بعد فوزه بولاية ثانية… رؤية ماكرون للسنوات الخمس القادمة

حلفاء فرنسا تنفسوا الصعداء بعد خسارة لوبان

إيمانويل ماكرون في «شان دو مارس» (أ.ف.ب)

بعد فوزه بولاية ثانية… رؤية ماكرون للسنوات الخمس القادمة

باريس: اتجه الشعب الفرنسي الأحد 24 أبريل (نيسان) إلى مراكز الاقتراع ليختار رئيسه للسنوات الخمس القادمة. ولا يمكن التعبير عن الاندهاش لقاء فوز إيمانويل ماكرون نظرًا إلى أنه لطالما وسّع الفارق بينه وبين لوبان بحسب استطلاعات الرأي وخاصة بعد المناظرة التي حدثت في 20 أبريل.


إنّ ماكرون أول رئيس يعاد انتخابه لمرّة جديدة منذ 20 سنة. وحصل الرئيس المنتهية ولايته على 58.5 في المائة من الأصوات أما مارين لوبان فحصلت على 41.5 في المائة في حين أن عام 2017، انتخب ماكرون رئيسًا بنسبة 66.1 في المائة من الأصوات مقابل 33.9 في المائة لمارين لوبان، ووصلت نسبة الامتناع عن التصويت إلى 28.2 في المائة بينما في العام 2017 كانت 25.44 في المائة.

انطلقت حملة الانتخابات التشريعية بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية رحّب الكثير من قادة العالم بانتخاب ماكرون لخمس سنوات جديدة وببقائه في الإليزيه، أما في فرنسا فتتحضّر الأحزاب السياسية لخوض معركة الانتخابات التشريعية في يونيو (حزيران).


اندلعت مساء 24 أبريل معركة جديدة وهي الانتخابات التشريعية التي ستحصل في 12 و19 يونيو. وذكرت مارين لوبان أن اللعبة الانتخابية لم تنته بعد، مشيرة بذلك إلى الانتخابات التشريعية التي ستحصل بعد بضعة أسابيع ودعا جان لوك ميلانشون إلى انتخاب غالبية النواب من الاتحاد الشعبي الجديد الذي عليه التوسّع.


ويتصدر «فرنسا المتمرّدة» و«التجمع الوطني» لائحة الأحزاب السياسية التي تتحضّر لخوض هذه المعركة.

ماكرون ينتخب لولاية جديدة مع نسبة 48.54 في المائة من الأصوات


خمسون يومًا تقريبًا تفصلنا عن هذه المعركة الجديدة أو الدورة الثالثة كما يسمّيها البعض. يبدو هذا التأخير غير المسبوق بين الانتخابات الرئاسية والجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، التي ستجرى في 12 يونيو، وكأنه سباق لمسافات طويلة، لكن الخصمين الرئيسيين، مارين لوبان وجان لوك ميلانشون، بدآه في سباق سريع. وينضم إيمانويل ماكرون إليهما إذ إنه لم يتأخر بعد فوزه بالانتخابات في التوجه إلى الأماكن التي كثرت فيها نسبة الذين امتنعوا عن التصويت لأن فوزه بالانتخابات الرئاسية لا يضمن استحوازه على غالبية مجلس النواب. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة (هاريس التفاعلي) عن إمكانية حصد حزب الجمهورية إلى الأمام وحلفائه على أغلبية مجلس النواب.


وفي ما يتعلّق بالأحزاب التاريخية مثل الحزب الاشتراكي و«الجمهوريون»، فإن الطموح هو البقاء على قيد الحياة ومقاومة قوى جذب حزب إيمانول ماكرون واتحادٍ جديد لأحزاب اليمين، أو العثور على مكان داخل كتلة اليسار بقيادة جان لوك ميلانشون.

هل أثّرت المناظرة الانتخابية على اختيار المقترعين؟
إنّ المناظرة التلفزيونية نتاج ترويج إعلامي يظهر المرشحين وجهًا لوجه ويتبادلان خلاله حججًا متناقضة تحت إشراف صحافيين وسطيين. وغنيٌّ عن القول إن المناظرة الرئاسية قد تؤثر على بعض الناخبين الذين لم يختاروا ممثلهم وإن شكّلوا نسبة ضعيفة. إذ بينت استطلاعات الرأي التي أجرتها «إبسوس سوبرا ستيريا» أن 43 في المائة من 1600 شخص استجوبوا في اليوم التالي بعد المناظرة وجدوا أنفسهم مقتنعين أكثر بالحجج التي قدّمها ماكرون بخلاف لوبان التي حصلت على نسبة 24 في المائة.

المرشحون الذين دعوا للتصويت لصالح إيمانويل ماكرون
لم يتأخر المرشحون بالتصريح عن خيارهم بعد إعلان نتائج الجولة الأولى (10 أبريل). ولنبدأ بجان لوك ميلانشون الذي احتل المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية، ما يعني أن ناخبيه قد يلعبون دورًا مهمًّا في الصراع الانتخابي. دعا مرشّح «فرنسا المتمرّدة» إلى عدم منح صوت واحد لمارين لوبان. وتلاقى في هذا الرأي مع فاليري بيكريس التي حصلت على المرتبة السادسة، والتي قالت: «على الرغم من الاختلافات العميقة التي واجهتها خلال الحملة الانتخابية، سأصوت بضمير لإيمانويل ماكرون لأعيق وصول مارين لوبان إلى السلطة». وطلبت أيضًا آن هيدالغو، رئيسة بلدية باريس، التصويت لإيمانويل ماكرون ضد لوبان قائلةً: «لكي لا تقع فرنسا في كراهية الجميع ضد الجميع، أدعوكم بجدية للتصويت في 24 أبريل ضد اليمين المتطرف لمارين لوبان من خلال الاقتراع لإيمانويل ماكرون. إنّ هذا الخيار الجمهوري هو اختيار مسؤولية. لا يمحو بأي حال من الأحوال قناعاتي كامرأة يسارية»، وبالنسبة ليانيك جادو، مرشّح حزب أوروبا البيئة الخضراء، دعا إلى قطع الطريق أمام اليمين المتطرف عبر انتخاب ماكرون.

قطع الطريق أمام اليمين المتطرف
على الرغم من الأصوات التي أعلنت أن انتخاب الوسطي لن يغيّر شيئًا، ارتفعت في المقابل دعوات السياسيين والمفكرين والأطباء والرياضيين وغيرهم لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف وإعاقة وصول لوبان إلى الإليزيه. وانتُقض اليمين المتطرف خوفًا من أن الشعب لن يستطيع التعبير عن رأيه بحرية في ظل نظام كهذا.


وأرادت مرشحة التجمع الوطني تعديل الدستور من دون الحصول على موافقة البرلمان. وكانت ترغب بتشريع التمييز بين الفرنسيين والأجانب فيما يتعلّق بالحصول على علاج في المستشفى أو مساعدات اجتماعية أو التوظيف الحكومي... وأرادت تقديم مشروع قانون بشأن الهجرة والهوية للاستفتاء.

العالم يرحّب بإعادة انتخاب إيمانويل ماكرون


وتجلّى التطرف بوضوح في القيود التي كانت ستفرض على ممارسة الإسلام في حال انتخبت لوبان. إذ أعلنت في خلال المناظرة أنها تريد منع الحجاب في الأماكن العامة.

صلاحيات رئيس الجمهورية
توسّعت سلطة الرئيس كثيرًا بعد إصلاحات شارل ديغول. وعلى سبيل المثال، يمكنه تعيين رئيس وزرائه مباشرة لكي يشكّل الحكومة، ويحق له أيضًا حلّ مجلس النواب (انتشر خبر حل ماكرون لمجلس النواب بعد انتخابات الجولة الثانية حتى قبل بدء الجولة الأولى). هو أيضًا قائد القوات المسلّحة ويحق له نشر القوات الفرنسية في الأراضي الأجنبية. وأخيرًا، يقرّر وحده استخدام القوة النووية من خلال الرموز التي سلّمها له سلفه خلال التنصيب.
ويتمتّع الرئيس أيضًا بصلاحيات استثنائية مذكورة في المادة 16 من الدستور التي تسمح له باتخاذ التدابير الضرورية في حال خطر قومي. ويحق له إعلان حالة طوارئ أو تمديد صلاحيات إنفاذ القانون.

رؤية الخمس سنوات القادمة
تتمتّع الخمس سنوات القادمة بأهمية استثنائية، حيث سيتواجه الرئيس الذي أعيد انتخابه مع تحدٍّ حقيقي ويتعيّن عليه منح أهمية كبيرة للأصوات التي امتنعت عن التصويت والعمل من أجل مستقبل أفضل. ينتظر الشعب خطوات ترتكز بشكل خاص على البيئة التي تشكل معركة القرن لأن ماكرون لم يف بكل وعوده وتعهداته خلال ولايته الأولى. أما التحدي الثاني فهو الحرب في أوكرانيا التي تؤثر على الوضع الاقتصادي في فرنسا وتفاقم أزمة القوة الشرائية. بالإضافة إلى ذلك، فإن مسألة الأمن تبرز أيضًا من بين مختلف القضايا.


أما بالنسبة إلى ماكرون عينه فأعلن مساء الانتخابات خلال خطابه من «شان دو مارس»: «لقد اخترتم اليوم مشروعًا إنسانيًا يطمح من أجل استقلال بلادنا ومن أجل أوروبا. مشروعا أوروبيا واجتماعيا وبيئيا قائما على العمل والإبداع، مشروعا لتحرير قوتنا الأكاديمية. أريد أن أحمل هذا المشروع بقوة للسنوات القادمة عبر جمع الانقسامات التي تم التعبير عنها والاختلافات وضمان احترام الجميع كل يوم ومواصلة العمل من أجل مجتمع أكثر عدلا ومساواة بين الرجال والنساء... لن يترك أحد على جانب الطريق. سيتعيّن علينا العمل معًا من أجل هذه الوحدة التي يمكننا من خلالها أن نعيش سعداء أكثر في فرنسا. من المؤكد أن السنوات القادمة لن تكون هادئة بالتأكيد، لكنها ستكون تاريخية، وسنكون قادرين على كتابتها لجيلنا».

يتنفّس حلفاء فرنسا الصعداء
لا بد أن أهم حلفاء فرنسا تنفّسوا الصعداء بعد فوز ماكرون لا سيما في بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي. من الواضح أن التحالف الغربي لا يشجّع أن تقود مارين لوبان بلدًا بأهمية فرنسا. إذ يؤدّي هذا البلد دورًا مهمًّا، فعلى الرغم من أنه عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومجموعة الدول السبع، يدعم سياسة خارجية مستقلة، ما يعني أنه يستطيع العمل كوسيط بين النظام الغربي الذي تقوده الولايات المتّحدة وبين دول مثل إيران والصين وروسيا. وفيما يتعلّق بالاتحاد الأوروبي، لم يتردّد رئيس الدولة الذي انتخب من جديد في التمني بأن تصبح أوروبا أقوى وأكثر اتحادًا في ما يتعلّق بالأمن والسياسة الخارجية. وتثير رؤيته حول الوحدة الأوروبية في بعض الأحيان غضب العديد من نظرائه الذين يجدون أنه يحاول نقل رؤية فرنسية لكل أوروبا.


على الرغم من أن فوز ماكرون يقدم راحة كبيرة للتحالف الغربي، إلا أن عليه أن يشكّل تحذيرًا؛ فإذا استمر اليمين المتطرف في التقدم قد تتغير النتيجة بعد خمس سنوات.

font change