتزازا وبرودة، فهل سيكون مصير «اتفاق أبراهام» كما اتفاقية أوسلو وكامب ديفيد واتفاق وادي عربة؟ أم أن عدم الاشتراك بحدود وخوض معارك وحروب تجعل اتفاق أبراهام مختلفا عن الاتفاقات السابقة، ويمكن أن يكون مقدمة سلام شامل في المنطقة؟

font change