لماذا لا يريد عون إنقاذ عهده؟

لماذا لا يريد عون إنقاذ عهده؟

بيروت: «ذاهبون إلـي جهنم»..عبارة قالها الرئيس اللبناني ميشال عون للبنانيين في سبتمبر (أيلول) الماضي، ومنذ ذلك الوقت واللبنانيون يختبرون جهنّم في كلّ الطرق والوسائل، فالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها البلاد جعلت المواطن اللبناني يعيش كل أنواع الذّل والحرمان والنقص والعوز، فسعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية في ارتفاع جنوني، وأزمات كبيرة تعصف بقطاعات عدّة كقطاع الصحة والصناعة والزراعة، وأزمة وقود ودواء وحليب أطفال وغيرها من الأزمات التي لا تعدّ، أمّا رئيس الجمهورية القابع في قصره فلا يزال يحتجز تشكيلة حكومية تنتظر توقيعه، أمّا فريقه السياسي فبات بارعا في نسف أي مبادرة جديدة يستنشق منها اللبنانيون أملا بأن تضع حدا لهذه الأزمات.

سنة وأشهر قليلة وينتهي عهد عون الذي بشّر اللبنانيين يوما ما بأنّه «سيسلم الرئيس المقبل وطنا أفضل بكثير مما هو عليه»، رفع شعار محاربة الفساد وسَوق المتهمين إلى قوس العدالة، ووعد بأنّ عهده سيحفظ كرامة المواطن، أمّا صهره فبرع في تقديم الوعود الرنانة من كهرباء 24/24 إلى عودة من سماهم «المنتشرين»، فجال العالم للقائهم في اغترابهم وانهال عليهم بالوعود وباقتراب عودتهم إلى حضن الوطن واسترجاع هويتهم، ولكن الحقيقة أنّ حلم «الانتشار»بات يراود كلّ اللبنانيين المقيمين الذين سئموا من «عهد الفشل والذل»كما يسمونه، فلا داعي لتكرار ما يعانيه اللبناني في يومياته، حتى إنّ أخبار لبنان باتت منتشرة في الصحف ووسائل الإعلام العربية والدولية؛ فلبنان الذي كان يوما سويسرا الشرق، وقلبه النابض، بات أنين أهله يسمع في كلّ أصقاع الأرض، إلاّ في بعبدا حيث ساكن القصر لا يريد أن يقدّم أي تنازل لكي ينقذ الشعب والعهد من وصمة عار ستلحقه إلى أبد الآبدين.

فمنذ أشهر يعيش اللبنانيون في دوامة تشكيل الحكومة، وإطلاق المبادرة تلو الأخرى، أولها مع المبادرة الفرنسية التي اشترطت مساعدة لبنان في تشكيل حكومة من أخصائيين بعيدة عن الأحزاب وطريقة توزيع الحقائب التي كانت سائدة في تشكيل الحكومات السابقة، وإذ يفاجأ اللبنانيون برفض عون تشكيلة الرئيس المكلف سعد الحريري والتي أعلن عنها أمام الرأي العام والتي ضمت أسماء لا ينتمون إلى أحزاب سياسية ويحملون سيرا ذاتية ناجحة في مجالاتهم، وأيضا كشف الحريري عن «نموذج»أرسله عون عبر دراج للحريري متجاوزا أصول التشاور بين الرؤساء، ضمّ توزيعة للحقائب الوزارية مع مذاهبهم والجهة الحزبية التي ستسمي الوزير، خاتماً رسالته بـ«يستحسن تعبئتها»، وهذا ما يتعارض مع الدستور والمبادرة الفرنسية، أمّا ما ينفيه عون ويؤكّده الحريري هو مطالبة الأول بثلث معطل داخل الحكومة، إضافة إلى إصراره على تفرده في تسمية الوزراء المسيحيين، وهذا المطلب الذي يصرّ الحريري على رفضه ويؤكد أنّه لن يسمح بتسجيل سابقة غير دستورية، كون رئيس السلطة التنفيذية هو رئيس حكومة كل لبنان وليس المسلمين فقط، كما أن رئيس الجمهورية هو رئيس كل اللبنانيين وليس رئيس المسيحيين فقط.

أمّا آخر المبادرات التي بثّت حولها الكثير من الايجابية فهي مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اقترح توسيع الحكومة إلى 24 وزيرا بدلا من 18 وزيرا كما كان يصرّ الحريري، لا ثلث معطلا فيها لأحد، المبادرة حتى اليوم لم يتمّ نعيها، إلاّ أن كل المراحل التي مرّت بها تشير إلى أنّها ستنتهي كما سابقاتها، خصوصا مع بيان رئيس الجمهورية الذي اعتبر فيه أنّ «المرجعيات والجهات التي تتطوع للمساعدة في تأليف الحكومة مدعوة للاستناد إلى الدستور والتقيد بأحكامه وعدم التوسع في تفسيره لتكريس أعراف جديدة ووضع قواعد لا تأتلف معه»، ورأى البيان أنّ «الزخم المصطنع الذي يفتعله البعض في مقاربة ملف التشكيل لا أفق له»، وهذا ما اعتبره محللون أنّه نسف لمبادرة بري وهجوم غير مباشر على رئيس المجلس، وبالتالي الأسبوع الحالي سيكون أسبوعا حاسما في ملف الحكومة التي يستبعد أن تنتهي بالتشكيل.

ولكن بعد كلّ هذا، لماذا يصرّ عون على عدم تشكيل حكومة، وبالتالي إبقاء اللبنانيين غارقين في قعر الأزمة الاقتصادية التي تزداد حدة يوما بعد يوم، لا أحد يملك جوابا واضحا، ولكن هل يغفل أن التاريخ سيكتب بأن اللبنانيين مروّا بأسوأ أزمة اقتصادية من بين أسوأ الأزمات في العالم في عهده؟ ألم يعلم أن التاريخ سيسجل أن أطفال لبنان فقدوا الحليب في عهده وأن بعض المرضى اضطروا إلى إجراء عمليات جراحية من دون بنج في عهده؟ ألم يرى طوابير «الذل»أمام محطات الوقود وأفران الخبز بعدما كانت الطوابير بالنسبة للبنانيين محصورة أمام شبابيك التذاكر للمسارح والمهرجانات التي كانت تستضيف أهم الفنانين من الوطن العربي والعالم؟ ألم تصله المقاطع المصورة لاشتباك اللبنانيين في المحال التجارية على المواد الغذائية المدعومة؟

نعم سيسجل التاريخ أن عهد عون هو أسوأ العهود التي مرّت وستمرّ على اللبنانيين، في عهده اختبر اللبنانيون كل أنواع الذل، فقدوا أموالهم، وقيمة رواتبهم، فقدوا كرامتهم، في عهده تناقل اللبنانيون بحسرة وقهر وغضب على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا للإعلامي عمرو أديب وهو يستعطف العرب لكي يساعدوا أطفال لبنان- مشكورا- بعدما كان يخبر سابقا عن جمال لبنان وثقافته وانفتاحه وصفات أهله وكرمهم ولذّة مأكولاتهم. الأزمة الاقتصادية ستنتهي بالتأكيد وعهد عون سيذهب في القريب العاجل ولكن بالتأكيد لعنة التاريخ ستلاحق كل من كان السبب في قهر وحرمان هذا الشعب العظيم.

font change