«يونيتامس»... مهام مُعلنة وأخرى ضمنية

أدوار أمنية بلا قوات... وضمان شراكة الانتقال

رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مع رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس»

«يونيتامس»... مهام مُعلنة وأخرى ضمنية

الخرطوم: بدأ الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسودان مهام بعثته المتكاملة بشكل رسمي في السودان وسط تكهنات بأن تسهم البعثة السياسية بشكل كبير في تناغم المكون العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية فضلا عن تأثيرات نفوذ البعثة على علاقات الخرطوم الخارجية بما فيها احتمالية تجسير هوة الخلاف في ملف سد النهضة الإثيوبي، فضلا عن دور في المحادثات الجارية مع أطراف لا تزال خارج اتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية والحركات التي تحمل السلاح.

وبحسب القرار رقم 2524، الذي تبناه مجلس الأمن الدولي، فإن مهمة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة في الفترة الانتقالية في السودان لمدة 12 شهرا كمرحلة أولية.

وتهدف بعثة المتابعة الأممية الجديدة (يونيتامس) للمساعدة في تحول البلاد إلى حكم ديمقراطي، ودعم حماية وتعزيز حقوق الإنسان والسلام المستدام. وستدعم الوحدة أيضا عمليات السلام وتنفيذ اتفاقات السلام في المستقبل؛ مساعدة بناء السلام والحماية المدنية وسيادة القانون، لا سيما في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

بالإضافة إلى ذلك، كلف مجلس الأمن بعثة يونيتامس بدعم تعبئة المساعدة الاقتصادية والإنمائية وتنسيق عمليات المساعدة الإنسانية.

ومنذ وصول رئيس البعثة فولكر بيرتَس لتولي مهامه في السودان قبل نحو ثلاثة أسابيع، يجري لقاءات واتصالات واسعة لشرح مهامه التي تبدي كثير من الأطراف مخاوف بشأن تأثيرها على القضايا الداخلية وسيادة البلاد.

الوصول إلى سودان مستقر، لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود 3 جيوش

بيد أن فولكر توقع خلال مؤتمر صحافي حضره موفد «المجلة»الأسبوع الماضي بمقر البعثة الجديد في العاصمة الخرطوم، أن تواجه مهامه بما سماها «تحديات»لكنه قال إنها طبيعية وإن جميع مؤسسات الدولة في السودان تتفهم مهام البعثة، ودورها «الاستشاري»وأنها ليست قوة استعمارية أجنبية، مؤكدا أنه يقوم بشرح هذه المهام لكافة الأطراف السياسية والفئات الاجتماعية في السودان، لكنه أشار إلى أن هناك آراء أحيانا تصدر بسوء فهم وأحيانا بـ«سوء نية»، لكننا منفتحون للتواصل مع الجميع لشرح طبيعة المهمة وأهدافها.

وكان المسؤول الأممي التقى رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك كلا على حدة، وزار الأسبوع الماضي ولايتي كسلا وبورتسودان في شرق البلاد.

 

رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مع رئيس البعثة فولكر بيرتس

ومن المقرر أن يقوم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) بزيارة جوبا عاصمة دولة جنوب من أجل دفع استكمال عملية السلام بالسودان في إطار التواصل مع أطراف عملية السلام ولتوضيح أهداف البعثة الاستراتيجية الأربعة، وهي دعم الانتقال السياسي، وتنفيذ اتفاقيات السلام، وبناء السلام، وجذب الموارد الخارجية.

ومن المنتظر أن يلتقي رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان فصيل عبد الواحد محمد نور، لدفع عملية السلام مع غير الموقعين على اتفاق جوبا للسلام.

وخلال المؤتمر الصحافي أكد رئيس البعثة أن أهداف البعثة مترابطة، وقال إن الوصول إلى سودان مستقر، لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود 3 جيوش، لكنه أشار إلى أنه ليس باستطاعة البعثة حل مشاكل السودان كلها، معتبرا أن «الأمر في يد السودانيين أنفسهم».

ويقول دبلوماسيون لـ«المجلة»إن تدشين عمل البعثة ووصول رئيسها الألماني فولكر بيرتَس يعد من أبرز ضمانات استمرار الحكومة الانتقالية بشقيها المدني الذي يمثله رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والعسكري الذي يمثله رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

ويشير هؤلاء في هذا الخصوص، إلى أن مهمة البعثة التنسيق ودعم كافة أطراف عملية الانتقالي وأن مهامها ترتبط في جزء منها بعملية السلام التي يتقاطع فيها الشق المدني والعسكري فيما يتعلق بنشر ثقافة السلام وفي ذات الوقت العمليات الفنية مثل إعادة ودمج القوات العسكرية للأطراف التي وقعت اتفاقيات السلام.

للبعثة دور غير معلن يتمثل في عرقلة طموحات المكون العسكري للسيطرة على الحكم ودعم المدنيين في السلطة

ومن غير المستبعد أيضا أن تطلب الخرطوم وساطة الأمم المتحدة في خلافاتها مع إثيوبيا حول سد النهضة، وأبلغ مصدر مأذون له  في وزارة الري السودانية لـ«المجلة»أن من بين سيناريوهات السودان للتعامل مع ملف سد النهضة، تدخل الأمم المتحدة كوسيط من أجل الوصول إلى اتفاق ملزم حول تشغيل وإدارة السد قبل أن تقوم إثيوبيا بالملء الثاني لسد النهضة.

وكان فولكر بيرتس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة دعا خلال أول مؤتمر صحافي له كلا من السودان وإثيوبيا، إلى وقف التصعيد على الحدود بينهما، والعمل على تحقيق حل سلمي للنزاع على منطقة الفشقة.

وأوضح بيرتس أنه ناقش مع ممثل الاتحاد الأفريقي في الخرطوم، سبل التعاون بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لتحقيق السلام في المنطقة، محذراً مما عدّه «سوء تقدير من تصعيد المواقف».

وقال إنه «أمر يبعث على القلق»، في ظل التوتر على طول الحدود والاشتباكات المتقطعة والخطاب الساخن، وكذلك التقارير عن الحشود العسكرية في المنطقة الحدودية.

وشدد بيرتس على أهمية تبنّي المجتمع الدولي، التزام السودان وإثيوبيا المعلن بشأن حل دبلوماسي وسلمي لإنهاء الصراع في المناطق الحدودية بين الدولتين.

ويفهم من كل ذلك أن للبعثة الأممية أدوارا ضمنية كجزء من مهامها في السودان، وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي قرشي عوض إن للبعثة دورا غير المعلن عنه يتمثل في عرقلة طموحات المكون العسكري للسيطرة على الحكم ودعم المدنيين في السلطة لاستكمال مهام متفق عليها دوليا، ورأى أن البعثة نفسها أنشئت بتوافق بين الدول المؤثرة في المجتمع الدولي وهدفت إلى إرسال رسائل ضمنية إلى دول الإقليم أو الداخل لعدم عرقلة المسار الانتقالي نحو الديمقراطية في السودان.

ورأى عوض أن أهداف البعثة يقرأ على أساس مدى تحقق الاستقرار وإعادة السودان للإنتاج من خلال دورها في تغيير التوجه السياسي التنموي في السودان رغم أنه يستبعد ذلك لأن البعثة الدولية تسعى لإعادة السودان للتعامل مع المجتمع الدولي بشروطه السياسية والاقتصادية بدلا عن مساعدته في تحقيق التنمية المتوازنة التي يعد اختلالها من أبرز مشكلات السودان وأهم مسببات عدم استقرار الدولة سياسيا.

 

 

الممثل الخاص للأمين العام فولكر بيرتَس مع وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي

لكن الدكتور خالد المبارك وهو الذي عمل لفترة ملحقا إعلاميا في سفارة السودان بلندن يصف دور البعثة الأممية بأنه مهم للغاية خصوصا وأن على رأسها ألمانياً، إذ إن دولة ألمانيا لها خبرة في التحول الديمقراطي مرتين من النازية للديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية ومن حكم الحزب الواحد للتعددية عند توحيد ألمانيا وانهيار الحكم الشيوعي في الجزء الشرقي. كما أن لدى ألمانيا تاريخا مع دارفور منذ الحرب العالمية الأولى عندما انحازت سلطنة دارفور لألمانيا وتركيا، كما أن حركة العدل والمساواة أعلنت يوم 2 أغسطس 2002 في هانوفر بألمانيا  وكنت حاضرا لتلك المناسبة.

وفي حديثه لـ«المجلة»قال المبارك إن اتفاقية سلام جوبا لسلام السودان بها استحقاقات كثيرة يصعب على السودان أن  يستكملها لوحده، وأن الشق الأمني  في منتهى الأهمية لأن أسس النزاعات القبلية لم تختف بعد الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، كما يمكن للبعثة أن تلعب دورا مهما في دعم السودان لمعالجة مشكة التصحر المستمر الذي يتسبب في الاحتكاك بين الرعاة والمزارعين ويشكل خطرا دائما إضافة لاستمرار الحزازات التاريخية التي تقتات على انتشار الأمية.

 

ليس باستطاعة البعثة حل مشاكل السودان كلها، والأمر في يد السودانيين أنفسهم

ورأى أن أهمية القوات الدولية تحت الفصل السادس لمساندة التحول الديمقراطي ومساندة السودان في معالجة بعض المشكلات التي تسببت فيها الحروب رغم كونها عملية طويلة تحتاج إلى سنوات وإرادة سياسية.

أما أستاذ العلوم السياسية الدكتور كباشي البكري فيرى أن نجاح عمل البعثة يتطلب العديد من العوامل المهمة للضمان في مقدمتها برنامج سياسي وطني متوافق عليه تتصالح فيه القوى السياسية المدنية الحالية  وفق محددات ثابتة ومعروفة يصل فيها الجميع للانتقالبعيدا عن الصراعات والإقصاءات من أجل الوصول لهدف التحول الديمقراطي.

وقال إن الأمر يتطلب أن تعمل المكونات الموجودة في المشهد السياسي السوداني، من المكون العسكري والمدني وشركاء السلام، العمل في تناغم تام وليس في اختلاف وتشاكس وضياع للأدوار وتضارب في المهام والأدوار وأن يتقاسم المكون الحاكم وحواضنه السياسية فرص نجاح وفشل هذه البعثة في الوصول بهذه الفترة الانتقالية إلى عملية الانتخابات وبناء وإصلاح المؤسسات، وأن أي خلل في تحقيق هذه الأهداف سوف يكون مهدداً مباشرا لدور البعثة الأممية.

font change