الجنرال ديغول... عملاق الجمهورية الخامسة

الجنرال ديغول... عملاق الجمهورية الخامسة

الجنرال ديغول (1890 - 1970) هو أحد أبطال المقاومة ورجال الجيش، كما أنه رجل دولة من طراز رفيع، وهو - فضلا عن ذلك - كاتب فرنسي.
عرف ديغول منذ البداية بصفته رئيسًا لحركة «فرنسا الحرة» وقائدًا للجنة الفرنسية للتحرير الوطني أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان كذلك رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية من 1946 وحتى 1977، قبل أن يكون رئيسًا للوزراء منذ عام 1958 حتى عام 1959 ثم رئيسًا للجمهورية الفرنسية من 8 يناير (كانون الثاني) 1959 حتى 28 أبريل (نيسان) 1969.
للرجل ماضيه العسكري الطويل منذ تعيينه وزير دولة للحرب والدفاع أثناء حرب 1940، وأثناء الحرب رفض طلب المارشال بيتان للهدنة مع ألمانيا النازية، ومن خلال الإذاعة البريطانية بلندن وجه إلى الشعب الفرنسي نداءً في 18 يونيو (حزيران) يدعوهم بالانضمام إلى المقاومة.

وعاد الجنرال ديغول إلى السلطة إبان أزمة 13 مايو (أيار) 1958 أثناء حرب الجزائر، وتم انتخاب ديغول رئيسًا للجمهورية وكانت سياسته هي سياسة التمسك بالعظمة والتأكيد على دور المؤسسات والقوة المالية، وبعد ذلك بدأ ديغول في التنازل عن سياسة «الجزائر الفرنسية» رغم معارضة العسكريين، وأصبح ينادي بالاستقلال الوطني والتصالح مع ألمانيا وتنفيذ مشاريع الطاقة النووية الفرنسية وخروج فرنسا من حلف الأطلنطي.

يعتبر شارل ديغول أحد قادة فرنسا العظماء وأحد أهم كتابها. وحينما ننظر إلى تاريخ ديغول منذ البداية ندرك أنه كان نموذجًا يقوده دائمًا حبه لوطنه. أما عن تعامله مع قيادات الدولة فإن تعامله مثلا مع ميشال دبريه رئيس الوزراء الأسبق يعد نموذجًا للقيادة، وكذلك تعامله مع جاك فوكار (Jacques Foccart) فقد كان نموذجًا في الطاعة وكان مكلفًا بملف السياسة الأفريقية مع الجنرال ديغول قبل أن يعمل مع الرئيس جورج بومبيدو رئيس الوزراء قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية.

وجاءت بعد ذلك المهمة الكبرى التي تخص الجزائر وقام الجنرال بعدة رحلات وأصبح يجهز نفسه لخيار الاستقلال، وأعد الجنرال نفسه ليقترح الاستقلال الذاتي على الجزائريين.. ولم تنجح محاولة الانقلاب العسكري في 22 أبريل 1961 ولم تنجح بداية المفاوضات مع جبهة تحرير الجزائر ولكن تم التوقيع على اتفاقية إيفيان (Evian) بين فرنسا والجزائر في 22 مارس (آذار) 1962، بعد قبول استفتاء وافقت عليه فرنسا والجزائر ومنحت الاستقلال للجزائر وتحولت الأمور في 1962 وتخلصت فرنسا من حرب الجزائر ولكن ليس من توابعها، واستمرت الاعتداءات من طرف القوات المسلحة الإرهابية المسماة «O.A.S».
وللعلم فإن الجنرال ديغول لم يخسر يومًا صداقته للكتلة الغربية، كما حافظ دائمًا على صداقته ومودته مع كل الوزراء الذين عملوا معه فنجحوا في أداء واجبهم على أحسن وجه. ولعل من اللافت ذهاب الرجل يوميا إلى بيته (Colombey - les - Deux – Églises) ليكتب مذكراته حتى آخر يوم في حياته وفي حضور عائلته وكل أعضاء حركة التحرير.

أما عن عائلته، فكانت زوجته معروفة باحترامها للآداب والتقاليد وكان ابنها (فيليب ديغول) ضابطًا في البحرية، وبعد ذلك شغل عضوية مجلس الشيوخ منذ 1986 وحتى 2004.
كان للجنرال ديغول أسلوبه في القيادة، فقد كان يعرف كيف يقود رجاله ويطلب منهم الطاعة والنظام. أما مع وزرائه فقد اعتادوا أن يستمع إليهم قبل أن يقوم بتوجيههم، كما اعتاد السفراء أن يستمع ديغول إلى بعض نصائحهم بحكم تجاربهم الدبلوماسية والدولية. كما كانت له طريقته الخاصة في إلقاء خطاباته، وكانت له نبرة خاصة لا تنسى، وكانت عباراته المميزة وغير المعتادة، تؤثر في سامعيه، وأذكر أنني استمعت إلى خطاب ألقاه في قصر الإليزيه كان له أثره على الجميع.
وقد كان الجنرال معتدا بنفسه لدرجة الكبرياء بل والغرور. لكن أهم سماته على الإطلاق ذاك المستوى العالي من العلم والمعرفة الموسوعية.

font change