هل تنطلق المفاوضات سد النهضة بين مصر وأثيوبيا من جديد؟

بعد إعلان أثيوبيا حظر الطيران فوق منطقة سد النهضة

رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد (يسار)، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) في قمة ثلاثية بشأن سد النهضة، في أديس أبابا، أثيوبيا، 10 فبراير 2019 ( غيتي)

هل تنطلق المفاوضات سد النهضة بين مصر وأثيوبيا من جديد؟

* الدولة المصرية لا تمانع في بدء مفاوضات بناءة 
* عدم وجود رؤية موحدة للدول الثلاث إضافة لعدم امتلاك الاتحاد الأفريقي رؤية موحدة أو صياغة موحدة يعني بشكل عملي فشل المفاوضات 
* الأمان الخاص بالسد 2.5 % طبقاً للمخطط في الرسومات الهندسية، ولكن طبقاً لما تم تنفيذه على أرض الواقع فيصل إلى 1.6 إلى 1.7%فقط وهو معامل أمان ضعيف جداً
* تم إنشاء السد على فالق صخري طبقا للحسابات الجيولوجية، وحجم المياه ووزنها سوف يتسببان في خلل بالقشرة الأرضية سيؤدي إلى انهياره
* كان هم الإدارة في أثيوبيا هو تجميع الشعب المختلف عرقياً وقبلياً واجتماعياً على هدف واحد 

القاهرة: فتح إعلان الرئيسة الإثيوبية سهلورق زودي بدء توليد الكهرباء من سد النهضة بعد 12 شهرا من الآن في خطوة اعتبرتها القاهرة تحديا صارخا للشرعية الدولية باب التساؤلات حول موقف القاهرة من هذا الإعلان الذي يعتبر تخطيا لكل الحدود والأعراف، خاصة بعد قيام الجانب الإثيوبي بإعلانه في فترة سابقة الانتهاء من ملء المرحلة الأولى لخزان سد النهضة بما يزيد على 5 مليارات متر مكعب من المياه دون التنسيق مع دولتي المصب مصر والسودان في خطوة أحادية لعرقلة جهود التوصل لاتفاق بين الأطراف رغم رعاية الاتحاد الأفريقي لجولة التفاوض الأخيرة، وبما يعني إقدام الجانب الإثيوبي على الملء الثاني في أغسطس (آب) القادم دون النظر إلى المصالح المائية المصرية وبشكل أحادي أيضا، كما تزداد التساؤلات، أيضا مع إعلان السلطات الإثيوبية إغلاق المجال الجوي في منطقة سد النهضة أمام حركة الطيران، لدواع أمنية بما يفسره البعض بأنه خطوة تأتي من قبيل الاحتياط لقيام أي من دولتي المصب بعمل عدائي ضد السد، على الجانب الآخر، وفي إطار تصريحات مغايرة تماما للتصريحات السابقة والتي جاءت على لسان السفير الإثيوبي الجديد لدى القاهرة ماركوس تيكلي ريكي، والتي قال فيها إن المفاوضات التي جرت بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، بخصوص أزمة السد برعاية الاتحاد الأفريقي لم تفشل، متعهدا بسد الفجوات بين الدول الثلاث، وأنه لا يزال هناك مجال للتفاوض والوصول إلى نتائج دون مشاركة أطراف أخرى. 
«المجلة»من جانبها ناقشت القضية مع عدد من الخبراء في شؤون المياه، والري والاستراتيجية، للوقوف على مدى استجابة مصر لأية دعوات جديدة لإعادة التفاوض، أم إن لمصر إجراءات أخرى سوف تقوم بها بعيدا عن مجال التفاوض؟ وعلى فرضية إعادة التفاوض مرة أخرى، هل ستتم المفاوضات كسابقاتها، دون قيد أو شرط؟ أم إن مصر سوف تضع شروطا من جانبها حتى لا يتكرر مشهد التفاوض من أجل التفاوض، والذي انتهت جولاته خلال السنوات الماضية حتى الآن دون تحقيق أية نتائج؟ 

 

وزير الري السابق الدكتور محمد نصر علام
 


 
ضرورة إيجاد آليات جديدة لحل الأزمة 
في البداية، قال وزير الري السابق الدكتور محمد نصر علام: طريق المفاوضات قررته القيادة المصرية، ولا يوجد شك في ذلك، ولكن الآن عن أي نوع من المفاوضات نتحدث، وفي أي إطار سيتم إجراء مثل هذه المفاوضات؟ هذا موضوع آخر، فهناك مفاوضات لإضاعة الوقت، وهناك مفاوضات تكون بناءة وأعتقد أن الدولة المصرية لا تمانع في بدء مفاوضات بناءة بمعنى أن تكون في إطار شروط وقواعد متفق عليها، بحيث لا يحدث خلالها ما حدث في آخر جولة من المفاوضات، هذا بالنسبة للجانب المصري، أما بالنسبة للجانب الأثيوبي فالتصريحات غير المسؤولة على لسان رئيسة أثيوبيا، وما يبثه الإعلام هناك من تصريحات جزء من مخاطبة الداخل الأثيوبي لوجود خصومات داخلية كثيرة، وتصريحات السفير الأثيوبي الجديد لدى مصر السفير ماركوس تيكلي ريكي التي قال فيها إن مفاوضات السد لم تفشل، وإن هناك فرصة لإعادة المفاوضات بين الدول الثلاث (مصر وأثيوبيا والسودان) بعيدا عن مشاركة أطراف أخرى، وأنه جاء في محاولة لسد الثغرات، والوصول إلى حلول ترضي الأطراف الثلاثة فهي لا تعدو تصريحات دبلوماسية تخرج عادة من سفراء الدول، ولا نعرف منها بالضبط شكل النوايا الأثيوبية، ومن المفترض أن تقوم مصر بمخاطبة الاتحاد الأفريقي، وتقديم شكوى رسمية له عن تعطل المفاوضات، وكتابة تقرير بشأن فشل المفاوضات، أو إمكانية استمرارها بآليات جديدة تساهم في إيجاد حلول في صالح جميع الأطراف، ولا أعرف لماذا لم تتخذ مصر مثل هذه الإجراءات حتى الآن، أو لماذا لم ترد على تصريحات السفير الأثيوبي، ومن الملاحظ مطالبة إحدى النائبات بالكونغرس الأميركي أثيوبيا بالتفاوض الجاد والعادل مع مصر تحت مظلة الاتحاد الأفريقي. ومن المحتمل أن يكون هناك تواصل بين مصر والقوى الدولية بشكل أو بآخر، ولكني لا أرى ما تحاول مصر فعله. 

 

خبير الموارد المائية، الأستاذ بكلية الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة الدكتور عباس الشراقي
 


 
تصريحات متعنتة موجهة للداخل الأثيوبي
من جانبه، قال خبير الموارد المائية، الأستاذ بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة الدكتور عباس الشراقي: حتى الآن لم يتم الإعلان عن فشل مفاوضات سد النهضة بين مصر، وأثيوبيا، والسودان بشكل رسمي، وفي أغسطس (آب) الماضي، قامت كل دولة من الدول الثلاث بكتابة تقرير منفصل عن الفشل في كتابة مسودة موحدة تجمع الدول الثلاث، وتم تقديم هذه التقارير للاتحاد الأفريقي، ومن المفترض أن يقرر رئيس الاتحاد الأفريقي بناء على التقارير الثلاثة المقدمة له هل سيتم إجراء لقاءات أخرى سواء على مستوى وزراء الري، أو على مستوى القمة بين رؤساء الدول الثلاث، وتوقعنا حدوث قمة مصغرة أخرى برئاسة الاتحاد الأفريقي لتكملة المفاوضات ولكن هذا لم يحدث، وليس معنى عدم حدوث قمة، أو لقاءات على مستوى وزراء الري أن المفاوضات قد فشلت، ولكن نحن الآن في حالة صمت، وتجميد للمفاوضات في الوقت الحالي، لأن أثيوبيا أخذت خطوة ملء خزان السد بما يعادل حوالي 5 مليارات متر مكعب بشكل أحادي، إضافة إلى عدم وجود رؤية موحدة للدول الثلاث، إضافة لعدم امتلاك الاتحاد الأفريقي رؤية موحدة أو صياغة موحدة يمكن للدول الثلاث التوصل إليها، وهذا يعني افتقار الاتحاد الأفريقي إلى إمكانية إيجاد حلول، وبالتالي لا يمتلك الحماسة الكافية لدعوة أطراف النزاع العودة للمفاوضات، وهذا يعني بشكل عملي فشل المفاوضات، أما على المستوى الرسمي فلم يتم إعلان فشل المفاوضات، وهو ما يدعو إلى ضرورة تحريك هذا الجمود، ولذلك يجب على الحكومة المصرية أن تحرك الاتحاد الأفريقي لإنهاء هذا الجمود، عن طريق طلب استكمال المفاوضات سواء على مستوى الخبراء والفنيين، أو على مستوى الوزراء، أو رؤساء الدول، أو الإعلان بشكل رسمي عن فشل المفاوضات، ويكتب تقريرا بذلك ويقدمه إلى مجلس الأمن الذي أعطى الاتحاد الأفريقي فرصة للوصول إلى حل، وقطع خطوات جيدة خاصة أن الاتحاد الأفريقي هو الذي طلب من مجلس الأمن إعطاءه هذه الفرصة وأنه قادر على الحل، وأنه قد توصل إلى نتائج طيبة وأن الأطراف تحتاج لأسبوعين فقط حتى تتمكن اللجان الفنية من كتابة القرار النهائي، ولكن امتدت هذه المدة لتصل إلى أكثر من أربعة أشهر، ولذلك يصمت الاتحاد الأفريقي لعجزه عن إيجاد حلول، كذلك هذا الصمت وهذا الجمود يأتي في صالح الجانب الإثيوبي خاصة بعد التخزين الأول، والسودان لديه مشاكله الداخلية ولا يمثل السد بالنسبة له أولوية ملحة، وبالتالي المعني الرئيسي في الأزمة هو الجانب المصري، فلماذا تصمت مصر؟ يجب على الجانب المصري استعجال الاتحاد الأفريقي ومطالبته إما بإعادة المفاوضات، وإما بإعلان فشلها، حتى يمكن لنا التحرك بخطوات جادة أمام مجلس الأمن، لأنه لا يمكن اتخاذ مثل هذه الخطوات إلا بعد إعلان فشل المفاوضات عن طريق الاتحاد الأفريقي. 
وقال الشراقي، الخطوات الأثيوبية بإعلان توليد الكهرباء خلال 12 شهرا، وإعلان منع تحليق الطيران في المجال الجوي فوق منطقة سد النهضة يأتي تكملة للتصريحات الاستفزازية والمتعنتة المتعلقة بملء خزان السد، وأن النهر أصبح أثيوبيا مكونا بحيرة أثيوبية خالصة، إضافة إلى تصريحات وزير الدفاع الأثيوبي في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 التي قال فيها إن أثيوبيا قادرة على حشد مليون جندي للدفاع عن سد النهضة، ونحن كمصر لا نستطيع لوم الجانب الأثيوبي عن منع تحليق الطيران في منطقة السد لأن هذا الإجراء ليس في مواجهة مصر، ولكن قد يكون في مواجهة أي عمليات إرهابية، حيث توجد مشاكل داخلية بين القوميات والعرقيات الداخلية المتقاتلة فيها، والتي قد يبلغ عددها 80 عرقية، والحكومة لها عداءات في الداخل الأثيوبي، وأهالي المنطقة الموجود بها السد على خلاف مع الحكومة لرفض بناء السد في مناطقهم، وهذا الإجراء هو إجراء طبيعي، وهذه التصريحات في مواجهة الداخل، ومصر ترحب بالعودة لمفاوضات جادة ولكن عن طريق الاتحاد الأفريقي، وتصريحات السفير الأثيوبي لدى القاهرة ليست صادرة عن وزارة الخارجية الأثيوبية، ولكنها في إطار التصريحات الصحافية، التي قد تكون محاولة لجس النبض. ومصر لن تعيد المفاوضات من جديد مع الجانب الأثيوبي من نقطة الصفر، خاصة إذا كانت هذه المفاوضات بعيدا عن الاتحاد الأفريقي.

 

الخبير العسكري والاستراتيجي بأكاديمية ناصر العسكرية العليا اللواء محمد سلمان
 


 
الضغط على مصر لتحقيق إرادة سياسية لصالح قوة أجنبية 
فيما قال الخبير العسكري والاستراتيجي بإكاديمية ناصر العسكرية العليا اللواء محمد سلمان: هناك شيء مهم يجب أخذه في الاعتبار وهو أن الإدارة المصرية تدير سد النهضة بحرفية شديدة، وبحسابات صعبة جدا يصعب الحديث عنها، ولكن في ضوء المشهد الحالي سوف أتكلم من وجهة نظري الشخصية، وأقول إن مشروع سد النهضة مشروع فاشل، فمن حيث الإنشاءات معامل الأمان الخاص به 2.5 في المائة، طبقا للمخطط في الرسومات الهندسية، ولكن طبقا لما تم تنفيذه على أرض الواقع فيصل معامل الأمان إلى نحو 1.6 إلى 1.7 في المائة فقط، وهو معامل أمان ضعيف جدا، كما أنه تم إنشاؤه على فالق صخري، وطبقا للحسابات الجيولوجية، فهو على فالق أرضي، وحجم المياه ووزنها سوف يتسببان في خلل في القشرة الأرضية وسوف يؤدي إلى انهياره، ووصلت التكهنات إلى أن انهيار السد سوف يقسم جيولوجية أثيوبيا، إضافة إلى العيوب الكهروهيدروليكية، فمثلا من أجل أمان السد كان يجب عمل مفيض له، ومجموعة الجبال المجاورة لسد النهضة لا تسمح بوجود مفيض، فمثلا عندما يصل السد العالي إلى أقصى سعة تخزينية له في موسم فيضان عال، أو فوق المتوسط، يتم فتح مفيض توشكى، وسد النهضة ليس به مفيض، ومعنى ذلك أنه إذا تجاوز السعة التخزينية ستكون مشكلة للتوربينات التي سوف تغرق ويتعطل إنتاج الكهرباء، إضافة إلى تصميم السد وتعليته أكثر من المخطط. في البداية، كانت نتيجة ذلك دفن اثنين من التوربينات من مجموع 12 توربينا، وهذه العيوب كانت سببا في انتحار مدير مشروع السد السابق، لأن الأخطاء كبيرة وجسيمة، ولكن كان هم الإدارة في أثيوبيا هو تجميع الشعب المختلف عرقيا، وقبليا، واجتماعيا على هدف واحد، وكان هذا الهدف هو مشروع سد النهضة، الذي سوف يجلب الرخاء للبلاد، فإذا لم يجلب السد هذه النهضة ما الذي سيحدث؟ كما أن الكهرباء التي سيتم توليدها من السد كيف سيتم تسويقها؟ حيث نجحت مصر في عقد اتفاق لتصدير الكهرباء إلى السودان، كما أن مكان السد يصعب من نقل الكهرباء إلى أماكن الاستهلاك في أثيوبيا، وطاقة السد المخططة أعلى بكثير جدا جدا مما تحتاجه أثيوبيا من الطاقة، فمن الذي سيشتريها، وإذا أنتجت الكهرباء ولم تتمكن من تسويقها، فسوف تخسر كثيرا مما يعد فشلا بالنسبة لها، والحل الوحيد بالنسبة لأثيوبيا في ظل حشد الشعب وراء عملية بناء السد ونجاحها أن تجعله هدفا قوميا يجتمع عليه جميع الإثيوبيين من أجل توحيد العرقيات في البلاد، فالحل الوحيد بالنسبة لها هو أن يتم ضرب السد من قبل دولة أخرى، وهي تسعى وباستفزاز للوصول إلى هذا الهدف، فعندما يتم ضرب السد من قبل دولة خارجية فسوف تكون غير مسؤولة أمام المؤسسات المالية الخارجية التي اشترت سندات السد، وسوف تقاضي هذه المؤسسات الدولة المعتدية على السد لطلب التعويض، كما أنها سوف تتذرع أمام الشعب بضعف إمكاناتها العسكرية أمام هذه القوة الخارجية التي هدمت السد، لكن عندما ينهار السد من تلقاء نفسه بسبب العيوب الفنية والإنشائية، فسوف يظهر فشل الحكومة أمام الشعب.
وأضاف سلمان: نحن عندما نتفاوض مع الجانب الأثيوبي على أي شيء نتفاوض؟ من حيث المبادئ نحن وافقنا على إنشاء السد، ولكن كان كل هدفنا أن تطول الفترة الزمنية لعملية الملء، بحيث لا تؤثر على دولتي الممر والمصب (مصر، والسودان)، فلو تم تعويض النقص في المياه بسبب فيضانات كبيرة مثلما حدث هذا العام، أو عن طريق شيء لا يتحدث عنه أحد، وهو تغير المناخ الذي أدى إلى تحرك حزام الأمطار باتجاه الشمال، حيث إن ما حدث هذا العام في السودان أن الفيضان لم يأت من أعالي النيل، ولكن الأمطار الغزيرة قد هطلت على الأراضي السودانية نفسها، فحزام الأمطار الذي تحرك باتجاه الشمال سوف يلغي جزءا كبيرا من إمكانات أثيوبيا في حجز المياه، كما أن فترة الملء الأولي نحن نطالب بأن تكون سبع سنوات فيما تريد أثيوبيا جعلها ثلاث سنوات فقط، فلو تخطينا أزمة فترة الملء بما هو محتجز من المياه أمام السد العالي، إضافة إلى احتمالية هطول أمطار غزيرة على السودان كما حدث من فيضانات هذا العام فسوف يتلاشى تأثير سد النهضة كمحبس للمياه عن مصر، وسينعدم تأثيره لأن ما يتم إنتاجه من بحيرة تانا، سوف يتساوى مع المنصرف من السد، لذا سينعدم تأثيرة كمحبس للمياه عن مصر لأنه تم إنشاء السد أساسا لاستغلاله ضد مصر ووضعها في هذه الظروف، ومثل هذا الصراع.
وقال سلمان: أنا أرى أن هناك إدارة مصرية حكيمة لإدارة مثل هذا الملف، وهي إدارة وطنية، وآخر ما يمكن فعله في مواجهة أثيوبيا هو العمل الخشن، أو العمل العسكري ولن يتم هذا إلا في حالة واحدة فقط وهي أن يكون المخزون أمام السد العالي إضافة إلى ما يصل لمصر من النيل الأبيض، والمتسرب من مياه النيل الأزرق لا يكفي احتياجات مصر من المياه، ويعطشها. ساعتها سنلجأ إلى العمل العسكري والذي يعد في هذه الحالة حقا قانونيا، ولكن الآن إذا تمت دعوة مصر للحوار فسوف نلبي ولكن بشروطنا التي لن نقبل بغيرها، خاصة أن العنترية في أثيوبيا وصلت إلى حد تصريح وزير الري الأثيوبي أن النيل الأزرق أصبح بحيرة أثيوبية، برغم أن لديها 12 نهرا دوليا وداخليا، وهي لا تحتاج أصلا إلى مياه النيل الأزرق وتتكلم اليوم عن التوزيع العادل لمياة النيل لتقليل حصة مصر من المياه عن 55 مليار متر مكعب، وهو ما حاولت إنجازه عن طريق اتفاقية عنتيبي التي رفضت مصر التوقيع عليها، وإذا كانت أثيوبيا ترغب في إنتاج الكهرباء كان يمكنها إنشاء ثلاثة سدود صغيرة سعة 5 مليارات متر مكعب توفر نفس كمية الكهرباء التي سوف تتحصل عليها من بناء سد النهضة، وبتكلفة أقل، ولكن الغرض من إنشاء السد هو الضغط على مصر لتحقيق إرادة سياسية لقوة أجنبية. 
فيما قال أستاذ إدارة الأزمات بأكاديمية ناصر العسكرية العليا اللواء أركان حرب جمال الدين أحمد حواش: مصر تستغل جميع الآليات فيما يخص أزمة سد النهضة، ومصلحة البلاد أهم من أي شيء آخر ومصر تبحث عن الأسلوب المناسب لتحقيق مصالحها وتتبعه، كما أن الخداع، والكذب هو أمر مباح في السياسة، كل شيء مباح من أجل تحقيق الهدف، ومصر تبذل جهودا كثيرة للبحث عن مصادر أخرى للمياه، وهذا من الأعمال الصحيحة حتى لا نضطر للبحث عن مصادر للمياه عند حلول الأزمة، وفي نفس الوقت نتبع المسارات الأخرى، كما أن حظر الطيران فوق منطقة سد النهضة، هو أمر لا جدوى منه، لأن هذه المنطقة هي جزء من الدولة وليست كل الأجواء الأثيوبية، وهو جزء بسيط من المجال الجوي، كما أنه عند دخول أي طيران غريب للأجواء الخاصة بالدولة تراقبه مصلحة الطيران والدفاع الجوي وتتم مراقبته حتى الخروج من المجال الجوي، ولو كانت الطائرة مخالفة فسوف يعطيها إنذارا، وإن لم تمتثل للأوامر يتم الدفع بالطيران الحربي لإجبارها على الهبوط، أو ضربها، ولكن تصريحات أثيوبيا هل تتناسب مع قدراتها الحقيقية، أم إنها تحصلت على موافقات دول أخرى داعمة لها وتربطها بها مصالح، مثل إسرائيل، والصين، إضافة إلى بعض الدول الصديقة لمصر والتي تتداخل مع أثيوبيا من أجل مصالحها، فلا بد لمصر أن تنظر باعتبار إلى المناخ الدولي، هل هو ملائم لإثارة هذه القضية أم إنه غير ملائم؟ ولو وجدت أطراف تقوم بتسخين المواقف ففي هذه الحالة من الممكن أن نلجأ للمنظمات الدولية، والتكتلات العالمية لمساندتنا، فلا بد من عمل تمهيدا قبل أي عمل واستيضاح مواقف الدول كما حدث خلال حرب أكتوبر 73، بما مهد المجتمع الدولي لاستعداد مصر لإدارة الحرب، وهنا أسلوب العرض يختلف من دولة لأخرى، وإذا بينا مواقفنا التي توضح حقوقنا فسوف يقف العالم إلى جانبنا، وإذا فشلنا في إيضاح مواقفنا فسوف يقف على الحياد، كما أن العالم لا تحركه سوى المصالح.
وأضاف حواش: إذا دعت أثيوبيا لمفاوضات جادة فسوف نلبي، لأننا لسنا دعاة حرب، ونحن دعاة سلام، فأي جهود توصل إلى اتفاق أو هدنة تجدنا دائما نسعى إليها، ولكن السؤال المهم هو: هل قامت مصر بأشياء مؤثرة على الجانب الأثيوبي من قبيل الاتفاقات، التجارية أو اقتصادية، بحيث نضعها تحت ضغط الاحتياج لمصر، ماذا فعلت مصر مع أثيوبيا هل تم احتواء المجتمع الإثيوبي كي يناصر المطالب المصرية؟ وهل تم تقديم مساعدات له لا يمكن له الاستغناء عنها؟ لا بد من دراسة هذه الأشياء إضافة إلى شيء مهم، وهو: ما هي علاقة السفير الأثيوبي لدى مصر بالجبهة الداخلية في أثيوبيا؟ ولا بد من معرفة ولائه للمجتمع الذي يعيش فيه، هل هو دعائي ويحب عمل البروباغندا؟ أم إنه يسعى حقيقة لإنجاز مصالح لبلاده؟ ومن الممكن أن يطلق السفير تصريحات، لا يوافق عليها رئيس الدولة، فلا بد من دراسة كل الأشياء على حدة، ثم ربطها ببعضها البعض، كي نستخلص نتائج يمكن البناء عليها. 

font change