نحن لا نزرع الشوك (4)

طريق النور

نحن لا نزرع الشوك (4)

ولأننا لا نملك حجر الفلاسفة، فلا يمكن أن ندعي أن خارطة طريقنا هي السبيل الوحيدة لنهوض أمة الإسلام من كبوتها، ولكنها ومضات على رحلة التقدم التي ينبغي أن يبدأها المسلمون، وهو منى جهد المقل ولكنها دعوة للجميع ليدلوا بدلوهم وليساهم الجميع بإيمان واقتناع في وضع خطة عمل تتكون من مرحلة الإعداد وهي التي تختص بإزالة المفاهيم الخاطئة عند المسلمين وتنقية التراث واستخدام المنهج التجريبي في التعامل مع السنة المطهرة فما ثبتت صحته بالدليل القطعي الدلالة فهو صحيح دون مجاملة أو إضفاء حماية على أي تراث زائف.

 

ونبدأ بالعقائد، فليكن دستورنا الحاكم هو الآية الشريفة (لكم دينكم ولي دين). كما أن العقائد لا يجب أن تكون محل جدال وتناظر لأنها أمور قلبية يصعب تغييرها، فمن ولد مسلما أو يهوديا أو مسيحيا أو بوذيا يظل على دينه إما تعصبا أو بحكم العادات والتقاليد. إلا من رحم ربك، وقد ثبت بما لايدع مجالا للشك بأن الأمور الميتافيزيقية هي غيبيات ليس لنا أن نفكر كثيرا فيها فلا يستطيع أحد أي يهدي من أحب ولكن الله يهدي من يشاء، وبناءً عليه لا يجوز محاسبة أحد على إيمانه فالله وحده هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين، ولا عبرة بالطنطنة الفارغة في أمور عقائدية.

 

أما الأمور الفقهية فيجب أن تستجيب لأحوال واحتياجات المسلمين وأن لا يقتصر دور الفقهاء على القيام بعمل سماسرة للعذاب وخفراء للنار وحراس للجنة، فما أسهل تحريم كل شيء والأجدى أن نهتم بفقه وآداب المعاملات اللازمة لتربية  وسمو النفوس.

وعندما ننجح في الإعداد للخطة نبدأ المرحلة الثانية وهي المرحلة التكتيكية لوضع الطريق القويم لمقاومة الإسلاموفوبيا ووضع أسس جديدة لعلاقات المسلمين الدولية وذلك بالابتعاد عن الخطاب العاطفي الديماجوجي والمهيج أوالانتقاء من التاريخ ما يؤجج خطاب العنف والكراهية، وذلك بنشر تاريخ المسلمين الصحيح، فاستخدام القوة والسيف كان هو السياسة الوحيدة المتبعة في كل أنحاء العالم حينما كانت الفتوحات الإسلامية في أوجها وكان الغزو والسبي والعبيد هى البضاعة المتبادلة بين الممالك فعندما غزا المعتصم عمورية برومية بيع العبيد والجواري بالجملة وليس بالقطاعي. وعندما كانت الحروب كرا وفرا بين الحمدانيين والروم أسروا كثيرا من المسلمين وعلى رأسهم الأمير أبو فراس الحمداني وقتلوا من قتلوا وباعوا أغلبهم في سوق النخاسة وهكذا كانت لغة العصر.

فلا يجب أن يخرج علينا جاهل ليعلن الجهاد لغزو الغرب كحق الفتح فالمنافسة بين الشعوب لم يعد يحكمها السيف بل العلم والتقدم والعمران، بل تم اختزالها في مباريات كرة القدم أحيانا. بل يجب علينا  أن نعلي المبدأ القرآني كما في الآية القرآنية  الثامنة من سورة الممتحنة عندما لم ينهانا الله عن الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا أن نبر إليهم وأن نقسط، والملاحظة هي أن نقسط إليهم وهي مرتبة تفوق العدل وهو ما عرف في ميثاق الأمم المتحدة بمبدأ عدم الاعتداء. أي إن ديننا الحنيف نظم لنا علاقاتنا مع دول الجوار فلا عدوان ولا كراهية ولكن تعاون على البر والتقوى فى حل مشكلات العالم من فقر وجهل ومرض ولا مجال هنا لأمراء الدم وفكرهم من غزو وفتوحات تسكن في مخيلتهم المريضة مع ملاحظة أن لا إمكانياتهم ولا الزمن ولا العلاقات الدولية تسمح لهم بذلك الآن. فالعالم كله يتكلم لغة المصالح والتعاون ورفع مستوى المعيشة. فمن واجب المسلمين إهمال ما عفا عنه الزمن والالتفاف إلى مبدأ المعايشة ونبذ العنف واستنكار الإرهاب بكل صوره، وحرية الفكر التي لا تؤذي الآخرين ماديا ولا معنويا وعدم الارتداد للخلف لتبرير حماقة المتطرفين والباحثين عن الإمارة السرابية أو الشهرة المعتوهة  لتي تأتي بغريب الأحكام أو أضعف روايات التاريخ لتبرير أو تغذية أوهام مرضية أو جنون عظمة يلبس لباس الدين.

ولو نجحنا في هذا فلا مجال هنا لدفاع المتلبس الذي نرفع به أصواتنا دون طائل أو أي عائد غير الحسرة والندامة وازدراء العالم لنا ثم تأتي المرحلة الأخيرة أو الخطة الاستراتيجية للتقدم والازدهار ولتكن البداية في الإجابة عن ما هو نظام الحكم وما هي الديمقراطية التي نرجوها وكيف نوفق بين الجانب المادي والجانب الديني والمعنوي للمسلمين وموقف الدين من العلوم خاصة الحديثة منها مثل الهندسة الوراثية ونظم المعلومات وموقف الدين من العلاقات الاجتماعية التي تطورت في الأحقاب الأخيرة وكيفية التغلب على العراقيل التي تهدد التطور وبناء القوة الذاتية الحقيقية التي تبني حضارة إنسانية تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، وتساهم في إسعاد البشرية، وبدلا من استهلاك المخترعات الغربية من سيارات وأدوية نخترع نحن ما يسعد البشرية ونهديه لإخواننا فى الإنسانية. أما الإجابة عن ماهية نظام الحكم فقد أجاب الشيخ علي عبد الرازق عام  1925 في كتاب «الإسلام وأصول الحكم» بأن الخلافة ليست وظيفة دينية، وكذلك أي نظام للحكم هو عمل بشري طالما يحقق العدل بين الناس ونشر مبادئ الخير والجمال بين البشر فلا تهم الأسماء ملكية أو جمهورية، المهم تحقيق الرخاء للمسلمين.

أما الشريعة فهي مبادئ الفقه التي تؤدي إلى حسن المعاملة والأخلاق، أما الحدود الخمسة أو الستة في قول آخر فلها شروط قاسية لتطبيقها عندما ينتشر الرخاء فلا يبقى جوعان ولا محروم ولا فقير غير قادر على الزواج ومن يسرق بعد ذلك أو يزني فهو شقي تعيس وتجوز فيه العقوبة. ولنرجع إلى مؤلفات الإمام محمد أبو زهرة في كتاب «الجريمة والعقوبة في الإسلام» على أن يعم فقه الأولويات الذي رتب مراتب الحلال من ضرورة وحاجة وتحسينات وزينة وفضول ثم يأتي الحرام.

أما الجانب المعنوي للدين فليكن دليلنا هو الفيلسوف الشاعر الإسلامي محمد إقبال الذي مزج الفلسفة بالشعر ولأنه مثقف حقا فقد وضع إصبعه على جرح المسلمين في قصيدته شكوى 1909 وجواب 1913 اللتين نشرهما في ديوان صلصلة الجرس وجمعهما وترجمهما الشيخ الصاوي شعلان تحت عنوان حديث الروح. ففي هذه القصيدة مزج الفلسفة التي درسها في كمبريدج وميونيخ والصوفية دون شطحات التي تربى عليها في سيالكوت بالبنجاب وتعلمها في لاهور قبل أن يمزجها بالفلسفة في كمبريدج وميونيخ والقانون بجامعة لندن ليخرج أفضل ما في الدين الإسلامي شعاعا وتنويرا مثلما فعل الشيخ محمد عبده في مصر، وهكذا يكون الطريق نحو حضارة إسلامية تستحق اسمها ويعلم العالم كله بلا مواربة أننا كمسلمين  نتجه دائماً نحو طريق النور وقطعاً لا نزرع الشوك.

font change
مقالات ذات صلة