تعدين الفضاء... هل سيؤدي إلى تحقيق حلم الإنسان الأزلي في استيطان الفضاء؟

في المستقبل، ستعمل البشرية على تعدين عدد هائل من الكويكبات الغنية بالمعادن في نظامنا الشمسي (غيتي)

تعدين الفضاء... هل سيؤدي إلى تحقيق حلم الإنسان الأزلي في استيطان الفضاء؟

* من المتوقع عند وصول تعدين الفضاء إلى مرحلة النضج إحداث ثورة كبيرة، مثل الثورة الصناعية، في مجالات الحياة المختلفة على الأرض، لأنها قد تنقذ الأرض من المشاكل البيئية المستعصية

* يختلف تركيب الكويكب بشكل كبير، من الغازات المتطايرة إلى العناصر المعدنية ذات التركيزات العالية من المعادن النادرة مثل الذهب والفضة والبلاتين بالإضافة إلى العناصر الأكثر شيوعا مثل الحديد والنيكل

* يعتقد أن تعدين كل من القمر والكويكبات سيصبح صناعة مزدهرة، وسوف يغير معالم الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق، حيث سيحل مشكلة نضوب المعادن على المدى القريب ويمكن البشر من غزو الفضاء

جدّة: بينما قد نعاني في كوكب الأرض من ندرة الموارد وتقلص الأمل في نمو اقتصادي دائم، يمكن العثور على حل محتمل من خلال اجتياز المجهول الكبير، أو الفضاء الخارجي. فهل يؤدي التوسع في تعدين الفضاء إلى إنقاذ كوكب الأرض ووضعه على طريق الاستدامة؟ هل سيؤدي تعدين الفضاء في تحقيق حلم الإنسان الأزلي في استيطان الفضاء؟ من المتوقع عند وصول تعدين الفضاء إلى مرحلة النضج إحداث ثورة كبيرة، مثل الثورة الصناعية، في مجالات الحياة المختلفة على الأرض، لأنها قد تنقذ الأرض من المشاكل البيئية المستعصية، وتعزز الاقتصاد العالمي بمصادر إضافية تجعل قابليته للنمو أكبر بكثير، وتحفز التقدم التكنولوجي لآفاق واسعة.

 

الكويكبات كحاملة للمعادن

يحتوي الحزام الكويكبي الذي يقع بين المريخ والمشتري على ما بين 1.1 و1.9 مليون كويكب يزيد قطرها على كيلومتر واحد، وهناك ملايين من الكويكبات الصغيرة، أكبرها سيريس الذي يبلغ قطره نحو 1000 كم. وتستغرق الكويكبات في الحزام الرئيسي نحو 3-6 سنوات لإكمال دورتها حول الشمس، تكمل دورتها حول نفسها في غضون ساعات قليلة. بالإضافة لذلك، هنالك كويكبات تسمى «كويكبات التروجان» تشارك كواكب المجموعة الشمسية مداراتها حول الشمس، لكنها لا تصطدم به لأنها تتجمع حول مكانين خاصين في المدار. وتتم موازنة قوى الجاذبية من كل من الشمس والكوكب من خلال ميلها إلى الانطلاق خارج المدار. يشارك في مدار المشتري العدد الأكبر من كويكبات تروجان كما أن مداري المريخ ونبتون مليئان بهذا النوع. وهنالك نوع ثالث تتقاطع مداراتها مع مدار الأرض فهي الأقرب للأرض وتتميز بإمكانية الوصول إليها وبالتالي الأكثر جدوى لتعدينها. يعتقد العلماء أنها شاردة من الحزام الكويكبي لتشابه خصائصها معها. وهنالك ما يقارب الخمسة عشر ألفا منها بأحجام مختلفة، بينما هنالك ما يقارب التسعمائة بأقطار تزيد على الكيلومتر.

تعمل جاذبية المشتري القوية والمواجهات الوثيقة بين الحين والآخر مع المريخ أو أي شيء آخر على تغيير مدارات الكويكبات، وإخراجها من الحزام الرئيسي وإلقائها في الفضاء في جميع الاتجاهات عبر مدارات الكواكب الأخرى. لعب اصطدم الكويكبات الضالة وشظايا الكويكبات بالأرض والكواكب الأخرى منذ نشأت المجموعة الشمسية دورا رئيسيا في تشكيل التاريخ الجيولوجي للكواكب وفي تطور الحياة على الأرض.

 

 

 

ويختلف تركيب الكويكب بشكل كبير، من الغازات المتطايرة إلى العناصر المعدنية ذات التركيزات العالية من المعادن النادرة مثل الذهب والفضة والبلاتين بالإضافة إلى العناصر الأكثر شيوعا مثل الحديد والنيكل. يتم قياس مكونات الكويكبات في الفضاء الخارجي من المعادن باستخدام التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء عبر التليسكوبات. حيث تمتص الكويكبات ذات التركيبات المختلفة ترددات مختلفة في طيف الأشعة تحت الحمراء، مما يسمح للعلماء بتحديد ما تتكون منه بناء على الضوء الذي تعكسه، ومعايرته بالعينات من النيازك الساقطة على الأرض. تصنف وكالة ناسا الكويكبات حسب محتواها على ثلاثة أنواع. النوع الكربوني يتميز بلونه الداكن لوفرة الكربون به، وكذلك وفرة كبيرة من الماء في شكل الطين المائي وبالإضافة إلى السليكا، وهو الأكثر شيوعا بنسبة 75 في المائة. النوع الثاني هو الصخري ويتميز بوفرة السليكا وخليط الحديد والنيكل. أما النوع الثالث، وهو الأكثر ندرة بنسبة 8 في المائة، فهو المعدني ويتميز بوفرة المعادن واختلافها، بما في ذلك الذهب والبلاتين والكوبالت والزنك والقصدير والرصاص والإنديوم والفضة والنحاس والحديد والعديد من المعادن الأرضية النادرة.

 

جدول 1: تصنيف الكويكبات حسب «ناسا»

 

 

 

 

أهداف تعدين الفضاء: نضوب المعادن واستيطان الفضاء

يعتقد أن تعدين كل من القمر والكويكبات سيصبح صناعة مزدهرة، وسوف يغير معالم الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق، حيث سيحل مشكلة نضوب المعادن على المدى القريب ويمكن البشر من غزو الفضاء على المدى الأبعد. وتعتبر معادن مجموعة معادن البلاتين أفضل المرشحين للاستغلال المحتمل على الأرض، ولكن نطاق المشروع يتطلب تنقية البلاتين المكرر ونقله إلى الأرض بعشرات الأطنان المترية، لكي يكون نموذج أعمال تعدين الفضاء ذا جدوى. [بالإضافة لذلك، يمثل تعدين عنصر الهليوم ذي الكتلة الذرية من القمر3، والشحيح على الأرض فرصة كبيرة فهو الوقود المحتمل لمفاعلات الاندماج النووي والتي ستنتشر في وقت لاحق من هذا القرن].

 

 

 

 

 

 

من المحتمل أن يزدهر تعدين الفضاء بشكل كبير مع نمو التصنيع واستيطان الفضاء وعن طريق زيادة الأنشطة التجارية في الفضاء كالسياحة الفضائية. وتعد القدرة على بناء مأوى خارج الأرض وتصميم أنماط استيطان خاصة به أمرا جوهريا. فالفكرة هي الحصول على موثوقية من سلسلة الإمداد تبدأ خارج الأرض لصناعات متعددة، كاستخدام الماء لدعم الحياة والزراعة والوقود، بالنسبة لدعم الحياة، حيث ستحتاج المياه إلى مزيد من المعالجة بشكل كبير لجعلها مناسبة للاستهلاك البشري أو للاستخدام في الشرب والنظافة والغسيل والزراعة. لذلك ستختار المستوطنات الفضائية مواقعها بالقرب من مصدر جيد للمياه، بنفس الطريقة التي أقام بها المستوطنون الأوائل على الأرض مستوطنات قريبة من نهر أو نبع. بالإضافة إلى ذلك، تعمل شركات رحلات الفضاء أيضا على تطوير القدرة على دفع المركبات الفضائية باستخدام الهيدروجين المستخرج من الماء. وتمثل القدرة على بناء مأوى وأنماط استيطان خاصة تحديا كبيرا لاستيطان الفضاء. فمن المتوقع أيضا أن تستغل الموارد الطبيعية للفضاء التي ستوفر دعما حيويا للمستوطنات البشرية على القمر والكواكب مثل المريخ، فاستخراج المعادن سيكون حاسما لبناء المستوطنات وللوقاية من الإشعاع، عن طريق تشييدها من عناصر هيكلية مثل الألومنيوم، والحديد، والسيليكون، والتيتانيوم للطباعة ثلاثية الأبعاد في الفضاء، وكذلك الطباعة ثلاثية الأبعاد لهياكل المركبة الفضائية حيث يعد بناء المركبات الفضائية العملاقة على الأرض ثم إطلاقها منها غير مجد، لأن تصميمها للهروب من جاذبية الأرض يفرض متطلبات كبيرة قد لا يكون لها حاجة في الفضاء، خاصة عندما يكون هنالك مصادر متوفرة من الحديد والتيتانيوم والمعادن الأخرى في الفضاء بالفعل. لذلك فإن القدرة على تصميم نموذج أعمال متكامل لتحويل المعادن إلى مكونات للمستوطنات والمركبات الفضائية واستخدام تكنولوجيات الطباعة ثلاثية الأبعاد والأتمتة عن بُعد تعد حاسمة للمضي قدما في تعدين الفضاء. كما أن إمكانية إعادة التزود بالوقود في الفضاء بإقامة محطات ثابتة أو متنقلة للوقود تفتح الباب على مصراعيه لفكرة استيطان الفضاء وجعلها أكثر قابلية للتطبيق عمليا واقتصاديا، وربما إمكانية استيطان الكواكب البعيدة.

 

 

 

آفاق تعدين الفضاء

بمجرد اختيار كويكب ما للتعدين، لا بد من تحديد إحدى طريقتين اعتمادا على جدوى الطرق اللوجستية الممكنة. فتختلف طريقة تعدين الكويكب باختلاف حجمه، فبالنسبة للكويكبات الصغيرة التي يبلغ قطرها أقل من 20 مترا تقريبا، والتي من الممكن إعادة توجيهها، تلتقطها المركبة الفضائية وتضعها في مدار قريب من الأرض، مثلا إلى مدار القمر، ومن ثم تبدأ عملية التعدين. بالإضافة إلى عاملي المسافة وحجم الكويكب، فإن عامل القدرة على تغيير سرعة دوران الكويكب لتوجيه مساره ذو أهمية بالغة. فقدرة المركبة ومقدار الوقود اللازمان للتوجيه يعتمدان بشكل كبير على سرعة دورانه، وتحديد اللحظة المناسبة لصيده عند اقترابه من الأرض. أما الطريقة الثانية فتنجز عملية التعدين في مدار الكويكب أو القمر، سواء كانت المهمة مأهولة أو عن طريق التحكم عن بُعد.

ومع اختيار طريقة التعدين، يجب نقل المعدات اللازمة إلى موقع التعدين من الأرض. وعملية استخراج معادن الكويكبات عملية ميكانيكية-فيزيائية إلى حد ما، ويمكن تحقيقها من خلال وسائل مختلفة مثل المغناطيسية وضغط الهواء والميكانيكية. بالإضافة إلى ذلك، توجد معظم المعادن في شكل معادن وأكاسيد مختلفة ويجب تحريرها وتنقيتها من خلال عدد من العمليات الميكانيكية والكيميائية. لذلك لن تكون عملية استعادة المعادن في الفضاء سهلة. فعلى الأرض، تعد كل من الجاذبية والمياه من العوامل رئيسية لمعظم تقنيات الاستخراج والمعالجة. وجاذبية القمر هي سدس جاذبية الأرض ولكنها كافية لإنشاء قاعدة عمليات مستقرة لأعمال التعدين. بعد ذلك، تلتقط الموارد المكررة وتخزن في حاويات محكمة، بينما تخزن المواد الغازية والمتطايرة في حاويات يمكن ضغط محتوياتها.

 

خاتمة

يثير تعدين الكويكبات والقمر أسئلة كثيرة في نواحيه التكنولوجية والاقتصادية والقانونية. فلا يزال أمامنا طريق ليس بالقصير لنقطعه في تطوير الصواريخ والسفن الفضائية ومعدات التعدين، وما زال أمامنا الكثير لفهمه عن طبيعة التطور المحتمل لاقتصاديات تعدين الفضاء الناشئة، وما هي تبعاتها على الاقتصاد العالمي والتوازن الجيوسياسي القائم. فمثلا، إذا ما قمنا بتطوير تكنولوجيا لاقتصاد الفضاء الآخذ في التوسع وجعلها ذات جدوى، هل ستتفق الدول على مشروعية تعدين الكويكبات والقمر أو حقوق التعدين. قد لا يكون المستقبل واضحا الآن، ولكن عندما نبدأ في استنفاد الموارد النابضة للأرض، قد نسارع الخطى لاستغلال موارد الفضاء دون حسم تبعاتها على الأرض.

من جهة أخرى، هل يحق للشركات الخاصة الاستغلال الرأسمالي للكويكبات والقمر؟

إن حقوق التعدين والملكية والتنظيم والاتفاقات العالمية هي العناصر الرئيسية التي يجب تحديدها الآن من أجل تجنب الصراع في المستقبل.

font change