الأسباب التي دفعت ألمانيا لحظر «حزب الله» بالكامل على أراضيها

برلين «نقطة انطلاق» لتنفيذ أنشطة الحزب «الإرهابية»

من مظاهرة لأعضاء وأنصار حزب الله اللبناني في برلين عام 2015 (أرشيف)

الأسباب التي دفعت ألمانيا لحظر «حزب الله» بالكامل على أراضيها

بون: تورط حزب الله في إدارة وتنفيذ مجموعة عمليات إجرامية وأخرى إرهابية وأنشطة غير مشروعة دوليا، وتحتفظ الجماعة بالقدرة على استهداف المصالح الغربية بشكل مباشر وغير مباشر حول العالم، وتعتبر ألمانيا «نقطة انطلاق» لتنفيذ مثل هذا النوع من العمليات.
أعلنت وزارة الداخلية الألمانية يوم 30 أبريل (نيسان) 2022، بحظر أنشطة حزب الله الإرهابي في ألمانيا بموجب الفقرة 1 من المادة 3 بالارتباط مع الفقرة 1 من المادة 15 والجملة 2 من المادة 18 من قانون الجمعيات، كون أنشطة حزب الله تخالف قوانين العقوبات وتتعارض مع مفاهيم التعايش بين الشعوب.
وضمن مساعي الاستخبارات الألمانية للحد من مخاطر عمليات حزب الله داهمت الشرطة الألمانية يوم 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 مواقع في سبع ولايات ألمانية ضد جماعة حزب الله اللبنانية. جاءت عمليات البحث بعد أن أعلنت وزارة الداخلية حظر ثلاث مجموعات مرتبطة بالجماعة. وقالت السلطات إنه يشتبه في قيام الجماعات بجمع أموال لعائلات مقاتلي حزب الله القتلى بينما تتنكر كمنظمات «إنسانية».

المخاوف الألمانية من حزب الله
ما يثير المخاوف الأمنية أن حزب الله موجود في عدد من دول أوروبا وهو يستخدم القارة الأوروبية كقاعدة للعمليات والتجنيد، حيث وردت تقارير الاستخبارات الداخلية الألمانية، بأن أكثر من 1050 عضوا نشط في ألمانيا وحدها. وتعتبر قواعد حزب الله في أوروبا أيضًا جزءا مركزيا من شبكة التمويل العالمية غير المشروعة. وهذا يشمل نقل وتوزيع المخدرات غير المشروعة، وتجارة الأسلحة، وعملية غسيل الأموال لمنظمات إجرامية أخرى. لقد أظهرت الإدانات في قبرص عام 2015، أن حزب الله يستخدم الأراضي الأوروبية لتخزين بعض إمداداته اللوجستية لتنفيذ عمليات إرهابية وعمليات خارجة عن القانون.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية ناثان سيلز، يوم 18 سبتمبر (أيلول) 2020 إن حزب الله المتطرف قام بتخزين مواد كيميائية يمكن استخدامها لصنع متفجرات في عدة دول أوروبية، وناشد دولاً في أوروبا وأماكن أخرى فرض حظر على المنظمة. وقال ناثان سيلز، منسق وزارة الخارجية لمكافحة الإرهاب، إن عملاء حزب الله نقلوا نترات الأمونيوم من بلجيكا إلى فرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا في السنوات الأخيرة، ويشتبه في أنهم ما زالوا يخزنون المواد في جميع أنحاء أوروبا.

مداهمات الأمن الألماني لمواقع تابعة لحزب الله (إب.أ)


ويقول مساعد وكالة مكافحة المخدرات الأميركية (DEA) إن حزب الله استخدم أرباح عملياته في تهريب المخدرات لشراء السلع الكمالية، والتي يتم تهريبها إلى لبنان في الجمارك وإعادة بيعها وكانت واحدة من أبرز العمليات التي نفذتها أجهزة الاستخبارات ضد حزب الله هي «عملية الأرز بالتعاون مع الولايات المتحدة».
وفي حوار مع الصحافي والإعلامي عارف جابو في مدينة بون الألمانية، يقول: «كشفت أجهزة الاستخبارات الألمانية مرارا وتكرارا أن حزب الله متورط في ألمانيا بعمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات، ولديه شبكات عمل واسعة تعمل على تحويل الأموال تحت شركات كواجهات عمل».
وأضاف جابو: «في الغالب يقوم بتحويل الأموال إلى لبنان وإلى فروعه من خلال رجال أعمال مقربين، وتدوير تلك الأموال في بنوك، وحسابات تابعة إلى أعضاء وأنصار الحزب. وتعتبر ألمانيا أكبر ساحة في أوروبا للجماعة بسبب وجود جاليات منها الجالية اللبنانية».
وقال: «المخابرات الألمانية الداخلية والخارجية بالطبع تراقب تلك الأنشطة، وخاصة في أعقاب حظر الجناح السياسي للحزب لأكثر من عام، إلى جانب حظر الجناح العسكري. ويأتي قرار ألماني بحظر الحزب كون أنشطته لا تتوافق مع الدستور والقوانين الألمانية».
واستدرك جابو قائلا: «إن الاتحاد الأوروبي- المفوضية الأوروبية سبق أن صنفته منظمة إرهابية منذ عام 2013. التعاون الأمني والاستخباري لمتابعة أنشطة حزب الله لا يقتصر داخل الوكالات الوطنية بل أيضا مع (اليوروبول) ودول غربية صديقة إلى ألمانيا أبرزها الولايات المتحدة وإسرائيل لمكافحة أنشطة حزب الله الإجرامية والإرهابية».

أنشطة حزب الله تنتهك القانون الجنائي، والمنظمة تعارض فكرة التفاهم الدولي (رويترز)

شبكات دولية لنقل وغسل الأموال
ويتلقى حزب الله أيضًا دعمًا ماليًا من بعض الشتات. وإلى جانب البنوك وشركات الصرافة غير المنظمة تم استخدام الشبكات في أميركا الجنوبية لنقل الأموال من مؤيدي وأنصار حزب الله لدعم عملياته في لبنان وسوريا وأماكن أخرى. ويستفيد ممولو حزب الله والمتعاطفون معه من مناطق التجارة الحرة والبلدان ذات التنظيمات الضعيفة وبيئات لتأسيس شركات استيراد وتصدير وتنفيذ مخططات غسل أموال معقدة قائمة على تجارة الأموال إلى الصين والولايات المتحدة وأماكن أخرى. أنشأ حزب الله شركات في مناطق التجارة الحرة، بما في ذلك منطقة الحدود الثلاثية للأرجنتين والبرازيل وباراغواي؛ منطقة إيكيكي في تشيلي؛ ومنطقة التجارة الحرة في بنما.
كانت الجماعة مسؤولة عن عدد من الأعمال الإرهابية الكبرى في الاتحاد الأوروبي منذ الثمانينات، وفي عام 2012، نفذ حزب الله في بورغاس ببلغاريا عملية إرهابية وكانت قد أودت بأرواح ستة مدنيين، وهذا الحدث المأساوي هو ما أجبر أوروبا على الاعتراف بالجناح العسكري لحزب الله كمنظمة إرهابية.

أنصار حزب الله في تجمع بلبنان (رويترز)

حزب الله على القائمة السوداء كمنظمة إرهابية
أدرجت بعض الدول حزب الله على القائمة السوداء كمنظمة إرهابية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة منذ عام 2019. لكن الاتحاد الأوروبي حدد الجناح العسكري لحزب الله فقط، وليس الجناح السياسي. يأتي ذلك على الرغم من أن عددًا متزايدًا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك النمسا وجمهورية التشيك وإستونيا وألمانيا وهولندا وليتوانيا، قد اختاروا وضع الحزب بأكمله على قائمة الإرهاب.
وقال أعضاء في البرلمان الأوروبي والبرلمانات الأوروبية الوطنية ومجلسي النواب والشيوخ الأميركيين في بيان لهما إن على الاتحاد الأوروبي حظر الحزب السياسي الإسلامي وحزب الله المسلح بالكامل كمنظمتين إرهابيتين، وفق تقرير موقع «بولتيكو» باللغة الإنكليزية يوم 17 يوليو (تموز) 2020.
 البيان الذي أرسل إلى رؤساء مؤسسات الاتحاد الأوروبي- أورسولا فون دير لاين من المفوضية، وتشارلز ميشيل من المجلس، وديفيد ساسولي- وكذلك رئيس الشؤون الخارجية للكتلة جوزيف بوريل، ندد بحزب الله ووصفه بأنه «الجماعة الأكثر دموية»، قائلاً إن «آيديولوجيته العنيفة والمعادية للسامية تسمم نسيج مجتمعاتنا التعددية». وقال الإعلان الذي وقعه 236 نائباً من كلا جانبي الأطلسي، إن حظر الاتحاد الأوروبي لما يسمى الجناح العسكري لحزب الله لم يكن كافياً، وإن التمييز بين السلاحين السياسي والعسكري «خاطئ».

حزب الله يخسر ألمانيا
تعد ألمانيا على عكس الكثير من الدول الأوروبية، لا تفرض أية قيود ومعايير مانعة ومراقبة لأشكال التمويل والتواصل بين مختلف المؤسسات الدينية والجماعات والجهات السياسية، الأمر الذي يسمح بممارسة نشاطات سياسية ودعائية. لكن في السنوات الأخيرة بدأت هذه السياسة تتغير شيئا فشيئا، فصارت هناك حملات على مراكز مرتبطة بحزب الله، بعد أن صنفته منظمة إرهابية.
ورغم مساعي الاستخبارات الألمانية والتحقيقات فإن تركيبة جماعة حزب الله في ألمانيا ما زالت غير واضحة، فالحزب ليس لديه تنظيم هرمي أو حزبي ويعتمد على واجهات ينشط من خلالها. ويفترض أن يكون هناك تأثير لقرار ألمانيا بحظر حزب الله، بأن يشجع دولا أوروبية أخرى للحاق بألمانيا وكذلك بريطانيا، لوضع، الجناح السياسي أيضا على قائمة الإرهاب.
الوضع القانوني لحزب الله، يضع أنصاره وأعضاء الحزب تحت المراقبة والمساءلة القانونية، وهذا يعني أن ألمانيا ستشهد تراجعا كبيرا في عمليات وأنشطة الحزب. واليوم خسر تنظيم حزب الله ألمانيا كملاذ، ومساحة لوجستية لتنفيذ عملياته في أوروبا وخارجها. كما أن القرار الأخير بحظر أنشطة الحركة بأكملها على الأراضي الألمانية وتسمية حزب الله بكل أجنحته كمنظمة إرهابية، من شأنه أن يقلص من أنشطة حزب الله في ألمانيا وأوروبا ويمكن أن ينعكس أيضا على مصادر تمويله داخل لبنان.

font change