رهانات البرهان للتعامل مع الأزمة في السودان

توافق سياسي أم عسكرة شاملة؟

استقبل الملك سلمان بن عبد العزيز قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في آذار/مارس الماضي.

رهانات البرهان للتعامل مع الأزمة في السودان

الخرطوم: يدفع الوضع المأزوم في السودان برئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى البحث عن خيارات للتعامل مع الأوضاع التي يعتقد المراقبون أنها قابلة للانفجار الشامل في أي لحظة، مع ازدياد حالة الاستقطاب السياسي واستمرار المظاهرات المطالبة بسقوط النظام، في حين تشهد الحالة الاقتصادية تدهورا غير مسبوق وموجة غلاء فاحش للسلع الأساسية وتذمرا شعبيا يتسع كل يوم.


وعبر عن المشهد بصور أكثر وضوحا رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة السودانية الفريق محمد عثمان الحسين بأن البلاد «تواجه مشهدا سياسيا معقدا»، وقال إن  المشهد يحتاج إلى التقارب وتوحيد الرؤى والتوافق بين كافة المكونات المجتمعية لتعبر البلاد إلى بر الأمان، كما جاء في تغطية الصفحة الرسمية للقوات المسلحة لزيارة قام بها رئيس هيئة الأركان إلى ولاية القضارف لافتتاح مخطط سكني خاص بأفراد الجيش.


وذكر الحسين أن الجيش لا يرغب في السلطة ومستعد للرجوع إلى ثكناته في حالة حدوث توافق وطني بين المكونات السياسية.
وللتعامل مع «المشهد المعقد» قام رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان بسلسلة زيارات خارجية شملت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، كما شملت دولا مجاورة للسودان مثل أوغندا، وهنالك زيارة مرتقبة إلى دولة تشاد، كما أرسل مبعوثا إلى دولة الكونغو التي كانت ترأس الاتحاد الأفريقي في الفترة السابقة، وهو الجهة التي تقود وساطة بالاشتراك مع البعثة السياسية للأمم المتحدة لاستئناف حوار لاستئناف سير العملية الانتقالية بمشاركة الأطراف التي تم الإطاحة بها بقرارات من قائد الجيش في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.


كما تشمل الخطة الأممية الأفريقية، تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة لقيادة ما تبقى من الفترة الانتقالية وإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية لتواكب متغيرات مشهد البلاد السياسي، والتأكيد على قيام انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية.


وقدم قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان قبل أيام، رؤية الحكومة لحل الأزمة الراهنة وفق أربعة محاور، تشمل إطلاق عملية حوار شامل يضم جميع القوى السياسية والاجتماعية بالبلاد دون استثناء، عدا حزب المؤتمر الوطني (حزب الرئيس المعزول عمر البشير).

تسوية مشروطة
يُعتقد أن الجولات الخارجية لرئيس مجلس السيادة السوداني، تمهد لخطوة جديدة تشمل عدة سيناريوهات من بينها احتمالية التوصل إلى تسوية سياسية مع قيادات القوى الحزبية وفقا للمبادرة التي أطلقتها البعثة الأممية بالاشتراك مع الاتحاد الأفريقي، وأهم محاورها تشكيل حكومة مستقلة بقيادة مدنية وليست عسكرية مع ضمانات للجيش والإبقاء على ممثلين في مجلس السيادة باختصاصات إشراقية فقط، وقيام مجلس تشريعي يضم ممثلين للقوى السياسية التي أنشأت حكومة الفترة الانتقالية بعد عزل نظام البشير.


بيد أن هذا السيناريو بهذا الشكل مُستبعد لدى كثير من السياسيين والمحللين، إذ يعتقد أن رئيس مجلس السيادة يدرس خيارات أخرى مثل التوصل إلى تسوية مع كافة القوى السياسية مشروطة بعدم العودة إلى ما قبل الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، وأن تشمل التسوية أحزابا شاركت في نظام الرئيس المعزول عمر البشير لكن التركيز أكثر مع الحزبين الكبيرين (الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني وحزب الأمة القومي الذي يرأسه حاليا اللواء المتقاعد برمة ناصر)، وأن يفتح المجال لمشاركة قوى الإسلام السياسي غير تلك التي كانت الرافد الأساسي لحزب المؤتمر الوطني المعزول.


بينما ما تزال قوى الحرية والتغيير التي شكلت الحكم الانتقالي بعد عزل نظام البشير، في موقفها الرافض لشراكة مرة أخرى مع العسكر، وأكدت على ذلك في مؤتمر صحافي قبل أيام تابعه مراسل «المجلة» في الخرطوم.


وصرح القيادي بالحرية والتغيير، جعفر حسن في المؤتمر بأن «قوى الحرية لن تعود للشراكة مع المكون العسكري بأي حال من الأحوال».

خلال الأشهر الماضية شارك آلاف السودانيين، في مظاهرات للمطالبة بـ«الحكم المدني»، ورفضاً لإجراءات الجيش


ومن جانبه، حذر القيادي بالحرية والتغيير، صديق المهدي، من أن «السودان ينحدر بشدة نحو الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والانفلات الأمني إذا استمر انقلاب 25 أكتوبر». وأضاف قائلا: «حتى يتوقف هذا الانهيار نحتاج لإقامة حكم مدني بشكل سريع».
وعلمت «المجلة» أن قيادات سياسية معارضة للبرهان تشترط لاستئناف الحوار المباشر، تقديم تنازلات تبدأ بتهيئة الأجواء السياسية وإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وغيرها من الإجراءات التي تساعد على الحوار.


غير أن بعض المحللين يعتقدون أن البرهان قد يتخذ خطوة مفاجئة ويستكمل إجراءات الاستحواذ الكامل على السلطة بما يشبه «الانقلاب العسكري الكامل»، ويعلن بموازاة هذه الخطوة عن انتخابات مبكرة في حال فشلت كافة السيناريوهات السابقة، ووصلت مبادرات تقريب وجهات النظر إلى طريق مسدود.


وقالت مصادر لـ«المجلة» إن الفريق البرهان كذلك يدرس خيارات عدة، وزعمت أن الاتصالات التي يجريها مع قادة القوى السياسية تطرح مثل هذا الخيار، ولكن البرهان يشترط في ذلك تأييد القوى السياسية التقليدية ذات القاعدة الشعبية الكبيرة للخطوة، بما فيها القوى التي ساندت الرئيس المعزول عمر البشير، في مقابل تعهد الجيش بتسليم السلطة لحكومة تنتج عن انتخابات مبكرة في غضون عام.

من سيحكم السودان؟
وكانت ندوة نظمت في العاصمة الخرطوم بأكاديمية نميري العسكرية وتحدث فيها عدد من كبار ضباط الجيش، أوصت بضرورة قيام مجلس السيادة بتشكيل لجنة فنية، وأخرى سياسية لصياغة الدستور الجديد وتحديد كيف يحكم السودان، بجانب الإقرار بأهمية الدور السياسي للقوات المسلحة وتفصيل ما هو مُجمل في الدستور القادم لواجبات القوات المُسلّحة.


وحسب العقيد المتقاعد الصوارمي خالد، فإن السيناريو الأكثر ترجيحا هو استمرار الجيش في السلطة لأن خيار اتفاق القوى المدنية غير وارد، مستبعدا أيضا أي تأثيرات لهذه الخطوة من قبل القوى الدولية التي ترغب في نظام سياسي متماسك وقادر على حفظ الأمن.
وقال الصوارمي لـ«المجلة» إن الوساطات التي طرحت كانت مجرد «مبادرات عاطفية» وليست برنامجا واضحا لحل الأزمة، وأن الجهات التي قامت بالوساطة ليس لديها ما تقدمه للسودان في وضعه المأزوم سياسيا واقتصاديا وبالتالي تفتقد للجدية والتأثير على الأمر الواقع.


بيد أن  المختص في الشؤون الاستراتيجية اللواء مهندس أمين إسماعيل مجذوب، يستبعد سيناريو «الانقلاب العسكري الكامل»، ويقول لـ«المجلة»: «لا أعتقد أن هنالك احتمالا لاستيلاء الجيش على السلطة سواء عبر مكون مدني أو من داخل الجيش»، ويضيف: «لأن مثل هذه الخطوة ستواجه برفض مثلما ووجهت الأحداث الأخيرة من المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي»، مؤكدا أن القوات المسلحة تريد أن تنأى بنفسها عن العمل السياسي وأنها قد انحازت فقط لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018م وقدمت مرشحين لمجلس السيادة.
وبالنسبة للدكتور فرح عقار الذي يقود تجمعا سياسيا، فإن مشروعية هيمنة القوات المسلحة الحالية على السلطة يفرضها الواقع، وأن تغيير هذا الواقع يتطلب وفاقا وطنيا على الحد الأدنى لتسيير الفترة الانتقالية والتوصل إلى دستور تعقبه انتخابات عامة.
ويضيف عقار في حديث مع «المجلة» أن الخيارات التي يتخذها قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة مرتبطة بمواجهة المهددات الأمنية التي تشهدها البلاد، وأن زياراته الخارجية تقرأ في هذا السياق.

 

 

 

 

font change