الابتكار المائي في السعودية: استخراج المياه النقية من الهواء والشمس

أساليب غير تقليدية في إنتاج مياه الشرب

1- «البحر الأحمر» أول وجهة بالعالم تقدم مياها معبأة مستخلصة من الغلاف الجوي

الابتكار المائي في السعودية: استخراج المياه النقية من الهواء والشمس

جدة: بعيداً عن مياه البحر المحلاة والمياه الجوفية والسطحية وتلك المحتجزة في السدود من هطول الأمطار، بدأت السعودية في اتخاذ خطوات جريئة لإنتاج مياه الشرب المعبأة من مصادر غير تقليدية في بحث متواصل عن استدامة الإمدادات مع التركيز على توظيف موارد الطاقة المستدامة في عملية الإنتاج.

استخراج الماء من الهواء باستخدام الألواح العاملة على الطاقة الشمسية هو أحدث التجارب السعودية في سبيل توفير مياه الشرب المعبأة لأعداد متنامية من المستهلكين. ورغم أن التقنية موجودة على مستوى العالم منذ سنوات على نطاق محدود، فقد بدأ إعلان شركة البحر الأحمر السعودية أواخر مايو (أيار) الماضي فرصة لاختبار تقنية الإنتاج الجديدة بشكل مؤسسي. وتقوم الشركة حالياً بتطوير مجموعة من الجزر والفنادق مع مطار ومرافق سياحية. ومن المقرر أن تفتتح أولى فنادقها العام المقبل.

نستكشف سوياً أحوال الوضع المائي السعودي وصناعة المياه المعبأة في المملكة حالياً وتقنية إنتاج الماء من الهواء وأشعة الشمس ومدى أهمية الخطوة الجديدة في رفد سوق المياه السعودية بمنتجات مبتكرة من سوق مياه الشرب المعبأة، وكذلك الآفاق التي تفتحها أمام مزيد من الأساليب المبتكرة في تنويع مصادر المياه في المملكة.

الألواح الهيدروجينية لإنتاج المياه من الغلاف من الإنتاج الجوي

الوضع المائي العام   

وفقاً لموقع المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، تنتج السعودية 5.9 مليون متر مكعب يومياً عبر 32 من محطات تحلية المياه على الساحلين الشرقي (الخليج العربي) والغربي (البحر الأحمر)، فيما يأتي باقي استهلاك المملكة من مصادر الأمطار والمياه الجوفية والسطحية لأغراض الاستخدام الحضري والزراعي والتجاري.

ووفقاً لآخر نسخة من الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة البيئة والمياه والزراعة، الصادر في النصف الثاني من العام الماضي، فقد بلغ استهلاك المياه في السعودية للأغراض الحضرية (بشقيها السكني والتجاري) ما يقارب 3.5 مليار متر مكعب عام 2019، علماً أنه كان في حدود 2.28 مليار متر مكعب عام 2010، أي أن استهلاك المياه للأغراض الحضرية، زاد بنسبة 65 في المائة بنهاية العقد الثاني من الألفية.

ويشكل استهلاك المياه للأغراض الحضرية نحو 23 في المائة، فيما تمثل الأغراض الصناعية 9 في المائة من الاستهلاك بإجمالي 1.4 مليار متر مكعب. أما الأغراض الزراعية، فإنها تستحوذ على حصة الأسد بإجمالي 10.5 مليار متر مكعب. وهكذا بلغ حجم استهلاك المياه عام 2019، وهو أحدث ما يتوفر من إحصائيات حتى الآن في حدود 15.4 مليار متر مكعب سنوياً.

ورغم أن السعودية هي الدولة الأولى في إنتاج المياه المحلاة على مستوى العالم، إلا أنها لا تغطي سوى نحو 13.9 في المائة من مجمل استهلاك المياه في السعودية. أي أن الاعتماد الأساسي لا يزال على المصادر الطبيعية على عكس الاعتقاد السائد بأن المملكة من دول العالم المعتمدة كلياً على تحلية مياه البحر.

 

ماذا عن المياه المعبأة؟

بدأت صناعة مياه الشرب المعبأة أواسط عقد السبعينات من القرن الماضي، فيما يقدر عاملون في صناعة مياه الشرب المعبأة في عبوات بلاستيكية أو زجاجية أن الإنتاج الحالي يصل إلى نحو 7 مليارات لتر سنوياً. أما عدد الشركات العاملة في القطاع، فيبلغ نحو 500 شركة، بإجمالي استثمارات 8-10 مليارات ريال (2.6- 2.13 مليار دولار) في 13 منطقة إدارية. كما تنتج السعودية وتستهلك المليارات من العبوات البلاستيكية بمختلف أحجامها.

أما بالنسبة للمياه المعبأة المستوردة، فإن حصتها تتراوح بين 5 في المائة و10 في المائة من مجمل السوق، حيث تقدر قيمتها بين 500 و750 مليون ريال (130 إلى 200 مليون دولار). وتأتي معظمها من فرنسا وإيطاليا واليونان واسكتلندا والإمارات العربية المتحدة ولبنان.

 

الهواء والشمس لإنتاج الماء النقي

يقوم مشروع شركة البحر الأحمر لاستخراج الماء النقي من الهواء وأشعة الشمس على شراكة مع شركة سورس غلوبال العالمية، فيما يرتكز مبدأ عملها على تثبيت 1200 لوح وفقاً للآلية التالية:

أولاً: تزود الطاقة الشمسية الألواح بالطاقة اللازمة لتشغيل المراوح المثبتة لإدخال الهواء.

ثانياً: يدخل الهواء إلى داخل أنابيب قادرة على امتصاص ذرات بخار الماء الدقيقة من الهواء.

ثالثاً: يجري تكثيف ذرات البخار لتتحول إلى سائل يتم جمعه في خزانات خاصة.

رابعاً: يتكون لدينا ماء مقطر، ثم تجري إضافة الأملاح والمعادن إليه ليكون صالحاً للشرب.

خامساً: يجري تعبئة الماء في قوارير زجاجية قابلة لإعادة التعبئة.

ومن المقرر إنتاج 300 ألف قارورة بسعة 330 مل في المراحل الأولية للمشروع مع تركيب 100 لوح لاستخلاص المياه من الهواء، وصولاً إلى مليوني قارورة سنوياً.

وسوف يتم إنتاج المياه بمسمى العلامة التجارية «SOURCE»، وسوف تكون متاحة للعاملين في مشروع شركة البحر الأحمر والسياح القادمين إلى المشروع.

جانب من أعمال البناء والتأسيس في «مشروع البحر الأحمر» غرب السعودية

الحياد الكربوني

تحرق السعودية نحو مليوني برميل نفط يومياً (ترتفع إلى 3 ملايين برميل صيفاً) من أجل إنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر المالحة، إلا أن مشروع شركة البحر الأحمر في إنتاج الماء النقي باستخدام الهواء وأشعة الشمس، يراعي مبدأ الحياد الكربوني، أي أنه لا توجد غازات أو انبعاثات ضارة بالبيئة نتيجة العملية.

وقد دأبت السعودية في الأعوام الأخيرة على تبني مبدأ الحياد الكربوني في مشروعاتها العملاقة الجديدة مثل«نيوم»،و«ذا لاين»و«البحر الأحمر»، وكلها مشروعات مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، الأمر الذي يعني أن السعودية بدأت تتبنى قضايا البيئة في صلب قراراتها الاقتصادية على أعلى مستوى.

 

قيادة الابتكار المائي

من المعروف أن تقنيات الطاقة النظيفة أعلى تكلفة من الطاقة الأحفورية، لكن توطين المعرفة والصناعات المتعلقة بالطاقة النظيفة، هو ما سيخفض التكاليف على المديين المتوسط والطويل.

إن حجم الإنتاج الكلي لمشروع شركة البحر الأحمر السعودية لاستخراج المياه من الهواء وأشعة الشمس، الذي يصل إلى مليوني عبوة عند اكتمال المشروع، وكذلك اقتصاره على السياح في الجزر التي تطورها الشركة، يؤكد أن الهدف ليس الإنتاج الجماهيري أو تحقيق أرباح من المياه المعبأة، بل إنه يمكن من اختبار تقنية جديدة وتوطينها، ومواصلة البحث لخفض التكاليف أكثر وأكثر.

إن إلهام منتجي المياه المعبأة في المملكة بالبحث عن أساليب غير تقليدية للإنتاج، إلى جانب نشر تقنية استخلاص المياه الجديدة في بلاد تنعم بضوء الشمس والهواء على مدار العام، يساهم في تقدم المملكة على صعيد الابتكار في إنتاج المياه وقيادة مستقبل المياه في البلاد ذات الطبيعة الصحراوية أو تلك التي تعاني ندرة في المياه والتوسع نحو إنتاج المياه للاستهلاك المنزلي والصناعي والزراعي، وصولاً إلى إبعاد شبح شح المياه عن الأجيال المقبلة لدى المملكة وجيرانها، الذين يشاطرونها مشكلات نقص المياه وهموم الاستدامة!

font change