الإنقسام الإثني في أفغانستان يشكّل تحدياً جديداً لتشكيل الحكومة

عودة إلى تاريخ الجماعات العرقية

مقاتل من طالبان يمشي أمام صالون مع صور لنساء مشوهة في كابول ( أ ف ب)

الإنقسام الإثني في أفغانستان يشكّل تحدياً جديداً لتشكيل الحكومة

يدخل الإنقسام الإثني في قلب الصراع السياسي في أفغانستان، لا سيّما على خط تشكيل الحكومة المترقبة. وتمثل المجموعات الإثنية أغلبية سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليوناً، ما يجعل الإنقسامات تمثل تحدياً دائماً للاستقرار.
الجماعات الإثنية بشكل عام هي الجماعات العرقية، يُصعب تعريفها  أكاديمياً. فيما يتعلّق بأفغانستان، يرى الباحثون أن الجماعات العرقية موجودة منذ زمن طويل، وهي عبارة عن وحدات ثقافية صلبة مقسّمة بحدود واضحة، شاركت في صراع لمئات السنين.
لدى مراجعة تقارير العملاء والجنود والمستكشفين البريطانيين، نجد أنّ مصطلح "مجموعة عرقية" لم يكن معروفًا تمامًا في القرن التاسع عشر. وقد استخدم العديد من المؤلفين فئات ومراجع مختلفة في مساعيهم لوصف وتعريف سكان أفغانستان. خير مثال على هذا الغموض هو تقرير أعده هنري بيلو  تحت عنوان "The Races of Afghanistan"، كونه يجسد وصفًا موجزًا للدول الرئيسية التي تعيش في البلاد؛ فالعنوان يعني "الأجناس" و"الأمم".

الجماعات الإثنية عبر التاريخ

اعترف الدستور الأفغاني لعام 2004 رسمياً بأكثر من 12 مجموعة إتنية. بالإضافة إلى المجموعات الأربع الكبرى (البشتون، الطاجيك، الهزارة، الأوزبك)، تم أيضا إدراج شعوب إيماق البدوية والتركمان والبلوش.
هنا، يتبادر إلى الذهن السؤال عن سبب ارتقاء المجموعات العرقية إلى تصدّر المشهد السياسي في أفغانستان. للإجابة على هذا السؤال، يتحتم النظر إلى الوراء في التاريخ؛ حيث كانت الدولة الأفغانية قد أنشأتها القوى الاستعمارية المتنافسة، الهند البريطانية، وروسيا في نهاية القرن التاسع عشر.
وكانت الأسرة الحاكمة من البشتون، حيث توجتها الهند البريطانية، وفضلّت عناصرها على مفهوم الدولة القومية؛ فيما يرى متابعون أنّ هذا هو السبب في أن كلمة "أفغاني" هي المرادف الفارسي لكلمة بشتون.

أبرز الأحداث منذ دخول مقاتلي طالبان إلى أفغانستان


كانت لغة الباشتونية هي اللغة الوطنية الأفغانية، وكان التاريخ الأفغاني مكتوبًا من وجهة نظر البشتون. استخدمت سياسة الأسرة الحاكمة الأنماط العرقية التي نشأت من أجل تنظيم الوصول إلى السلع والمكاتب العامة، وكان البشتون يتمتعون بامتيازات في جميع المجالات ويهيمنون على الجيش.
وتم تسليم جماعة الطاجيك إدارة اقتصاد أفغانستان والمؤسسات التعليمية، في حين تم تهميش الهزارة بشكل عام. وهذا ما ساهم في تكوين قوالب نمطية عرقية: فالبشتون كانوا يعتبرون "محاربين"، ويقال إنّ الطاجيك "مقتصدون"، وعرف الأوزبك بأنهم "متوحشون" والهزارة على أنهم "أميون" و "فقراء". على هذا الأساس، تم خلق تسلسل هرمي عرقي، دون احتدام صراعات تذكر.


أمّا السبب الرئيسي لانخفاض حدة النزاعات كان التناقض الهائل بين المناطق الريفية والحضرية. ولم تكن العاصمة كابول ذات أهمية كبيرة لسكان المناطق الريفية في أفغانستان؛ حيث بقيت الجماعات غير واضحة المفاهيم بالنسبة للسكان الأفغان ولم يتم مراعاتها حينها في أطر العمل الجماعي. وبناءً عليه، فإنّ الأفغان العاديين لم يعبروا عن الإرادة السياسية للتغلب على التسلسل الهرمي العرقي الذي نصت عليه الدولة، إلاّ أنّهم اعترفوا بالدولة القومية كعامل يتدخل بالقوة في حياتهم الاجتماعية وليس كمفتاح للوصول إلى الموارد (مثل المكاتب أو حقوق الأرض).

أفغانستان موطن النزاعات العرقية

تعد أفغانستان موطنًا للعديد من النزاعات العرقية، لكن أكثرها حدة هو الصراع بين البشتون، أكبر مجموعة عرقية، والجماعات الأخرى (بما في ذلك الطاجيك والأوزبك والهزارة). أمّا حركة طالبان، التي نشأت من السكان البشتون، والتي تملك "إرثاً" يتمثل في السعي للسيطرة على السلطة، ولدت متمردة من خلال شبكات التحالفات المضادة المتغيرة.
في المقابل، أثبتت جهود الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لإجراء انتخابات ديمقراطية وتعزيز تنمية اقتصادية، أنها غير فعّالة، حيث لم يكن لدى أي مجموعة عرقية سبب لتصوّر "شرعية" الدولة المركزية الأفغانية، بحسب مفهومهم. كما وجدت الدول الغربية نفسها في صراع عرقي قديم ولم يكن بإمكانها السيطرة عليه إلا عسكريًا.
تجدر الإشارة إلى أنّ أفغانستان  حلّت العام الماضي في المركز الرابع كأخطر بلد في العالم في مؤشر الشعوب المهددة الذي أعدته مجموعة حقوق الأقليات الدولية. وأفاد التقرير الحقوقي أن جميع المجموعات الإثنية في البلاد تواجه خطر اضطهاد عنيف منهجي وقتل جماعي.

رئيس الأركان الأميركي: لم يتوقّع أحدّ منّا انهيار القوات الأفغانية خلال 11 يوماً


 لمحة موجزة عن المجموعات الإثنية الرئيسية

البشتون هم أكبر مجموعة إتنية في أفغانستان ويشكلون أكثر من 42 في المئة من السكان. فقد هيمنت هذه المجموعة التي يغلب عليها السنّة وتتحدث لغة البشتو، على المؤسسات السياسية الأفغانية منذ القرن الثامن عشر.
وشدد العديد من قادة البشتون على مر السنوات على "الأحقية في حكم" أفغانستان، ما أثار غضب المجموعات الإثنية الأخرى.
وطالبان التي سيطرت على أفغانستان للمرة الثانية بعد فترة حكمها الممتدة من 1996 إلى 2001، هي جماعة معظم المنتمين إليها من البشتون.
حتى أن الرئيسَين في ظل الحكومات السابقة المدعومة من الولايات المتحدة، حميد كرزاي وأشرف غني، هما من إتنية البشتون.
وأثارت هيمنة البشتون، المتمركزة تقليدياً في جنوب البلاد وشرقها، استياء الإثنيات الأخرى بسبب التهميش السياسي والاقتصادي والثقافي.
الطاجيك هم ثاني أكبر مجموعة إتنية في أفغانستان، ويشكلون أكثر من ربع عدد السكان. واللغة الرئيسية التي تستخدمها إتنية الطاجيك هي فرع من اللغة الفارسية تسمى داري، وهي أيضا لغة مشتركة في أفغانستان. وتتوزع المجموعة بشكل رئيسي في شمال البلاد وغربها، ولديها معاقل في وادي بانشير ومدينة هرات (غرب) وبعض الولايات الشمالية. ويشتهر وادي بانشير بمقاومته للإحتلال ليس فقط السوفياتي في الثمانينات بل أيضا نظام طالبان السابق. ورغم عدم هيمنتهم سياسياً، ظهر عدد من القادة الطاجيك البارزين في العقود الأخيرة. ويتصدر القائد الراحل أحمد شاه مسعود الذي يحمل لقب "أسد بانشير" وحارب الجيش الأحمر وطالبان، تلك القائمة بين الأفغان. وعلى القائمة أيضا برهان الدين رباني وهو طاجيكي من ولاية بدخشان في شمال البلاد تولى رئاسة البلاد بين عامي 1992 و1996 قبل سقوط كابول في أيدي طالبان.
أما عبد الله عبد الله، الرئيس التنفيذي السابق ومفاوض السلام الرئيسي عن النظام الأفغاني السابق، فهو مختلط الإثنية، بشتوني-طاجيكي، لكن ينظر إليه على نطاق واسع على أنه طاجيكي.
إثنية الهزارة التي يُعتقد أن لها أصولا بين شعوب آسيا الوسطى والشعوب التركية، تشكّل حوالى 10 في المئة من السكان وهي متمركزة أساساً في وسط أفغانستان؛ وتتحدث بلهجة الداري وغالبيتها من المسلمين الشيعة.
واجهت هذه المجموعة اضطهادا وتمييزا عنيفين في أفغانستان على أساس الدين والإثنية لأكثر من قرن.
ونفّذت مذابح بحقها في ظل مختلف الحكومات الأفغانية في العقود الأخيرة، لكن خصوصا في ظل حكم طالبان، وهم مسلمون سنة متشددون وصفوا الشيعة بأنهم كفار.
كما استهدف متشددون آخرون في أفغانستان، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، الهزارة بهجمات قاتلة بالقنابل، ولم يوفروا حتى مدارسهم ومستشفياتهم.
تشكل إتنية الأوزبك الأفغان أيضا حوالى 10 في المئة من السكان، وتتمركز بشكل رئيسي في شمال البلاد قرب الحدود مع أوزبكستان.
وهذه الإثنية، وهي من الشعوب الناطقة بالتركية، معظمها من المسلمين السنة.
ومن بين أشهر الأوزبك الأفغان، أمير الحرب عبد الرشيد دوستم الذي حارب مع السوفيات ضد المجاهدين قبل أن يغير ولاءه ويؤسس معقله الخاص في مدينة مزار شريف في شمال البلاد.
وهو كان شخصية بارزة في التحالف الشمالي الذي ساعد على إنهاء حكم طالبان بعد الغزو الأميركي عام 2001، وانضم لاحقا إلى إدارة غني كنائب أول للرئيس. وفر إلى أوزبكستان عندما سقطت مزار شريف في يد طالبان خلال آب/أغسطس الجاري.
كما تضمّن شعب النورستانيين في شمال شرق أفغانستان الذين أرغموا على اعتناق الإسلام في القرن التاسع عشر.

بين ترامب وبايدن... من أخفق ومن نجح في أفغانستان؟
font change

مقالات ذات صلة