هل يُقبل لبنان على «7 أيار» جديد؟

هل يُقبل لبنان على «7 أيار» جديد؟

يعيش لبنان لحظات حرجة ومتشنجة منذ أحداث عين الرمانة وصولا إلى الأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج على أثر تصريح وزير الإعلام اللبناني الذي تضامن مع الحوثيين في وجه المملكة العربية متهما إياها بخوض حرب عبثية. يرافق هذا التشنج بروباغندا إعلامية أبطالها لبنانيون صحافيون وكتاب رأي أو قادة رأي يعيشون في لبنان وبعضهم يعمل في الولايات المتحدة الأميركية لدى معاهد أو مراكز التفكير يبدو أنهم يعملون كفريق واحد. هناك خيط ما يربط بين المقيمين والمغتربين صحافيين وكتاب رأي، بحيث إن المعلومة التي تُكتب أو الخبر الذي يُنشر يعمل كالصدى بين بيروت وواشنطن والعكس صحيح.

بكل موضوعية لم تصب هذه المجموعة في أي موضع كتبوا عنه أو تناقلوه وليس معروفا بعد إن كانت تخطئ عن قصد أم إنها تعيش خارج إطار الواقع، وتختلق واقعا وهميا ومضللا. الأمثلة على هذا النهج كثيرة مثل المعلومات والمقالات والتحليلات التي تناولت أوضاع حزب الله في سوريا، والتي تحدثت في عزّ الحرب عن قرب عودته إلى لبنان، مثالا آخر أيضا موضوع مالية الحزب وأخبار إفلاسه أو حتى الإخبار عن العراك القائم بين موسكو وإيران في سوريا.. إلخ. لا شيء من هذا طبعا تحقق أو كان صحيحا. الملاحظ اليوم أن نفس النمط من التضليل والتحاليل تتناول الأوضاع اللبنانية والأحداث الأخيرة التي كانت آخرها إشكال عين الرمانة والأزمة الدبلوماسية القائمة بين لبنان والمملكة العربية السعودية.

يعتقد البعض أن حزب الله مطوق جغرافيا، وأن في عين الرمانة تصدى «الأهالي» لغزوة الثنائي الشيعي تماما كما في خلدة أو في شويا. يقول البعض إن حزب الله ضعيف جدا، وإن إيران ستتخلى عنه وإنه لم يعد يملك القدرات المالية نفسها، نظرا لانعدام قدرات مموله، طبعا من دون أن يقدم أصحاب تلك النظريات دليلا ماديا أو حسيا واحدا عن هذه المعلومات.

في المقابل ينبري نفس الأشخاص إلى اتهام حزب الله بالسيطرة على لبنان ويدعو العالم لمساعدة اللبنانيين على إزالة ما يسمونه الاحتلال الإيراني من خلال دعم المؤسسة العسكرية ودعم القضاء اللبناني وحماية المجتمع المدني. ثم هناك من يقول بفقدان الحزب لشعبيته داخل بيئته الحاضنة ناهيك عن بهلوانيات تحليلية تسعى لربط دول المنطقة كلها بالحدث اللبناني. هناك بعض حسابات لقادة رأي على منصات التواصل الاجتماعي تصيب قارئها بدوار لكثرة الاتجاهات المعاكسة التي تسلكها في آن.

هذه عينة مما يقال ويكتب في هذه الدوائر، وهي للأسف تتجاهل الوقائع السياسية التي تصدى لها الشرق الأوسط عن قصد أو عن جهل. بعض ما يقال سخيف ولا يحتاج إلى جهد لدحضها كموضوع تطويق حزب الله في مناطقه، فأي متابع مهما بلغت سذاجته يعرف تماما أن حزب الله بفضل انتشاره في سوريا بات يطوق هو لبنان من كل مكان.

وفي المقاربة العامة للأوضاع اللبنانية من الصعب جدا فصلها عن التطورات الإقليمية التي حتى الساعة تصب مجملها لمصلحة الإيرانيين وأذرعها في المنطقة ومن ضمنها حزب الله. هناك سعي جدي وحثيث من قبل إدارة بايدن لإعادة تفعيل الاتفاق النووي مع إيران وهي باشرت برفع بعض العقوبات عن كيانات إيرانية كمجموعة ماموت الصناعية (ماموت إندستريز) وفرعها ماموت ديزل كبادرة حسن نية تجاهها كما أشارت تقارير عن توجه تلك الإدارة عن رفع العقوبات عن مرشد الجمهورية الإيرانية أيضا. وفي هذا المجال تغاضت الولايات المتحدة عن تصدير إيران البترول إلى لبنان،ولم تتخذ أية  إجراءات عقابية على الدولة اللبنانية لا بل ذهبت إلى حد السماح للبنان باستجرار الغاز من سوريا وإعفاء هذا الأمر من عقوبات قيصر. أضف إلى ذلك كله استماتة تلك الإدارة على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من أجل تسريع عملية استخراج الغاز انطلاقا من الجنوب الذي سيستفيد منه بالأساس جمهور الثنائي الشيعي.

حتى في الأزمة الدبلوماسية الأخيرة كان متوقعا أن يستقيل وزير الإعلام أو بعض الوزراء المحسوبين على تيار المستقبل مثلا اعتراضا على عدم احترام لبنان مبدأ النأي بالنفس عن الموضوعات الخلافية بين الدول العربية. هذا لم يحصل ويقال إن الغربيين نصحوا رئيس الحكومة بعدم الاستقالة وقاموا بالاتصال بالمملكة العربية السعودية والإمارات لمعالجة الأمور بشكل يخفف الاحتقان والتشنج. هذا إن دلّ على شيء فهو عدم رغبة الدول الغربية في انزلاق لبنان إلى فوضى ما، وهذا يحتم الاعتراف بالواقع السياسي الحالي في لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله.

هل هناك نيّة لدى بعض الدول في إحداث فوضى في لبنان اليوم؟ أشك في ذلك لأنه لو كانت هذه النيّة موجودة لكانت استثمرتها هذه الدول في عز انغماس حزب الله في الحرب السورية قبل خمسة أعوام وهذا لم يحصل وقتها وأشك في إمكانية حصوله اليوم. هل هناك نية كما يقال سعودية في منافسة إيران في لبنان؟ أشك أيضا، إذ إن العلاقات السعودية اللبنانية تراجعت بشكل لافت ولم يعد هناك اهتمام بالملف اللبناني كما صرح مؤخرا وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان.

هل هناك فعلا قدرة على تغيير الواقع عبر الانتخابات النيابية أو عبر الاستثمار الغربي في المجتمع المدني كما يدعي البعض؟ لا أعتقد، إذ إنه ما زال لدى الأحزاب جمهور واسع وعريض يستطيع أن ينسى أزمته المالية والاقتصادية عند نداء الغريزة المذهبية، أما المجتمع المدني فهو يبدو حتى الساعة واجهة لبعض السياسيين التقليديين.

إذن ماذا في هذا السيل من المعلومات التي يتحدث عنها البعض وينشرها؟ هل هي مجرد قراءة خاطئة لدى هؤلاء البعض تنبع عن جهل أم إن هناك نيّة في استفادة مادية خاصة في مرحلة الانتخابات؟ لمَ لا؟ المهّم أن لا ينجر البعض أو يقتنع بتلك التحليلات ويقوم بمغامرة غير محسوبة النتائج يدفع الأبرياء وحدهم الثمن.

هكذا صار يوم 7 مايو (أيار) عندما ظن وليد جنبلاط- وعلى وقع تشجيع فيلتمان كما قال- أنه يستطيع التخلص من شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله والمسؤول الأمني التابع له في جهاز أمن المطار. النتيجة كانت كارثة. هل هناك من يحاول تكرار نفس التجربة؟

 

 

 

 

font change